قوة السرور
قوة السرور
د. فهد الماجد
عيدكم مبارك، وعيدكم سعيد، تقبَّل الله منا ومنكم و:»للصائم فرحتان فرحة عند فطره، وفرحة عند لقاء ربه». كما قال الصادق المصدوق عليه الصلاة والسلام. فالابتهاج بالعيد، والفرح به ينبع من الفطرة الإنسانية قبل أن يكون سنة وشريعة.
والعيد هو يوم الأطفال بالفرح، ويوم المحتاجين بالمواساة، ويوم القربى بالتراحم، ويوم الناس جميعاً بالتسامح، ويوم الأصدقاء بتجديد أواصر المودَّة، وهو أيضاً: يوم التهاني، وترى الناس، يحاول الكثير منهم أن يأتي بمعنى مبتكر في التهنئة. قال أبو هلال العسكري في كتابه «ديوان المعاني»: ولستُ أختار من التهاني بالأعياد على أبيات الأشجع شيئاً:
لا زِلتَ تنشُرُ أعياداً وتطويها
تمضي بها لَكَ أيّامٌ وتثنيها
مستقبلاً لذَّة الدينا وبَهْجَتَها
أيامُها لك نظمٌ في لياليها
وكتاب ديوان المعاني هذا كتاب بديع، وقد اشتغلت به زمناً في مطالعته والتعليق منه، وهو قائم على اختيار المؤلف أبلغ ما قيل في كل فن من فنون الشعر ومواضيعه: «وتخيرتُ من ذلك ما كان جيد النظم محكم الرصف» كما يقول. وينشر أبو هلال آراءه وتعليقاته على ما يختار من منظوم ومنثور بأن هذا أفضل ما قيل، أو من أجوده، أو بأنه: لو أراد كاتب بليغ أن ينثر من هذه المعاني ما نظمه الشاعر ما جاء به في الكلام الكثير. ويتوقف عند المعاني البديعة، أي: الجديدة، مثل قوله: ومما أبدع في ذلك البحتري في قوله:
سلامٌ وإن كان السلام تحيةً
فوجهُك دونَ الردِّ يكفي المسلِّما
وترى - ما شئت - في هذا الديوان من آراء العسكري النقدية؛ التي تجعلك تتأمل ما تقرأ؛ مثلما قال عن «السَّريّ الرفّاء»، وقد أنشد له شعراً في وصف رياضٍ وبساتين، قدَّم له بقوله: «وقال السَّريُّ وأحسن، وليس فيمن تأخَّر من الشاميين أصفى ألفاظاً مع الجزالة والسهولة، وألزمُ لعمود الشعر منه».
وعندما أنشد قولَ مروان بن أبي حفصة:
كأنه حين يعطي المالَ يغنمُهُ
ذكر أنه أجودُ من قول زهير :
كأنك مُعطيه الذي أنت سائلُهْ
قال: لأنَّ للغنيمة حلاوة ليست للعطية.
هذا، وليس حديثي عن هذا الديوان بمنأىً عن حديثي عن السرور؛ لأنَّ تفتيق الأذهان على هذه المعاني مما يبعث النشاط، ويزيد في الابتهاج، ودائرة المعرفة كلما اتسعت؛ اتسع صدر صاحبها.
يأتي عيد الفطر العام 1441هـ في ظلِّ جائحة كورونا، ليبعث فينا السرور من جديد.. السرور بإتمام هذه العبادة العظيمة صيام شهر رمضان، والسرور باجتماعنا بأسرنا طوال هذا الشهر على موائد الإفطار، والسرور بالجهود الكبيرة والحثيثة التي تبذلها حكومتنا لجعل الحياة في ظل هذه الجائحة مستقرة وماتعة وهو ما تحقق ويتحقَّق بفضل الله تعالى ثم بحرص القيادة الحكيمة التي جعلت: «الإنسان أولاً».
إنَّ بواعث السرور في مجتمعنا السعودي أكثر من أنْ تحصر، وإنَّ الوقوف عندها وتذكُّرها مما يحبُّه الله تعالى ويرضاه؛ لأنه من التحديث بنعمة الله تعالى، التي تتطلَّب منا الشكر حتى يتحقق لنا المزيد.
