تخاريف الجليد
تخاريف الجليد
حمود أبو طالب
النافذة بين الأرض والسماء، يربض أمامها عملاق أبيض اسمه الجليد. دائماً لا أسدل الستارة على النافذة كي تتسرب روحي منها إلى هناك حيث الدفء، أو يتسرب إلى الدفء منهم عندما تخامرني أرواحهم وأنا بين النوم واليقظة، أو حتى في مهاوي النوم، بل حتى وأنا في ضجيج الصحو.
أحب بياض الثلج عندما يجتاح الأرض، وأحبه عندما يفرض طقوسه الفخمة، أعشقه وأنا أحتمي منه وأعانقه في ذات اللحظة، نحن أبناء الطقس الاستوائي والحياة الماطرة الساخنة نتوق أحيانا لترويض أجسامنا وأرواحنا على احتمال النقيض الصارخ. نحاول أن ندربها على المشي الهادئ خوفا من الانزلاق، نحاول أن نروضها كي تتعلم الاحتماء من المزالق، والجليد يعطينا هذه الفرصة، لكننا للأسف خُلقنا من الصخب، ونستمر صاخبين في حياة صاخبة. لا نحسن التلحف بأغطية ثقيلة وإشعال الشموع وسماع الموسيقى الهادئة بجانب مدفأة. ما تحسنه جيناتنا ولا تحسن غيره هو الرقص الصاخب المدوي بأجساد شبه عارية في عز الظهيرة، وعندما لا يساعدنا مناخ الطبيعة أو البشر على ممارسة فطرتنا، نموت أو نقترب من الموت.
في درجة لئيمة منحدرة كثيراً تحت الصفر تجتاحني موجات عاتية من أشياء غير مفهومة، أو غير واضحة. أحاول تفسير ماذا يعني طرق حبات الثلج على النافذة، هل هي الأرواح التي اشتقت إليها مدت أصابعها الآن لتشيع الطمأنينة في روحي أنها تشعر بي وقريبة مني. هل هي أشباح تتقافز على زجاج النافذة لتجعل المشهد أكثر تعقيداً وتشعرني بأني وحيد تماما بينها. هل هي خطيئة الاستوائي عندما يغادر نقطة تعامد الشمس على رأسه وعليه أن يتحمل ذنب وعقاب تلك الخطيئة.
بودي لو تفر روحي الآن إلى شاطئ في وطني الدافئ لتغتسل في مائه من عذاب هذا الليل الطويل. إلى سهل خصيب تتعانق وتتعاشق فيه ردائم الفل على بحة مزامير العشاق في القرى الوادعة، المحتدمة بالحكايات التي لا نهاية لها، إلى غيمة أتوحد معها وأهبط على أرضي كقطرة مطر، غادرت أرض الجليد وصعدت إلى السماء وسافرت بلهفة الشوق إلى الأرض التي تستحق أن تهبط فيها.
عكاظ
حمود أبو طالب
النافذة بين الأرض والسماء، يربض أمامها عملاق أبيض اسمه الجليد. دائماً لا أسدل الستارة على النافذة كي تتسرب روحي منها إلى هناك حيث الدفء، أو يتسرب إلى الدفء منهم عندما تخامرني أرواحهم وأنا بين النوم واليقظة، أو حتى في مهاوي النوم، بل حتى وأنا في ضجيج الصحو.
أحب بياض الثلج عندما يجتاح الأرض، وأحبه عندما يفرض طقوسه الفخمة، أعشقه وأنا أحتمي منه وأعانقه في ذات اللحظة، نحن أبناء الطقس الاستوائي والحياة الماطرة الساخنة نتوق أحيانا لترويض أجسامنا وأرواحنا على احتمال النقيض الصارخ. نحاول أن ندربها على المشي الهادئ خوفا من الانزلاق، نحاول أن نروضها كي تتعلم الاحتماء من المزالق، والجليد يعطينا هذه الفرصة، لكننا للأسف خُلقنا من الصخب، ونستمر صاخبين في حياة صاخبة. لا نحسن التلحف بأغطية ثقيلة وإشعال الشموع وسماع الموسيقى الهادئة بجانب مدفأة. ما تحسنه جيناتنا ولا تحسن غيره هو الرقص الصاخب المدوي بأجساد شبه عارية في عز الظهيرة، وعندما لا يساعدنا مناخ الطبيعة أو البشر على ممارسة فطرتنا، نموت أو نقترب من الموت.
في درجة لئيمة منحدرة كثيراً تحت الصفر تجتاحني موجات عاتية من أشياء غير مفهومة، أو غير واضحة. أحاول تفسير ماذا يعني طرق حبات الثلج على النافذة، هل هي الأرواح التي اشتقت إليها مدت أصابعها الآن لتشيع الطمأنينة في روحي أنها تشعر بي وقريبة مني. هل هي أشباح تتقافز على زجاج النافذة لتجعل المشهد أكثر تعقيداً وتشعرني بأني وحيد تماما بينها. هل هي خطيئة الاستوائي عندما يغادر نقطة تعامد الشمس على رأسه وعليه أن يتحمل ذنب وعقاب تلك الخطيئة.
بودي لو تفر روحي الآن إلى شاطئ في وطني الدافئ لتغتسل في مائه من عذاب هذا الليل الطويل. إلى سهل خصيب تتعانق وتتعاشق فيه ردائم الفل على بحة مزامير العشاق في القرى الوادعة، المحتدمة بالحكايات التي لا نهاية لها، إلى غيمة أتوحد معها وأهبط على أرضي كقطرة مطر، غادرت أرض الجليد وصعدت إلى السماء وسافرت بلهفة الشوق إلى الأرض التي تستحق أن تهبط فيها.
عكاظ