العطاء.. تنمية ولذة
العطاء.. تنمية ولذة
د. مشاري النعيم
ذهنية العطاء يجب أن تركز على أن تقديم المساعدة الممنهجة التي لا تقتصر على تقدم المال بل تتعداه إلى التخطيط والمتابعة وتطوير برامج تتعامل مع ثقافة الفقر وتفككها وتغير محيطها الاجتماعي وهذا عمل يحتاج إلى «الرعاية»..
العطاء يشعر صاحبه باللذة، ولعل فكرة اللذة التي أتكلم عنها نابعة أصلاً من الرضا بالعطاء، فأن تعطي وأنت راض عن عطائك، هذا يجعلك نبيلاً، كما أن القدرة على العطاء لها لذة أخرى، فليس كل امرئ قادر على أن يعطي ويساعد الآخرين. على أن ما أود الحديث عنه هو نوع من العطاء يؤثر على التنمية بشكل مباشر وغير مباشر. المسألة تتعدى المساعدة العينية لمن هم بحاجة، إلى تفكيك البنية الاجتماعية والاقتصادية التي تجعل من بعض الناس في عوز للمساعدة. فكرة «العطاء التنموي» تنبع من «الرعاية» mentorship و «التعليم» (عن طريق تقديم منح خاصة لأبناء الأسر المحتاجة في مدارس وجامعات مرموقة ومساعدة الأسر على نفقات تعليمهم) وهو ما طرحه الدكتور خالد السلطان (مدير جامعة الملك فهد للبترول والمعادن) في حديث شخصي سابق معه، والهدف بالتأكيد هو «مهاجمة» بنية الفقر وتفكيكها وتجفيف منابعها، والتركيز في العطاء على أبناء الأسر الفقيرة وتعليمهم تعليماً خاصاً ومتميزاً سيؤدي مع الوقت إلى نقل الأسرة من مرحلة تلقي المساعدة إلى الإنتاج والمشاركة في الإنتاج.
ذهنية العطاء يجب أن تركز على أن تقديم المساعدة الممنهجة التي لا تقتصر على تقدم المال بل تتعداه إلى التخطيط والمتابعة وتطوير برامج تتعامل مع ثقافة الفقر وتفككها وتغير محيطها الاجتماعي وهذا عمل يحتاج إلى «الرعاية» التي أشار لها الدكتور خالد، وفي ظني أن هذا المصطلح الذي نستخدمه كثيراً في التعليم المهني والحرفي على وجه الخصوص يشير إلى نوع من التبني، والمقصود هنا أن العطاء ليس بالضرورة عينياً بل يمكن أن يكون نفسياً/ معنوياً من خلال الأشخاص القادرين بمتابعة أسرة أو أكثر من الأسر التي تقع ضمن دائرة ثقافة الفقر، فأبناؤهم بحاجة إلى القدوة والرعاية وإشعارهم بالاهتمام وتشجيعهم على النجاح وتذليل الصعوبات أمامهم كي يغيروا واقعهم الاجتماعي والاقتصادي.
الهدف هو غرس «الأمل» و «الطموح» لدى هؤلاء، فقد أشارت كثير من الدراسات أن البنية الاجتماعية للفقر غالباً ما تحد من طموح المنتمين لها، وبالتالي تجعلهم يتكاسلون عن بناء مهاراتهم وقدراتهم التي هي رأس مالهم الأساسي الذي يمكن أن ينتشلهم من هذه الثقافة. فكرة الرعاية تكمن في تغيير هذه الذهنية لدى الجيل اليافع المنتمي وبناء نوع من الثقة في النفس لديهم فعندما يكون النجاح نابعًا من الذات يصبح له معنى كبير وينتقل عبر الأجيال وهذا في حد ذاته نوع من الانفصال عن ثقافة الفقر ووصل مع ثقافة التنمية.