إن السرور شعور فياض كريم؛ وطاقة إيجابية، يحتاج إليه الفرد كي يتفاءل ويعمل، وتحتاج إليه الأمة والشعب كي ينهض وينجح، والضدُّ يظهر حسنه الضدُّ، فالحزن خطير على الفرد فقد يؤدي به إلى الاكتئاب، وهو خطير على الأمة فقد يقتل فيها روح الإصرار والعزيمة والإنتاج.
قرأت أنَّ ألمانيا في إحدى فتراتها التاريخية كونت جمعية جعلت شعارها: القوة في السرور.
ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم القدوة المثلى، فقد كان يعجبه الفأل، وكان يتفاءل في أحلك الظروف، كما حدث في حفر الخندق وقد تألَّب عليه الأحزاب، وبلغت القلوب الحناجر، فقد كان يخبر أصحابه بالفتوحات العظيمة، وهو يحفر الخندق حتى لا يدخل المشركون المدينة!!
وخادم الحرمين الشريفين - أيده الله - عندما خاطب شعبه موصياً لهم، ومقوياً عزائمهم في مواجهة هذه الجائحة ذكَّرهم بقوله تعالى: (فإن مع العسر يسرا. إن مع العسر يسرا)، وهو تذكير عظيم، واختيار موفق حكيم لهذه الآية الكريمة؛ لأنَّ فيها بشارة عظيمة؛ أنه كلما وجد عسر وصعوبة، فإن اليسر يقارنه ويصاحبه، حتى لو دخل العسر جحر ضب لدخل عليه اليسر - كما يقول ذلك علماء التفسير - وقالوا: وتعريف العسر في الآيتين، يدلُّ على أنه واحد، وتنكير اليسر يدلُّ على تكراره، فلن يغلب عسر يسرين.
السرور نعمة، والسرور قوة، وبواعثه كثيرة، ولكن ليكن لدينا فسحة من تأمل.
الرياض
د. فهد الماجد
عيدكم مبارك، وعيدكم سعيد، تقبَّل الله منا ومنكم و:»للصائم فرحتان فرحة عند فطره، وفرحة عند لقاء ربه». كما قال الصادق المصدوق عليه الصلاة والسلام. فالابتهاج بالعيد، والفرح به ينبع من الفطرة الإنسانية قبل أن يكون سنة وشريعة.
والعيد هو يوم الأطفال بالفرح، ويوم المحتاجين بالمواساة، ويوم القربى بالتراحم، ويوم الناس جميعاً بالتسامح، ويوم الأصدقاء بتجديد أواصر المودَّة، وهو أيضاً: يوم التهاني، وترى الناس، يحاول الكثير منهم أن يأتي بمعنى مبتكر في التهنئة. قال أبو هلال العسكري في كتابه «ديوان المعاني»: ولستُ أختار من التهاني بالأعياد على أبيات الأشجع شيئاً:
لا زِلتَ تنشُرُ أعياداً وتطويها
تمضي بها لَكَ أيّامٌ وتثنيها
مستقبلاً لذَّة الدينا وبَهْجَتَها
أيامُها لك نظمٌ في لياليها
وكتاب ديوان المعاني هذا كتاب بديع، وقد اشتغلت به زمناً في مطالعته والتعليق منه، وهو قائم على اختيار المؤلف أبلغ ما قيل في كل فن من فنون الشعر ومواضيعه: «وتخيرتُ من ذلك ما كان جيد النظم محكم الرصف» كما يقول. وينشر أبو هلال آراءه وتعليقاته على ما يختار من منظوم ومنثور بأن هذا أفضل ما قيل، أو من أجوده، أو بأنه: لو أراد كاتب بليغ أن ينثر من هذه المعاني ما نظمه الشاعر ما جاء به في الكلام الكثير. ويتوقف عند المعاني البديعة، أي: الجديدة، مثل قوله: ومما أبدع في ذلك البحتري في قوله:
سلامٌ وإن كان السلام تحيةً
فوجهُك دونَ الردِّ يكفي المسلِّما
وترى - ما شئت - في هذا الديوان من آراء العسكري النقدية؛ التي تجعلك تتأمل ما تقرأ؛ مثلما قال عن «السَّريّ الرفّاء»، وقد أنشد له شعراً في وصف رياضٍ وبساتين، قدَّم له بقوله: «وقال السَّريُّ وأحسن، وليس فيمن تأخَّر من الشاميين أصفى ألفاظاً مع الجزالة والسهولة، وألزمُ لعمود الشعر منه».
