العـبرة في المحتوى
العـبرة في المحتوى
فهد عامر الأحمدي
هل صحيح أن الصحف الإلكترونية، والتطبيقات الذكية، ووسائل التواصل الاجتماعية، سحبت البساط من تحت أقدام الصحافة الورقية؟
سؤال كهذا لا يمكن الإجابة عنه بكلمة "نعـم" أو "لا"..
فـإن كان المقصود وسائل التواصل الشعبية (مثل تويتر والواتس والفيس بوك) فهي بلا شك مختلفة تماماً عن الصحف التقليدية التي تعتمد على حرفية الصحفيين، ودقـة الأخبار، وحبكة الصياغة، وعمق المقالات (وهذه جميعها لا تتوفر في رسائل الواتس أو تغريدات تويتر مثلاً)..
ولكن حين نتحدث عن وسائل الإعلام الجديد مثل الصحف الإلكترونية والتطبيقات الإخبارية، فهي بلا شك سحبت البساط من تحت أقدام الصحف التقليدية - بدليل أرقام المتابعـين..
غير أن تراجع الصحف الورقية سيتسبب من جهة أخرى في تآكل المحتوى وضعف المستوى وتقاعد المحترفين.. فالصحف الورقية تتعامل مع الأخبار بشكل احترافي، وتدفع الأموال للمحررين والكتاب من أجل تقديم محتوى راقٍ ورصين.. وفي المقابل هناك الصحف الإلكترونية والتطبيقات الذكية التي تعتمد -إلا من رحم ربك- على نسخ المحتوى دون جهد أو تكاليف أو حتى مسؤولية رسمية (كون أي مشكلة من هذا النوع سيتحملها المصدر)..
الرعاية المالية والمعنوية والرسمية التي تقدمها الصحف الورقية هي ما يساهم في إثراء الساحات الإلكترونية واستمرارية التدفق المعرفي في المجتمع ككل.. لهذا السبب، أعتقد أن المحتوى الإعلامي بأكمله سينهار (أو في أفضل الأحوال سينخفض مستواه) في حال اختفت الصحف الورقية واختفت معها رعاية الكتاب والمثقفين والصحفيين المحترفين.. فـالصحف الإلكترونية لا تملك القدرة على تحمل هذه التكاليف وستعتمد (كما هو حال معظمها اليوم) على الاقتباس والترجمة والنسخ والتعاون بثمن بخس مع محررين من خارج السعودية..
أما بخصوص العاملين في الصحف الورقية فمن المؤكد أنهم سيعانون مادياً في حال أغلقت هذه الصحف أبوابها.. لن ينجو منهم غير المتميزين (والمتميزون فقط) كونهم سيظلون متألقين في ساحات العمل الإلكتروني.. سيحظون بمتابعين يزيد عددهم على ما تطبعه صحفهم الورقية كون القـراء يتبعـون في النهاية المحتوى الجيد (سواء نشر في صحيفة ورقية أو إلكترونية أو حتى مقال في الواتس آب)..
أنا شخصياً أعتقد أن الصحف الورقية ستتراجع ولكنها لن تختفي نهائياً. ستظل موجودة ولكن بمستوى تواجد الراديو مع التلفزيون، والفاكس مع الإيميل، والقنوات الفضائية مع القنوات الرسمية.. بحلول عام 2022 ستختفي من السعودية معظم الصحف الورقية ولن يبقى سوى أقوى جريدتين فـقط.. قد يضطر بعضها للاندماج، وقد يتحول بعضها لخدمات الطباعة، ولكن المؤكد أن معظمها سيضطر إلى إلغاء موقعه الإلكتروني (حين يكتشف متأخراً أنه ليس سلاحها الذي تحقق منه دخلاً مجزياً)..
الشيء الوحيد الذي سيسمح ببقائها مستقبلاً هو توزيعها مجاناً.. حين يأتي كامل دخلها من الإعلانات وليس من مبيعات النسخ ذاتها.. فحين يتم توزيع الصحف مجاناً سترتفع معدلات التوزيع (لأن الناس لن يمانعوا أخذها بلا مقابل مهما تطورت أجهزتهم الإلكترونية) وحين ترتفع نسبة التوزيع، سترتفع نسبة الإعلانات فتحقق أرباحاً تضمن لها البقاء..
ولكن حتى في هذه الحالة لا أضمن ثبات المحتوى بنفس مستواه الحالي.. فـطغيان الصورة وكثرة الإعلانات في الصحف الورقية سيترافق مع انحسار الأخبار، والمواضيع الجادة، والمحتوى الرصين.. حين تصبح مجانية ستضطر لتغيير جلدها وتميل تدريجياً للصحافة الصفراء، في حين لن يمانع القراء أخـذها حتى لو تضمنت صفحات بيضاء..
