تأخر نمو المهارات اللغوية واضطرابات السلوك.. نمط العلاقة وآليات التدخل
تأخر نمو المهارات اللغوية واضطرابات السلوك.. نمط العلاقة وآليات التدخل
توصيات تطبيقية وعملية لدعم التطور اللغوي عند الطفل
د. عبد الحفيظ يحيى خوجة
عادة، ما تتم ملاحظة الآباء والأمهات لما يطرأ على أطفالهم من تغيرات تطويرية تنموية وسلوكية متأخرة نوعا ما وذلك من خلال تفاعل الأطفال مع أقرانهم أو البالغين الأكبر منهم سنا. ويأتي في مقدمة تلك الملاحظات أمور جوهرية في حياة الطفل ونموه ومنها التأخر في تطوير المهارات اللغوية والتي قد يصاحبها مشكلات سلوكية متعددة أهمها، على سبيل المثال، النوبات العصبية والعناد. وهنا يزداد قلق الأسرة ويبدأ البحث عن الحلول التي يمكنها أن تعيد الطفل لما يبدو عليه أقرانه من تطور طبيعي وسلوكيات صحية سليمة.
- اضطراب النطق
تشترك الأسر، باختلاف طبقاتها، في طرح أسئلة موحدة ومحددة، وهي:
- متى سيتكلم طفلي هذا؟ كيف؟ ومتى؟
- هل هناك أساس علمي يضمن لنا أن يتكلم هذا الطفل وأن يتطور سلوكه بشكل إيجابي؟
- هل التدخل من قبل متخصص في هذا المجال أمر ضروري؟
- كيف يمكنني تحسين وتعديل سلوكيات طفلي؟
- كيف أدعم التطور اللغوي عند طفلي؟
لمناقشة هذا الموضوع الهام والإجابة على هذه التساؤلات التي تشغل بال الكثيرين من الآباء والأمهات، توجهنا إلى عدد من المتخصصين في مجال تشخيص اضطرابات التواصل وعلاج أمراض النطق والسمع واللغة.
في البداية، أكد الدكتور وائل عبد الخالق الدكروري رئيس قسم اضطرابات التواصل بعيادات العناية النفسية بالرياض والأستاذ المساعد بقسم علاج اضطرابات النطق واللغة والسمع بكلية العلوم الطبية التطبيقية بجامعة الملك سعود بالرياض والاستشاري في مركز أبحاث التوحد بمستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الأبحاث بالرياض والحاصل علي البورد الأميركي في علاج أمراض النطق واللغة - أكد على أنه لا يوجد بديل عن زيارة اختصاصي أمراض النطق واللغة المؤهل عند ملاحظة الوالدين تأخرا في مهارات طفلهما لغويا أو سلوكيا، فهو الشخص المسؤول والمتخصص الذي يقوم في هذه الحالة بأدوار مهمة ويعمل الآتي: تقييم شامل للمهارات اللغوية والكلامية للطفل حسب فئته العمرية - تحديد ما إذا كانت مهارات اللغة والكلام تنمو عند الطفل بطريقة طبيعية أم أنها متأخرة – تقرير مدى الاحتياج لتدخل علاجي متخصص - تسجيل ملاحظاته على النمط السلوكي للطفل خلال تلك الزيارة - تحديد الحاجة للتحويل لمتخصص في تحليل السلوك التطبيقي لتقييم الوضع – وأخيرا، تحديد نوعية وطبيعة السلوكيات ذات العلاقة.
- سلوك الأطفال
من جهة أخرى، عرف الأستاذ عبد الله محمد العتيبي الاختصاصي في مركز التميز للتوحد في الرياض، الحاصل على الماجستير في التربية الخاصة والبورد الأميركي في تحليل السلوك التطبيقي (BCBA) – عرف السلوك بأنه كل الأفعال الصادرة من الإنسان والقابلة للملاحظة والقياس، وذكر بعض الأفعال على سبيل المثال: القفز، الكلام، لعب الكرة.
