عندما فاز المتنبي بجائزة نوبل
عندما فاز المتنبي بجائزة نوبل
يوسف القبلان
لو قيل لي ما الإبداع؟ لقلت: إن تعريف الإبداع يقيده في إطار معين، والإبداع لا تربطه علاقة حب بالقيود. سأقول: إن الإبداع قد يوجد في فكرة، أو سؤال، أو جملة، أو بيت شعر، أو لوحة فنية، أو في مسرحية أو فيلم، أو كتاب، أو أداء رياضي، أو أداء إداري، أو حل لمشكلة، أو إضافة مميزة في مجال معين، أو اكتشاف علاج، أو اختراع مفيد للبشرية. إنه بلا حدود فلا حاجة لتقييده بالتعريف.
سوف أقول أيضاً: إن الإبداع متاح للجميع في كل المجالات، وإن المثل يقول (لو اتفقت الأذواق لبارت السلع)، وهذا يعني أن تعدد المبدعين في مجال واحد هو أمر طبيعي، ولولا ذلك لتوقف الإبداع بفعل الإحباط. جائزة نوبل على سبيل المثال قد تكون أحد معايير الإبداع، من يحصل عليها في مجال معين لا يعني عدم وجود مبدعين في المجال نفسه. وهذا يذكرنا بالجوائز ذات العلاقة بالإبداع مثل جائزة نوبل وهي تطبق المعايير العلمية على الموضوعات العلمية، أما في موضوع الأدب مثلاً فلها معايير أخرى، ولذلك فإن الجدل يحدث في الغالب حول جائزة الأدب أو جائزة السلام وليس حول الجوائز العلمية. إن فوز رواية معينة مثلاً بالجائزة لا يعني عدم وجود روايات أخرى تتوفر فيها ميزة الإبداع. في عالم الأدب معايير ذات علاقة بالجمال والتأثير.
وسوف أضيف أن المتنبي - مثلاً - لو كان موجوداً في هذا الزمن لكان أحد القادرين على الفوز بجائزة نوبل للأدب، ولكن هذا لا يعني أن شعراء آخرين مثل المعري والفرزدق وجرير وغيرهم غير مبدعين (بالمناسبة، المتنبي ربما يرفض الجائزة بحجة أنه أكبر منها). وهكذا في بقية المجالات. وهنا تذكير بميل كثيرين إلى المقارنة بين مبدع وآخر والإصرار على اختيار أيهما أفضل ويصل الأمر إلى التعصب والنقاش الحاد. قد يحدث هذا النقاش بين زملاء أو أصدقاء ويصل إلى القطيعة.
ذلك النقاش الحاد يتجاهل اختلاف الذائقة بين شخص وآخر كما يتجاهل أو يجهل أن لكل شخص إدراكه الخاص ورؤيته الخاصة اللذين يعكسان ثقافته وخبرته وذائقته. ولهذا لا تحاول أن تطرح رأياً قاطعاً أن فيلماً معيناً أو كتاباً أو إدارياً أو رياضياً أو أديباً هو الأفضل على الإطلاق.
تعودنا (عربياً) على استخدام أفعل التفضيل فنقول مثلاً: هذا أفضل بيت قالته العرب، وكأننا نقول: خلاص توقفوا عن نظم الشعر. وبالعاطفة نقول: هذا فنان أو أديب لن يتكرر. سوف أقول: إن من الطبيعي ألا يتكرر، ولو تكرر فسيكون نسخة لما قبله. ما يحصل هو ولادة إبداع جديد في نفس مجال ذلك المبدع الذي قلنا عنه إنه لن يتكرر. وهذا ما يجعل التقليد خارج نطاق الإبداع.
زاد اهتمام الدول في موضوع الإبداع منذ القرن الماضي، واتجهت نحوه الدراسات والأبحاث والاختبارات انطلاقاً من القناعة بدور المبدعين في تحقيق التقدم، وهذا ما دفع بالدول إلى الاهتمام بالمبتكرين ودعمهم بحثاً عن الاختراعات والاكتشافات والحلول. كما اتجه الاهتمام إلى المدارس والجامعات من أجل تنمية التفكير الإبداعي لدى الطلاب، وإيجاد أنشطة وبرامج داخل المدارس والجامعات يتعرف من خلالها المختصون على القدرات والمهارات والصفات الشخصية التي تشكل بيئة خصبة للإبداع وتحتاج إلى الدعم والتحفيز ومساحة من المرونة والتحرر من الجدولة التقليدية، وإيجاد بيئة بحثية تحتضن القدرات العلمية الواعدة، وتشجيع الطلاب في كل المراحل على طرح الأسئلة فهي المفاتيح لبوابات الإبداع.
