قرارات بلاد العجائب
قرارات بلاد العجائب
د. زياد آل الشيخ
"هل لك أن تدلني من فضلك، أي طريق علي أن أسلك من هنا؟" كان هذا السؤال الأول الذي ألقته "أليس" على القط في رواية (أليس في بلاد العجائب). إنه السؤال الذي يتردد في حياتنا من دون وعي منا، حيث نقف حائرين باحثين عن إجابة شافية، وقد نجد من يجيبنا من دون تردد فيرفع عنا صعوبة الموقف ويحمل عنا ثقل السؤال، إنما كانت إجابة القط مختلفة: "إن ذلك يعتمد بدرجة كبيرة على المكان الذي تريدين الوصول إليه". أجابت أليس: "لا يهمني كثيرا أين؟" إذن، قال القط: لا يهم أي طريق تسلكين. طالما أنني أصل لمكان ما، قالت أليس مفسرة: ذلك سيحدث بكل تأكيد، قال القط: إن أنت مشيت طويلا بما يكفي.
لخص هذا الحوار الشهير بين أليس والقط بعبارة قصيرة: إذا كنت لا تدري أين أنت ذاهب، فأي طريق تختاره سيأخذك إلى هناك. كانت هذه العبارة تتكرر في مطلع الحديث عن أهمية التخطيط، وماذا يعني أن تسير بلا اتجاه، سواء كان التخطيط لحياتك الشخصية أو حياة مؤسسة أنت جزء منها؟ والعجيب أن صاحب الرواية، لويس كارول، لم يكن روائيا متمرسا أو كاتبا متخصصا في الأدب والنقد، إنما كان متخصصا في الرياضيات. ولطالما اندهشت لكثرة المقتطفات التي تتصدر فصول رسائل الدكتوراة في مجال الحاسب الآلي لعبارات من الرواية، ومع إن لويس كارول، واسمه الحقيقي تشارلز دودسون، متخصص في الرياضيات وله مؤلفات عديدة باسمه الأصلي، إلا أن روايته الغرائبية جاءت كما لو كانت تمردا على المنهج الرياضي الصارم الذي تمرن عليه. ومن العجيب أن غرائبية الرواية لم تمنعها من التسلل إلى العالم الأكاديمي كما فعل هو نفسه بروايته إلى عالم الأدب، حيث نالت اهتماما كبيرا منذ صدورها في النصف الثاني من القرن التاسع عشر.
وإن كان الحوار الذي دار بين بطلة الرواية والقط قد نال من الشهرة حتى اختصر في جملة ذهبت مثلا، فإن سؤال الرواية ما زال حاضرا في حياتنا على المستويات جميعها. وإذا كان سؤال الهدف الذي تناوله الحوار القصير يخص الفرد، فإن السؤال نفسه يزداد تعقيدا إذا اشتركت فيه الجماعة في صورة عائلة أو فريق. وفي كل الحالات، فإن تحدي اتخاذ القرار يكمن في سياقه: هل متخذ القرار على وعي كامل بالخيارات التي أمامه أم لا؟ ربما لا يهم متخذ القرار أين تنتهي به الطريق كما في حوار "أليس"، طالما أن الطريق تنتهي في أي مكان مهما كانت صفته، راضيا من الغنيمة بالإياب كما يقول امرؤ القيس. ولعل كثيرا من متخذي القرار يتصرفون كأن الطريق هو المهم وليس الوجهة، وربما كان الأمر كذلك حقا، على الأقل لبطلة الرواية، حيث إن كل شيء غريب حتى أن المكان نفسه يكاد لا يكون مكانا أصلا.
الرياض
د. زياد آل الشيخ
"هل لك أن تدلني من فضلك، أي طريق علي أن أسلك من هنا؟" كان هذا السؤال الأول الذي ألقته "أليس" على القط في رواية (أليس في بلاد العجائب). إنه السؤال الذي يتردد في حياتنا من دون وعي منا، حيث نقف حائرين باحثين عن إجابة شافية، وقد نجد من يجيبنا من دون تردد فيرفع عنا صعوبة الموقف ويحمل عنا ثقل السؤال، إنما كانت إجابة القط مختلفة: "إن ذلك يعتمد بدرجة كبيرة على المكان الذي تريدين الوصول إليه". أجابت أليس: "لا يهمني كثيرا أين؟" إذن، قال القط: لا يهم أي طريق تسلكين. طالما أنني أصل لمكان ما، قالت أليس مفسرة: ذلك سيحدث بكل تأكيد، قال القط: إن أنت مشيت طويلا بما يكفي.
لخص هذا الحوار الشهير بين أليس والقط بعبارة قصيرة: إذا كنت لا تدري أين أنت ذاهب، فأي طريق تختاره سيأخذك إلى هناك. كانت هذه العبارة تتكرر في مطلع الحديث عن أهمية التخطيط، وماذا يعني أن تسير بلا اتجاه، سواء كان التخطيط لحياتك الشخصية أو حياة مؤسسة أنت جزء منها؟ والعجيب أن صاحب الرواية، لويس كارول، لم يكن روائيا متمرسا أو كاتبا متخصصا في الأدب والنقد، إنما كان متخصصا في الرياضيات. ولطالما اندهشت لكثرة المقتطفات التي تتصدر فصول رسائل الدكتوراة في مجال الحاسب الآلي لعبارات من الرواية، ومع إن لويس كارول، واسمه الحقيقي تشارلز دودسون، متخصص في الرياضيات وله مؤلفات عديدة باسمه الأصلي، إلا أن روايته الغرائبية جاءت كما لو كانت تمردا على المنهج الرياضي الصارم الذي تمرن عليه. ومن العجيب أن غرائبية الرواية لم تمنعها من التسلل إلى العالم الأكاديمي كما فعل هو نفسه بروايته إلى عالم الأدب، حيث نالت اهتماما كبيرا منذ صدورها في النصف الثاني من القرن التاسع عشر.
وإن كان الحوار الذي دار بين بطلة الرواية والقط قد نال من الشهرة حتى اختصر في جملة ذهبت مثلا، فإن سؤال الرواية ما زال حاضرا في حياتنا على المستويات جميعها. وإذا كان سؤال الهدف الذي تناوله الحوار القصير يخص الفرد، فإن السؤال نفسه يزداد تعقيدا إذا اشتركت فيه الجماعة في صورة عائلة أو فريق. وفي كل الحالات، فإن تحدي اتخاذ القرار يكمن في سياقه: هل متخذ القرار على وعي كامل بالخيارات التي أمامه أم لا؟ ربما لا يهم متخذ القرار أين تنتهي به الطريق كما في حوار "أليس"، طالما أن الطريق تنتهي في أي مكان مهما كانت صفته، راضيا من الغنيمة بالإياب كما يقول امرؤ القيس. ولعل كثيرا من متخذي القرار يتصرفون كأن الطريق هو المهم وليس الوجهة، وربما كان الأمر كذلك حقا، على الأقل لبطلة الرواية، حيث إن كل شيء غريب حتى أن المكان نفسه يكاد لا يكون مكانا أصلا.
الرياض