ويعتبر السلوك المحور الرئيسي في علم تحليل السلوك التطبيقي حيث إن كل التجارب تتمحور حول السلوك والظروف والبيئة المحيطة به والتي قد تؤثر عليه، أيضا.
كما أضاف الأستاذ عبد الله بأن الكثير قد يخلط بين السلوك الطبيعي والمشكلة السلوكية. فبعض السلوكيات قد تكون غير مقبولة ولكنها من الممكن أن تكون السلوك الوحيد الذي يستطيع أن يصدره الشخص بناء على ما سبق من ظروف أثارت هذا السلوك. على سبيل المثال ردات الفعل غير الإرادية، مثل طفل يصرخ بصوت مرتفع مباشرة عندما يسقط من الدرج. ويعتبر السلوك مشكلة عندما يسبب أذى للفرد أو للمحيطين به وأيضا إذا حد من تطور الطفل وحرمانه من الانخراط في الكثير من البيئات الاجتماعية أو التعليمية.
لا شك أن المشاكل السلوكية مثل غيرها من التصرفات المبنية على أسباب قد تكون غير معروفة من الكثيرين ولكن يجب أن نكون على يقين أنها صدرت لأسباب معينة وليس كما يزعم البعض أنها حدثت بدون سبب.
وقد تصدر المشاكل السلوكية لتلبية رغبات بطريقة غير ملائمة بناء على ما حدث قبل هذا السلوك وما أعقب هذا السلوك من نتائج قد لبت رغبة الطفل لا سيما أن ضعف مهارات التواصل الموجودة لدى بعض الأطفال وخاصة الأطفال ذوي اضطراب طيف التوحد قد تكون وراء لجوء الطفل لمثل هذه السلوكيات البديلة والغير مقبولة.
- علاقات اللغة والسلوك
وحول العلاقة بين قصور نمو المهارات اللغوية والمشكلات السلوكية أضاف الدكتور وائل الدكروري أن من الجدير ذكره، هنا، أن الأبحاث العلمية أثبتت العلاقة الوثيقة بين قصور نمو المهارات اللغوية وبين المشكلات السلوكية، فعندما لا يستطيع الطفل التعبير عن نفسه تبدأ المشكلات السلوكية مع الأقران والتي تكون غالبا أثناء اللعب.
وإن كانت هذه المواقف تتطلب من الآباء فهم ظروف كل حادثة وخلفيتها حيث إن من الممكن أن تكون تصرفات الطفل السلبية أو العدوانية مجرد رد فعل لتصرفات طفل آخر. وقد تناولت العديد من الدراسات السابقة بشكل مستفيض العلاقة بين الاضطرابات اللغوية والمشكلات السلوكية عند الأطفال.
وهناك دراسة أظهرت نتائجها أن 40 في المائة من الأطفال الذين يعانون من اضطرابات لغوية لديهم مشكلات سلوكية. كما لوحظ أن مستوى شدة المشكلات السلوكية ترتبط بمستوى شدة الاضطرابات اللغوية وكان من أكثر هذه المشكلات: مشكلات السلوك العدواني والسلوك الانطوائي والانسحابي.
كما أظهرت دراسة أخرى أن المشكلات السلوكية ترتبط أساسا بالاضطرابات اللغوية التي تتمثل بعدم القدرة على الفهم والقدرة على التعبير والاستخدام العملي للغة في حين لم ترتبط بالمشكلات المتعلقة بالاضطرابات الكلامية كصعوبات وعيوب النطق المختلفة حيث كان لها أثر محدود من الناحية السلوكية.
وأظهر بحث آخر أجراه الدكتور وائل الدكروري وزملاؤه نشر عام 2011، العلاقة بين اللغة من الناحية الكمية ومستوى تشتت الانتباه وفرط الحركة عند الأطفال السعوديين حيث أظهرت النتائج قصور مستوى الأداء اللغوي من الناحية الكمية والنوعية عند الأطفال المصابين باضطرابات قصور الانتباه وفرط الحركة.
