رصاص
رصاص
إبراهيم العمار
الرصاص القاتل لا يقصد فقط طلقات المسدس والرشاش، بل مادة الرصاص نفسها من أكبر القتلة.
درس عالم غذاء 30 إمبراطوراً رومانياً عاشوا بين 30 ق.م إلى 220م، ووصلوا إلى اكتشاف أدهشه: طعامهم امتلأ بالرصاص. السبب أن غذاءهم احتوى على شراب العنب المغلي في آنية معدنية كنهكة تحسّن المذاق، لكن الآنية لم تناسب ذلك ولما غلوا العنب سال الرصاص من الآنية وامتزج بالطعام، وبما أن أباطرة روما اشتهروا بالشراهة فلا شك أن هذا سبب لهم تسمم الرصاص، حتى إن العالم رأى أن سقوط الإمبراطورية الرومانية نفسه كان تسمم الرصاص أحد أسبابه.
السكر مادة مدمرة تسبب السرطان والسكري وأمراضاً لا حصر لها لمن يستمر عليه، لذلك ظهرت محليات صناعية وطبيعية بديلة، لكن أول بديل للسكر عرفه البشر قبل قرابة ألفي سنة، فاستخدم الرومان مادة اسمها سابا أضافوها لمشروباتهم لحلاوتها، لكن هذه المادة اسمها الكيميائي أسيتات الرصاص. لما توفي البابا كليمنت الثاني قبل ألف سنة احتفظوا بجثته في تابوت صخري، وفي عام 1959م أخذوا عينات من عظامه وجدوا فيها نسبة عالية من الرصاص، فاقتنع البعض أنها سُمّم عمداً، والبعض رأى أن سابا سممه عرضاً.
وفي القرن الثامن عشر لاحظ طبيب إيطالي أعراضاً مشتركة بين الرسامين: مرض مستمر، بشرة شاحبة، اكتئاب. سمى هذه الحالة «آلام الفن»، وقد اقترب بعض الشيء من السبب الحقيقي، وهو أن مواد الرسم آنذاك احتوت على الرصاص والذي سبب تلك الأعراض ببطء لبعض أشهر الفنانين، منهم الهولندي فان جوخ والإيطالي مايكل أنجلو.
وليس الغرب فحسب بل للشرق نصيب من هذا البلاء، فالنساء اليابانيات ما بين القرن 17 إلى 19 كن يستخدمن مسحوق تبييض للوجه يوضع كقناع لساعات طويلة، ومن مكوناته الرصاص، وهذا انتقل حتى إلى الرضّع لما رضعوا من أمهاتهم اللاتي تكوّمت على أوجههن تلك المساحيق، ووجد العلماء آثار الرصاص في بقايا رجال ونساء وأطفال.
إنها مادة خطرة، وقد ظل الناس يكتشفون وجودها وآثارها في أشياء كثيرة منها البنزين والطلاء. الآن الرقابة الحكومية والمعايير الصارمة أزالتها من كل شيء شائع تقريباً، لكن لفترة طويلة بدا وكأنه لا مفر منها.
الرياض
إبراهيم العمار
الرصاص القاتل لا يقصد فقط طلقات المسدس والرشاش، بل مادة الرصاص نفسها من أكبر القتلة.
درس عالم غذاء 30 إمبراطوراً رومانياً عاشوا بين 30 ق.م إلى 220م، ووصلوا إلى اكتشاف أدهشه: طعامهم امتلأ بالرصاص. السبب أن غذاءهم احتوى على شراب العنب المغلي في آنية معدنية كنهكة تحسّن المذاق، لكن الآنية لم تناسب ذلك ولما غلوا العنب سال الرصاص من الآنية وامتزج بالطعام، وبما أن أباطرة روما اشتهروا بالشراهة فلا شك أن هذا سبب لهم تسمم الرصاص، حتى إن العالم رأى أن سقوط الإمبراطورية الرومانية نفسه كان تسمم الرصاص أحد أسبابه.
السكر مادة مدمرة تسبب السرطان والسكري وأمراضاً لا حصر لها لمن يستمر عليه، لذلك ظهرت محليات صناعية وطبيعية بديلة، لكن أول بديل للسكر عرفه البشر قبل قرابة ألفي سنة، فاستخدم الرومان مادة اسمها سابا أضافوها لمشروباتهم لحلاوتها، لكن هذه المادة اسمها الكيميائي أسيتات الرصاص. لما توفي البابا كليمنت الثاني قبل ألف سنة احتفظوا بجثته في تابوت صخري، وفي عام 1959م أخذوا عينات من عظامه وجدوا فيها نسبة عالية من الرصاص، فاقتنع البعض أنها سُمّم عمداً، والبعض رأى أن سابا سممه عرضاً.
وفي القرن الثامن عشر لاحظ طبيب إيطالي أعراضاً مشتركة بين الرسامين: مرض مستمر، بشرة شاحبة، اكتئاب. سمى هذه الحالة «آلام الفن»، وقد اقترب بعض الشيء من السبب الحقيقي، وهو أن مواد الرسم آنذاك احتوت على الرصاص والذي سبب تلك الأعراض ببطء لبعض أشهر الفنانين، منهم الهولندي فان جوخ والإيطالي مايكل أنجلو.
وليس الغرب فحسب بل للشرق نصيب من هذا البلاء، فالنساء اليابانيات ما بين القرن 17 إلى 19 كن يستخدمن مسحوق تبييض للوجه يوضع كقناع لساعات طويلة، ومن مكوناته الرصاص، وهذا انتقل حتى إلى الرضّع لما رضعوا من أمهاتهم اللاتي تكوّمت على أوجههن تلك المساحيق، ووجد العلماء آثار الرصاص في بقايا رجال ونساء وأطفال.
إنها مادة خطرة، وقد ظل الناس يكتشفون وجودها وآثارها في أشياء كثيرة منها البنزين والطلاء. الآن الرقابة الحكومية والمعايير الصارمة أزالتها من كل شيء شائع تقريباً، لكن لفترة طويلة بدا وكأنه لا مفر منها.
الرياض