إحدى المسائل المهمة هي أن تقديم العطاء ليس فيه منة ويجب على كثير من الناس أن يعوا أن بمشاركتهم في العطاء هم يحمون أنفسهم وأبناءهم بالدرجة الأولى، لأن زيادة مساحة الفقر وثقافته في المجتمع سوف تنعكس عليهم وعلى أبنائهم. أولاً لأن العطاء يقلل من الاحتقان الاجتماعي ويشعر المحتاجين أنهم ليسوا لوحدهم فلا ينقمون على المجتمع وهذا فيه تقليل لمعدلات الجريمة والتنافر الاجتماعي. وثانياً لأن نقل الأسر وأفراد المجتمع من الاعتماد على المساعدات إلى المشاركة في الإنتاج وبناء الاقتصاد سيؤدي مع الوقت إلى بناء مجتمع منتج. هذا الانتقال تدريجي وقد يحتاج إلى وقت لكنه فعال وتكمن فيه نواة التنمية الاقتصادية، لأن أي اقتصاد يعتمد بالدرجة الأولى على البشر كمورد متجدد، والعمل على «مهاجمة» ثقافة الفقر بأسلوب تنموي يشارك فيه الجميع فيحدث تحول حقيقي في هذه الثقافة ويقلص مساحتها.
مجتمعنا بحاجة لمثل هذه المبادرات الفردية والمؤسسية، تغيير ثقافة العطاء ومفاهيمه وربطها ببرامج عملية تنموية يمكن قياسها هو المطلوب في الفترة القادمة. الشعور بالمسؤولية نحو المحتاجين لا يتوقف عند مساعدتهم مادياً، فهذه المساعدة مؤقتة وتأثيرها محدود وغالباً لا تحدث أي تغيير في البنية الاجتماعية الثقافية، لذلك فإن ما أثاره الدكتور خالد يستحق الاهتمام والتفكير لأنه لا يعالج مشكلة الفقر فقط بل يصنع مواطنين صالحين ويساهم في بناء اقتصاد وطني على المدى الطويل.
صحيفة الرياض
د. مشاري النعيم
ذهنية العطاء يجب أن تركز على أن تقديم المساعدة الممنهجة التي لا تقتصر على تقدم المال بل تتعداه إلى التخطيط والمتابعة وتطوير برامج تتعامل مع ثقافة الفقر وتفككها وتغير محيطها الاجتماعي وهذا عمل يحتاج إلى «الرعاية»..
العطاء يشعر صاحبه باللذة، ولعل فكرة اللذة التي أتكلم عنها نابعة أصلاً من الرضا بالعطاء، فأن تعطي وأنت راض عن عطائك، هذا يجعلك نبيلاً، كما أن القدرة على العطاء لها لذة أخرى، فليس كل امرئ قادر على أن يعطي ويساعد الآخرين. على أن ما أود الحديث عنه هو نوع من العطاء يؤثر على التنمية بشكل مباشر وغير مباشر. المسألة تتعدى المساعدة العينية لمن هم بحاجة، إلى تفكيك البنية الاجتماعية والاقتصادية التي تجعل من بعض الناس في عوز للمساعدة. فكرة «العطاء التنموي» تنبع من «الرعاية» mentorship و «التعليم» (عن طريق تقديم منح خاصة لأبناء الأسر المحتاجة في مدارس وجامعات مرموقة ومساعدة الأسر على نفقات تعليمهم) وهو ما طرحه الدكتور خالد السلطان (مدير جامعة الملك فهد للبترول والمعادن) في حديث شخصي سابق معه، والهدف بالتأكيد هو «مهاجمة» بنية الفقر وتفكيكها وتجفيف منابعها، والتركيز في العطاء على أبناء الأسر الفقيرة وتعليمهم تعليماً خاصاً ومتميزاً سيؤدي مع الوقت إلى نقل الأسرة من مرحلة تلقي المساعدة إلى الإنتاج والمشاركة في الإنتاج.
