تجديد جهاز المناعة لإبطاء الشيخوخة
تجديد جهاز المناعة لإبطاء الشيخوخة
د. وفا جاسم الرجب
في عام 2020 الماضي هيمن فيروس «كورونا» على الأخبار الصحية في جميع أنحاء العالم، وقد أدى ذلك في الواقع إلى وضع أبحاث علاج الشيخوخة في موقع أقوى، فالتقدم في العمر يعدّ إلى حد بعيد عامل الخطر الأكبر عند إصابة الشخص بهذا المرض.
ويظل هذا صحيحاً؛ رغم ظهور السلالة البريطانية المتحورة من فيروس «كورونا» التي لا تستثني الشباب في سن العشرينات، وربما كذلك الأطفال، حسبما كشفت عنه دراسة أجراها باحثون بجامعة «إمبريال كوليدج» في لندن.
تجديد جهاز المناعة
ماذا يحدث إذا تمكن العلماء من تجديد جهاز المناعة لدى مرضى فيروس «كورونا» الأكبر سناً وجعلهم فعلياً أصغر سناً من الناحية البيولوجية؟ سيمكن حينذاك تقليل خطر موتهم بشكل كبير، إضافة إلى أن اللقاحات التي بدأ نشرها الآن ستكون المنقذ الأهم في هذا الوباء. كما أن العمل من أجل تأمين جهاز مناعي أصغر سناً من الناحية البيولوجية للأشخاص الهرمين، سيجعلنا أكثر استعداداً للجائحة التالية.
يقول آندرو ستيل، مؤلف كتاب «شباب دائم: العلم الجديد للتقدم في السن دون التقدم في العمر» المنشور في 24 ديسمبر (كانون الأول) 2020، إن العام الماضي أظهر لنا أن «التأثيرات على صحتنا يمكن أن تقلب حياتنا رأساً على عقب، وتحول اقتصاداتنا، وتقلب سياساتنا. لقد أظهر لنا أيضاً أن الإجابة النهائية عن التحديات في مجال الصحة هي التطور في ميدان العلم مع تطوير اللقاحات في وقت قياسي. وإذا تمكنا من جعل عام 2021 هو العام الذي اخترنا فيه متابعة بيولوجيا الشيخوخة مع جزء بسيط من المثابرة التي نتعامل بها مع فيروس (كورونا)؛ فقد يكون ذلك بداية ثورة في الطب الحيوي».
مؤشرات تقدم العمر
على مدى القرن الماضي كانت هناك العشرات من النظريات المتعلقة بالشيخوخة التي تزعم أنها تفسر سبب تقدم البشر في العمر وموتهم، إلا إن كثيراً منها انهار تحت وطأة الأدلة المضادة.
* أضرار جينية: لكن اليوم يمكننا أن نشير بشكل موثوق إلى السمات المميزة للشيخوخة والتي تتمثل في تراكم الأضرار الجينية مع تقدم الإنسان بالعمر، والذي بدوره سوف يؤدي إلى عدم الاستقرار الجيني. وبمرور الوقت يتشوه الحامض النووي. وإذا ما تمكن العلماء من إيجاد طريقة لإصلاح هذا الضرر فسيكون العلماء قادرين على التأثير على عملية الشيخوخة.
* تراكم الخلايا المُسنّة: وإضافة إلى ذلك؛ فإنه كلما طالت مدة حياة الإنسان، زادت إمكانية تراكم الخلايا المسنة (الهرمة) والتي تميل إلى البقاء في الجسم ويمكن أن تسهم في ظهور الأمراض المرتبطة بالعمر، وهو ما يعرف بالشيخوخة الخلوية، أما الخلل الوظيفي في الميتوكوندريا (الميتوكوندريا هي «عضيات» تولد الطاقة التي تحتاجها خلايا الجسم لتشغيل التفاعلات الكيميائية الحيوية الضرورية)، فقد وجد أنه يمكن أن يؤدي إلى تسريع الشيخوخة.
غالباً ما تتحول الخلايا المسنة وتطلب المساعدة عن طريق إفراز جزيئات التهابية تنبه الجهاز المناعي لوجودها، وتطلب إزالتها، وهو ما يعني أن الخلية المناعية التي تكمن مهمتها في البحث والتدمير سوف تنجذب إليها وتبتلع الخلية المسنة، مما يخلص الجسم من المشكلة.
