حسن الصحبة
حسن الصحبة
أ.د. حمزة بن سليمان الطيار
حسن الصحبة محمدةٌ ينبغي أن لا يتجاهلها من وجدها من صاحبه، ولمكافأتها صورٌ منها مقابلتها بالمثل حسب الاستطاعة، وعدم مقابلة الحسنة بالمثل يدخل في كفران العشير المذموم وإذا كانت مقابلة السيئة بالحسنة مستحبة فمن باب أولى مقابلة الحسنة بالحسنة، ومن مكافأة الصحبة الحسنة الاعتراف بها، والتنويه بحسن صنيع من صدرت منه..
لا يستطيع الإنسان الحياة الكريمة بدون الآخرين، ومهما ألزم نفسه الانزواء وعافَ معاملة الناس فلن يُعدم -في الغالب- صاحباً يربط بينهما أمرٌ معينٌ، فمصالح الناس لا تتسنّى إلا بالتعاطي المتبادل، وهو مُحتاجُ إلى أن يكون لك من تركن إليه وتُعوِّلُ عليه في جزئيةٍ مُعينةٍ، أو من يتحرّى النفع في التعامل معه، وهذا من نواميس الحياة ولو افترضنا أن هناك من يتمرَّد عليه فلا شك أنه يكون مُهدر المصالح لا يتمنى أحدٌ أن يصبح مكانه، ولي في أهمية حسن الصحبة وقفات:
الأولى: يختلف الناس في النظر تجاه الصحبة، فمنهم من يراها مجرد رابطة اقتضاها ظرفٌ عابرٌ، فإذا زال ذلك السبب فَصَمَ عُروتها إلى غير رجعة، ومنهم من يراها ذمةً متينة العقدة محترمة الجناب، وهذا دأبُ كرامِ الناس وعقلائهم، وصدق القائل:
وبيننا لو رعيتُم ذاك معرِفةٌ ... إن المعارف في أهل النُّهى ذِمَمُ
والفرق بين الصنفين هو الفرق بين المعتني بالنفائس والمتهاون بها، وليست الصحبة بدعاً في ذلك، فما من شيءٍ من الرغائب إلا ويُوجدُ من يُدركُ أهميته ويقدره قدره، وهذا مظنة نيل حظٍّ وافرٍ من ثمراته، ويوجد من الناس من يرمي بالرغائب خلف ظهره متمادياً في إهمالها، ولا يقتصر ذلك على المهمات المعنوية التي قد يقصر ذكاء بعض الناس عن إدراك ما لهما من أهمية، بل يصل إلى المهمات التي يكون مردودها حسياً فقد تجد في الناس من لا يأبه بصحته ولا يدبر ماله مع بدهية منافع حفظ الصحة والمال، ولكن أبى المهمل إلا أن يكون مهملاً، ويكفي دليلاً على قبح إهمال الصحبة أن كثيراً من الحيوانات تترفع عن ذلك فيحنُّ بعضها إلى بعض، ويستند بعضها إلى بعض في الدفاع عن نفسها، ومنها ما يألف الإنسان ويُخلصُ في صحبته.
