كيف تؤثّر عاداتنا الخاطئة في رمضان على صحتنا؟
كيف تؤثّر عاداتنا الخاطئة في رمضان على صحتنا؟
أ. د. أحمد سالم باهمام
الصوم يوجد في عدد كبير من الثقافات والأديان، وإن كانت تفاصيل الصيام تختلف بين الثقافات المختلفة. ومرت البشرية بمجاعات عديدة، نقص فيها تناول الطعام ومع ذلك تعايش الإنسان مع فترات المجاعة بشكل جيد. ويمارس بعض الناس الحمية الغذائية وتقليل كميات الأكل المتناولة بحثاً عن الصحة.
لذلك يعتقد الكثير من الباحثين أن جسم الإنسان مخلوق بطريقة يستطيع معها تحمل المجاعات أكثر من قدرته على تحمل الإفراط في تناول الطعام. ولعل هذا يفسّر زيادة الأمراض وظهور الكثير من الأمراض الجديدة التي تصاحب الإفراط في الطعام في الأزمنة القريبة، وقد لاحظ الناس على مر التاريخ أن للصوم فوائد صحية مختلفة. فقد صح عن سيد الخلق الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ما ملأ ابن آدم وعاءً شراً من بطنه، بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه، فإن غلبت على الآدمي نفسه، فثلث للطعام، وثلث للشراب، وثلث للنفس" أخرجه الثلاثة والحاكم وصححه. وقال العلامة ابن رجب الحنبلي في جامع العلوم والحكم: وهذا الحديث أصل جامع لأصول الطب كلها. وقيل في الحكم "المعدة بيت الداء". وقد أطرى الحكماء في اليونان القديمة فضائل الصيام، فقد استخدم هيبوقراط الصوم في علاج الأمراض المزمنة والحادة.
وخلال العقد الماضي، ازدادت شعبية الصيام النهاري المتقطع بين العامة في دول العالم الغربي، وكان هناك اهتمام واسع النطاق بالتأثيرات الصحية والأيضية لـلصوم في المجتمع العلمي. وقد اهتم الطب الحديث بالتأثيرات الصحية للصوم، وظهر اصطلاح طبي جديد يعرف بالصوم العلاجي، والذي أصبح ممارسة صحية في الغرب؛ فقد أصبح الصوم العلاجي وإزالة السموم طريقة علاجية معروفة يتداوى بها الكثير من المرضى، وأنشئت لذلك مراكز متخصصة في مختلف دول العالم وخصوصاً في ألمانيا. ويسافر الكثير من العرب وخصوصاً من منطقة الخليج لمنتجعات صحية في ألمانيا للعلاج بالصيام، وتنقيص السعرات الحرارية المتناولة.
وكثيراً ما أذكر قصة قصيرة للعالم الأسترالي بروفيسور كولين سوليفان، وهو طبيب وعالم أسترالي عالمي، قام باختراع جهاز السيباب (التنفس المساعد) الذي يستخدم لعلاج توقف التنفس أثناء النوم العام 1981، وهو يتواصل معي بشكل دوري لسؤالي عن آخر أبحاثي في علاقة الصوم بالنوم والصحة، وقد ذكر لي في إحدى المرات التي قابلته فيها أنه وزوجته يمارسان الصوم الإسلامي النهاري أي من الفجر حتى المساء عدة أيام في الأسبوع منذ عدة سنوات بسبب الآثار الصحية الجيدة للصوم، والقصص المماثلة التي نقرؤها لعلماء غربيين يمارسون الصوم المتقطع عديدة.
