العالم.. ومرحلة ما بعد كورونا
العالم.. ومرحلة ما بعد كورونا
عاصم حمدان
كشف موضوع انتشار داء كورونا عن معطيات حضارية وسياسية وفكرية؛ بحيث يمكن القول إن هناك ما يُسمّى بــ»مرحلة ما قبل كورونا»، و»مرحلة ما بعد كورونا»..، وكأن هذا الداء جاء لينبّه الناس عن غفلتهم، وابتعادهم عمّا افترضه الله عليهم من حسن عبادته، ومن كريم عطائه، مشيرين إلى أن كتاب الله احتوى على العديد من الآيات التي تحثّ على الصدقة، والإحسان، وتذكّر الأرحام والأصهار؛ بل إننا نجد في هذا الكتاب الكريم، الذي ختم به الله كتب التوحيد والديانات، قد وردت الصدقة بمعنى العطف على المحتاجين أينما وُجدوا، مقرونة بأداء فريضة الصلاة، ممّا يستدل به على عظمة هذا المقصد الشرعي، ووجوب تعمّقه في قلوب الناس وعقولهم، وأذهانهم، لأنه هو الطريق الذي يخفّف من غلو النفس، وكبريائها، وغطرستها، مما يؤدي بها في النهاية إلى ما لا تحمد عقباه.
بداية كشفت الأزمة عن خلافٍ متأصّلٍ بين الدول الأوروبية، فنحن نجد مثلاً بلدًا ذا حضارة عريقة مثل إيطاليا يلجأ إلى روسيا بدلاً من لجوئه إلى بني قومه. كما نجد دولاً أوروبية أخرى تلوذ بالعدو القديم -نعني الاتحاد السوفيتي- الذي لا يجد طريقًا تتأجج فيه العلاقة بين بلد وآخر إلا وتسلل إليه وانغمس فيه. كما نجد أن البيت الأبيض يستثني بريطانيا من قطع رحلاته الجوية بينه وبين العالم، وكأنه بذلك يدقّ إسفينًا بين بريطانيا وشركائها السابقين في الاتحاد الأوروبي، ولا ننسى كذلك أن إدارة ترامب كانت منحازة إلى انتخاب بوريس جونسون رئيسًا لوزراء بريطانيا، ولم يخفِ ترامب هذه الغاية أو ذاك المطلب.
وفي ذات السياق؛ نجد أن بعض الرؤساء والمسؤولين لم يكونوا على مستوى الحدث، فقد كشفت الصحافة الأمريكية أن رئيس استخبارات الولايات المتحدة الأمريكية قد حذّر المسؤولين في البيت الأبيض من خطر داهم وسمّاه بالفيروس، وأنه قادم من الصين، ولم تأخذ إدارة ترامب هذا التحذير على محمل الجد، ورأينا كيف أن ترامب في العديد من مؤتمراته الصحفية ولقاءاته الجماهيرية كان يقلّل من هذا الخطر الداهم، ويتحدث عنه بلغة أقل ما توصف به أنها كانت خالية من روح المسؤولية، وغير مدركة لواقع الحال، وفشو الداء بسرعة جنونية.
وهو الحال نفسه الذي وجدناه عند رئيس وزراء بريطانيا بوريس جونسون، عديم التجربة السياسية، فقد دأب منذ حلول هذه الكارثة الإنسانية يتحدّث عن هذا الموضوع الجاد والخطير بلغة مازحة وسطحية؛ بل يخاطب البريطانيين بأن يعدوا أنفسهم لفراق أحبابهم، بما يبعث على الإحباط والخوف والهلع في النفوس.
وفي الوقت الذي توقعنا فيه أن تتضافر الجهود من أجل مواجهة هذا الداء الخفي، برزت على السطح نظرية المؤامرة، وتولَّت بعض الصحف الأمريكية قيادة هذا التيار، فجنحت إلى زعم مثير للاستغراب بادعاء أن الصين وراء نشر هذا الفيروس انتقامًا من الولايات المتحدة الأمريكية، بما وسّع من دائرة هذه النظرية، وبدأ الجميع يدحرج كرة الاتهام باتجاه الآخر.
ومن جانب آخر؛ لابد أن نشير إلى أن مواقف معظم الدول العربية والإسلامية، وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية أخذت الموضوع بصيغة جادة وأسلوب يعي مخاطر انتشار مثل هذا الوباء. ومعلوم أن الدين الإسلامي جاء ليعمر الأرض، ويبني النفوس، وينشر الأخلاق، وخصوصًا في التعامل مع الآخر، أيًّا كان دينه ولونه وعرقه. لأن كثيرًا من المفكّرين ذوي الجذور الغربية، ويأتي في مقدمتهم المفكّر محمّد أسد، الذي وصف الحضارة الغربية بأنها تنظر بعين واحدة؛ وهي المادة، بينما تهمّش النظرة الروحية التي تطبع الحضارات بسمات كثيرة تسهم في ذيوعها بين الناس.
عودًا على بدء.. إن العالم يعيش وضعًا كارثيًا، ولسنا بمعزل عن هذه الكارثة، وهنا يتجلى دورنا الحضاري باستشعار واستنهاض الأبعاد الروحية في الحضارة العالمية المادية الطاغية في عالم اليوم، فما أحوج العالم، ونحن معه، إلى روح جديدة تعيد ترتيب النفوس على الأخلاق، وتقود سفينة الحياة بالشمائل الإنسانية الرفيعة، التي هي أساس وروح ديننا الحنيف.
