عالمية القرآن ومدنية الأمم
عالمية القرآن ومدنية الأمم
علي بن محمد الرباعي
لا يمكن اعتبار صهيب الرومي، سلمان الفارسي، بلال الحبشي -رضي الله عنهم- أناساً عاديين. ولولا الوعي المتقدم الذي يتمتعون به لما تكبدوا المشاق للبحث عن دين جديد لاعتناقه، علماً بأن الوحي لم يكن بلغتهم ولا الرسول عليه السلام من قومهم، كما أن لكل منهم ديانة سابقة بحكم المولد والنشأة.
مؤكد أن في دين الإسلام النقي وأعني به (رسالة السماء قبل أن تتلقفها أهواء الأرض) خصائص إنسانية وأخلاقية تشد ألباب وأذهان الباحثين عن العدل والمساواة والرحمة، وتحفز فضول المؤمنين بعالمية تشريع منفتح على كل مكان وزمان، عبر نص موحد وغير مشتت للأذهان ولا مولّد للانقسامات.
لو أن إنساناً غير مسلم يبحث اليوم عن الإسلام ربما وقع في حيرة كبرى وحرج شديد بحكم أن النص الشفيف طرأت عليه أقوال وتفاسير ما بين مأثور ورأي وإشاري وعرفاني وباطني، ووظفته الأحكام الفقهية بين حنفي وشافعي وحنبلي ومالكي وظاهري واثني عشري. وبنت عليه المعتزلة والأشاعرة والسلفية والإمامية والأباضية والزيدية والإسماعيلية والماتريدية، رؤى وتصورات لأصول الدين.
الهداية حتماً عند الله ومن يرد به خيراً يفقهه في الدين ويشرح صدره للإسلام الفطري الأول كما أنزل على النبي عليه السلام فالشارب من المنبع ليس كمن يتلقف من بحيرة المصب.
سيقول قائل إن الإسلام تطور، وتراكم، بحكم فتح باب الاجتهاد والحد من الحجر على العقل وجمع المدونات والاختلاط بالثقافات، وهذا صحيح لكن التطور لم يكن محوره عقلانياً ومنطقياً وممكناً دائماً، بل غلبت العاطفة، والعواطف ليست منصفة دائماً بل من السهولة استمالتها بمؤثر سياسي أو اجتماعي أو اقتصادي.
دخول الإسلام في زمن العلم له أدوات ووسائل مختلفة عن أزمنة الوعظ والتوعية التقليدية، وربما يزهد البعض بتعرفه على سلوك بعض المسلمين، ومقارنتها بالقرآن، هذا إن لم يهرب وهو يرى أثر الطائفية والمذهبية والحزبية في بلاد العرب.
استوقفتني اجتهادات عمر بن الخطاب رضي الله عنه في آيتي السرقة، وسهم المؤلفة قلوبهم. وتساءلتُ «هل عارض علماء المسلمين قرار عصبة الأمم بتحرير الرقيق عام ١٩٢٧م»؟ بالطبع لم يعارضوا حسب علمي لأن عالمية القرآن تقتضي إعلاء وقبول المشتركات الإنسانية. وهذا متضمنٌ معنى صالحاً لكل زمان ومكان بتماهيه مع حق الإنسان في الحياة الكريمة، وطموحه بتحقيق قيم السلام، وتعاون وتكامل الشعوب، ودحض أسباب الكراهية والعنف (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا) التعارف بالحب لا بالبغض وبالاتصال لا الانفصال وبالسلام لا بالحرب.
ختاماً ما يغري الآخرين باعتناق دين الإسلام والبحث عنه والدخول فيه ليس الخلاف المذهبي ولا الأحزاب الطائفية ولا الجماعات الإسلاموية بل نقاء الدين ونظافته.
عكاظ
علي بن محمد الرباعي
لا يمكن اعتبار صهيب الرومي، سلمان الفارسي، بلال الحبشي -رضي الله عنهم- أناساً عاديين. ولولا الوعي المتقدم الذي يتمتعون به لما تكبدوا المشاق للبحث عن دين جديد لاعتناقه، علماً بأن الوحي لم يكن بلغتهم ولا الرسول عليه السلام من قومهم، كما أن لكل منهم ديانة سابقة بحكم المولد والنشأة.
مؤكد أن في دين الإسلام النقي وأعني به (رسالة السماء قبل أن تتلقفها أهواء الأرض) خصائص إنسانية وأخلاقية تشد ألباب وأذهان الباحثين عن العدل والمساواة والرحمة، وتحفز فضول المؤمنين بعالمية تشريع منفتح على كل مكان وزمان، عبر نص موحد وغير مشتت للأذهان ولا مولّد للانقسامات.
لو أن إنساناً غير مسلم يبحث اليوم عن الإسلام ربما وقع في حيرة كبرى وحرج شديد بحكم أن النص الشفيف طرأت عليه أقوال وتفاسير ما بين مأثور ورأي وإشاري وعرفاني وباطني، ووظفته الأحكام الفقهية بين حنفي وشافعي وحنبلي ومالكي وظاهري واثني عشري. وبنت عليه المعتزلة والأشاعرة والسلفية والإمامية والأباضية والزيدية والإسماعيلية والماتريدية، رؤى وتصورات لأصول الدين.
الهداية حتماً عند الله ومن يرد به خيراً يفقهه في الدين ويشرح صدره للإسلام الفطري الأول كما أنزل على النبي عليه السلام فالشارب من المنبع ليس كمن يتلقف من بحيرة المصب.
سيقول قائل إن الإسلام تطور، وتراكم، بحكم فتح باب الاجتهاد والحد من الحجر على العقل وجمع المدونات والاختلاط بالثقافات، وهذا صحيح لكن التطور لم يكن محوره عقلانياً ومنطقياً وممكناً دائماً، بل غلبت العاطفة، والعواطف ليست منصفة دائماً بل من السهولة استمالتها بمؤثر سياسي أو اجتماعي أو اقتصادي.
دخول الإسلام في زمن العلم له أدوات ووسائل مختلفة عن أزمنة الوعظ والتوعية التقليدية، وربما يزهد البعض بتعرفه على سلوك بعض المسلمين، ومقارنتها بالقرآن، هذا إن لم يهرب وهو يرى أثر الطائفية والمذهبية والحزبية في بلاد العرب.
استوقفتني اجتهادات عمر بن الخطاب رضي الله عنه في آيتي السرقة، وسهم المؤلفة قلوبهم. وتساءلتُ «هل عارض علماء المسلمين قرار عصبة الأمم بتحرير الرقيق عام ١٩٢٧م»؟ بالطبع لم يعارضوا حسب علمي لأن عالمية القرآن تقتضي إعلاء وقبول المشتركات الإنسانية. وهذا متضمنٌ معنى صالحاً لكل زمان ومكان بتماهيه مع حق الإنسان في الحياة الكريمة، وطموحه بتحقيق قيم السلام، وتعاون وتكامل الشعوب، ودحض أسباب الكراهية والعنف (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا) التعارف بالحب لا بالبغض وبالاتصال لا الانفصال وبالسلام لا بالحرب.
ختاماً ما يغري الآخرين باعتناق دين الإسلام والبحث عنه والدخول فيه ليس الخلاف المذهبي ولا الأحزاب الطائفية ولا الجماعات الإسلاموية بل نقاء الدين ونظافته.
عكاظ