ولكن تغير نمط الحياة الذي يصحب رمضان في مجتمعنا السعودي يؤثر سلباً على صحتنا وقد يلغي الفوائد الصحية للصوم. وسأستعرض في هذا المقال كيف تؤثر عاداتنا في رمضان والتي تعد حديثة على مجتمعنا على الصحة؟ وفي البداية لا بد من استعراض علاقة الساعة البيولوجية بالنوم واليقظة ووقت الطعام وتأثير ذلك على الوزن والجهاز الدوري والقلب وعمليات الأيض. وسأستعرض معلومات من مقال علمي نشر لنا قريباً في دورية (Current Sleep Medicine Reports 2018) https://link.springer.com/article/10.1007/s40675-018-0124-5
بعنوان: "الصيام المتقطع والنوم غير الكافي والإيقاع اليومي: التفاعل والآثار على نظام القلب والأوعية الدموية".
تحوي كل خلية من خلايا جسم الثدييات ساعة بيولوجية، ويمكن تقسيم الساعة البيولوجية على نطاق واسع إلى ساعات طرفية وساعة مركزية استنادًا إلى موقعها التشريحي. وتوجد الساعة المركزية في النواة فوق التصالبية (SCN)، في مركز ما تحت المهاد. وتوجد الساعات الطرفية في أعضاء وأنسجة الجسم المختلفة. وتعد الساعة البيولوجية ضرورية للحفاظ على وظائف الأنسجة اليومية من خلال التحكم في التعبير الجيني الخاص بالأنسجة.
ويجب إعادة ضبط ساعة الجسم البيولوجية بشكل منتظم لضمان التزامن بين وظائف الجسم والبيئة الخارجية، وكذلك التزامن الداخلي والمحاذاة الزمنية الصحيحة بين الساعات المركزية والطرفية. والعامل الأهم في ضبط الساعة البيولوجية المركزية هو الضوء، في حين أن الساعات الطرفية في الأنسجة حساسة للتغيرات العصبية والهرمونية وأوقات تناول الطعام.
وتؤدي بعض السلوكيات، مثل أنماط النوم والاستيقاظ، ودورات الغذاء والصيام، ووقت وجبات الطعام إلى إحداث خلل في الساعة البيولوجية والإيقاع اليومي. ونظام عمل ووظائف القلب والأوعية الدموية حساسة بشكل خاص للإيقاع اليومي للجسم. وفي الواقع، يؤدي تعطيل هذا النظام إلى أمراض القلب والأوعية الدموية. وينتج عن اختلال النظام الإيقاعي العديد من اختلالات القلب والأوعية الدموية وعمليات الأيض (التمثيل الغذائي) بما في ذلك ضعف السيطرة على مستوى الجلوكوز في الدم، وانخفاض حساسية الخلايا للأنسولين، وارتفاع المؤشرات الحيوية الخلوية الالتهابية، وارتفاع الضغط الشرياني وانخفاض استهلاك الطاقة، مما يؤدي إلى زيادة الوزن. وهناك أدلة عديدة من الدراسات الوبائية تشير إلى أن عمل الورديات (الشفتات) التي يتغير فيها نظام النوم واليقظة ووقت الأكل، يرتبط بزيادة خطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية واضطرابات التمثيل الغذائي مثل السمنة ومرض السكري. وقد يكون السبب الأهم لهذ الخطر هو عدم التزامن بين الساعة البيولوجية للجسم وأوقات النوم والأكل الفعلية.
وقد استكشفت العديد من الدراسات آثار التغيير الحاد في إيقاع الساعة البيولوجية على خطر الإصابة بأمراض القلب لدى المتطوعين الأصحاء. ففي دراسة هدفت لتحديد آثار عدم التوافق بين وقت تناول الطعام، وأوقات النوم والاستيقاظ، والساعة البيولوجية الداخلية للجسم (أي الاستيقاظ والأكل طوال الليل والنوم بالنهار)، على التنبؤات الفسيولوجية لصحة عضلة القلب (Proc Natl Acad Sci 2009). ووجدت الدراسة أن الأكل والنوم 12 ساعة خارج نظام وإيقاع الأوقات المعتادة للمشاركين أدى إلى انخفاض هرمون الليبتين (هرمون الشبع)، ارتفاع مستوى الجلوكوز في الدم على الرغم من زيادة الأنسولين مما يعكس مقاومة الجسم للأنسولين، انعكاس كامل لإيقاع هرمون الكورتيزول اليومي (مما يزيد من خطر ارتفاع ضغط الدم وأمراض القلب)، زيادة ضغط الدم، وانخفاض ونقص كفاءة النوم.
