من عباقرة المعاقين بصريا.. «المعري»
من عباقرة المعاقين بصريا.. «المعري»
د. علي عبدالعزيز العبدالقادر
الاعاقة بصريا أو حركيا أو غيرها ، لا تعني فقدان الإنسان لقدراته العقلية ، بل قد يتفوق على الأصحاء بعبقريته و بإبداعه الفكري ، وقد سجل تاريخ الحضارة البشرية أسماء لامعة من العباقرة والموهوبين من الرجال والنساء المعاقين ، في جميع العصور ومن مختلف الأعراق والأجناس و الثقافات ، ويسجل تاريخ الحضارة الإسلامية العديد من ذوي المواهب الفذة من المعاقين بصريا في الماضي والحاضر ، ومن بين هؤلاء : (أبو العلاء المعري ) ، فماذا نعرف عن هذا العبقري المعاق بصريا ؟؟! ( رهين المحبسين ): حبس البصر وحبس المنزل ، حيث اعتزل الناس لفترة من الزمن ، فيلسوف حكيم وشاعر لا يشق له غبار وناقد أدبي ، اشتهر بآرائه وفلسفته المثيرة للجدل ، فمن هو ؟؟ .
هو : أحمد بن عبدالله بن سليمان التنوخي ، ولد وعاش ومات في معرة النعمان في شمال غرب سوريا ، ولقب بأبي العلاء المعري ، ولد في يوم الجمعة في شهر ربيع الأول سنة : ( 363هج /973م) وتوفي في سنة: (449هج / 1057م ) و عمره ست وثمانون سنة ، وأصيب بالجدري في السنة الثالثة من عمره وفقد بصره وكان يقول : لا أعرف من الألوان إلا الأحمر لأني ألبست ثوبا مصبوغا بالعصفر لا أعرف غيره . وكان يقول : أحمد الله على العمى كما يحمده غيري على البصر ، ونشأ في بيت علم وفضل ورياسة ، وتولى بعض أقاربه القضاء وكان منهم العلماء الأعلام والشعراء المطبوعون .
درس علوم اللغة والأدب والحديث والتفسير والفقه والشعر على نفر من أسرته ، وقرأ النحو في حلب ، ونظم الشعر في الحادية عشرة من العمر ، وكان على جانب عظيم من الذكاء والفهم وحدة الذهن والحفظ وتوقد الخاطر ، وكان نباتي الغذاء لا يأكل لحم الحيوان ولا ما ينتجه من ألبان وسمن وبيض وعسل ، وتتضح عبقرية ابي العلاء المعري وحكمته و فلسفته وإبداعه الشعري والأدبي في أعماله التالية :
- ( رسالة الغفران ) : وهي تمثل عبقرية المعري فلسفة وبلاغة ومنطقا ، وقيل عنها انها ألهمت دانتي اليغيري في كتابه ( الكوميديا الإلهية ) المعروفة .
- أما كتبه الأخرى فهي كثيرة ومنها :
الأيك والغصون في الأدب في مائة جزء .
تاج الحرة في النساء و أخلاقهن وعظاتهن وهو أربعمائة كراس .
عبث الوليد في النقد الأدبي ، شرح ونقد فيه ديوان البحتري .
ديوان سقط الزند . وكتاب شرح ديوان سقط الزند سماه : ( ضوء السقط ) .
رسالة الملائكة . في الفلسفة .
رسالة الهناء .
رسالة الفصول والغايات .
معجزة أحمد ، وهو كتاب شرح فيه شعر أحمد بن الحسين الملقب بالمتنبي وكان المعري معجبا به وكان يقول ان المتنبي قصده بقوله في قصيدة المتنبي لسيف الدولة الحمداني : أنا الذي نظر الأعمى إلى أدبي ... وأسمعت كلماتي من به صمم
ديوان لزوم ما لا يلزم ، وهو كبير في خمسة أجزاء .
كتاب اللزوميات : شرح ديوان لزوم ما لا يلزم .
كتاب شرح و نقد ديوان الحماسة لأبي تمام .
وقد ذكر أبو العلا ء المعري الأحساء ومصر في قصيدة بعنوان : يأتي على الخلق أصباح وأمساء ، في قوله : تثوي الملوك ومصر في تغيرهم ... مصر على العهد والأحساء أحساء .
وإذا كان أبو العلاء المعري قد ساور فكره شك في اعتقاده الديني ، وأتهم بالإلحاد فأنه عاد الى دوحة الأيمان بالله عز وجل في كثير من قصائده ومنها قصيدته بعنوان : ( لا ريب أن الله حق ، فلتعد ) في قوله: لاريب أن الله حق ، فلتعد ... باللوم أنفسكم على مرتابها ، هلا تتوب من الذنوب خواطئ ... قبل اعتراض الموت دون متابها ، أفملة الإسلام ينكر منكر ... وقضاء ربك صاغها و أتى بها .
المصدر: صحيفة اليوم