وأضاف د. الدكروري أنه بكل تأكيد تتعاظم المشكلات عند تجاهلها، وهو ما يمكن تفاديه بمجرد زيارة لأحد المتخصصين في هذا المجال تساعد الأهل على فهم حالة الطفل وتحديد مستوى التدخل المطلوب، إذ أن التشخيص المبكر والتدخل العلاجي المناسب في سن مبكرة يساعدان في الحصول على معدلات تقدم عالية كما أن معالجة مشكلات اللغة والكلام مبكرا تمكننا من تقليل فرصة تفاقم مشكلات التعلم ومشكلات القراءة بالإضافة لصعوبات التفاعل الاجتماعي والمشاكل السلوكية.
أسباب المشاكل السلوكية
يقول الاختصاصي الأستاذ عبد الله العتيبي إن مسببات المشاكل السلوكية تتمحور في الغالب حول أربعة مسببات، وقد يكون وراء حدوث مشكلة سلوكية ما سبب واحدا أو أكثر من سبب من هذه المسببات الأربعة، وهي:
- توظيف المشكلة السلوكية لغرض «الطلب»، ولتسهيل فهم ذلك نعطي المثال التالي: طفل يبكي بصوت مرتفع للحصول على شيء يريده وقد سبق أن تم الحصول عليه من قبل بنفس هذه الطريقة، لذلك قام الطفل بتوظيف البكاء (مستقبلا) للحصول على هذا الشيء.
- توظيف المشكلة السلوكية لغرض «الهروب»، ونقصد هنا الهروب من شيء معين أو أشخاص معينين، ومثال ذلك بكاء الطفل عندما يطلب منه تنفيذ مهمة معينة قد لا تكون محببة له، وينجح الطفل في ذلك عندما تتم الاستجابة بإيقاف طلب هذه المهمة منه. ومن خلال هذه التجربة يتعلم الطفل أن استخدام البكاء (مستقبلا) هي طريقة فعالة للتخلص من المهام الغير محببة له.
- توظيف المشكلة السلوكية لغرض «جذب الانتباه»، لا سيما أن البحث عن الانتباه من الأشياء المحببة عند الكثير من الأفراد. ومثال ذلك: طفل يرى أمه تتكلم على الهاتف أو تتكلم مع أحد إخوته فيسارع بالبكاء، فإذا أسرعت الأم لترى لماذا هو يبكي يكون قد حصل من خلال ذلك على الغرض الرئيسي من البكاء وهو جذب الانتباه. وعليه، يتعود هذا الطفل أن يبكي (مستقبلا) لطلب الانتباه وخاصة عندما يتعرض لفترة من الحرمان من انتباه أفراد أسرته وبشكل خاص والديه.
- توظيف المشكلة السلوكية لغرض «تلبية رغبة حسية»، ومثال ذلك عندما يقوم الطفل بالرفرفة بيديه. والرفرفة هنا هي شكل من أشكال السلوك الذي يستخدمه الطفل أو يوظفه لتلبية أكثر من غرض خلافا للرغبة الحسية. فقد يوظف طفل رفرفة اليدين لغرض الهروب أو لجذب الانتباه، لذلك يجب التحقق من الوظيفة الأساسية للسلوك وليس مجرد شكل السلوك.
وأضاف الاختصاصي عبد الله العتيبي بأنه عند معرفة مسببات المشكلة السلوكية فهناك الكثير من الطرق المثبتة علميا للتعامل معها بناء على استراتيجيات تحليل السلوك التطبيقي لخفض هذه المشكلة السلوكية ويتم ذلك من خلال إجراءات تغييرات «قبلية» يمكنها أن تحد من ظهور هذه المشكلة السلوكية وإجراءات أخرى «بعدية» يمكن أن يتم تطبيقها عند ظهور المشكلة السلوكية مستقبلاً.