الأدلة العلمية المتوفرة حالياً تظهر وجود آثار ضارة للاختلال الحاد الساعة البيولوجية بسبب تغيير وقت النوم ووقت الطعام على وظيفة القلب والأوعية الدموية ومساهمتها المحتملة في مرض السكري والسمنة.
وتظهر الأبحاث مجتمعة، إلى أن الصوم التجريبي المتقطع والذي يشبه الصوم الإسلامي في رمضان والذي يحافظ على نظام النوم في الليل واليقظة في النهار يقلل من الوزن،. كما أن هناك أدلة على أن الصوم التجريبي المتقطع يقلل من ضغط الدم ويحمي القلب والدماغ. وتظهر الدراسات على الحيوانات أن الصوم التجريبي المتقطع قد يكون له تأثيرات صحية على شاريين القلب والمخ وتقليل الخلايا السرطانية.
بعد استعراض الدراسات أعلاه التي تعرضت للتأثيرات الصحية الجيدة للصوم المتقطع، والتأثيرات السيئة للتغيير المفاجئ في نظام النوم واليقظة وتوقيت الأكل على صحة القلب والتمثيل الغذائي، كيف يمكن لنا أن نجعل صوم رمضان صحياً على أجسادنا، وما العادات الخاطئة التي تؤثر سلباً على صحتنا في رمضان؟
أظهرت أبحاث سابقة في المملكة على عينات من الصائمين أن الوزن يزداد في رمضان. فقد بينا في دراسة سابقة زيادة الوزن عند عينة من الشباب الصائمين خلال شهر رمضان، وأظهر باحثون من مدينة جدة في دراسة سابقة نتائج مماثلة. وظاهرة زيادة الوزن في رمضان في رأينا لها عدة أسباب، فرمضان في المملكة يكون مصحوباً بتغيير حاد في نمط الحياة يسبب تغييراً حاداً في الساعة البيولوجية والإيقاع اليومي ينتج عنه آثار صحية سيئة بسبب تغيير نظام النوم، حيث يصحب الشهر الفضيل سهر طوال الليل ونوم بالنهار، وتأخير في بدء ساعات العمل (أي تغيير حاد في نظام النوم والاسيتقاظ وتغيير في فسيولوجية الجسم الطبيعية)، ويواصل معظم الناس الأكل طوال الليل من بعد الإفطار وحتى وقت الفجر في تغيير شامل للنظام الطبيعي للأكل عند الإنسان، ومما يسبب خلطاً كاملاً واضطراباً لوظائف الساعات البيولوجية المركزية والطرفية، حيث خلق الله الإنسان كائنا نهاريا لينام في الليل مع قليل من الأكل. هذه التغيرات الحادة تزيد من خطر الإصابة بأمراض القلب والأيض والسمنة كما ناقشنا أعلاه. بالإضافة لهذا السبب، تتغير نوعية الأكل في رمضان، فيزداد تناول الأطعمة ذات السعرات الحرارية العالية وتقل ممارسة الرياضة.
حتى نحصل على فوائد الصوم الصحية الكثيرة التي أثبتتها الأبحاث والتي قد نستعرضها في صفحة قادمة، لا بد من عدم الإخلال بالإيقاع اليومي والساعة البيولوجية خلال رمضان. لذلك النظام المفضل للصحة خلال شهر رمضان، هو الإفطار وتناول وجبة العشاء قبل صلاة العشاء، والنوم بعد حوالي ساعتين أو ثلاث من تناول وجبة العشاء، والاستيقاظ بعد ذلك للسحور الذي يفضل أن يكون وجبة غنية جيدة، وعدم النوم وبدء العمل بعد صلاة الفجر مباشرة. هذا النظام يضمن بمشيئة الله حدوث الفوائد الصحية المثبتة للصوم النهاري المتقطع.
