• ×
admin

حقاً.. جنة المؤمن بيته

حقاً.. جنة المؤمن بيته

محمد بشير كردي

في بيتك من السرور بقدر ما فيه من السماء. توجيه من الأقدمين عند تشييد المساكن، نجده معمولًا به في العديد من المدن العربيَّة والإسلاميَّة التراثيَّة، وكذا في المساكن والقصور في المغرب الكبير ومدن إقليم الأندلس الإسبانيَّة. مساكن وقصور حافظت على أصالتها وما تزال شاهدة على الزمن الجميل، تُبهر محترفي الهندسة والتصميم وعشَّاق الجمال العمراني، على الرغم من مرور مئات السنين على تشييدها. تجد نفسك، وأنتَ تدخل تلك القصور، أو المساكن التي تصلها مارًا بين أزقَّةٍ ملتوية، وحاراتٍ ضيَّقة، واقفًا أمام فناء رحيب تتوسَّطه بركة تتدفَّق منها المياه، وتحيط به غرف واسعة وأشجار باسقة وعرائش. بيوت بمحتوياتها على سعتها وتنسيقها، ملبِّية متطلَّبات الصحَّة والراحة.

في الفناء والصَّالة، كان يجلس كبير العائلة مع الأبناء والأحفاد، جميعهم تحت سقفٍ واحد. في ذلك إتاحة للعائلة القاطنة ضمن جدرانه المغلقة على الخارج؛ باستثناء بوابَّة الدخول، متعة الانفراد بحياتها وخصوصيَّاتها دون تنصُّت الجيران على ما يدور بين أفرادها من حديث. وهذا ما لا يتوفَّر لقاطني الشقق الإسمنتيَّة الحديثة في الأبنية المشتركة متعدّدة الطوابق، والأبراج العالية التي يروج إعمارها في مدننا العربيَّة والإسلاميَّة.

تُذكِّرني هذه المباني الإسمنتيَّة والأبراج التي تشبه في تصميمها ناطحات السحاب؛ بطفولةِ العديد مِنَّا عندما كُنَّا نجمع علب الكبريت الفارغة لنرصَّها فوق بعضها على شكل أبراج تُماثِل مَا كُنَّا نُشاهده في السينما من مجمَّعات وأبراج سكنيَّة في مدن الغرب، ترتفع إلى عنان السماء متلاصقة، حتَّى ليُخيَّل للناظر إليها عن بُعد إمكانيَّة مصافحة سُكَّان الأبراج المتقابلة بعضهم بعضًا عبر نوافذ الشقق المفتوحة على الخارج، لتُسرِّب الضوء وحرارة الشمس إليها، ومناجاة القمر أو الشمس من نوافذها.

اليابانيَّون من أكثر الشعوب حرصًا على إتاحة دخول ضوء الشمس والقمر لكلِّ مسكن فوق أراضيها، لإدخال الفرح والسرور على سُكَّانها. ولا يخلو مسكن مهما ضاقت مساحته من فسحة ولو صغيرة لحديقة يابانيَّة الطراز، فيها شجيرات مقزَّمة حول بركة وجدول مياه جارية. وفي حالة رغبة أحدهم بناء مسكن جديد، عليه الحصول على موافقة الجيران مُقدَّمًا بعد إطلاعهم على تصميم البناء، ليتأكَّدوا من أنَّه لن يحرمهم من فسحة السماء وضوء الشمس والقمر، ولا من رؤية لحديقة أو معبد أو نصب تذكاري. وفي حال تسبّب البناء في حرمانهم من ميزة من تلك الميزات أو بعضها، عليه إرضاءهم بتعويض مالي مقابل فقدان منازلهم ميزاتها.

في سلوك اليابانيِّين، هذا احترام للجار وحقوقه، ويتوافق مع قول يُعزى لرسولنا الكريم عليه الصلاة والسلام: ما زالَ جبريلُ يُوصيني بالجارِ حتَّى ظَنَنْتُ أنَّهُ سيُورِّثُهُ.

ما أجملَ بلدنا وهي تُجدِّد بنيانها؛ أن نُخطِّط لأحياءٍ سكنيَّة حديثة تتوفَّر في مساكنها الخصوصيَّةُ وحريَّةُ الحركة والتمتُّع بفسحتها الداخليَّة، وقد شُجِّرت ونبتت فيها الزهور والورود وشجيرات النخل والفاكهة لتعمَّها الخصوصيَّة والفرح والسرور كلَّ من فيها، ويحول بينهم وبين تطفُّل آخرين على حياتهم داخل مساكنهم، ولذلك قيل: جنَةُ المُؤمنِ بيْتُهُ.

المدينة
بواسطة : admin
 0  0  226