احرص على ما ينفعك
احرص على ما ينفعك
عادل الكلباني
ليس المراد بالحرص على النفع هنا التمحور حول «حب الذات» بل المراد هو سلوك مسلك التكامل وتحصيل النفع الفردي والجماعي الذي يظهر من خلاله المسلمون «أقوياء» في عقيدتهم وأفكارهم وثقافاتهم، ويتكئون على جيل قوي لا يستهويه ضياع الأوقات، ولا كثرة الملهيات، ولا يصده صادّ عن نفع الإنسان وبناء الأوطان..
لا ينضب معين الحكمة النبوية، مهما اغترف منه الآخذون، بل يتضح كلما أكثر الناس من الاغتراف منه أنه نهر سماوي شفاء للعقول، ومصلح للبشرية على كل أحوالها، ومن ذلك هذه الجملة المجتزأة من حديث طويل تستهل كلماته بعبارة واضحة الدلالة على المطلب الرباني الذي يضع المؤمن القوي في أعلى درجتي المحبة، وهما المحبوب والأحب، فحيث تشاركا في الاسم "المؤمن" تشاركا أيضًا في أصل المحبة لكنّ أحدهما "أحبّ" لمعنىً كان هو السبب في إحداثه في ذاته حتى صار صفة له مرتبطة بإيمانه، "المؤمن القوي" ومن غير المفيد أن نعدد أو نسمي أوجه القوة التي ذكرها أهل العلم هنا؛ لأن ذلك من بدهيات المعرفة، ولكن مما قد يخفى على كثير من الناس، ويظنون أن مجرد التوفيق والحظ هو من يجعل هذا قويًّا وهذا ضعيفًا، أعقب بأهم سبب، بل بآكد طريق للوصول إلى مرتبة الانتفاع والنفع فقال "احرص على ما ينفعك" وهو خطاب يتلذذ به كل سامع، إذ إنه عين الحكمة والصواب، وما أخذ به سائر في طريق إلا حقق هدفه فردًا كان أو جماعة!
وقد كان الأوائل شديدي الحرص على المنفعة، وعندهم فقهيات الأولوية لا يجهله صغيرهم فضلًا عن كبيرهم وعالمهم، فظهرت في أزمنتهم ما تميزت به الشعوب المسلمة من الحضارة والسبق في كل نواحي الحياة، في الطب والعمران والصناعة والزراعة وفي كل الاتجاهات.
وليس المراد بالحرص على النفع هنا التمحور حول "حب الذات" بل المراد هو سلوك مسلك التكامل وتحصيل النفع الفردي والجماعي الذي يظهر من خلاله المسلمون "أقوياء" في عقيدتهم، وأقوياء في أفكارهم وثقافاتهم ومعايشهم وحضارتهم، ويتكئون على جيل قوي محبوب لا يستهويه ضياع الأوقات، ولا كثرة الملهيات، ولا يصده صادّ عن نفع الإنسان وبناء الأوطان، وقد مهد النبي صلى الله عليه وآله لذلك طريقًا لا يحتاج إلى مشقة بقدر حاجته إلى العزم: "احرص على ما ينفعك".
وفي زمننا هذا حيث تنوعت الشواغل وكثرت المشاغل وازداد حرص الكثيرين حرصًا غير منضبط بحد ولكنه حرص على ما لا نفع فيه غالبًا، أو يكون ذا نتيجة عكسية وسلبية على المجتمع المسلم، وفي الوقت الذي كثرت فيه الوسائل التي تغري وتجذب الناس في متابعتها اتجه كثير منهم إلى ملء فراغه منها بما يعود عليه وعلى المجتمع سلبًا، وما ذاك إلا بترك الحرص على النفع والانشغال بملء الفراغ، ومصارعة النفس بعضها بعضًا وإقحامها في كثير من الأحيان فيما لا ينفعها.
وليس الأمر مقتصرًا على الفرد، بل يخاطب أيضًا وبقوة كل المؤسسات والشركات، ويتناول كل وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة، وهذه الأخيرات لها النصيب الأكبر من سلبيات الناشئة، حيث فتحت ألسنتها بكل ما يسمع ويقال، فلم يستطع متابعوها التمييز بين النافع والضار منها إلا بشق الأنفس، بل ساهمت بشكل مباشر في الترويج للتوافه من الناس ومن الأخبار، وصدرت من حقه أن يكون في آخر اهتمامات الناس، حتى جعلتهم رموزاً ومشاهير وقدوات!
وإذا التزمنا العدل والإنصاف فإن من تلك الوسائل ما ساهم في رفع الجهل عن المجتمعات، وفتح نوافذ شفافة على العالم، وساعد أيضًا في تخطي كثير من الحواجز بين المجتمعات بنقل كل الصور الحياتية للمجتمعات، ولكن يبقى الأهم وهو الممزوج بما أردنا الحديث عنه، الحرص على النفع، فالكاتب يحرص على ما ينفعه من الكتابة، والقارئ والسامع يحرصان على ما ينفعهما أيضًا منها، وعلى ذلك قل في المتكلم والمغرد (والمُسَنِّب) والطالب للعلم والتاجر والصانع، وكل من حركته الهمة لعمل عملٍ ما، فقبل أي عمل، وقبل أي قول، يضع من أراد أن يكون الأحب إلى الله، بعد (استعن بالله)، (احرص على ما ينفعك) نصب عينه. هذا، والله من وراء القصد.