الرياض
أ. د. أحمد سالم باهمام
الصوم يوجد في عدد كبير من الثقافات والأديان، وإن كانت تفاصيل الصيام تختلف بين الثقافات المختلفة. ومرت البشرية بمجاعات عديدة، نقص فيها تناول الطعام ومع ذلك تعايش الإنسان مع فترات المجاعة بشكل جيد. ويمارس بعض الناس الحمية الغذائية وتقليل كميات الأكل المتناولة بحثاً عن الصحة.
لذلك يعتقد الكثير من الباحثين أن جسم الإنسان مخلوق بطريقة يستطيع معها تحمل المجاعات أكثر من قدرته على تحمل الإفراط في تناول الطعام. ولعل هذا يفسّر زيادة الأمراض وظهور الكثير من الأمراض الجديدة التي تصاحب الإفراط في الطعام في الأزمنة القريبة، وقد لاحظ الناس على مر التاريخ أن للصوم فوائد صحية مختلفة. فقد صح عن سيد الخلق الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ما ملأ ابن آدم وعاءً شراً من بطنه، بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه، فإن غلبت على الآدمي نفسه، فثلث للطعام، وثلث للشراب، وثلث للنفس" أخرجه الثلاثة والحاكم وصححه. وقال العلامة ابن رجب الحنبلي في جامع العلوم والحكم: وهذا الحديث أصل جامع لأصول الطب كلها. وقيل في الحكم "المعدة بيت الداء". وقد أطرى الحكماء في اليونان القديمة فضائل الصيام، فقد استخدم هيبوقراط الصوم في علاج الأمراض المزمنة والحادة.
وخلال العقد الماضي، ازدادت شعبية الصيام النهاري المتقطع بين العامة في دول العالم الغربي، وكان هناك اهتمام واسع النطاق بالتأثيرات الصحية والأيضية لـلصوم في المجتمع العلمي. وقد اهتم الطب الحديث بالتأثيرات الصحية للصوم، وظهر اصطلاح طبي جديد يعرف بالصوم العلاجي، والذي أصبح ممارسة صحية في الغرب؛ فقد أصبح الصوم العلاجي وإزالة السموم طريقة علاجية معروفة يتداوى بها الكثير من المرضى، وأنشئت لذلك مراكز متخصصة في مختلف دول العالم وخصوصاً في ألمانيا. ويسافر الكثير من العرب وخصوصاً من منطقة الخليج لمنتجعات صحية في ألمانيا للعلاج بالصيام، وتنقيص السعرات الحرارية المتناولة.
وكثيراً ما أذكر قصة قصيرة للعالم الأسترالي بروفيسور كولين سوليفان، وهو طبيب وعالم أسترالي عالمي، قام باختراع جهاز السيباب (التنفس المساعد) الذي يستخدم لعلاج توقف التنفس أثناء النوم العام 1981، وهو يتواصل معي بشكل دوري لسؤالي عن آخر أبحاثي في علاقة الصوم بالنوم والصحة، وقد ذكر لي في إحدى المرات التي قابلته فيها أنه وزوجته يمارسان الصوم الإسلامي النهاري أي من الفجر حتى المساء عدة أيام في الأسبوع منذ عدة سنوات بسبب الآثار الصحية الجيدة للصوم، والقصص المماثلة التي نقرؤها لعلماء غربيين يمارسون الصوم المتقطع عديدة.
ولكن تغير نمط الحياة الذي يصحب رمضان في مجتمعنا السعودي يؤثر سلباً على صحتنا وقد يلغي الفوائد الصحية للصوم. وسأستعرض في هذا المقال كيف تؤثر عاداتنا في رمضان والتي تعد حديثة على مجتمعنا على الصحة؟ وفي البداية لا بد من استعراض علاقة الساعة البيولوجية بالنوم واليقظة ووقت الطعام وتأثير ذلك على الوزن والجهاز الدوري والقلب وعمليات الأيض. وسأستعرض معلومات من مقال علمي نشر لنا قريباً في دورية (Current Sleep Medicine Reports 2018) https://link.springer.com/article/10.1007/s40675-018-0124-5
بعنوان: "الصيام المتقطع والنوم غير الكافي والإيقاع اليومي: التفاعل والآثار على نظام القلب والأوعية الدموية".
