بين حالين
بين حالين
عابد هاشم
الحياة الدنيا في حراك دائم فيها من كل شيء ووجهه الآخر، فكما فيها الفرح فيها الحزن، وكذلك الرخاء وجهه الآخر الشدة، والخير ضده أو عكسه الشر، والقوة عكسها الضعف.. إلخ.
وفي حياة كل منا من اليسر كما فيها من العسر أيضا بنسب تتناسب مع حجم وأثر وتأثير ما يعترينا من أحداث ومواقف ذلك الحراك الدنيوي بمده وجزره.
إلا أن ردود أفعالنا وتفاعلاتنا مع العسر أو اليسر تتباين في الحالتين من إنسان لآخر، هذا التباين نراه في حالة العسر من خلال صمت وجلد ودأب في سبيل التكيف مع الظرف والحالة من جهة، وبذل كل ما هو ممكن من الجهود المشروعة في سبيل التغلب عليها وتجاوزها هذا عند البعض، بينما قد تتحول هذه الحالة «العسر» عند البعض الثاني إلى عدم اتزان وتحكم في القدرات، فيندفع نحو جهود ومحاولات يغلب عليها التخبط والعشوائية فتنعكس سلبا على كل ما هو فيه ومنه ومن حوله، وكلما تمادى في تخبطه واجتهاداته الخاطئة ازدادت الحالة تعقيدا مما قد يقوده في النهاية لاقتراف ما لا تحمد عواقبه حد السقوط.
ونفس التباين من ردود الأفعال والتفاعل يحدث في حالة اليسر، هناك من يتعايش مع اليسر (بيسر) وعدم تكلف، فلا يزيده اليسر إلا دماثة تعزز ما جبل عليه من قيم ومثل ومبادئ في مسار وتسيير أموره بشكل عام عملا وتعاملا، بل إن هذا النموذج تجده في حالة اليسر أكثر تلمسا واستشعارا بأحوال وهموم الآخرين في مختلف دوائر علاقاته الاجتماعية والعملية والإنسانية، ممن لا يزيده قربه منهم ومشاركتهم الحب واللحمة والتواصل والتكافل إلا رفعة «من تواضع لله رفعه» وغبطة في أعماقهم وذكرا حسنا يبقى له في حياته مهما (تداولت أيامها) وهذه حقيقة لا يغفلها غير الجاهل بـ «وتلك الأيام نداولها بين الناس».
والنموذج الآخر هو على النقيض مما ذكر، وبالتالي لا يحصد إلا ما تجنيه الغفلة والخيلاء.. الخ
ويبقى السوي هو من يوقن بأن اليسر والعسر كلاهما نعمة واختبار من رب العباد، فاليسر يستوجب الشكر (وسيجزي الله الشاكرين) والعسر يستوجب الصبر (إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب)، فدوام الحال من المحال والفيصل في كل الأحوال هو مخافة الله والله من وراء القصد.
تأمل:
اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا
واعمل لآخرتك كأنك تموت غدا
المصدر: صحيفة عكاظ