الرياض
عادل الكلباني
ليس المراد بالحرص على النفع هنا التمحور حول «حب الذات» بل المراد هو سلوك مسلك التكامل وتحصيل النفع الفردي والجماعي الذي يظهر من خلاله المسلمون «أقوياء» في عقيدتهم وأفكارهم وثقافاتهم، ويتكئون على جيل قوي لا يستهويه ضياع الأوقات، ولا كثرة الملهيات، ولا يصده صادّ عن نفع الإنسان وبناء الأوطان..
لا ينضب معين الحكمة النبوية، مهما اغترف منه الآخذون، بل يتضح كلما أكثر الناس من الاغتراف منه أنه نهر سماوي شفاء للعقول، ومصلح للبشرية على كل أحوالها، ومن ذلك هذه الجملة المجتزأة من حديث طويل تستهل كلماته بعبارة واضحة الدلالة على المطلب الرباني الذي يضع المؤمن القوي في أعلى درجتي المحبة، وهما المحبوب والأحب، فحيث تشاركا في الاسم "المؤمن" تشاركا أيضًا في أصل المحبة لكنّ أحدهما "أحبّ" لمعنىً كان هو السبب في إحداثه في ذاته حتى صار صفة له مرتبطة بإيمانه، "المؤمن القوي" ومن غير المفيد أن نعدد أو نسمي أوجه القوة التي ذكرها أهل العلم هنا؛ لأن ذلك من بدهيات المعرفة، ولكن مما قد يخفى على كثير من الناس، ويظنون أن مجرد التوفيق والحظ هو من يجعل هذا قويًّا وهذا ضعيفًا، أعقب بأهم سبب، بل بآكد طريق للوصول إلى مرتبة الانتفاع والنفع فقال "احرص على ما ينفعك" وهو خطاب يتلذذ به كل سامع، إذ إنه عين الحكمة والصواب، وما أخذ به سائر في طريق إلا حقق هدفه فردًا كان أو جماعة!
وقد كان الأوائل شديدي الحرص على المنفعة، وعندهم فقهيات الأولوية لا يجهله صغيرهم فضلًا عن كبيرهم وعالمهم، فظهرت في أزمنتهم ما تميزت به الشعوب المسلمة من الحضارة والسبق في كل نواحي الحياة، في الطب والعمران والصناعة والزراعة وفي كل الاتجاهات.
وليس المراد بالحرص على النفع هنا التمحور حول "حب الذات" بل المراد هو سلوك مسلك التكامل وتحصيل النفع الفردي والجماعي الذي يظهر من خلاله المسلمون "أقوياء" في عقيدتهم، وأقوياء في أفكارهم وثقافاتهم ومعايشهم وحضارتهم، ويتكئون على جيل قوي محبوب لا يستهويه ضياع الأوقات، ولا كثرة الملهيات، ولا يصده صادّ عن نفع الإنسان وبناء الأوطان، وقد مهد النبي صلى الله عليه وآله لذلك طريقًا لا يحتاج إلى مشقة بقدر حاجته إلى العزم: "احرص على ما ينفعك".
وفي زمننا هذا حيث تنوعت الشواغل وكثرت المشاغل وازداد حرص الكثيرين حرصًا غير منضبط بحد ولكنه حرص على ما لا نفع فيه غالبًا، أو يكون ذا نتيجة عكسية وسلبية على المجتمع المسلم، وفي الوقت الذي كثرت فيه الوسائل التي تغري وتجذب الناس في متابعتها اتجه كثير منهم إلى ملء فراغه منها بما يعود عليه وعلى المجتمع سلبًا، وما ذاك إلا بترك الحرص على النفع والانشغال بملء الفراغ، ومصارعة النفس بعضها بعضًا وإقحامها في كثير من الأحيان فيما لا ينفعها.
وليس الأمر مقتصرًا على الفرد، بل يخاطب أيضًا وبقوة كل المؤسسات والشركات، ويتناول كل وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة، وهذه الأخيرات لها النصيب الأكبر من سلبيات الناشئة، حيث فتحت ألسنتها بكل ما يسمع ويقال، فلم يستطع متابعوها التمييز بين النافع والضار منها إلا بشق الأنفس، بل ساهمت بشكل مباشر في الترويج للتوافه من الناس ومن الأخبار، وصدرت من حقه أن يكون في آخر اهتمامات الناس، حتى جعلتهم رموزاً ومشاهير وقدوات!
وإذا التزمنا العدل والإنصاف فإن من تلك الوسائل ما ساهم في رفع الجهل عن المجتمعات، وفتح نوافذ شفافة على العالم، وساعد أيضًا في تخطي كثير من الحواجز بين المجتمعات بنقل كل الصور الحياتية للمجتمعات، ولكن يبقى الأهم وهو الممزوج بما أردنا الحديث عنه، الحرص على النفع، فالكاتب يحرص على ما ينفعه من الكتابة، والقارئ والسامع يحرصان على ما ينفعهما أيضًا منها، وعلى ذلك قل في المتكلم والمغرد (والمُسَنِّب) والطالب للعلم والتاجر والصانع، وكل من حركته الهمة لعمل عملٍ ما، فقبل أي عمل، وقبل أي قول، يضع من أراد أن يكون الأحب إلى الله، بعد (استعن بالله)، (احرص على ما ينفعك) نصب عينه. هذا، والله من وراء القصد.
الرياض