مسلسلات تلوث النظم البيئية في مدينة جدة
مسلسلات تلوث النظم البيئية في مدينة جدة!
د. علي عدنان عشقي
تواصلا بما ذكرته عن العروض المستمرة لمسلسلات تلوث النظم البيئية في مدينة جدة على صفحات \"الوطن\" في العدد 3429 بتاريخ 4 ربيع الأول 1431هـ أود أن أشير قبل أن أستطرد في هذا الموضوع إلى أن كل ما أكتبه لا قصد لي من ورائه سوى وجه الله والمصلحة العامة، وأنا دائما أترفع عن المهاترات الشخصية، فسامح الله كل من أساء إليّ بطريق مباشر أو غير مباشر، وما أقول سوى ما قاله شوقي رحمه الله \"أهلي وإن ضنوا علي كرام\".
قبل أن أواصل حديثي بما بدأته سابقا، أود أن أجيب على سؤال دائما يوجه لي في حوار دار بيني وبين أحد أمناء مدينة جدة السابقين منذ حوالي عشر سنين تقريبا (وأرجو أن لا تكون الذاكرة قد خانتني في ذلك)، حول العلاقة بين بحيرة المسك والهزات الأرضية وهل يمكن لبحيرة المسك أن تكون سبباً في حدوث هزات محلية أرضية في مدينة جدة لا سمح الله؟ إجابتي في ذلك الوقت لم تكن قطعية في ثبوت هذه العلاقة، ولكن اليوم ومع التقدم الكبير في علم الزلازل، والعلاقة الموثقة علميا بين إنشاء السدود وخزانات المياه الضخمة القابعة خلف هذه السدود، وبين حدوث الهزات الأرضية خاصة ما حدث في زلزال الصين المدمر عام 2008 والذي ذهب ضحيته أكثر من 100 ألف نسمة، أستطيع القول نعم بحيرة المسك قد تمثل بعدا زلزاليا خطيرا على مدينة جدة، إذا توفرت بعض المعطيات الجيولوجية التي هي مجهولة حتى الآن. وكم أتمنى من هيئة المساحة الجيولوجية أن توضح لنا هذه المعطيات والتي منها: هل المنطقة أسفل بحيرة المسك تقع تحت ضغوط تكتونية Tectonic stress؟ بمعنى آخر هل هناك أي نوع من أنشطة الصدوع Faults بين طبقات الأرض المختلفة؟ وما هو عمق هذه الصدوع؟ وما حجم الطاقة الاستيعابية لبحيرة المسك من مياه الصرف؟ أين تقع مراكز الزلازل السطحية Epicenter وتحت السطحية Hypocenter التي تعرضت لها مدينة في السنين العشرة الماضية هل هي في شرق أم غرب جدة؟ الموضوع كبير وحساس جدا وسوف أناقشه بالتفصيل لاحقاً! وأنا على أتم استعداد للخوض في أي حوار ومع أي جهة على أن يكون الهدف منه المصلحة العامة.
وعودة الآن لمناقشة مشروع وزارة المياه, وبالتحديد محطة مشروع معالجة مياه الصرف الصحي الواقعة في جنوب مطار الملك عبدالعزيز، قد عارضت إنشاء هذا المشروع في مراحله الأولى أي منذ حوالي عشرة أعوام تقريبا، ويشهد على ذلك جميع المهندسين في مشاريع المطارات، كما يشهد على ذلك المهتمون بالبيئة في مصلحة الأرصاد وحماية البيئة، كما عارضت إنشاء هذا المشروع من منصة تكريم صاحب السمو الملكي الأمير تركي بن ناصر الرئيس العام للرئاسة العامة للأرصاد وحماية البيئة في حفل تكرم سموه في اثنينية الوجيه عبدالمقصود خوجة، كما عارضت هذا المشروع في برقية بعثت بها إلى الديوان الملكي، كما عارضت إنشاء هذا المشروع أيضا في دراسة علمية قدمتها لصاحب السمو الملكي أمير منطقة مكة المكرمة, لقد استبسلت في معارضة هذا المشروع حبا مني وكرامة لمدينة جدة.
وقد يسأل سائل لماذا كل هذا العناء في معارضة هذا المشروع؟ ولكي أكون واضحا أنا لست معارضا لمثل هذه المشاريع الحضارية ولكن أعارض إقامة أي مشروع لا يرتكز على ركائز علمية جيدة تكفل له النجاح, ولنا في بحيرة المسك أسوة حسنة! فبحيرة المسك أنشئت منذ 25 عاما تقريبا، وانظروا إلى ما آلت إليه اليوم!
يا وزارة المياه آن الأوان لمراجعة أنفسكم، واحكموا بما تمليه عليكم ضمائركم, فلهذا المشروع ثلاثة أبعاد كارثية، البعد الأول: سيكون كارثيا على مطار الملك عبدالعزيز الدولي. أما البعد الثاني: فسيكون مدمرا للمجتمعات السكانية التي تقطن بالقرب من المشروع. أما البعد الثالث: فسيقضي قضاءً مبرماً على سواحل كورنيش جدة الشمالي.
البعد الأول: لا ينكر أي عاقل أن هناك تفاعلات حيوية تقوم بها أنواع من البكتيريا غير الهوائية، نتائج هذا التفاعل غازات سامة ذات روائح كريهة من هذه الغازات غاز كبريتيد الهيدروجين ذي الرائحة النتنة والذي تتشبع به أجواء مدينة جدة الآن، أما الغاز الثاني فهو غاز الميثان وهو عديم الرائحة، ولكنه سام وقابل للاشتعال، فتخيلوا كمية غاز الميثان المتصاعدة من هذا الكم الهائل من مياه الصرف الصحي ألا يؤثر على سلامة الملاحة الجوية أثناء إقلاع وهبوط الطائرات التي لا ترتفع كثيرا أثناء هبوطها وإقلاعها فوق محطة المعالجة! من سيكون المسؤول عند حدوث أي كارثة لا سمح الله لأي من هذه الطائرات الصاعدة أو الهابطة! الأمر الآخر يا وزارة المياه في حالة توقف محطات المعالجة عن العمل نتيجة لأي خلل فني أو انقطاع التيار الكهربائي، أو توقف للصيانة هذا إن كان هناك صيانة! أو توقفها لأي طارئ ماذا ستفعلون بملايين الأطنان من مياه الصرف الصحي القادمة للمحطة من كل حدب وصوب؟ هل ستطلقون سراحها في مطار الملك عبدالعزيز الدولي؟ أم ستفتحون الصنبور على البحر؟ كما ذكر أحد المسؤولين في وزارتكم!
وماذا عن الطيور المهاجرة التي سيكون لها مرتكز حول أحواض المعالجة! ألا يؤثر هذا على سلامة الملاحة الجوية؟ الحديث موصول إن شاء الله مع البعدين الثاني والثالث.
المصدر: صحيفة الوطن