وعندما أنشد قولَ مروان بن أبي حفصة:
كأنه حين يعطي المالَ يغنمُهُ
ذكر أنه أجودُ من قول زهير :
كأنك مُعطيه الذي أنت سائلُهْ
قال: لأنَّ للغنيمة حلاوة ليست للعطية.
هذا، وليس حديثي عن هذا الديوان بمنأىً عن حديثي عن السرور؛ لأنَّ تفتيق الأذهان على هذه المعاني مما يبعث النشاط، ويزيد في الابتهاج، ودائرة المعرفة كلما اتسعت؛ اتسع صدر صاحبها.
يأتي عيد الفطر العام 1441هـ في ظلِّ جائحة كورونا، ليبعث فينا السرور من جديد.. السرور بإتمام هذه العبادة العظيمة صيام شهر رمضان، والسرور باجتماعنا بأسرنا طوال هذا الشهر على موائد الإفطار، والسرور بالجهود الكبيرة والحثيثة التي تبذلها حكومتنا لجعل الحياة في ظل هذه الجائحة مستقرة وماتعة وهو ما تحقق ويتحقَّق بفضل الله تعالى ثم بحرص القيادة الحكيمة التي جعلت: «الإنسان أولاً».
إنَّ بواعث السرور في مجتمعنا السعودي أكثر من أنْ تحصر، وإنَّ الوقوف عندها وتذكُّرها مما يحبُّه الله تعالى ويرضاه؛ لأنه من التحديث بنعمة الله تعالى، التي تتطلَّب منا الشكر حتى يتحقق لنا المزيد.
إن السرور شعور فياض كريم؛ وطاقة إيجابية، يحتاج إليه الفرد كي يتفاءل ويعمل، وتحتاج إليه الأمة والشعب كي ينهض وينجح، والضدُّ يظهر حسنه الضدُّ، فالحزن خطير على الفرد فقد يؤدي به إلى الاكتئاب، وهو خطير على الأمة فقد يقتل فيها روح الإصرار والعزيمة والإنتاج.
قرأت أنَّ ألمانيا في إحدى فتراتها التاريخية كونت جمعية جعلت شعارها: القوة في السرور.
ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم القدوة المثلى، فقد كان يعجبه الفأل، وكان يتفاءل في أحلك الظروف، كما حدث في حفر الخندق وقد تألَّب عليه الأحزاب، وبلغت القلوب الحناجر، فقد كان يخبر أصحابه بالفتوحات العظيمة، وهو يحفر الخندق حتى لا يدخل المشركون المدينة!!
وخادم الحرمين الشريفين - أيده الله - عندما خاطب شعبه موصياً لهم، ومقوياً عزائمهم في مواجهة هذه الجائحة ذكَّرهم بقوله تعالى: (فإن مع العسر يسرا. إن مع العسر يسرا)، وهو تذكير عظيم، واختيار موفق حكيم لهذه الآية الكريمة؛ لأنَّ فيها بشارة عظيمة؛ أنه كلما وجد عسر وصعوبة، فإن اليسر يقارنه ويصاحبه، حتى لو دخل العسر جحر ضب لدخل عليه اليسر - كما يقول ذلك علماء التفسير - وقالوا: وتعريف العسر في الآيتين، يدلُّ على أنه واحد، وتنكير اليسر يدلُّ على تكراره، فلن يغلب عسر يسرين.
السرور نعمة، والسرور قوة، وبواعثه كثيرة، ولكن ليكن لدينا فسحة من تأمل.
الرياض