تحوي كل خلية من خلايا جسم الثدييات ساعة بيولوجية، ويمكن تقسيم الساعة البيولوجية على نطاق واسع إلى ساعات طرفية وساعة مركزية استنادًا إلى موقعها التشريحي. وتوجد الساعة المركزية في النواة فوق التصالبية (SCN)، في مركز ما تحت المهاد. وتوجد الساعات الطرفية في أعضاء وأنسجة الجسم المختلفة. وتعد الساعة البيولوجية ضرورية للحفاظ على وظائف الأنسجة اليومية من خلال التحكم في التعبير الجيني الخاص بالأنسجة.
ويجب إعادة ضبط ساعة الجسم البيولوجية بشكل منتظم لضمان التزامن بين وظائف الجسم والبيئة الخارجية، وكذلك التزامن الداخلي والمحاذاة الزمنية الصحيحة بين الساعات المركزية والطرفية. والعامل الأهم في ضبط الساعة البيولوجية المركزية هو الضوء، في حين أن الساعات الطرفية في الأنسجة حساسة للتغيرات العصبية والهرمونية وأوقات تناول الطعام.
وتؤدي بعض السلوكيات، مثل أنماط النوم والاستيقاظ، ودورات الغذاء والصيام، ووقت وجبات الطعام إلى إحداث خلل في الساعة البيولوجية والإيقاع اليومي. ونظام عمل ووظائف القلب والأوعية الدموية حساسة بشكل خاص للإيقاع اليومي للجسم. وفي الواقع، يؤدي تعطيل هذا النظام إلى أمراض القلب والأوعية الدموية. وينتج عن اختلال النظام الإيقاعي العديد من اختلالات القلب والأوعية الدموية وعمليات الأيض (التمثيل الغذائي) بما في ذلك ضعف السيطرة على مستوى الجلوكوز في الدم، وانخفاض حساسية الخلايا للأنسولين، وارتفاع المؤشرات الحيوية الخلوية الالتهابية، وارتفاع الضغط الشرياني وانخفاض استهلاك الطاقة، مما يؤدي إلى زيادة الوزن. وهناك أدلة عديدة من الدراسات الوبائية تشير إلى أن عمل الورديات (الشفتات) التي يتغير فيها نظام النوم واليقظة ووقت الأكل، يرتبط بزيادة خطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية واضطرابات التمثيل الغذائي مثل السمنة ومرض السكري. وقد يكون السبب الأهم لهذ الخطر هو عدم التزامن بين الساعة البيولوجية للجسم وأوقات النوم والأكل الفعلية.
وقد استكشفت العديد من الدراسات آثار التغيير الحاد في إيقاع الساعة البيولوجية على خطر الإصابة بأمراض القلب لدى المتطوعين الأصحاء. ففي دراسة هدفت لتحديد آثار عدم التوافق بين وقت تناول الطعام، وأوقات النوم والاستيقاظ، والساعة البيولوجية الداخلية للجسم (أي الاستيقاظ والأكل طوال الليل والنوم بالنهار)، على التنبؤات الفسيولوجية لصحة عضلة القلب (Proc Natl Acad Sci 2009). ووجدت الدراسة أن الأكل والنوم 12 ساعة خارج نظام وإيقاع الأوقات المعتادة للمشاركين أدى إلى انخفاض هرمون الليبتين (هرمون الشبع)، ارتفاع مستوى الجلوكوز في الدم على الرغم من زيادة الأنسولين مما يعكس مقاومة الجسم للأنسولين، انعكاس كامل لإيقاع هرمون الكورتيزول اليومي (مما يزيد من خطر ارتفاع ضغط الدم وأمراض القلب)، زيادة ضغط الدم، وانخفاض ونقص كفاءة النوم.
