عطستْ الصين فأصيب العالم كله بالكورونا
عطستْ الصين فأصيب العالم كله بالكورونا
محمد خضر عريف
في زيارتي الأخيرة القريبة للولايات المتحدة الأمريكية، سألت إحدى البائعات عن منتج معين أردت شراءه ما إذا كان مصنوعاً في أمريكا، فردَّت بجواب لافت يثير الدهشة: «لا شيء يُصنع اليوم في أمريكا»، وحين فكَّرتُ مليَّاً في كلامها الذي جاء عفو الخاطر، أيقنتُ أنها على حق، إذ كل ما من حولنا صيني، ملبوساتنا، أدواتنا الكهربائية والمنزلية وحتى سياراتنا أصبح معظمها مستورداً من الصين، وليس ذلك قاصراً علينا أو على الدول النامية فحسب، فحتى الدول المتقدمة وفي مقدمتها أمريكا تعتمد بالدرجة الأولى والأخيرة على المنتوجات الصينية، رغم كل القيود والرسوم والضرائب التي فرضتها وما تزال تفرضها أمريكا على المنتوجات الصينية خاصة في عهد ترامب، إلَّا أن عبارة «صُنع في الصين»، لم تزل هي الماركة المسجلّة لمعظم متطلبات الحياة داخل أمريكا وخارجها. ولا يعني ذلك طبعاً أن ليس في الأسواق منتجات لصناعات في دول أخرى، فتفقُّد أشهر الماركات العالمية في الملبوسات أو الأحذية التي تُباع بأسعار فلكية، يُظهر أن كثيراً منها صُنع في بنجلاديش وفيتنام بل وفي مصر، وطالما أرجع ذلك رجال الاقتصاد إلى رخص الأيدي العاملة مقارنة بأوروبا وأمريكا. وهذه الحقيقة الصادمة ازدادت وضوحاً خلال الأزمة الخانقة الحالقة التي يعيشها العالم كله دون أي استثناء لأي دولة جراء انتشار فيروس كورونا الذي أصاب الاقتصاد العالمي في مقتل، فشلَّ الحراك المالي والعملي في أرجاء المعمورة، وأُغلقتْ المصانع والمتاجر، وتوقفت الطائرات عن الطيران، وعُلِّقت الدراسة، وأُلغيتْ التجمعات والاجتماعات على المستوى الدولي رفيع المستوى، وهوتْ أسواق الأسهم الى أدنى مستوياتها كما لم يحدث قبل ذلك في التاريخ، وانخفضت أسعار الطاقة في العالم، ونحن المسلمين نوقن بأنه ابتلاء من الله للناس قاطبة الذين انشغلوا بالمادة، فسخَّر الله لهم أصغر جنده الذي لا نراه فعاد بالبشرية عشرات السنين الى الوراء، وقد تبين من خلال هذا الابتلاء أن المقولة التي كانت سائدة من «أن أمريكا لو عطستْ لأُصيب العالم كله بالزكام» مقولة خاطئة، والحق اليوم «أن الصين لو عطست لأصيب العالم كله بالزكام والكورونا»، وإن تكن هذه العبارة تحمل الكثير من التورية، فإن المعنى المباشر لها هو أن الصين إن اعتلَّتْ ْاقتصادياً فسيعتلُّ العالم كله، فاعتلالها يعني استغناءها عن كميات كبيرة من النفط كانت تستوردها، كما يعني توُّقف عجلة مصانعها عن الدوران. وأسلفتُ أن العالم كله يعتمد على منتوجاتها في كل مناحي الحياة دون استثناء، وتحتاج دول العالم كله الى قطع غيار لآليات كثيرة لا تُحصى مُصنَّعة في الصين، ولا بدائل أخرى لها، وهكذا. وما عاد أحد يتحدث عن رداءة المصنوعات الصينية فهي الموجود بل فخر الموجود، ولا يهتم الناس اليوم إلَّا بالأسعار المتدنية. وقد أثبتت أزمة كورونا التي نعيشها اليوم صحة مقولة نابليون: «الويل لأمة لا تأكل مما تزرع، ولا تلبس مما تصنع»، وكنَّا نصرف هذه المقولة المهمة على الدول النامية على وجه الخصوص في الماضي القريب، حتى تمطَّى المارد الصيني وأغرق العالم كله بصناعاته، فأصبحت دولٌ متقدمة كثيرة لا تأكل مما تزرع ولا تلبس مما تصنع، وفي مقدمتها دول أمريكا وأوروبا. وقد نبَّهَنَا هذا الفيروس المستحقر أن الصين لو توقف إنتاجها لسبب أو لآخر سُيعرَّى العالم كله.. وعليه لا بدَّ من ثورة صناعية خامسة إن جاز التعبير تتعدى آفاق التكنولوجيا الباهرة الى فضاءات اعتماد كل دولة على أيديها العاملة الوطنية لصناعة كل ما يلزمها من الإبرة الى الصاروخ كما يقولون، وفي مقدمتها مملكتنا الحبيبة التي تتجاوز نسبة الشباب فيها ستين إلى سبعين في المائة، وكلهم ولله الحمد مؤهلون علمياً ومهارياً لنحقق رؤية 2030، ونستغني بما نزرع ونصنع إن شاء الله.