الثانية: معيار الحكم على الإنسان بأنه يُحسنُ صحبة الآخرين دقيقٌ وشاملٌ، فلا يستحق هذه الصفة السنيةَ من يهشُّ لمن جالسه مرة أو جمعهما مجلسٌ تحكمه المجاملة ويلزم فيها الناسُ أنفسهم بحسن السمت، أو من يُلينُ الجانب لذي مكانةٍ تربطهما علاقة مصلحة يحرص على عدم تكدير صفوها، فقلَّما يعجز الإنسان في مثل تلك المواقف عن اصطناع ما ليس من شيمته، بل يعتبر حسن الصحبة بإحسان معاملة من يعايشهم الإنسان بمختلف أشكالهم، وأولاهم بذلك الوالدان وأحد الزوجين والأسرة الخاصة ثم الأقرب فالأقرب، ومن أجلى ما يظهر به ذلك حسن معاملة الأهل والأصحاب ومن لا يرغب فيه ولا يرهب، ونرى كيف لهجت ألسنة الصحابة بوصف حسن معاملة النبي صلى الله عليه وسلم فامرأته عائشة رضي الله عنها تصف كيف يُلاطفها ويُمازحها، فتقول: خَرَجْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ وَأَنَا جَارِيَةٌ لَمْ أَحْمِلِ اللَّحْمَ وَلَمْ أَبْدُنْ، فَقَالَ لِلنَّاسِ: "تَقَدَّمُوا" فَتَقَدَّمُوا، ثُمَّ قَالَ لِي: "تَعَالَيْ حَتَّى أُسَابِقَكِ" فَسَابَقْتُهُ فَسَبَقْتُهُ، فَسَكَتَ عَنِّي، حَتَّى إِذَا حَمَلْتُ اللَّحْمَ وَبَدُنْتُ وَنَسِيتُ، خَرَجْتُ مَعَهُ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ، فَقَالَ لِلنَّاسِ: "تَقَدَّمُوا" فَتَقَدَّمُوا، ثُمَّ قَالَ: "تَعَالَيْ حَتَّى أُسَابِقَكِ" فَسَابَقْتُهُ، فَسَبَقَنِي، فَجَعَلَ يَضْحَكُ، وَهُوَ يَقُولُ: "هَذِهِ بِتِلْكَ"، أخرجه الإمام أحمد، وحين استحمله رجلٌ فقال له: "إِنَّا حَامِلُوكَ عَلَى وَلَدِ نَاقَةٍ"، قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ مَا أَصْنَعُ بِوَلَدِ نَاقَةٍ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "وَهَلْ تَلِدُ الْإِبِلَ إِلَّا النُّوقُ"، أخرجه الإمام أحمد، قال بعض أهل العلم: (هذا من جملةِ مزاحهِ - صلى الله عليه وسلم).
ثالثاً: حسن الصحبة محمدةٌ ينبغي أن لا يتجاهلها من وجدها من صاحبه، ولمكافأتها صورٌ منها مقابلتها بالمثل حسب الاستطاعة، وعدم مقابلة الحسنة بالمثل يدخل في كفران العشير المذموم وإذا كانت مقابلة السيئة بالحسنة مستحبة فمن باب أولى مقابلة الحسنة بالحسنة، ومن مكافأة الصحبة الحسنة الاعتراف بها، والتنويه بحسن صنيع من صدرت منه، ولا ينبغي أن يمنع من ذلك كون المحسَن إليه صاحب فضلٍ على المحسِن لسببٍ من أسباب استحقاق التقدير، بل المحسن محمود مطلقاً، وقد نوَّه النبي صلى الله بحسن الصحبة مع أن حقه على كل المسلمين أن يُحسنوا صحبته، فقد قال في حقِّ أبي بكر الصديق: «إِنَّ مِنْ أَمَنِّ النَّاسِ عَلَيَّ فِي صُحْبَتِهِ وَمَالِهِ أَبَا بَكْرٍ، وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلًا غَيْرَ رَبِّي لاَتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ، وَلَكِنْ أُخُوَّةُ الإِسْلاَمِ وَمَوَدَّتُهُ، لاَ يَبْقَيَنَّ فِي المَسْجِدِ بَابٌ إِلَّا سُدَّ إِلَّا بَابَ أَبِي بَكْرٍ»، وأثنى على معاملة بعض أصهاره له فعن المِسْوَرِ بْن مَخْرَمَةَ رضي الله عنه قال: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرَ صِهْرًا لَهُ، فَأَثْنَى عَلَيْهِ فِي مُصَاهَرَتِهِ، فَأَحْسَنَ قَالَ: «حَدَّثَنِي وَصَدَقَنِي، وَوَعَدَنِي فَوَفَى لِي» متفق عليه.