الأدلة العلمية المتوفرة حالياً تظهر وجود آثار ضارة للاختلال الحاد الساعة البيولوجية بسبب تغيير وقت النوم ووقت الطعام على وظيفة القلب والأوعية الدموية ومساهمتها المحتملة في مرض السكري والسمنة.
وتظهر الأبحاث مجتمعة، إلى أن الصوم التجريبي المتقطع والذي يشبه الصوم الإسلامي في رمضان والذي يحافظ على نظام النوم في الليل واليقظة في النهار يقلل من الوزن،. كما أن هناك أدلة على أن الصوم التجريبي المتقطع يقلل من ضغط الدم ويحمي القلب والدماغ. وتظهر الدراسات على الحيوانات أن الصوم التجريبي المتقطع قد يكون له تأثيرات صحية على شاريين القلب والمخ وتقليل الخلايا السرطانية.
بعد استعراض الدراسات أعلاه التي تعرضت للتأثيرات الصحية الجيدة للصوم المتقطع، والتأثيرات السيئة للتغيير المفاجئ في نظام النوم واليقظة وتوقيت الأكل على صحة القلب والتمثيل الغذائي، كيف يمكن لنا أن نجعل صوم رمضان صحياً على أجسادنا، وما العادات الخاطئة التي تؤثر سلباً على صحتنا في رمضان؟
أظهرت أبحاث سابقة في المملكة على عينات من الصائمين أن الوزن يزداد في رمضان. فقد بينا في دراسة سابقة زيادة الوزن عند عينة من الشباب الصائمين خلال شهر رمضان، وأظهر باحثون من مدينة جدة في دراسة سابقة نتائج مماثلة. وظاهرة زيادة الوزن في رمضان في رأينا لها عدة أسباب، فرمضان في المملكة يكون مصحوباً بتغيير حاد في نمط الحياة يسبب تغييراً حاداً في الساعة البيولوجية والإيقاع اليومي ينتج عنه آثار صحية سيئة بسبب تغيير نظام النوم، حيث يصحب الشهر الفضيل سهر طوال الليل ونوم بالنهار، وتأخير في بدء ساعات العمل (أي تغيير حاد في نظام النوم والاسيتقاظ وتغيير في فسيولوجية الجسم الطبيعية)، ويواصل معظم الناس الأكل طوال الليل من بعد الإفطار وحتى وقت الفجر في تغيير شامل للنظام الطبيعي للأكل عند الإنسان، ومما يسبب خلطاً كاملاً واضطراباً لوظائف الساعات البيولوجية المركزية والطرفية، حيث خلق الله الإنسان كائنا نهاريا لينام في الليل مع قليل من الأكل. هذه التغيرات الحادة تزيد من خطر الإصابة بأمراض القلب والأيض والسمنة كما ناقشنا أعلاه. بالإضافة لهذا السبب، تتغير نوعية الأكل في رمضان، فيزداد تناول الأطعمة ذات السعرات الحرارية العالية وتقل ممارسة الرياضة.
حتى نحصل على فوائد الصوم الصحية الكثيرة التي أثبتتها الأبحاث والتي قد نستعرضها في صفحة قادمة، لا بد من عدم الإخلال بالإيقاع اليومي والساعة البيولوجية خلال رمضان. لذلك النظام المفضل للصحة خلال شهر رمضان، هو الإفطار وتناول وجبة العشاء قبل صلاة العشاء، والنوم بعد حوالي ساعتين أو ثلاث من تناول وجبة العشاء، والاستيقاظ بعد ذلك للسحور الذي يفضل أن يكون وجبة غنية جيدة، وعدم النوم وبدء العمل بعد صلاة الفجر مباشرة. هذا النظام يضمن بمشيئة الله حدوث الفوائد الصحية المثبتة للصوم النهاري المتقطع.
الرياض