«كورونا» وتراجع الصحة النفسية للأطفال
«كورونا» وتراجع الصحة النفسية للأطفال
بسبب العزلة والحرمان في أجواء الإغلاق والتباعد الاجتماعي
د. هاني رمزي عوض
رغم الجهود المبذولة من مقدمي الخدمة الصحية في معظم الدول للحفاظ على الصحة النفسية للمواطنين جراء وباء «كوفيد19» وتداعياته، فإن الإحصاءات تشير إلى زيادة أعداد الأطفال الذين يعانون من مشكلات نفسية عنيفة إلى الحد الذي يضطر فيه الآباء إلى اصطحابهم إلى غرفة الطوارئ في المستشفيات، وذلك في الفئة العمرية لطلبة المدارس تحت عمر 18 عاماً.
جاءت هذه النتائج في التقرير الذي صدر مؤخراً عن «مركز مكافحي الأمراض والوقاية منها (CDC)» بالولايات المتحدة، وشمل 47 ولاية؛ بما يماثل 3 أرباع غرف الطوارئ في الولايات المتحدة كلها، وتناول الفترة من بداية يناير (كانون الثاني) وحتى منتصف أكتوبر (تشرين الأول) الماضيين، وهي فترة انتشار الوباء في أميركا.
- حالات نفسية
أشار الباحثون إلى أن النتائج كانت متوقعة بطبيعة الحال، ولكن نسب حدوث الحالات فاقت التوقعات. ورغم وجود الدعم النفسي من خلال المختصين بشكل دائم على الإنترنت، فإن أجواء الغلق والإجراءات الاحترازية والتباعد الاجتماعي أثرت على نفسية الأطفال بحدة. وفي غياب الوجود الحقيقي مع الطبيب أو المعالج النفسي، ازداد الأمر سوءاً.
ويعتقد الباحثون أن الأمر أصعب على الأطفال لحدوث خلل في يومهم العادي الذي كان يبدأ بالمدرسة ولقاء الأصدقاء أو الذهاب إلى النادي وممارسة الرياضة والتنافس مع الأقران، وافتقاد التزاور مع الأقارب. ورغم وجود الدراسة عبر الإنترنت (online) وكذلك البرامج التي تتيح اللقاءات الحية، فإنها لم تكن كافية لتفادى الاكتئاب والقلق الناتج عن زيادة أعداد المرضى وإصابة الأقارب.
أوضح الباحثون أن تدهور الحالة النفسية للأطفال في المجتمعات المتطورة كان أكبر من دول العالم الثالث، وربما يكون السبب في ذلك تغير شكل الحياة في هذه المجتمعات بشكل صارم، فضلاً عن طبيعة اختلاف الحياة الاجتماعية في هذه الدول عن المجتمعات الأخرى، بمعنى أن المدارس والنوادي كانت المتنفس الوحيد للأطفال لمقابلة الأصدقاء وممارسة اللعب، بعكس العالم الثالث الذي يمكن فيه ممارسة اللعب مع الأقران في الجوار في الشارع، بجانب قرب المسافات بين أبناء الحى الواحد، والتزاور باستمرار بين أفراد العائلة من دون مواعيد مسبقة، خصوصاً أن الإغلاق التام لم يحدث في معظم هذه الدول. وتتبع الباحثون الأمراض النفسية التي يتوقع أن تزيد في فترات الأزمات، مثل القلق والتوتر و«كرب ما بعد الصدمة» والمخاوف المختلفة.
وأوضح الباحثون، الذين عمل بعضهم في البرنامج المخصص للدعم النفسي ضد مرض «كورونا»، أن الفترة من مارس (آذار) وحتى أكتوبر الماضيين شهدت زيادة بلغت 24 في المائة في نسبة زيارة غرف الطوارئ في المستشفى جراء الحالات النفسية في الفئة العمرية من 5أعوام وحتى 11 عاماً. وازدادت هذه النسبة إلى 31 في المائة في الفئة العمرية من 12 وحتى 17 عاماً مقارنة بالعام الماضي.
يذكر أن هذه الزيارات شهدت تراجعاً مع بداية الإغلاق في الولايات المتحدة والدراسة من المنزل في الفترة من منتصف مارس وحتى منتصف أبريل (نيسان) الماضيين، إلا إنها سرعان ما ازدادت بشكل كبير بعد ذلك. ويعتقد الخبراء أن الأرقام الحقيقية للأطفال الذين يعانون من تدهور الحالة النفسية أكبر من النسب الموجودة في غرفة الطوارئ، حيث إن كثيراً من الحالات الحرجة تُعالج خارج المستشفيات. واللافت للنظر حدوث تراجع في عدد الحالات المترددة على غرفة الطوارئ بشكل عام لأسباب عضوية بجانب الأسباب النفسية، في الفترة نفسها للدراسة. وربما يكون السبب في ذلك هو تجنب معظم المواطنين الذهاب إلى المستشفيات إلا في حالات الضرورة القصوى.