الرياض
يوسف القبلان
لو قيل لي ما الإبداع؟ لقلت: إن تعريف الإبداع يقيده في إطار معين، والإبداع لا تربطه علاقة حب بالقيود. سأقول: إن الإبداع قد يوجد في فكرة، أو سؤال، أو جملة، أو بيت شعر، أو لوحة فنية، أو في مسرحية أو فيلم، أو كتاب، أو أداء رياضي، أو أداء إداري، أو حل لمشكلة، أو إضافة مميزة في مجال معين، أو اكتشاف علاج، أو اختراع مفيد للبشرية. إنه بلا حدود فلا حاجة لتقييده بالتعريف.
سوف أقول أيضاً: إن الإبداع متاح للجميع في كل المجالات، وإن المثل يقول (لو اتفقت الأذواق لبارت السلع)، وهذا يعني أن تعدد المبدعين في مجال واحد هو أمر طبيعي، ولولا ذلك لتوقف الإبداع بفعل الإحباط. جائزة نوبل على سبيل المثال قد تكون أحد معايير الإبداع، من يحصل عليها في مجال معين لا يعني عدم وجود مبدعين في المجال نفسه. وهذا يذكرنا بالجوائز ذات العلاقة بالإبداع مثل جائزة نوبل وهي تطبق المعايير العلمية على الموضوعات العلمية، أما في موضوع الأدب مثلاً فلها معايير أخرى، ولذلك فإن الجدل يحدث في الغالب حول جائزة الأدب أو جائزة السلام وليس حول الجوائز العلمية. إن فوز رواية معينة مثلاً بالجائزة لا يعني عدم وجود روايات أخرى تتوفر فيها ميزة الإبداع. في عالم الأدب معايير ذات علاقة بالجمال والتأثير.
وسوف أضيف أن المتنبي - مثلاً - لو كان موجوداً في هذا الزمن لكان أحد القادرين على الفوز بجائزة نوبل للأدب، ولكن هذا لا يعني أن شعراء آخرين مثل المعري والفرزدق وجرير وغيرهم غير مبدعين (بالمناسبة، المتنبي ربما يرفض الجائزة بحجة أنه أكبر منها). وهكذا في بقية المجالات. وهنا تذكير بميل كثيرين إلى المقارنة بين مبدع وآخر والإصرار على اختيار أيهما أفضل ويصل الأمر إلى التعصب والنقاش الحاد. قد يحدث هذا النقاش بين زملاء أو أصدقاء ويصل إلى القطيعة.
ذلك النقاش الحاد يتجاهل اختلاف الذائقة بين شخص وآخر كما يتجاهل أو يجهل أن لكل شخص إدراكه الخاص ورؤيته الخاصة اللذين يعكسان ثقافته وخبرته وذائقته. ولهذا لا تحاول أن تطرح رأياً قاطعاً أن فيلماً معيناً أو كتاباً أو إدارياً أو رياضياً أو أديباً هو الأفضل على الإطلاق.
تعودنا (عربياً) على استخدام أفعل التفضيل فنقول مثلاً: هذا أفضل بيت قالته العرب، وكأننا نقول: خلاص توقفوا عن نظم الشعر. وبالعاطفة نقول: هذا فنان أو أديب لن يتكرر. سوف أقول: إن من الطبيعي ألا يتكرر، ولو تكرر فسيكون نسخة لما قبله. ما يحصل هو ولادة إبداع جديد في نفس مجال ذلك المبدع الذي قلنا عنه إنه لن يتكرر. وهذا ما يجعل التقليد خارج نطاق الإبداع.
زاد اهتمام الدول في موضوع الإبداع منذ القرن الماضي، واتجهت نحوه الدراسات والأبحاث والاختبارات انطلاقاً من القناعة بدور المبدعين في تحقيق التقدم، وهذا ما دفع بالدول إلى الاهتمام بالمبتكرين ودعمهم بحثاً عن الاختراعات والاكتشافات والحلول. كما اتجه الاهتمام إلى المدارس والجامعات من أجل تنمية التفكير الإبداعي لدى الطلاب، وإيجاد أنشطة وبرامج داخل المدارس والجامعات يتعرف من خلالها المختصون على القدرات والمهارات والصفات الشخصية التي تشكل بيئة خصبة للإبداع وتحتاج إلى الدعم والتحفيز ومساحة من المرونة والتحرر من الجدولة التقليدية، وإيجاد بيئة بحثية تحتضن القدرات العلمية الواعدة، وتشجيع الطلاب في كل المراحل على طرح الأسئلة فهي المفاتيح لبوابات الإبداع.
الرياض