• ×
admin

جزر المالديف.. هل ستبقى من أهم مناطق الجذب السياحي في العالم؟

جزر المالديف.. هل ستبقى من أهم مناطق الجذب السياحي في العالم؟

أ.د. طلال علي زارع

تعد جزر المالديف Maldives واحدة من أكثر المناطق السياحية جذباً للسياح في العالم، نظراً لما تتمتع به من جمال طبيعي خلاب. ونظام الحكم في المالديف جمهوريّ، ولذا تُعرَف رسميّاً بمُسمّى جمهوريّة المالديف. وتتكون من مجموعة جزر صغيرة تقع في قارة آسيا في المحيط الهندي، ويمر عليها خط الإستواء جنوباً.
ويبلغ عدد سكان جزر المالديف وفقاً لإحصاءات عام 2015م إلى 393,253 نسمةً، وتُشكّل الكثافة السُكانيّة فيها عدد من الجماعات العرقيّة، من أهمّها الهنود الجنوبيّون والسنهاليّون والعرب. تعد اللغة الديفيهيّة اللّغة الرسميّة في المالديف، وهي من اللّغات المُشتقّة من السنهاليّة، أمّا نمط كتابة نصوصها فهو مُشتقّ من اللغة العربيّة، كما تستعمل اللغة الإنجليزيّة في الأعمال الحكوميّة.


image


ومدينة ماليه Malé هي عاصمة الدولة وأكبر مدينة والميناء الرئيسي فيها، وبرغم أنها تشغل مساحة صغيرة إلا أنها فريدة وجذابة وتشبه المدن الكبيرة لما تتصف به من نظافة ونظام وترتيب، وتكثر بها المساجد والأسواق والبنايات تفصل ما بينها عديد من الشوارع الصغيرة التي تشكل ما يشبه متاهة للزوار. وجزيرة ماليه يبلغ طولها حوالي كيلومتران وعرضها كيلومتر، وعدد سكانها تقريباً 65,000، لكن مع العمّال الأجانب والسياح، يصل تعدادها إلى حوالي مئة ألف شخص.


image


وجزيرة أدو المرجانية أو مدينة أدو Addu City هي ثاني مدن المالديف، ويعد مصيفها أفضل مكان ينطلق منه السياح لزيارة بقية جزر المالديف، ولعبت بريطانيا دوراً كبيراً في إجراء تغييرات في مدينة أدو، وذلك بعد أن اتخذتها قاعدة حربية لها أبان الحرب العالمية الثانية، وفي سنة 1956م انشأت فيها بريطانيا قاعدة جوية، وهذه العوامل اكسبت المدينة الشكل الحديث الذي تبدو به الآن.
معظم السياح يأتون إلى المالديف في رحلات منظمة، لزيارة منتجعاتها التي يصل عددها إلى حوالي مئة منتجع لقضاء أوقات ممتعة برفقة الأهل والأصدقاء وإجازات شهر العسل والغوص تحت الماء وصيد الأسماك وغير ذلك. وتتألف جزر المالديف من 1,192 جزيرة مرجانية مجمعة في سلسلة مزدوجة من 26 جزيرة مرجانية، على طول اتجاه الشمال والجنوب، وتنتشر على نحو 90 ألف كيلومتر مربع، مما يجعل هذه واحدة من أكثر البلدان تفرقا في العالم. وتتكون الجزر المرجانية من الشقوق المرجانية الحية والحواجز الرملية، ويبلغ طول أسفل حافة تحت مستوى سطح البحر حوالي 960 كم التي ترتفع فجأة من أعماق المحيط الهندي.
وتصل المساحة الجغرافيّة الإجماليّة للمالديف إلى 298 كم²، وتكون أراضي اليابسة حوالي 1% من إجماليّ المساحة الجغرافيّة، وهي عبارة عن سهل مُنبسط وخالٍ من المرتفعات والهضاب، ولا يزيد مُعدّل ارتفاعه عن 2م فوق سطح البحر.