دعم التطور اللغوي
كيف ندعم التطور اللغوي عند الطفل؟ يجيب الدكتور وائل الدكروري أن دعم التطور اللغوي عند الطفل ممكن وذلك من خلال تطبيق التوصيات التالية:
> النظر في العين: حاول أن تكون دائما في مستوى نظر طفلك عند محادثته ليشعر بالاتصال المباشر.
> الاستماع: اجعل محادثة الطفل متعة لك وله فاستمع له... يستمع لك.
> عدم الاعتماد على الأسئلة بشكل أساسي كوسيلة وحيدة لتنمية مهارات الطفل اللغوية حيث إن الأسئلة المتكررة لا تعلم الطفل شيئا بل قد تسبب ضجر الطفل وابتعاده عنك.
> التنويع بين الأسئلة والتعليقات.
> التحدث مع الطفل وترديد الكلمات بوضوح وهدوء، مع التأكيد على مخارج الأحرف، واستعمال جمل قصيرة.
> المحاولة المستمرة لفهم كلمات الطفل، فهذا يشجعه ويعزز محاولاته للتواصل.
> التحدث عن الأشياء الظاهرة أمام الطفل، ليربط بين ما يراه ويسمعه، حيث إن الطفل يكتسب، تطوريا، الأسماء قبل أي مفردات أخرى.
> تقديم الألعاب والكتب والقصص ذات الصور الملونة المتوافقة مع مستوى أداء الطفل.
> عدم تصحيح أخطاء الطفل اللغوية بشكل سلبي مثل قول «خطأ» بل بالتصحيح الإيجابي، حتى لا يطور سلوكا انسحابيا أو تلعثما فهو يصحح نفسه بنفسه إذا سمع ترديدنا لكلامه بشكل صحيح.
> جعل القراءة للطفل عادة يومية، لأن تطوره اللغوي أساس تطوره العقلي والانفعالي والاجتماعي والسلوكي. ففي القصص قيم وعادات ومفاهيم وأفكار يكتسبها الطفل منذ الصغر.
الشرق الأوسط
توصيات تطبيقية وعملية لدعم التطور اللغوي عند الطفل
د. عبد الحفيظ يحيى خوجة
عادة، ما تتم ملاحظة الآباء والأمهات لما يطرأ على أطفالهم من تغيرات تطويرية تنموية وسلوكية متأخرة نوعا ما وذلك من خلال تفاعل الأطفال مع أقرانهم أو البالغين الأكبر منهم سنا. ويأتي في مقدمة تلك الملاحظات أمور جوهرية في حياة الطفل ونموه ومنها التأخر في تطوير المهارات اللغوية والتي قد يصاحبها مشكلات سلوكية متعددة أهمها، على سبيل المثال، النوبات العصبية والعناد. وهنا يزداد قلق الأسرة ويبدأ البحث عن الحلول التي يمكنها أن تعيد الطفل لما يبدو عليه أقرانه من تطور طبيعي وسلوكيات صحية سليمة.
- اضطراب النطق
تشترك الأسر، باختلاف طبقاتها، في طرح أسئلة موحدة ومحددة، وهي:
- متى سيتكلم طفلي هذا؟ كيف؟ ومتى؟
- هل هناك أساس علمي يضمن لنا أن يتكلم هذا الطفل وأن يتطور سلوكه بشكل إيجابي؟
- هل التدخل من قبل متخصص في هذا المجال أمر ضروري؟
- كيف يمكنني تحسين وتعديل سلوكيات طفلي؟
- كيف أدعم التطور اللغوي عند طفلي؟
لمناقشة هذا الموضوع الهام والإجابة على هذه التساؤلات التي تشغل بال الكثيرين من الآباء والأمهات، توجهنا إلى عدد من المتخصصين في مجال تشخيص اضطرابات التواصل وعلاج أمراض النطق والسمع واللغة.