المدينة
عاصم حمدان
كشف موضوع انتشار داء كورونا عن معطيات حضارية وسياسية وفكرية؛ بحيث يمكن القول إن هناك ما يُسمّى بــ»مرحلة ما قبل كورونا»، و»مرحلة ما بعد كورونا»..، وكأن هذا الداء جاء لينبّه الناس عن غفلتهم، وابتعادهم عمّا افترضه الله عليهم من حسن عبادته، ومن كريم عطائه، مشيرين إلى أن كتاب الله احتوى على العديد من الآيات التي تحثّ على الصدقة، والإحسان، وتذكّر الأرحام والأصهار؛ بل إننا نجد في هذا الكتاب الكريم، الذي ختم به الله كتب التوحيد والديانات، قد وردت الصدقة بمعنى العطف على المحتاجين أينما وُجدوا، مقرونة بأداء فريضة الصلاة، ممّا يستدل به على عظمة هذا المقصد الشرعي، ووجوب تعمّقه في قلوب الناس وعقولهم، وأذهانهم، لأنه هو الطريق الذي يخفّف من غلو النفس، وكبريائها، وغطرستها، مما يؤدي بها في النهاية إلى ما لا تحمد عقباه.
بداية كشفت الأزمة عن خلافٍ متأصّلٍ بين الدول الأوروبية، فنحن نجد مثلاً بلدًا ذا حضارة عريقة مثل إيطاليا يلجأ إلى روسيا بدلاً من لجوئه إلى بني قومه. كما نجد دولاً أوروبية أخرى تلوذ بالعدو القديم -نعني الاتحاد السوفيتي- الذي لا يجد طريقًا تتأجج فيه العلاقة بين بلد وآخر إلا وتسلل إليه وانغمس فيه. كما نجد أن البيت الأبيض يستثني بريطانيا من قطع رحلاته الجوية بينه وبين العالم، وكأنه بذلك يدقّ إسفينًا بين بريطانيا وشركائها السابقين في الاتحاد الأوروبي، ولا ننسى كذلك أن إدارة ترامب كانت منحازة إلى انتخاب بوريس جونسون رئيسًا لوزراء بريطانيا، ولم يخفِ ترامب هذه الغاية أو ذاك المطلب.
وفي ذات السياق؛ نجد أن بعض الرؤساء والمسؤولين لم يكونوا على مستوى الحدث، فقد كشفت الصحافة الأمريكية أن رئيس استخبارات الولايات المتحدة الأمريكية قد حذّر المسؤولين في البيت الأبيض من خطر داهم وسمّاه بالفيروس، وأنه قادم من الصين، ولم تأخذ إدارة ترامب هذا التحذير على محمل الجد، ورأينا كيف أن ترامب في العديد من مؤتمراته الصحفية ولقاءاته الجماهيرية كان يقلّل من هذا الخطر الداهم، ويتحدث عنه بلغة أقل ما توصف به أنها كانت خالية من روح المسؤولية، وغير مدركة لواقع الحال، وفشو الداء بسرعة جنونية.
وهو الحال نفسه الذي وجدناه عند رئيس وزراء بريطانيا بوريس جونسون، عديم التجربة السياسية، فقد دأب منذ حلول هذه الكارثة الإنسانية يتحدّث عن هذا الموضوع الجاد والخطير بلغة مازحة وسطحية؛ بل يخاطب البريطانيين بأن يعدوا أنفسهم لفراق أحبابهم، بما يبعث على الإحباط والخوف والهلع في النفوس.
وفي الوقت الذي توقعنا فيه أن تتضافر الجهود من أجل مواجهة هذا الداء الخفي، برزت على السطح نظرية المؤامرة، وتولَّت بعض الصحف الأمريكية قيادة هذا التيار، فجنحت إلى زعم مثير للاستغراب بادعاء أن الصين وراء نشر هذا الفيروس انتقامًا من الولايات المتحدة الأمريكية، بما وسّع من دائرة هذه النظرية، وبدأ الجميع يدحرج كرة الاتهام باتجاه الآخر.
ومن جانب آخر؛ لابد أن نشير إلى أن مواقف معظم الدول العربية والإسلامية، وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية أخذت الموضوع بصيغة جادة وأسلوب يعي مخاطر انتشار مثل هذا الوباء. ومعلوم أن الدين الإسلامي جاء ليعمر الأرض، ويبني النفوس، وينشر الأخلاق، وخصوصًا في التعامل مع الآخر، أيًّا كان دينه ولونه وعرقه. لأن كثيرًا من المفكّرين ذوي الجذور الغربية، ويأتي في مقدمتهم المفكّر محمّد أسد، الذي وصف الحضارة الغربية بأنها تنظر بعين واحدة؛ وهي المادة، بينما تهمّش النظرة الروحية التي تطبع الحضارات بسمات كثيرة تسهم في ذيوعها بين الناس.
عودًا على بدء.. إن العالم يعيش وضعًا كارثيًا، ولسنا بمعزل عن هذه الكارثة، وهنا يتجلى دورنا الحضاري باستشعار واستنهاض الأبعاد الروحية في الحضارة العالمية المادية الطاغية في عالم اليوم، فما أحوج العالم، ونحن معه، إلى روح جديدة تعيد ترتيب النفوس على الأخلاق، وتقود سفينة الحياة بالشمائل الإنسانية الرفيعة، التي هي أساس وروح ديننا الحنيف.
المدينة