image


وكان قديماً يطلق عليها العرب اسم ذيبة المَهَل أو محلديب ومن المرجح أنه قد تم تحريف الاسم وأصبح ينطق مالديف. وعرفت جزر المالديف بالكثير من الأسماء خلال تاريخها الطويل لأكثر من ألفي سنة. وقد اشتق اسم "مالديف" من تسمية بحارة اليمن للجزر بـ "محل دبيات " Mahal Dibiyat، والتي ذكره ابن بطوطة في رحلته الشهيرة، ولا يزال هذا الاسم موجوداً على شعار جمهورية جزر المالديف.. ولا يزال يقول أهلها مهل ذيبة.
وتشير الدراسات في المالديف إلى انحدار المستوطنين الأوائل من جنوب شبه القارة الهندية والسواحل الغربية لسريلانكا، وقدوم بعض المهاجرين الأوائل من جنوب شرق آسيا، كما تشير بعض الدلائل إلى قدوم العرب والآسيويين إلى المالديف خاصة في جزر المالديف المرجانية الجنوبية.
وجاءت البوذية إلى جزر المالديف وأصبحت الدين السائد لأهل جزر المالديف حتى القرن الـ12. وكانت الجزر في الماضي تتبع لسريلانكا. ووصل الإسلام إلى جزر المالديف في عام1153م، ممّا أدّى إلى إسلام حاكمها وجميع أفراد الشعب، ويذكر دخول الإسلام في مراسيم مكتوبة في لوحات النحاس إبتداء من نهاية القرن الـ12. وكتب الرحالة ابن بطوطة، الذي زار جزر المالديف وعَمِلَ قاضياً فيها في القرن الـ14 عن المغربي أبو بركات البربر، الذي كان يعتقد أنه كان مسؤولا عن نشر الإسلام في الجزر.
ولم تكن المالديف معروفةً كثيراً حتّى وصلها الاحتلال البرتغاليّ في القرن السادس عشر للميلاد. وفي الفترة الزمنيّة بين أعوام 1656م - 1796م أصبحت المالديف تتبع للحُكم الهولنديّ. وبعد الإحتلال البرتغالي والهولندي، حكمت بريطانيا جزر المالديف 78 سنة (1887-1965) بوصفها محمية بريطانية حصلت فيه على حُكم ذاتيّ خاصّ بها مُقابل أن تقوم بريطانيا بإدارة شؤونها الخارجيّة. وقد استقلت المالديف من بريطانيا في 26 يوليو 1965م.
والسياسة في جزر المالديف تحدث في إطار الجمهورية الرئاسية، والدين الرسمي لجزر المالديف هو الإسلام حيت تقدر نسبة المسلمين فيها بحوالي 99%، ويمنع الدستور غير المسلمين من التصويت. وينص الدستور على أن جميع المواطنين ينبغي أن يكونوا مسلمين، ولا يمكن لأي غير مسلم أن يصبح مواطنًا، والبلاد مؤسسة على مبادئ الإسلام، وللمواطنين الحرية في أن يشاركوا أو يمارسوا أي نشاط لم يتم تحريمه في الشريعة أو القانون. ويتمسك كثيرمن المالديفيين بتعاليم دينهم ويبدو ذلك في احتفالاتهم الدينية الرسمية. واللغة التي يتحدث بها معظم السكان والرسمية هي لغة الديفيهي التي تشمل كثير من المفردات العربية. والعملة المالديفية هي الروفيه المالديفي.
المحيط الهندي له تأثير كبير على البلاد كحاجز للحرارة، وتتراوح درجة حرارة جزر المالديف بين حوالي 24 - 33 ْم، مع ارتفاع الرطوبة نسبياً. وخلال القرن الماضي ارتفعت مستويات البحر حوالي 20 سم، وهناك ارتفاعات أخرى في المحيط الهندي يمكن أن تهدد وجود المالديف.
ويشير بعض الباحثين أنّ المالديف مُهدّدة بالاختفاء والغرق تحت الماء، وذلك بسبب التغيُّرات المناخية المُؤثّرة عليها. ويعد المناخ في جزر المالديف مداريّاً، ويتأثّر بالرّياح الموسميّة التي تهب عليها مَرّتين خلال السّنة؛ فتهبّ في المرّة الأولى من الجهة الجنوبيّة الغربيّة ويصاحبها تساقطاً للأمطار، وتمتدّ في الفترة الزمنيّة بين شهرأبريل وصولاً إلى شهر نوفمبر، أمّا الهبوب الثاني فيأتي من الجهة الشماليّة الشرقيّة وتُعتَبر رياحه جافّةً، وتبدأ في نهاية شهر نوفمبر وتبقى حتى أواخر شهر مارس، وخلال هذه الفترة الزمنيّة تكون حالة الطّقس مُتقلّبةً، حيث تتساقط الأمطار بغزارة بعد تجمُّع السّحب، ومن ثم تُشرق الشمس مُجدّداً. ويعتبر الطقس عموماً مُعتدلاً نسبياً في المالديف؛ إذ تصل درجة الحرارة الصُغرى إلى ما يُقارب 24 درجةً مئويّةً، أما العُظمى تصل إلى حوالي 33 درجةً مئويّةً، إلا أن الرطوبة مرتفعة، أمّا كميّة هطول الأمطار فتكون قليلةً من الجهة الشماليّة إلى الجهة الجنوبيّة؛ إذ تهطل الأمطار في جُزر المالديف الشماليّة بمعدل 2500 مم، أمّا مُعدّل الهطول في جُزر المالديف الجنوبيّة يصل إلى حوالي 3800 مم سنويّاً. وتتكوّن شواطئ جزر المالديف من الرّمال البيضاء، وتُغطّي أراضيها النّباتات والأعشاب والأشجار المختلفة ومنها جوز الهند والفواكه الاستوائيّة والخضروات.
اشتهرت قديماً جزر المالديف بتجارة الأصداف وحبال جوز الهند وأسماك التونة المجففة والعنبر. أستخدمت السفن التجارية لتحميل هذه المنتجات إلى سريلانكا ونقلها إلى موانئ أخرى في المحيط الهندي في القرن الثاني الميلادي. وكانت تعرف الجزر باسم (جزر المال) عند العرب الذين كانو يسيطرون على طرق التجارة في المحيط الهندي. وقدمت جزر المالديف كميات هائلة من الأصداف والتي كانت عملة دولية في الزمن القديم، وتستخدم الصدفة الآن كرمز للنقد (المال) في المالديف.
في الوقت الحاضر تعتبر السياحة أهم مصدر للإيرادات لجزر المالديف، وصيد السمك هو القطاع الرئيسي الثاني. ويزور المالديف أعداد كبيرة من السُيّاح خصوصاً خلال شهور فصل الشتاء.
كانت جزر المالديف مجهولة إلى حد كبير للسياح حتى أوائل السبعينيات الميلادية من القرن الماضي. وبتناثر جزر المالديف على امتداد خط الإستواء في المحيط الهندي، فهي تمتلك أرخبيلية جغرافية فريدة من حيث كونها جزراً صغيرة. ويتكون الأرخبيل من 1192جزيرة صغيرة والتي تشغل واحد في المائة من مساحتها فقط 185 جزيرة هي موطن السكان البالغ عددهم حوالي أربعمائة ألف نسمة، بينما الجزر الأخرى تستعمل كليا لأغراض اقتصادية مثل السياحة والزراعة والتي هي أكثر انتشاراً. وتمثل السياحة 28% من الناتج المحلي الإجمالي، وأكثر من 60% من الإيرادات للعملة الأجنبية. أكثر من 90% من إيرادات ضريبة الحكومة تأتي من رسوم الاستيراد والضرائب ذات الصلة بالسياحة. تنمية وتطوير السياحة عزز النمو الإجمالي للاقتصاد، وخلق فرص العمل ووفر الدخل للصناعات الأخرى ذات الصلة، وكان افتتاح المتجعات السياحية الأولى في عام 1972م مع منتجع جزيرة باندوس وقرية كورامبا.