الرياض
أ.د. حمزة بن سليمان الطيار
حسن الصحبة محمدةٌ ينبغي أن لا يتجاهلها من وجدها من صاحبه، ولمكافأتها صورٌ منها مقابلتها بالمثل حسب الاستطاعة، وعدم مقابلة الحسنة بالمثل يدخل في كفران العشير المذموم وإذا كانت مقابلة السيئة بالحسنة مستحبة فمن باب أولى مقابلة الحسنة بالحسنة، ومن مكافأة الصحبة الحسنة الاعتراف بها، والتنويه بحسن صنيع من صدرت منه..
لا يستطيع الإنسان الحياة الكريمة بدون الآخرين، ومهما ألزم نفسه الانزواء وعافَ معاملة الناس فلن يُعدم -في الغالب- صاحباً يربط بينهما أمرٌ معينٌ، فمصالح الناس لا تتسنّى إلا بالتعاطي المتبادل، وهو مُحتاجُ إلى أن يكون لك من تركن إليه وتُعوِّلُ عليه في جزئيةٍ مُعينةٍ، أو من يتحرّى النفع في التعامل معه، وهذا من نواميس الحياة ولو افترضنا أن هناك من يتمرَّد عليه فلا شك أنه يكون مُهدر المصالح لا يتمنى أحدٌ أن يصبح مكانه، ولي في أهمية حسن الصحبة وقفات:
الأولى: يختلف الناس في النظر تجاه الصحبة، فمنهم من يراها مجرد رابطة اقتضاها ظرفٌ عابرٌ، فإذا زال ذلك السبب فَصَمَ عُروتها إلى غير رجعة، ومنهم من يراها ذمةً متينة العقدة محترمة الجناب، وهذا دأبُ كرامِ الناس وعقلائهم، وصدق القائل:
وبيننا لو رعيتُم ذاك معرِفةٌ ... إن المعارف في أهل النُّهى ذِمَمُ
والفرق بين الصنفين هو الفرق بين المعتني بالنفائس والمتهاون بها، وليست الصحبة بدعاً في ذلك، فما من شيءٍ من الرغائب إلا ويُوجدُ من يُدركُ أهميته ويقدره قدره، وهذا مظنة نيل حظٍّ وافرٍ من ثمراته، ويوجد من الناس من يرمي بالرغائب خلف ظهره متمادياً في إهمالها، ولا يقتصر ذلك على المهمات المعنوية التي قد يقصر ذكاء بعض الناس عن إدراك ما لهما من أهمية، بل يصل إلى المهمات التي يكون مردودها حسياً فقد تجد في الناس من لا يأبه بصحته ولا يدبر ماله مع بدهية منافع حفظ الصحة والمال، ولكن أبى المهمل إلا أن يكون مهملاً، ويكفي دليلاً على قبح إهمال الصحبة أن كثيراً من الحيوانات تترفع عن ذلك فيحنُّ بعضها إلى بعض، ويستند بعضها إلى بعض في الدفاع عن نفسها، ومنها ما يألف الإنسان ويُخلصُ في صحبته.