في البداية، أكد الدكتور وائل عبد الخالق الدكروري رئيس قسم اضطرابات التواصل بعيادات العناية النفسية بالرياض والأستاذ المساعد بقسم علاج اضطرابات النطق واللغة والسمع بكلية العلوم الطبية التطبيقية بجامعة الملك سعود بالرياض والاستشاري في مركز أبحاث التوحد بمستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الأبحاث بالرياض والحاصل علي البورد الأميركي في علاج أمراض النطق واللغة - أكد على أنه لا يوجد بديل عن زيارة اختصاصي أمراض النطق واللغة المؤهل عند ملاحظة الوالدين تأخرا في مهارات طفلهما لغويا أو سلوكيا، فهو الشخص المسؤول والمتخصص الذي يقوم في هذه الحالة بأدوار مهمة ويعمل الآتي: تقييم شامل للمهارات اللغوية والكلامية للطفل حسب فئته العمرية - تحديد ما إذا كانت مهارات اللغة والكلام تنمو عند الطفل بطريقة طبيعية أم أنها متأخرة – تقرير مدى الاحتياج لتدخل علاجي متخصص - تسجيل ملاحظاته على النمط السلوكي للطفل خلال تلك الزيارة - تحديد الحاجة للتحويل لمتخصص في تحليل السلوك التطبيقي لتقييم الوضع – وأخيرا، تحديد نوعية وطبيعة السلوكيات ذات العلاقة.
- سلوك الأطفال
من جهة أخرى، عرف الأستاذ عبد الله محمد العتيبي الاختصاصي في مركز التميز للتوحد في الرياض، الحاصل على الماجستير في التربية الخاصة والبورد الأميركي في تحليل السلوك التطبيقي (BCBA) – عرف السلوك بأنه كل الأفعال الصادرة من الإنسان والقابلة للملاحظة والقياس، وذكر بعض الأفعال على سبيل المثال: القفز، الكلام، لعب الكرة.
ويعتبر السلوك المحور الرئيسي في علم تحليل السلوك التطبيقي حيث إن كل التجارب تتمحور حول السلوك والظروف والبيئة المحيطة به والتي قد تؤثر عليه، أيضا.
كما أضاف الأستاذ عبد الله بأن الكثير قد يخلط بين السلوك الطبيعي والمشكلة السلوكية. فبعض السلوكيات قد تكون غير مقبولة ولكنها من الممكن أن تكون السلوك الوحيد الذي يستطيع أن يصدره الشخص بناء على ما سبق من ظروف أثارت هذا السلوك. على سبيل المثال ردات الفعل غير الإرادية، مثل طفل يصرخ بصوت مرتفع مباشرة عندما يسقط من الدرج. ويعتبر السلوك مشكلة عندما يسبب أذى للفرد أو للمحيطين به وأيضا إذا حد من تطور الطفل وحرمانه من الانخراط في الكثير من البيئات الاجتماعية أو التعليمية.
لا شك أن المشاكل السلوكية مثل غيرها من التصرفات المبنية على أسباب قد تكون غير معروفة من الكثيرين ولكن يجب أن نكون على يقين أنها صدرت لأسباب معينة وليس كما يزعم البعض أنها حدثت بدون سبب.
وقد تصدر المشاكل السلوكية لتلبية رغبات بطريقة غير ملائمة بناء على ما حدث قبل هذا السلوك وما أعقب هذا السلوك من نتائج قد لبت رغبة الطفل لا سيما أن ضعف مهارات التواصل الموجودة لدى بعض الأطفال وخاصة الأطفال ذوي اضطراب طيف التوحد قد تكون وراء لجوء الطفل لمثل هذه السلوكيات البديلة والغير مقبولة.
- علاقات اللغة والسلوك
وحول العلاقة بين قصور نمو المهارات اللغوية والمشكلات السلوكية أضاف الدكتور وائل الدكروري أن من الجدير ذكره، هنا، أن الأبحاث العلمية أثبتت العلاقة الوثيقة بين قصور نمو المهارات اللغوية وبين المشكلات السلوكية، فعندما لا يستطيع الطفل التعبير عن نفسه تبدأ المشكلات السلوكية مع الأقران والتي تكون غالبا أثناء اللعب.
