• ×
admin

أعيش وحيداً ليس لديّ أصدقاء

أعيش وحيداً ليس لديّ أصدقاء.. ؟
الخجل الشديد يمنعه من تكوين علاقات مع الآخرين ويجعله معزولاً اجتماعياً

د. إبراهيم بن حسن الخضير

وحيد دون أصدقاء

تصلني رسائل كثيرة من أشخاص يشكون من الوحدة وعدم وجود أصدقاء لهم. يشكون من أنهم لا يستطيعون تكوين علاقات صداقة مع آخرين. آخر رسالة وصلتني كانت الأسبوع الماضي ، يقول فيها:\" أنا شاب أبلغ من العمر 34 عاماً وعندي مشكلة هي عدم وجود صحبة لديّ وأصدقاء ، حيث أنني لا أستطيع تكوين علاقات اجتماعية ودائماً أكون وحيداً ، جالساً ولا أستطيع الأخذ والعطاء وأحس أنه لا يوجد لديّ شيء أقوله . أجلس صامتاً حين يكون هناك نقاش يدور في أي مجلس\". هذه واحدة من عشرات الرسائل التي تتحدث عن موضوع العزلة الاجتماعية التي يعيشها البعض في مجتمعنا. أشخاص من مختلف الأعمار ؛ مراهقون ، وشباب في العشرينات من العمر وآخرون في الأربعين أو الخمسين من أعمارهم يشكون الوحدة وعدم وجود صداقات لهم مع آخرين . يُريدون أن يكون لهم أصدقاء ولكنهم لا يستطيعون.

هذه حالات لأشخاص يعيشون ألم العزلة والوحدة في المجتمع ، يريدون أن يكون لهم أصدقاء ولكنهم لم يستطيعوا أن يحصلوا على اصدقاء ، ربما يكون ذلك لأمورٍ كثيرة وأسباب مختلفة.

هناك أشخاص يُعانون من اضطرابات نفسية مثل الرُهاب الاجتماعي أو اضطرابات في الشخصية ، مثل الشخصية التجنبية وبعض الاضطرابات النفسية الآخرى.

الأشخاص الذين يُعانون من الرُهاب الاجتماعي ، عادةً ما يبدأ معهم الاضطراب في سنٍ مُبكرة ، وغالباً ما يكون ذلك في سن المراهقة. في هذه السن يشعر المراهق بالخجل الشديد ويتجنب الاجتماعات العائلية أو الاجتماعية ، ويميل للعزلة وذلك خوفاً من أن يتسبب وجوده ضمن مجموعة من الأشخاص الآخرين إلى نوع من الإحراج أو المهانة. يخشى إن تكلّم أن ينتقده الآخرون أو ينتقده الآخرون على أي عمل أو سلوك يقوم به ، لذلك فهو يتجنّب الآخرين ويُفضّل العزلة برغم أنه يريد أن يكون له أصدقاء ، لكن خجله الشديد يمنعه من تكوين صداقات وتجعله معزولاً اجتماعياً. الشخص الذي يُعاني من الرُهاب الاجتماعي يخشى أن يتكّلم أمام الآخرين أو أن يقوم بأي عمل أمام مجموعةٍ من الأشخاص خشية أن يتعرض للانتقاد من الآخرين أو يُعرّض نفسه للمهانة نتيجة عدم إتقانه لما يقوم به. هذه الأفكار تجعل الشخص الذي يُعاني من الرُهاب الاجتماعي يعيش عزلةً حقيقية . فهو لا يستطيع تكوين اصدقاء في المدرسة أو العمل أو من الأقارب أو الجيران.

وللآسف فإن المملكة العربية السعودية ينتشر بها اضطراب الرُهاب الاجتماعي ، وربما يكون الرُهاب الاجتماعي هو الاضطراب الأكثر انتشاراً بين سكان المملكة ، ولعل المملكة العربية السعودية تكون أكثر دولة ينتشر فيها الرُهاب الاجتماعي ، ولو اُجريت دراسة مسحية عن اضطراب الرُهاب الاجتماعي لوجد أنه الاضطراب الأول الذي ينتشر بين الاضطرابات النفسية والعقلية ، وهذا من الملاحظات التي شاهدها الأطباء النفسيون السعوديون وكذلك الأطباء غير السعوديين الذين عملوا في المملكة العربية السعودية. لذلك ليس هناك غرابةً بأن يكون هناك عددٌ ليس قليلاً من الشباب والفتيات يعانين من الوحدة وعدم وجود اصدقاء وصديقات.

إن شبابنا فتية وفتيات يعيشون في مجتمع يختلف عن بقية المجتمعات العربية والخليجية الآخرى ، و الانفتاح العالمي الذي تشهده جميع بلدان العالم ، خاصةً الطفرة التكنولوجية من انترنت وتقنيات حديثة آخرى جعلت التواصل بين الجنسين ليس صعباً حتى في أكثر الأسر انغلاقاً وتشديداً لعلاقة الفتاة بالخارج. لم يعد هناك مشكلة في أن يتسّمع أحد على الهاتف كما كان في السابق ؛ الآن أصبح الفتى أو الفتاة تستطيع أن تتخاطب مع أي شخص و ترى صورته وإذا رغبت بعثت له بصورتها!.

إننا في عالم صعب .. معقّد ربما لم نكن مستعدين له ، أو إننا لم نتوقع أن الوضع سوف يكون بهذه الصعوبة أو أن خيوطه سوف تفلت من أيدينا ليمسك بها هؤلاء الشباب والفتيات!. وبذلك يُصبح المجتمع مشّوشاً لا يعرف من هو الذي يُفرض سلطاته عليه.