الثانية: معيار الحكم على الإنسان بأنه يُحسنُ صحبة الآخرين دقيقٌ وشاملٌ، فلا يستحق هذه الصفة السنيةَ من يهشُّ لمن جالسه مرة أو جمعهما مجلسٌ تحكمه المجاملة ويلزم فيها الناسُ أنفسهم بحسن السمت، أو من يُلينُ الجانب لذي مكانةٍ تربطهما علاقة مصلحة يحرص على عدم تكدير صفوها، فقلَّما يعجز الإنسان في مثل تلك المواقف عن اصطناع ما ليس من شيمته، بل يعتبر حسن الصحبة بإحسان معاملة من يعايشهم الإنسان بمختلف أشكالهم، وأولاهم بذلك الوالدان وأحد الزوجين والأسرة الخاصة ثم الأقرب فالأقرب، ومن أجلى ما يظهر به ذلك حسن معاملة الأهل والأصحاب ومن لا يرغب فيه ولا يرهب، ونرى كيف لهجت ألسنة الصحابة بوصف حسن معاملة النبي صلى الله عليه وسلم فامرأته عائشة رضي الله عنها تصف كيف يُلاطفها ويُمازحها، فتقول: خَرَجْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ وَأَنَا جَارِيَةٌ لَمْ أَحْمِلِ اللَّحْمَ وَلَمْ أَبْدُنْ، فَقَالَ لِلنَّاسِ: "تَقَدَّمُوا" فَتَقَدَّمُوا، ثُمَّ قَالَ لِي: "تَعَالَيْ حَتَّى أُسَابِقَكِ" فَسَابَقْتُهُ فَسَبَقْتُهُ، فَسَكَتَ عَنِّي، حَتَّى إِذَا حَمَلْتُ اللَّحْمَ وَبَدُنْتُ وَنَسِيتُ، خَرَجْتُ مَعَهُ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ، فَقَالَ لِلنَّاسِ: "تَقَدَّمُوا" فَتَقَدَّمُوا، ثُمَّ قَالَ: "تَعَالَيْ حَتَّى أُسَابِقَكِ" فَسَابَقْتُهُ، فَسَبَقَنِي، فَجَعَلَ يَضْحَكُ، وَهُوَ يَقُولُ: "هَذِهِ بِتِلْكَ"، أخرجه الإمام أحمد، وحين استحمله رجلٌ فقال له: "إِنَّا حَامِلُوكَ عَلَى وَلَدِ نَاقَةٍ"، قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ مَا أَصْنَعُ بِوَلَدِ نَاقَةٍ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "وَهَلْ تَلِدُ الْإِبِلَ إِلَّا النُّوقُ"، أخرجه الإمام أحمد، قال بعض أهل العلم: (هذا من جملةِ مزاحهِ - صلى الله عليه وسلم).
ثالثاً: حسن الصحبة محمدةٌ ينبغي أن لا يتجاهلها من وجدها من صاحبه، ولمكافأتها صورٌ منها مقابلتها بالمثل حسب الاستطاعة، وعدم مقابلة الحسنة بالمثل يدخل في كفران العشير المذموم وإذا كانت مقابلة السيئة بالحسنة مستحبة فمن باب أولى مقابلة الحسنة بالحسنة، ومن مكافأة الصحبة الحسنة الاعتراف بها، والتنويه بحسن صنيع من صدرت منه، ولا ينبغي أن يمنع من ذلك كون المحسَن إليه صاحب فضلٍ على المحسِن لسببٍ من أسباب استحقاق التقدير، بل المحسن محمود مطلقاً، وقد نوَّه النبي صلى الله بحسن الصحبة مع أن حقه على كل المسلمين أن يُحسنوا صحبته، فقد قال في حقِّ أبي بكر الصديق: «إِنَّ مِنْ أَمَنِّ النَّاسِ عَلَيَّ فِي صُحْبَتِهِ وَمَالِهِ أَبَا بَكْرٍ، وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلًا غَيْرَ رَبِّي لاَتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ، وَلَكِنْ أُخُوَّةُ الإِسْلاَمِ وَمَوَدَّتُهُ، لاَ يَبْقَيَنَّ فِي المَسْجِدِ بَابٌ إِلَّا سُدَّ إِلَّا بَابَ أَبِي بَكْرٍ»، وأثنى على معاملة بعض أصهاره له فعن المِسْوَرِ بْن مَخْرَمَةَ رضي الله عنه قال: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرَ صِهْرًا لَهُ، فَأَثْنَى عَلَيْهِ فِي مُصَاهَرَتِهِ، فَأَحْسَنَ قَالَ: «حَدَّثَنِي وَصَدَقَنِي، وَوَعَدَنِي فَوَفَى لِي» متفق عليه.
الرياض