- العزلة والحرمان
تشير هذه النتائج بوضوح إلى أهمية المتابعة المستمرة وتقدير ومتابعة الصحة النفسية للأطفال أثناء الأزمات الكبرى؛ حيث يمكن أن يصابوا بانتكاس مفاجئ نتيجة للضغوط التي تتولد من تغير نمط الحياة اليومية بشكل بالغ الحدة (uprooting) بحيث يترك أثراً مساوياً للحروب الأهلية أو الكوارث الطبيعية، مثل الزلازل والبراكين، مما يؤدى بالضرورة إلى فقدان الإحساس بالأمان، والخوف الشديد من الإصابة بالمرض أو الموت؛ سواء للطفل أو موت أحد الوالدين أو فرد مقرب من العائلة. وهذه المشاعر تتضخم بشكل خاص مع العزلة والحرمان من اللعب؛ حيث إن اللعب ليس مجرد متعة فقط، ولكنه وسيلة تواصل مع الآخرين، تمكنهم من فهم ذواتهم، وافتقادهم إياه يجعلهم يشعرون بالعجز عن التعبير عن أنفسهم، مما يؤدى إلى إصابتهم بالقلق.
أكد الخبراء أن الفروق الشخصية بين الأطفال تلعب دوراً في نسب حدوث الأزمات النفسية؛ فبينما يوجد أطفال يمكنهم التكيف مع حقيقة جائحة المرض واستغلال الوقت الكبير المتاح في المنزل للتعلم عبر الإنترنت، يعانى البعض الآخر من القلق والاضطراب النفسي، وبطبيعة الحال يتفاقم الأمر لدى الأطفال المصابين بالأمراض النفسية من الأساس. وفي الأغلب؛ كان معظم زوار غرفة الطوارئ من هذه الفئة.
ونصحت الدراسة الآباء بضرورة معرفة أن وقع الأمر على الأطفال يختلف عن البالغين، ولذلك يجب عليهم توفير بيئة داعمة نفسياً لهؤلاء الأطفال حتى لو كانوا يشعرون بالقلق، وأيضاً يجب أن يكونوا على دراية بالعلامات التي تشير إلى عوامل الخطورة التي تستدعى انتقال الطفل إلى المستشفى، مثل محاولات إيذاء النفس. وكذلك يجب أن يتابع الأطفال المصابون بالأمراض النفسية جلسات العلاج كلما أمكن من خلال الإنترنت، خصوصاً مع زيادة احتمالات حدوث إغلاق شامل مع ظهور موجة جديدة من الوباء.
الشرق الأوسط
بسبب العزلة والحرمان في أجواء الإغلاق والتباعد الاجتماعي
د. هاني رمزي عوض
رغم الجهود المبذولة من مقدمي الخدمة الصحية في معظم الدول للحفاظ على الصحة النفسية للمواطنين جراء وباء «كوفيد19» وتداعياته، فإن الإحصاءات تشير إلى زيادة أعداد الأطفال الذين يعانون من مشكلات نفسية عنيفة إلى الحد الذي يضطر فيه الآباء إلى اصطحابهم إلى غرفة الطوارئ في المستشفيات، وذلك في الفئة العمرية لطلبة المدارس تحت عمر 18 عاماً.
جاءت هذه النتائج في التقرير الذي صدر مؤخراً عن «مركز مكافحي الأمراض والوقاية منها (CDC)» بالولايات المتحدة، وشمل 47 ولاية؛ بما يماثل 3 أرباع غرف الطوارئ في الولايات المتحدة كلها، وتناول الفترة من بداية يناير (كانون الثاني) وحتى منتصف أكتوبر (تشرين الأول) الماضيين، وهي فترة انتشار الوباء في أميركا.
- حالات نفسية
أشار الباحثون إلى أن النتائج كانت متوقعة بطبيعة الحال، ولكن نسب حدوث الحالات فاقت التوقعات. ورغم وجود الدعم النفسي من خلال المختصين بشكل دائم على الإنترنت، فإن أجواء الغلق والإجراءات الاحترازية والتباعد الاجتماعي أثرت على نفسية الأطفال بحدة. وفي غياب الوجود الحقيقي مع الطبيب أو المعالج النفسي، ازداد الأمر سوءاً.
ويعتقد الباحثون أن الأمر أصعب على الأطفال لحدوث خلل في يومهم العادي الذي كان يبدأ بالمدرسة ولقاء الأصدقاء أو الذهاب إلى النادي وممارسة الرياضة والتنافس مع الأقران، وافتقاد التزاور مع الأقارب. ورغم وجود الدراسة عبر الإنترنت (online) وكذلك البرامج التي تتيح اللقاءات الحية، فإنها لم تكن كافية لتفادى الاكتئاب والقلق الناتج عن زيادة أعداد المرضى وإصابة الأقارب.