وإن كانت هذه المواقف تتطلب من الآباء فهم ظروف كل حادثة وخلفيتها حيث إن من الممكن أن تكون تصرفات الطفل السلبية أو العدوانية مجرد رد فعل لتصرفات طفل آخر. وقد تناولت العديد من الدراسات السابقة بشكل مستفيض العلاقة بين الاضطرابات اللغوية والمشكلات السلوكية عند الأطفال.
وهناك دراسة أظهرت نتائجها أن 40 في المائة من الأطفال الذين يعانون من اضطرابات لغوية لديهم مشكلات سلوكية. كما لوحظ أن مستوى شدة المشكلات السلوكية ترتبط بمستوى شدة الاضطرابات اللغوية وكان من أكثر هذه المشكلات: مشكلات السلوك العدواني والسلوك الانطوائي والانسحابي.
كما أظهرت دراسة أخرى أن المشكلات السلوكية ترتبط أساسا بالاضطرابات اللغوية التي تتمثل بعدم القدرة على الفهم والقدرة على التعبير والاستخدام العملي للغة في حين لم ترتبط بالمشكلات المتعلقة بالاضطرابات الكلامية كصعوبات وعيوب النطق المختلفة حيث كان لها أثر محدود من الناحية السلوكية.
وأظهر بحث آخر أجراه الدكتور وائل الدكروري وزملاؤه نشر عام 2011، العلاقة بين اللغة من الناحية الكمية ومستوى تشتت الانتباه وفرط الحركة عند الأطفال السعوديين حيث أظهرت النتائج قصور مستوى الأداء اللغوي من الناحية الكمية والنوعية عند الأطفال المصابين باضطرابات قصور الانتباه وفرط الحركة.
وأضاف د. الدكروري أنه بكل تأكيد تتعاظم المشكلات عند تجاهلها، وهو ما يمكن تفاديه بمجرد زيارة لأحد المتخصصين في هذا المجال تساعد الأهل على فهم حالة الطفل وتحديد مستوى التدخل المطلوب، إذ أن التشخيص المبكر والتدخل العلاجي المناسب في سن مبكرة يساعدان في الحصول على معدلات تقدم عالية كما أن معالجة مشكلات اللغة والكلام مبكرا تمكننا من تقليل فرصة تفاقم مشكلات التعلم ومشكلات القراءة بالإضافة لصعوبات التفاعل الاجتماعي والمشاكل السلوكية.
أسباب المشاكل السلوكية
يقول الاختصاصي الأستاذ عبد الله العتيبي إن مسببات المشاكل السلوكية تتمحور في الغالب حول أربعة مسببات، وقد يكون وراء حدوث مشكلة سلوكية ما سبب واحدا أو أكثر من سبب من هذه المسببات الأربعة، وهي:
- توظيف المشكلة السلوكية لغرض «الطلب»، ولتسهيل فهم ذلك نعطي المثال التالي: طفل يبكي بصوت مرتفع للحصول على شيء يريده وقد سبق أن تم الحصول عليه من قبل بنفس هذه الطريقة، لذلك قام الطفل بتوظيف البكاء (مستقبلا) للحصول على هذا الشيء.
- توظيف المشكلة السلوكية لغرض «الهروب»، ونقصد هنا الهروب من شيء معين أو أشخاص معينين، ومثال ذلك بكاء الطفل عندما يطلب منه تنفيذ مهمة معينة قد لا تكون محببة له، وينجح الطفل في ذلك عندما تتم الاستجابة بإيقاف طلب هذه المهمة منه. ومن خلال هذه التجربة يتعلم الطفل أن استخدام البكاء (مستقبلا) هي طريقة فعالة للتخلص من المهام الغير محببة له.