ذهنية العطاء يجب أن تركز على أن تقديم المساعدة الممنهجة التي لا تقتصر على تقدم المال بل تتعداه إلى التخطيط والمتابعة وتطوير برامج تتعامل مع ثقافة الفقر وتفككها وتغير محيطها الاجتماعي وهذا عمل يحتاج إلى «الرعاية» التي أشار لها الدكتور خالد، وفي ظني أن هذا المصطلح الذي نستخدمه كثيراً في التعليم المهني والحرفي على وجه الخصوص يشير إلى نوع من التبني، والمقصود هنا أن العطاء ليس بالضرورة عينياً بل يمكن أن يكون نفسياً/ معنوياً من خلال الأشخاص القادرين بمتابعة أسرة أو أكثر من الأسر التي تقع ضمن دائرة ثقافة الفقر، فأبناؤهم بحاجة إلى القدوة والرعاية وإشعارهم بالاهتمام وتشجيعهم على النجاح وتذليل الصعوبات أمامهم كي يغيروا واقعهم الاجتماعي والاقتصادي.
الهدف هو غرس «الأمل» و «الطموح» لدى هؤلاء، فقد أشارت كثير من الدراسات أن البنية الاجتماعية للفقر غالباً ما تحد من طموح المنتمين لها، وبالتالي تجعلهم يتكاسلون عن بناء مهاراتهم وقدراتهم التي هي رأس مالهم الأساسي الذي يمكن أن ينتشلهم من هذه الثقافة. فكرة الرعاية تكمن في تغيير هذه الذهنية لدى الجيل اليافع المنتمي وبناء نوع من الثقة في النفس لديهم فعندما يكون النجاح نابعًا من الذات يصبح له معنى كبير وينتقل عبر الأجيال وهذا في حد ذاته نوع من الانفصال عن ثقافة الفقر ووصل مع ثقافة التنمية.
إحدى المسائل المهمة هي أن تقديم العطاء ليس فيه منة ويجب على كثير من الناس أن يعوا أن بمشاركتهم في العطاء هم يحمون أنفسهم وأبناءهم بالدرجة الأولى، لأن زيادة مساحة الفقر وثقافته في المجتمع سوف تنعكس عليهم وعلى أبنائهم. أولاً لأن العطاء يقلل من الاحتقان الاجتماعي ويشعر المحتاجين أنهم ليسوا لوحدهم فلا ينقمون على المجتمع وهذا فيه تقليل لمعدلات الجريمة والتنافر الاجتماعي. وثانياً لأن نقل الأسر وأفراد المجتمع من الاعتماد على المساعدات إلى المشاركة في الإنتاج وبناء الاقتصاد سيؤدي مع الوقت إلى بناء مجتمع منتج. هذا الانتقال تدريجي وقد يحتاج إلى وقت لكنه فعال وتكمن فيه نواة التنمية الاقتصادية، لأن أي اقتصاد يعتمد بالدرجة الأولى على البشر كمورد متجدد، والعمل على «مهاجمة» ثقافة الفقر بأسلوب تنموي يشارك فيه الجميع فيحدث تحول حقيقي في هذه الثقافة ويقلص مساحتها.
مجتمعنا بحاجة لمثل هذه المبادرات الفردية والمؤسسية، تغيير ثقافة العطاء ومفاهيمه وربطها ببرامج عملية تنموية يمكن قياسها هو المطلوب في الفترة القادمة. الشعور بالمسؤولية نحو المحتاجين لا يتوقف عند مساعدتهم مادياً، فهذه المساعدة مؤقتة وتأثيرها محدود وغالباً لا تحدث أي تغيير في البنية الاجتماعية الثقافية، لذلك فإن ما أثاره الدكتور خالد يستحق الاهتمام والتفكير لأنه لا يعالج مشكلة الفقر فقط بل يصنع مواطنين صالحين ويساهم في بناء اقتصاد وطني على المدى الطويل.
صحيفة الرياض