• ×
admin

البعير الكائن العصي

البعير الكائن العصي

رجاء عالم

اعتدنا في الكتب والنصوص المدرسية تلقيبها بسفن الصحارى، هذا الاسم الذي تحول لختم عتيق لايثير دهشة، لكن الدهشة تتجدد فيما لو قُيِض لك شهود سباق من سباقات الهجن الشهيرة، حين ترى تلك الكائنات العظيمة الجثة تحلق ماخرة الفضاء برشاقة مذهلة حيث حيث تصل سرعتها لـ 65 كم / ساعة، كما حدث في مهرجان الجنادرية الأخير 31 الذي افتتح في فبراير 2017 برعاية خادم الحرمين الشريفين و تم فيه تنظيم العديد من سباقات الهجن حضرها أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد، السباق الذي بلغت جوائزه الملايين.

و مؤخراً أثار الانتباه التفاتة الأوامر الملكية الصادرة يوم الخميس 20 يوليو 2017 لتأسيس ناد للإبل برئاسة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان ووزير الدفاع ورئيس مجالس الشؤون السياسية والأمنية والاقتصادية والتنمية.

تشعر بالإبل تتأجج أسطورتها التي تعززت في تاريخ الجزيرة العربية خاصة، الأسطورة التي أسهب في توصيفها الرحالة المشهورون مثل البريطاني ثيسجر Wilfred Thesiger الذي عبر أهوال صحراء الربع الخالي برفقة البدو، الرحلة التي أرخ فيها للعلاقة الأسطورية بين البدوي وبعيره، علاقة حياة وموت حيث كثيراً ماتعتمد حياة البدوي على بعيره الذي يصمد به أمام المخاطر بل ويفديه بحياته عند الضرورة، هناك مشاهد مذهلة في مذكرات ثيسجر يصف فيها أستاراً من الرمل واقفة عمودياً تسد الأفق واصلة للسماء وكيف تمخرها الناقة خالقة مواطئ لأقدامها لم تخطر على بال في تلك السدود العمودية صاعدة للمجهول ومتحدية للمجهول، هي بطولات لهذا الحيوان تفوق الخيال، بل ويمضي البعير في فداء صاحبه حيث وحين استفحال العطش والجوع يشق معدته وسنامه ليشرب المخزون فيه. للحظة الأخيرة لايتراجع البعير في التفاني حتى صار يُنظر إليه بصفته الكائن العصي على الفناء.

وإن هذه الأسطورة قد نجحت في مخر وتجاوز التمهيش الذي طالها بحلول وسائل الاتصالات الحديثة، فمنذ عام 1971 رجعت الأضواء تتسلط من جديد على الإبل، وذلك حين بدأ تنظيم مسابقات للهجن في دول ذات مراجع قبلية مثل الإمارات العربية والمملكة العربية السعودية والبحرين وعمان والأردن ومصر وباكستان ومنغوليا واستراليا. إذاً وابتداءً من 1971 تم الاعتراف بسباقات الهجن كرياضة حيث صارت مصدر جذب للمراهنات وللسياحة، تستثمر فيه مبالغ ضخمة رفعت أسعار المتفوق من الإبل لأسعار خرافية يصعب تصديقها تصل للملايين. للجمل الواحد، مثل ناقة الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم ولي عهد إمارة دبي التي تعتبر أغلى ناقة في العالم و يبلغ ثمنها 2.72 مليون دولار، كما تتصاعد بشكل خرافي الجوائز المقدمة للفائزين في تلك السباقات، فمثلاً مؤخراً بلغت الجائزة التي رصدتها العائلة الحاكمة لإمارة أبو ظبي للفائز مبلغ 9.5 ملايين دولار مع 100 سيارة هدية.

أسطورة تمتد في عصر التكنولوجيا التي تبتعد عن كل عتيق لكن لايمكنها تجاهل كائن عجيب كهذا، وتتصالح معه حين توفر فرساناً آليين بالغي الخفة يقودون سفن الصحراء تلك للفوز بلا اثقال، فرسان هم عبارة عن سياط آلية يتم التحكم بها عن بُعد مهمتها جلد الإبل حتى خط النهاية في مشهد هو مزيج من العتيق المغرق في القدم والخيال العلمي يليق بغرائبية عصرنا الحديث.

الرياض
بواسطة : admin
 0  0  7522