الرياض
فهد عامر الأحمدي
هل صحيح أن الصحف الإلكترونية، والتطبيقات الذكية، ووسائل التواصل الاجتماعية، سحبت البساط من تحت أقدام الصحافة الورقية؟
سؤال كهذا لا يمكن الإجابة عنه بكلمة "نعـم" أو "لا"..
فـإن كان المقصود وسائل التواصل الشعبية (مثل تويتر والواتس والفيس بوك) فهي بلا شك مختلفة تماماً عن الصحف التقليدية التي تعتمد على حرفية الصحفيين، ودقـة الأخبار، وحبكة الصياغة، وعمق المقالات (وهذه جميعها لا تتوفر في رسائل الواتس أو تغريدات تويتر مثلاً)..
ولكن حين نتحدث عن وسائل الإعلام الجديد مثل الصحف الإلكترونية والتطبيقات الإخبارية، فهي بلا شك سحبت البساط من تحت أقدام الصحف التقليدية - بدليل أرقام المتابعـين..
غير أن تراجع الصحف الورقية سيتسبب من جهة أخرى في تآكل المحتوى وضعف المستوى وتقاعد المحترفين.. فالصحف الورقية تتعامل مع الأخبار بشكل احترافي، وتدفع الأموال للمحررين والكتاب من أجل تقديم محتوى راقٍ ورصين.. وفي المقابل هناك الصحف الإلكترونية والتطبيقات الذكية التي تعتمد -إلا من رحم ربك- على نسخ المحتوى دون جهد أو تكاليف أو حتى مسؤولية رسمية (كون أي مشكلة من هذا النوع سيتحملها المصدر)..
الرعاية المالية والمعنوية والرسمية التي تقدمها الصحف الورقية هي ما يساهم في إثراء الساحات الإلكترونية واستمرارية التدفق المعرفي في المجتمع ككل.. لهذا السبب، أعتقد أن المحتوى الإعلامي بأكمله سينهار (أو في أفضل الأحوال سينخفض مستواه) في حال اختفت الصحف الورقية واختفت معها رعاية الكتاب والمثقفين والصحفيين المحترفين.. فـالصحف الإلكترونية لا تملك القدرة على تحمل هذه التكاليف وستعتمد (كما هو حال معظمها اليوم) على الاقتباس والترجمة والنسخ والتعاون بثمن بخس مع محررين من خارج السعودية..
أما بخصوص العاملين في الصحف الورقية فمن المؤكد أنهم سيعانون مادياً في حال أغلقت هذه الصحف أبوابها.. لن ينجو منهم غير المتميزين (والمتميزون فقط) كونهم سيظلون متألقين في ساحات العمل الإلكتروني.. سيحظون بمتابعين يزيد عددهم على ما تطبعه صحفهم الورقية كون القـراء يتبعـون في النهاية المحتوى الجيد (سواء نشر في صحيفة ورقية أو إلكترونية أو حتى مقال في الواتس آب)..
أنا شخصياً أعتقد أن الصحف الورقية ستتراجع ولكنها لن تختفي نهائياً. ستظل موجودة ولكن بمستوى تواجد الراديو مع التلفزيون، والفاكس مع الإيميل، والقنوات الفضائية مع القنوات الرسمية.. بحلول عام 2022 ستختفي من السعودية معظم الصحف الورقية ولن يبقى سوى أقوى جريدتين فـقط.. قد يضطر بعضها للاندماج، وقد يتحول بعضها لخدمات الطباعة، ولكن المؤكد أن معظمها سيضطر إلى إلغاء موقعه الإلكتروني (حين يكتشف متأخراً أنه ليس سلاحها الذي تحقق منه دخلاً مجزياً)..
الشيء الوحيد الذي سيسمح ببقائها مستقبلاً هو توزيعها مجاناً.. حين يأتي كامل دخلها من الإعلانات وليس من مبيعات النسخ ذاتها.. فحين يتم توزيع الصحف مجاناً سترتفع معدلات التوزيع (لأن الناس لن يمانعوا أخذها بلا مقابل مهما تطورت أجهزتهم الإلكترونية) وحين ترتفع نسبة التوزيع، سترتفع نسبة الإعلانات فتحقق أرباحاً تضمن لها البقاء..
ولكن حتى في هذه الحالة لا أضمن ثبات المحتوى بنفس مستواه الحالي.. فـطغيان الصورة وكثرة الإعلانات في الصحف الورقية سيترافق مع انحسار الأخبار، والمواضيع الجادة، والمحتوى الرصين.. حين تصبح مجانية ستضطر لتغيير جلدها وتميل تدريجياً للصحافة الصفراء، في حين لن يمانع القراء أخـذها حتى لو تضمنت صفحات بيضاء..
الرياض