أوضح الباحثون أن تدهور الحالة النفسية للأطفال في المجتمعات المتطورة كان أكبر من دول العالم الثالث، وربما يكون السبب في ذلك تغير شكل الحياة في هذه المجتمعات بشكل صارم، فضلاً عن طبيعة اختلاف الحياة الاجتماعية في هذه الدول عن المجتمعات الأخرى، بمعنى أن المدارس والنوادي كانت المتنفس الوحيد للأطفال لمقابلة الأصدقاء وممارسة اللعب، بعكس العالم الثالث الذي يمكن فيه ممارسة اللعب مع الأقران في الجوار في الشارع، بجانب قرب المسافات بين أبناء الحى الواحد، والتزاور باستمرار بين أفراد العائلة من دون مواعيد مسبقة، خصوصاً أن الإغلاق التام لم يحدث في معظم هذه الدول. وتتبع الباحثون الأمراض النفسية التي يتوقع أن تزيد في فترات الأزمات، مثل القلق والتوتر و«كرب ما بعد الصدمة» والمخاوف المختلفة.
وأوضح الباحثون، الذين عمل بعضهم في البرنامج المخصص للدعم النفسي ضد مرض «كورونا»، أن الفترة من مارس (آذار) وحتى أكتوبر الماضيين شهدت زيادة بلغت 24 في المائة في نسبة زيارة غرف الطوارئ في المستشفى جراء الحالات النفسية في الفئة العمرية من 5أعوام وحتى 11 عاماً. وازدادت هذه النسبة إلى 31 في المائة في الفئة العمرية من 12 وحتى 17 عاماً مقارنة بالعام الماضي.
يذكر أن هذه الزيارات شهدت تراجعاً مع بداية الإغلاق في الولايات المتحدة والدراسة من المنزل في الفترة من منتصف مارس وحتى منتصف أبريل (نيسان) الماضيين، إلا إنها سرعان ما ازدادت بشكل كبير بعد ذلك. ويعتقد الخبراء أن الأرقام الحقيقية للأطفال الذين يعانون من تدهور الحالة النفسية أكبر من النسب الموجودة في غرفة الطوارئ، حيث إن كثيراً من الحالات الحرجة تُعالج خارج المستشفيات. واللافت للنظر حدوث تراجع في عدد الحالات المترددة على غرفة الطوارئ بشكل عام لأسباب عضوية بجانب الأسباب النفسية، في الفترة نفسها للدراسة. وربما يكون السبب في ذلك هو تجنب معظم المواطنين الذهاب إلى المستشفيات إلا في حالات الضرورة القصوى.
- العزلة والحرمان
تشير هذه النتائج بوضوح إلى أهمية المتابعة المستمرة وتقدير ومتابعة الصحة النفسية للأطفال أثناء الأزمات الكبرى؛ حيث يمكن أن يصابوا بانتكاس مفاجئ نتيجة للضغوط التي تتولد من تغير نمط الحياة اليومية بشكل بالغ الحدة (uprooting) بحيث يترك أثراً مساوياً للحروب الأهلية أو الكوارث الطبيعية، مثل الزلازل والبراكين، مما يؤدى بالضرورة إلى فقدان الإحساس بالأمان، والخوف الشديد من الإصابة بالمرض أو الموت؛ سواء للطفل أو موت أحد الوالدين أو فرد مقرب من العائلة. وهذه المشاعر تتضخم بشكل خاص مع العزلة والحرمان من اللعب؛ حيث إن اللعب ليس مجرد متعة فقط، ولكنه وسيلة تواصل مع الآخرين، تمكنهم من فهم ذواتهم، وافتقادهم إياه يجعلهم يشعرون بالعجز عن التعبير عن أنفسهم، مما يؤدى إلى إصابتهم بالقلق.
أكد الخبراء أن الفروق الشخصية بين الأطفال تلعب دوراً في نسب حدوث الأزمات النفسية؛ فبينما يوجد أطفال يمكنهم التكيف مع حقيقة جائحة المرض واستغلال الوقت الكبير المتاح في المنزل للتعلم عبر الإنترنت، يعانى البعض الآخر من القلق والاضطراب النفسي، وبطبيعة الحال يتفاقم الأمر لدى الأطفال المصابين بالأمراض النفسية من الأساس. وفي الأغلب؛ كان معظم زوار غرفة الطوارئ من هذه الفئة.
ونصحت الدراسة الآباء بضرورة معرفة أن وقع الأمر على الأطفال يختلف عن البالغين، ولذلك يجب عليهم توفير بيئة داعمة نفسياً لهؤلاء الأطفال حتى لو كانوا يشعرون بالقلق، وأيضاً يجب أن يكونوا على دراية بالعلامات التي تشير إلى عوامل الخطورة التي تستدعى انتقال الطفل إلى المستشفى، مثل محاولات إيذاء النفس. وكذلك يجب أن يتابع الأطفال المصابون بالأمراض النفسية جلسات العلاج كلما أمكن من خلال الإنترنت، خصوصاً مع زيادة احتمالات حدوث إغلاق شامل مع ظهور موجة جديدة من الوباء.
الشرق الأوسط