الأشخاص الذين يُعانون من اضطراب الشخصية التجنبية ، عادةً ما يكون هم من يتجنّب الآخرين ولا يرغب في بناء علاقات صداقة مع الآخرين. وهو بذلك ليس مثل الشخص الذي يُعاني من الرُهاب الاجتماعي ، والذي يكون تواّقاً لبناء علاقات وصداقات مع الآخرين.

الوحدة أو العيش في عزلة مشكلة نفسية واجتماعية يُعاني منها الكثيرون على مستوى العالم ، وفي الدول الغربية المتقدمة ، يعيش الناس عزلة أكبر بين الناس ، حيث هناك الكثيرون من الجنسين يُعانون من الحياة المنعزلة والوحدة. في بريطانيا أكثر من مليوني امرأة يعشن وحيدات ويبحثن عن شريك حياة؛ سواء كان صديقاً أم زوجاً ، وهناك شركات تجني أرباحا بالملايين من الجنيهات الاسترلينية جراءّ التوفيق بين الرجال والنساء الوحيدين والوحيدات ، حتى وإن لم تنجح العلاقات ، فكل عملهم يعتمد على تعريف المرأة بالرجل وبعد ذلك ليس لهم علاقة ان نجحت العلاقة أم لا!.

شاهدتُ برنامجا تلفزيونيا يناقش وحدة المرأة في بريطانيا ، وكان هناك العشرات من النساء اللاتي في سن الزواج ، تتراوح أعمارهن من الخامسة والعشرين إلى ما بعد الخمسين ، وهنّ يتحدثن بصراحة عن عجرهن عن العثور على صديق أو حبيب وأنهن مستعدات لدفع مبالغ كبيرة مقُابل العثور على شريك حياة بأي صورةٍ كانت!. تحدثت امرأة في العقد الخامس من عمرها ، وهي تروي احباطاتها وهي تبحث عن رجل كصديق أو خطيب ولكنها فشلت في جميع السبل التي طرقتها ؛ فهي لم توفق في لقاء صديق خلال عملها الذي استمر لأكثر من ثلاثة عقود من الزمن ، وفشلت في المقاهي والحانات التي تذهب لها في ليالي عطلة نهاية الأسبوع وفشلت في العثور على رجل عن طريق وكالات الصداقة التي تتقاضى مبالغ ليست بسيطة للتقريب بين الأشخاص من الجنسين ليكونوا أزواجا ، ولكن هذه السيدة التي تشعر بأن حياتها تتسرب من بين اصابعها كما يتسرب الرمل بين يدي بدوي في الصحراء!. كانت تقول بانها على استعداد لدفع مبلغ كبير لصديقاتها ليقدمنها لرجل أعزب!. جميع من تلتقي بهم كانوا متزوجين ، لأنها في سن معظم من هن في سنها من المتزوجات ، لذلك حينما تحضر حفلة فهي تجد أن جميع من يحضرون حفلات صديقاتها من المتزوجين والمتزوجات.

في مجتمعاتنا حيث يختلف الوضع فإن الفرد من الجنس الواحد لا يجد فرصاً ليكّون صداقات مع أشخاص من نفس الجنس وذلك لأسباب اجتماعية ، فهناك مشكلة الرُهاب الاجتماعي التي ذكرناها . أيضاً التغيرات الاجتماعية الحديثة التي واكبت التغير العمراني في بناء المدن وحتى القرى لم يعد يُساعد العائلات في تكوين علاقات صداقة مثلما كان نمط البناء والعمران سابقاً . الآن أصبح كل بيتٍ مستقلٍ بذاته لا يرتبط بالجوار بأي صورةٍ كانت ، مما خلق جغرافيةً لا تساُعد على التقارب وتكوين صداقات. وسوف أتطرق في موضوع كامل عن العمران والعلاقة النفسية بسكان البلدات الحديثة و كذلك مرافقة الاضطرابات النفسية وعلاقتها بالبناء والعمران الجغرافيا السكانية ، حيث أنه موضوع مهم أرى أنه يستحق موضوعا مستقلا. ربما يكون للوحدة بعض الإيجابيات مثل أن تجعل الشخص يقرأ كثيراً مثلما يحدث في بريطانيا مثلاً ، حيث نادراً تجد شخصاً لا يقرأ؛ سواء في الحافلة أو القطار أو أماكن الانتظار . لكن للآسف لم نتعوّد نحن على هواية من أجمل الهوايات وهي القراءة وصداقة الكتاب الذي لا يملك ولا تمل منه!. الوحدة أيضاً يمكن أن تجعل الشخص مُبدعاً إذا كان يُفكرّ بطريقة علمية أو أدبية ، فيُصبح مُبدعاً أدبياً أو علمياً. وكثير من الأدباء والكتّاب هم من الأشخاص الذين يميلون للعزلة الاجتماعية والوحدة. كذلك كثير من العلماء يميلون للعزلة والوحدة فهذه قد تكون فضيلة من فضائل العزلة الاجتماعية. أما بقاء الشخص منعزلاً اجتماعياً وليس لديه أصدقاء لأنه لم يستطع تكوين أصدقاء فهذا أمرٌ صعب ، والوحدة مقيتة ، بغيضة قد تقود إلى مشاكل نفسية واجتماعية.

المصدر: صحيفة الرياض
بواسطة : admin
 0  0  2077