المدينة
محمد خضر عريف
في زيارتي الأخيرة القريبة للولايات المتحدة الأمريكية، سألت إحدى البائعات عن منتج معين أردت شراءه ما إذا كان مصنوعاً في أمريكا، فردَّت بجواب لافت يثير الدهشة: «لا شيء يُصنع اليوم في أمريكا»، وحين فكَّرتُ مليَّاً في كلامها الذي جاء عفو الخاطر، أيقنتُ أنها على حق، إذ كل ما من حولنا صيني، ملبوساتنا، أدواتنا الكهربائية والمنزلية وحتى سياراتنا أصبح معظمها مستورداً من الصين، وليس ذلك قاصراً علينا أو على الدول النامية فحسب، فحتى الدول المتقدمة وفي مقدمتها أمريكا تعتمد بالدرجة الأولى والأخيرة على المنتوجات الصينية، رغم كل القيود والرسوم والضرائب التي فرضتها وما تزال تفرضها أمريكا على المنتوجات الصينية خاصة في عهد ترامب، إلَّا أن عبارة «صُنع في الصين»، لم تزل هي الماركة المسجلّة لمعظم متطلبات الحياة داخل أمريكا وخارجها. ولا يعني ذلك طبعاً أن ليس في الأسواق منتجات لصناعات في دول أخرى، فتفقُّد أشهر الماركات العالمية في الملبوسات أو الأحذية التي تُباع بأسعار فلكية، يُظهر أن كثيراً منها صُنع في بنجلاديش وفيتنام بل وفي مصر، وطالما أرجع ذلك رجال الاقتصاد إلى رخص الأيدي العاملة مقارنة بأوروبا وأمريكا. وهذه الحقيقة الصادمة ازدادت وضوحاً خلال الأزمة الخانقة الحالقة التي يعيشها العالم كله دون أي استثناء لأي دولة جراء انتشار فيروس كورونا الذي أصاب الاقتصاد العالمي في مقتل، فشلَّ الحراك المالي والعملي في أرجاء المعمورة، وأُغلقتْ المصانع والمتاجر، وتوقفت الطائرات عن الطيران، وعُلِّقت الدراسة، وأُلغيتْ التجمعات والاجتماعات على المستوى الدولي رفيع المستوى، وهوتْ أسواق الأسهم الى أدنى مستوياتها كما لم يحدث قبل ذلك في التاريخ، وانخفضت أسعار الطاقة في العالم، ونحن المسلمين نوقن بأنه ابتلاء من الله للناس قاطبة الذين انشغلوا بالمادة، فسخَّر الله لهم أصغر جنده الذي لا نراه فعاد بالبشرية عشرات السنين الى الوراء، وقد تبين من خلال هذا الابتلاء أن المقولة التي كانت سائدة من «أن أمريكا لو عطستْ لأُصيب العالم كله بالزكام» مقولة خاطئة، والحق اليوم «أن الصين لو عطست لأصيب العالم كله بالزكام والكورونا»، وإن تكن هذه العبارة تحمل الكثير من التورية، فإن المعنى المباشر لها هو أن الصين إن اعتلَّتْ ْاقتصادياً فسيعتلُّ العالم كله، فاعتلالها يعني استغناءها عن كميات كبيرة من النفط كانت تستوردها، كما يعني توُّقف عجلة مصانعها عن الدوران. وأسلفتُ أن العالم كله يعتمد على منتوجاتها في كل مناحي الحياة دون استثناء، وتحتاج دول العالم كله الى قطع غيار لآليات كثيرة لا تُحصى مُصنَّعة في الصين، ولا بدائل أخرى لها، وهكذا. وما عاد أحد يتحدث عن رداءة المصنوعات الصينية فهي الموجود بل فخر الموجود، ولا يهتم الناس اليوم إلَّا بالأسعار المتدنية. وقد أثبتت أزمة كورونا التي نعيشها اليوم صحة مقولة نابليون: «الويل لأمة لا تأكل مما تزرع، ولا تلبس مما تصنع»، وكنَّا نصرف هذه المقولة المهمة على الدول النامية على وجه الخصوص في الماضي القريب، حتى تمطَّى المارد الصيني وأغرق العالم كله بصناعاته، فأصبحت دولٌ متقدمة كثيرة لا تأكل مما تزرع ولا تلبس مما تصنع، وفي مقدمتها دول أمريكا وأوروبا. وقد نبَّهَنَا هذا الفيروس المستحقر أن الصين لو توقف إنتاجها لسبب أو لآخر سُيعرَّى العالم كله.. وعليه لا بدَّ من ثورة صناعية خامسة إن جاز التعبير تتعدى آفاق التكنولوجيا الباهرة الى فضاءات اعتماد كل دولة على أيديها العاملة الوطنية لصناعة كل ما يلزمها من الإبرة الى الصاروخ كما يقولون، وفي مقدمتها مملكتنا الحبيبة التي تتجاوز نسبة الشباب فيها ستين إلى سبعين في المائة، وكلهم ولله الحمد مؤهلون علمياً ومهارياً لنحقق رؤية 2030، ونستغني بما نزرع ونصنع إن شاء الله.
المدينة