• ×
admin

مولع بقراءة الروايات

مولع بقراءة الروايات

حسين علي

بدأت قراءة الروايات مبكراً، ربما في السادس أو الخامس الابتدائي، اجتذبتني الروايات التي أطلقنا عليها تهكماً، عندما كبرنا، صفة "الروايات الإنسانية"! هذه الروايات وسعت خيالي وأمدتني بشحنة رومانسية، قبل أوانها أو أواني! كانت الروايات أو القصص أو الصور القلمية أو الإنسانية، بأقلام "المنفلوطي، ومحمد عبدالحليم عبدالله، ومحمود تيمور، وبيرل باك، وفيكتور هيجو"، وبعد ذلك بسنوات قليلة، بناء على نصائح رفاق الدرب، اتجهت للروايات "الوالعة" أو الخارجة عن مألوفنا، العامرة بالعواطف المشبوبة، والخيانات الزوجية، والغزل؛ لكتاب مثل "يوسف السباعي، ووفيق العلايلي، وإحسان عبدالقدوس، وليلى بعلبكي، والبرتو مورافيا، وارسكين كالدويل، وفلاديمير نابوكوف"، وبعد ذلك دخلت إلى الروايات، التي لا تقرأ بسهولة ويسر إلا قليلاً، روايات تضعك وسط عالم متشابك، قد يكون معقداً، أو متعدد الأبعاد والطبقات والمستويات، ففيها كافة العلوم واللواعج والأطوار البشرية، من خلال السرد الحر الذاتي والتاريخي والعاطفي والواقعي والاجتماعي والنفسي، روايات قصيرة وطويلة، بعضها من عدة أجزاء، فيها تجليات الحكمة، وتأملات الفلاسفة والعشاق، فيها طبائع وعادات البشر بكافة أطوارهم وتقلباتهم، فيها تخليق الجماد وتجلياته، جماله وقبحه، رقته وخشونته وغلظته؛ ومقاومته لعاديات الأيام والدهور والزوابع الترابية والمائية والبركانية؛ وكل رواية من هذه الروايات تحسها أحياناً ضيفاً حميماً أو ثقيلاً، أو عبئاً لن يفارقك إلا وقد ترك عندك من نفسه هماً مقيماً لا يرحل ببساطة ويسر ونكران ذات؛ جرب أن تمكث ساعتين مع بطل "الغريب" للبير كامو أو بطل "المسخ" لكافكا، أو أبطال روايات "الإخوة كرامازوف، والجريمة والعقاب، والعقب الحديدية، والجحيم، والصخب والعنف، وفئران ورجال، والدون الهادئ، واللورد جيم، وموبي ديك، وثلاثية نجيب محفوظ، وثلاثية محمد ديب"؛ عشرات الروايات المؤثرة، كل واحدة منها أمدتني بفيض من الخيال والأفكار والمواقف الإنسانية.

ثقافة شاملة تمدنا بها الروايات الكبيرة؛ ثقافة تتوغل في حياة الأفراد والمجتمعات والعادات والتقاليد والمناسبات والمواقف الإنسانية؛ وهي تصوير حي ومؤثر للحروب وما تجره على الأمم والشعوب، وتصوير حي ومؤثّر للعلل والأوبئة (الطاعون للبير كامو) وكنز لا ينضب من المعلومات عن مدن وقارات بما فيها من موروثات ثقافية واجتماعية واقتصادية؛ أميركا اللاتينية بكل بهائها وتنوعها وعنفوانها سوف تجدها حاضرة في أعمال "ماركيز، والليندي، ويوسا، وبورخيس، وغالا، وميندوثا، وأمادوا، وثيلا"، وأفريقيا بموروثها الاجتماعي الخصب، وثقافتها وعللها ومعاناتها مع الأمراض والاستعمار والتناقضات القبلية، سوف تجدها في أعمال "الطيب صالح، وسوينكا، وجيمس نغومي، ولينارد كيبيرا، توشينو ايتشيبي، وغابرييل أوكارا، وبيتر أبراهامز، وموسى ولد ابنو، وحجي جابر"، والمماليك ودراويش الحسين والمتصوفة بتجلياتهم وطلعاتهم في اعمال "جمال الغيطاني"، والبحر وأهواله في أعمال "هيرمان ملفيل" و"حنا مينا"؛ والصخب والقلق الإنساني في أعمال "سارتر، وكولن ولسن، وأنيس زكي حسن".

هذه العوالم الثرية المتضاربة إلى حد التناقض لم أجدها إلا في الروايات، لا المسرح ولا الشعر ولا الأوبرا ولا السينما قادرة على هذا التصوير، وتلك المعالجات؛ هذه العوالم ومنذ وقت مبكر، جعلتني مقبلاً على قراءة الروايات، ومبتعداً، إلا قليلاً، عن قراءة الشعر والمسرح!

الرياض
بواسطة : admin
 0  0  217