إن السبب الذي يجعل الأشخاص البالغين من العمر 85 عاماً يموتون أكثر ممن هم في عمر 35 عاماً، هو أنهم معرضون بشكل كبير لخطر الإصابة بالأمراض ابتداء من السرطان وانتهاء بالخرف. أما السبب الذي يجعلنا أكثر عرضة للإصابة بالأمراض؛ فيكمن في التغيرات في تركيبتنا البيولوجية، وإذا تمكنا من فهم هذه التغييرات، فيمكننا التوصل إلى علاجات لإبطاء ظهورها وتقليل مخاطر الإصابة بكل هذه الأمراض.
علاج الشيخوخة
علاج الشيخوخة هدف إنساني مهم للغاية من شأنه أن يخفف المعاناة على أوسع نطاق ممكن. وبعبارة أخرى؛ كلما تقدمنا في السن زاد احتمال إصابتنا بالمرض وزادت احتمالية موتنا في النهاية بسبب هذا المرض. لكن ماذا لو لم نمرض في المقام الأول؟ ماذا لو بقينا أصحاء؟
يسلط آندرو ستيل الضوء على كيفية قيام العلماء بتجربة الأدوية الحالة للشيخوخة؛ وهي العملية التي يجري من خلالها التخلص من الخلايا «المسنة»؛ تلك الخلايا القديمة في الجسم، وبالتالي تحسين الصحة العامة. ويقر بأن هناك كثيراً من الأسئلة التي تراودنا؛ منها: هل هناك أشخاص أو أعضاء معينة أكثر إصابة بهذه الخلايا، وهل لها تأثير أكبر في مكان أو آخر؟ هل يجب أن يؤثر ذلك على كيفية تطويرنا الأدوية الحالة للشيخوخة واستهداف الأماكن الأكثر أهمية أولاً؟ كما أنه متحمس بشأن الـ«ميتفورمين (metformin)»، وهو دواء يستخدمه مرضى السكري منذ عقود وله آثار جانبية يبدو أنها تبطئ من تطور الأمراض المرتبطة بالعمر، فقد كشفت دراسة قام بها ويليام هيرمان وروبرت أتنر ونُشرت في مجلة «Diabetes Care» في سبتمبر (أيلول) 2020 واستمرت 6 سنوات وأجريت على 1037 أسترالياً من كبار السن مصابين بداء السكري من النوع الثاني، عن «وجود صلة بين استخدام الـ(ميتفورمين) وبطء التدهور المعرفي، وانخفاض معدلات الخرف».
والـ«ميتفورمين» دواء معتمد من «إدارة الغذاء والدواء الأميركية» ويستخدم بنجاح لعلاج مرض السكري لأكثر من 60 عاماً؛ إذ أظهرت الدراسات بالفعل أن الـ«ميتفورمين» يمكن أن يؤخر شيخوخة الحيوانات، وقد يؤثر أيضاً على عوامل الشيخوخة الأساسية التي تكمن وراء كثير من الحالات المرتبطة بالعمر لدى البشر، وينصب التركيز على الـ«ميتفورمين» بسبب سلامته وانخفاض تكلفته، وإذا نجح الدواء، فسيؤدي إلى نقلة نوعية من معالجة كل حالة طبية مرتبطة بالعمر على حدة، إلى معالجة هذه الحالات معاً من خلال استهداف الشيخوخة في حد ذاتها.
ماذا يمكننا أن نفعل الآن لمساعدتنا على العيش لفترة أطول؟ يعترف ستيل بأن نصيحته العملية بشأن ما يمكننا فعله الآن بوصفه الوسيلة التي يمكننا من خلالها أن نعيش لفترة أطول، هو ببساطة أن نعيش بصحة أفضل، وأن طول العمر يرجع إلى نمط الحياة، والحظ. وفي حين أن هناك كثيراً من العوامل التي «يستحيل فعل أي شيء حيالها»، فإنه يوضح أن «هناك كثيراً من الاقتراحات المدعومة علمياً لزيادة متوسط العمر المتوقع إلى الحد الأقصى بناءً على الطريقة التي تختار العيش بها». ويوصي بتناول الطعام بشكل جيد، وعدم التدخين، وممارسة التمارين الرياضية بانتظام، والنوم جيداً، والتطعيم باللقاحات، والعناية بالأسنان.