image


وأدى ظهور السياحة في عام 1972م إلى تحول كبير في اقتصاد المالديف، والانتقال بسرعة من الاعتماد على قطاع الثروة السمكية إلى قطاع السياحة. والسياحة أيضا في البلاد أكبر مصدر للعملة الأجنبية وأكبر مساهم في الناتج المحلي الإجمالي. عدد المنتجعات زاد من 2 إلى 92 بين عامي 1972 و 2007 ووصل عدد زوار المالديف حتى عام 2007م أكثر من ثمانية ملايين سائح. ويصل جميع الزوار عن طريق مطار ماليه الدولي الواقع في جزيرة هول هولي بالقرب من العاصمة ماليه. ويخدم المطار عدد كبير من الرحلات إلى الهند وسيريلانكا ودبي والمطارات الرئيسية في جنوب شرق آسيا. ومطار غان الواقع على جزيرة مرجانية في جنوب أدو يخدم أيضا رحلات دولية إلى ميلان عدة مرات في الإسبوع.


image


وفي 26 ديسمبر 2004م دمر التسونامي جزر المالديف، ونجت فقط 9 جزر من الفيضان، بينما واجهت 57 جزيرة ضرراً بالغاً ، وأخليت 14 جزيرة كلياً ودمّرت 6 جزر. وقد بلغ ارتفاع الموجات العاتية أكثر من 4 أمتار. وخلف التسونامي أكثر من 100 قتيل و12000 من المشردين، وألحق اضراراً بالممتلكات تجاوزت 400 مليون دولار. وكنتيجة لكارثة التسونامي انكمش الناتج المحلي الاقتصادي نسبياً 2005م، ولكن عودة انتعاش السياحة وإعادة البناء بعد الكارثة وتطوير منتجعات جديدة ساعدت على انتعاش الاقتصاد سريعاً في 2006م. وتظهر تقديرات2007 م تمتع جزر المالديف بأعلى إجمالي إنتاج محلي للفرد الواحد بين دول جنوب آسيا.
في 2008م، أعلن الرئيس محمد نشيد الخطط للنظر في شراء أراضي جديدة في الهند وسريلانكا وأستراليا، بسبب مخاوفه من ارتفاع درجات الحرارة، وإحتمالية أن تغمر معظم الجزر بالماء نتيجة ارتفاع مستويات البحر المتصاعدة، حيث تشير التوقعات الحالية بارتفاع مستوى البحر بـ 59 سم في عام 2100م. ويرتفع متوسط مستوى سطح الأرض حوالي 1.5 متر فوق مستوى سطح البحر في جزر المالديف في الوقت الحاضر، وهذا يعني أنها أدنى بلد في العالم.
برغم تهديدات المناخ والمخاطر الناجمة عن ارتفاع منسوب مياه البحر، إضافة إلى الإضطرابات السياسية المتكررة، فهل ستبقى جزر المالديف من أهم مناطق الجذب السياحي في العالم؟

الصحة والحياة talalzari.com




image
بواسطة : admin
 0  0  10319