- توظيف المشكلة السلوكية لغرض «جذب الانتباه»، لا سيما أن البحث عن الانتباه من الأشياء المحببة عند الكثير من الأفراد. ومثال ذلك: طفل يرى أمه تتكلم على الهاتف أو تتكلم مع أحد إخوته فيسارع بالبكاء، فإذا أسرعت الأم لترى لماذا هو يبكي يكون قد حصل من خلال ذلك على الغرض الرئيسي من البكاء وهو جذب الانتباه. وعليه، يتعود هذا الطفل أن يبكي (مستقبلا) لطلب الانتباه وخاصة عندما يتعرض لفترة من الحرمان من انتباه أفراد أسرته وبشكل خاص والديه.
- توظيف المشكلة السلوكية لغرض «تلبية رغبة حسية»، ومثال ذلك عندما يقوم الطفل بالرفرفة بيديه. والرفرفة هنا هي شكل من أشكال السلوك الذي يستخدمه الطفل أو يوظفه لتلبية أكثر من غرض خلافا للرغبة الحسية. فقد يوظف طفل رفرفة اليدين لغرض الهروب أو لجذب الانتباه، لذلك يجب التحقق من الوظيفة الأساسية للسلوك وليس مجرد شكل السلوك.
وأضاف الاختصاصي عبد الله العتيبي بأنه عند معرفة مسببات المشكلة السلوكية فهناك الكثير من الطرق المثبتة علميا للتعامل معها بناء على استراتيجيات تحليل السلوك التطبيقي لخفض هذه المشكلة السلوكية ويتم ذلك من خلال إجراءات تغييرات «قبلية» يمكنها أن تحد من ظهور هذه المشكلة السلوكية وإجراءات أخرى «بعدية» يمكن أن يتم تطبيقها عند ظهور المشكلة السلوكية مستقبلاً.
دعم التطور اللغوي
كيف ندعم التطور اللغوي عند الطفل؟ يجيب الدكتور وائل الدكروري أن دعم التطور اللغوي عند الطفل ممكن وذلك من خلال تطبيق التوصيات التالية:
> النظر في العين: حاول أن تكون دائما في مستوى نظر طفلك عند محادثته ليشعر بالاتصال المباشر.
> الاستماع: اجعل محادثة الطفل متعة لك وله فاستمع له... يستمع لك.
> عدم الاعتماد على الأسئلة بشكل أساسي كوسيلة وحيدة لتنمية مهارات الطفل اللغوية حيث إن الأسئلة المتكررة لا تعلم الطفل شيئا بل قد تسبب ضجر الطفل وابتعاده عنك.
> التنويع بين الأسئلة والتعليقات.
> التحدث مع الطفل وترديد الكلمات بوضوح وهدوء، مع التأكيد على مخارج الأحرف، واستعمال جمل قصيرة.
> المحاولة المستمرة لفهم كلمات الطفل، فهذا يشجعه ويعزز محاولاته للتواصل.
> التحدث عن الأشياء الظاهرة أمام الطفل، ليربط بين ما يراه ويسمعه، حيث إن الطفل يكتسب، تطوريا، الأسماء قبل أي مفردات أخرى.
> تقديم الألعاب والكتب والقصص ذات الصور الملونة المتوافقة مع مستوى أداء الطفل.
> عدم تصحيح أخطاء الطفل اللغوية بشكل سلبي مثل قول «خطأ» بل بالتصحيح الإيجابي، حتى لا يطور سلوكا انسحابيا أو تلعثما فهو يصحح نفسه بنفسه إذا سمع ترديدنا لكلامه بشكل صحيح.
> جعل القراءة للطفل عادة يومية، لأن تطوره اللغوي أساس تطوره العقلي والانفعالي والاجتماعي والسلوكي. ففي القصص قيم وعادات ومفاهيم وأفكار يكتسبها الطفل منذ الصغر.
الشرق الأوسط