الشرق الأوسط
د. وفا جاسم الرجب
في عام 2020 الماضي هيمن فيروس «كورونا» على الأخبار الصحية في جميع أنحاء العالم، وقد أدى ذلك في الواقع إلى وضع أبحاث علاج الشيخوخة في موقع أقوى، فالتقدم في العمر يعدّ إلى حد بعيد عامل الخطر الأكبر عند إصابة الشخص بهذا المرض.
ويظل هذا صحيحاً؛ رغم ظهور السلالة البريطانية المتحورة من فيروس «كورونا» التي لا تستثني الشباب في سن العشرينات، وربما كذلك الأطفال، حسبما كشفت عنه دراسة أجراها باحثون بجامعة «إمبريال كوليدج» في لندن.
تجديد جهاز المناعة
ماذا يحدث إذا تمكن العلماء من تجديد جهاز المناعة لدى مرضى فيروس «كورونا» الأكبر سناً وجعلهم فعلياً أصغر سناً من الناحية البيولوجية؟ سيمكن حينذاك تقليل خطر موتهم بشكل كبير، إضافة إلى أن اللقاحات التي بدأ نشرها الآن ستكون المنقذ الأهم في هذا الوباء. كما أن العمل من أجل تأمين جهاز مناعي أصغر سناً من الناحية البيولوجية للأشخاص الهرمين، سيجعلنا أكثر استعداداً للجائحة التالية.
يقول آندرو ستيل، مؤلف كتاب «شباب دائم: العلم الجديد للتقدم في السن دون التقدم في العمر» المنشور في 24 ديسمبر (كانون الأول) 2020، إن العام الماضي أظهر لنا أن «التأثيرات على صحتنا يمكن أن تقلب حياتنا رأساً على عقب، وتحول اقتصاداتنا، وتقلب سياساتنا. لقد أظهر لنا أيضاً أن الإجابة النهائية عن التحديات في مجال الصحة هي التطور في ميدان العلم مع تطوير اللقاحات في وقت قياسي. وإذا تمكنا من جعل عام 2021 هو العام الذي اخترنا فيه متابعة بيولوجيا الشيخوخة مع جزء بسيط من المثابرة التي نتعامل بها مع فيروس (كورونا)؛ فقد يكون ذلك بداية ثورة في الطب الحيوي».
مؤشرات تقدم العمر
على مدى القرن الماضي كانت هناك العشرات من النظريات المتعلقة بالشيخوخة التي تزعم أنها تفسر سبب تقدم البشر في العمر وموتهم، إلا إن كثيراً منها انهار تحت وطأة الأدلة المضادة.
* أضرار جينية: لكن اليوم يمكننا أن نشير بشكل موثوق إلى السمات المميزة للشيخوخة والتي تتمثل في تراكم الأضرار الجينية مع تقدم الإنسان بالعمر، والذي بدوره سوف يؤدي إلى عدم الاستقرار الجيني. وبمرور الوقت يتشوه الحامض النووي. وإذا ما تمكن العلماء من إيجاد طريقة لإصلاح هذا الضرر فسيكون العلماء قادرين على التأثير على عملية الشيخوخة.
* تراكم الخلايا المُسنّة: وإضافة إلى ذلك؛ فإنه كلما طالت مدة حياة الإنسان، زادت إمكانية تراكم الخلايا المسنة (الهرمة) والتي تميل إلى البقاء في الجسم ويمكن أن تسهم في ظهور الأمراض المرتبطة بالعمر، وهو ما يعرف بالشيخوخة الخلوية، أما الخلل الوظيفي في الميتوكوندريا (الميتوكوندريا هي «عضيات» تولد الطاقة التي تحتاجها خلايا الجسم لتشغيل التفاعلات الكيميائية الحيوية الضرورية)، فقد وجد أنه يمكن أن يؤدي إلى تسريع الشيخوخة.
غالباً ما تتحول الخلايا المسنة وتطلب المساعدة عن طريق إفراز جزيئات التهابية تنبه الجهاز المناعي لوجودها، وتطلب إزالتها، وهو ما يعني أن الخلية المناعية التي تكمن مهمتها في البحث والتدمير سوف تنجذب إليها وتبتلع الخلية المسنة، مما يخلص الجسم من المشكلة.
إن السبب الذي يجعل الأشخاص البالغين من العمر 85 عاماً يموتون أكثر ممن هم في عمر 35 عاماً، هو أنهم معرضون بشكل كبير لخطر الإصابة بالأمراض ابتداء من السرطان وانتهاء بالخرف. أما السبب الذي يجعلنا أكثر عرضة للإصابة بالأمراض؛ فيكمن في التغيرات في تركيبتنا البيولوجية، وإذا تمكنا من فهم هذه التغييرات، فيمكننا التوصل إلى علاجات لإبطاء ظهورها وتقليل مخاطر الإصابة بكل هذه الأمراض.
علاج الشيخوخة
علاج الشيخوخة هدف إنساني مهم للغاية من شأنه أن يخفف المعاناة على أوسع نطاق ممكن. وبعبارة أخرى؛ كلما تقدمنا في السن زاد احتمال إصابتنا بالمرض وزادت احتمالية موتنا في النهاية بسبب هذا المرض. لكن ماذا لو لم نمرض في المقام الأول؟ ماذا لو بقينا أصحاء؟
يسلط آندرو ستيل الضوء على كيفية قيام العلماء بتجربة الأدوية الحالة للشيخوخة؛ وهي العملية التي يجري من خلالها التخلص من الخلايا «المسنة»؛ تلك الخلايا القديمة في الجسم، وبالتالي تحسين الصحة العامة. ويقر بأن هناك كثيراً من الأسئلة التي تراودنا؛ منها: هل هناك أشخاص أو أعضاء معينة أكثر إصابة بهذه الخلايا، وهل لها تأثير أكبر في مكان أو آخر؟ هل يجب أن يؤثر ذلك على كيفية تطويرنا الأدوية الحالة للشيخوخة واستهداف الأماكن الأكثر أهمية أولاً؟ كما أنه متحمس بشأن الـ«ميتفورمين (metformin)»، وهو دواء يستخدمه مرضى السكري منذ عقود وله آثار جانبية يبدو أنها تبطئ من تطور الأمراض المرتبطة بالعمر، فقد كشفت دراسة قام بها ويليام هيرمان وروبرت أتنر ونُشرت في مجلة «Diabetes Care» في سبتمبر (أيلول) 2020 واستمرت 6 سنوات وأجريت على 1037 أسترالياً من كبار السن مصابين بداء السكري من النوع الثاني، عن «وجود صلة بين استخدام الـ(ميتفورمين) وبطء التدهور المعرفي، وانخفاض معدلات الخرف».
والـ«ميتفورمين» دواء معتمد من «إدارة الغذاء والدواء الأميركية» ويستخدم بنجاح لعلاج مرض السكري لأكثر من 60 عاماً؛ إذ أظهرت الدراسات بالفعل أن الـ«ميتفورمين» يمكن أن يؤخر شيخوخة الحيوانات، وقد يؤثر أيضاً على عوامل الشيخوخة الأساسية التي تكمن وراء كثير من الحالات المرتبطة بالعمر لدى البشر، وينصب التركيز على الـ«ميتفورمين» بسبب سلامته وانخفاض تكلفته، وإذا نجح الدواء، فسيؤدي إلى نقلة نوعية من معالجة كل حالة طبية مرتبطة بالعمر على حدة، إلى معالجة هذه الحالات معاً من خلال استهداف الشيخوخة في حد ذاتها.
ماذا يمكننا أن نفعل الآن لمساعدتنا على العيش لفترة أطول؟ يعترف ستيل بأن نصيحته العملية بشأن ما يمكننا فعله الآن بوصفه الوسيلة التي يمكننا من خلالها أن نعيش لفترة أطول، هو ببساطة أن نعيش بصحة أفضل، وأن طول العمر يرجع إلى نمط الحياة، والحظ. وفي حين أن هناك كثيراً من العوامل التي «يستحيل فعل أي شيء حيالها»، فإنه يوضح أن «هناك كثيراً من الاقتراحات المدعومة علمياً لزيادة متوسط العمر المتوقع إلى الحد الأقصى بناءً على الطريقة التي تختار العيش بها». ويوصي بتناول الطعام بشكل جيد، وعدم التدخين، وممارسة التمارين الرياضية بانتظام، والنوم جيداً، والتطعيم باللقاحات، والعناية بالأسنان.
الشرق الأوسط