أثرياء العالم.. تخسر أنت ليربحوا هم
أثرياء العالم.. تخسر أنت ليربحوا هم
فهد عامر الأحمدي
هل اطلعت على آخر قائمة أصدرتها مجلة فوربس لأغنى أغنياء العالم !؟
.. أنا شخصيا كنت أكتب عن هذه القائمة بشكل سنوي حتى أصبت بالملل من تكرار أسماء الأثرياء وثبات مراكزهم المالية وبالإحباط من تجاهل أسماء البسطاء وهبوط مراكزهم المستمر.
فرغم أن وجود الأثرياء أمر حتمي ومتوقع في أي مجتمع، ورغم أن امتلاكهم لمعظم الناتج القومي آفة اقتصادية وتاريخية مزمنة؛ إلا أن مالفت نظري في القائمة الأخيرة هو ارتفاع ثروات الأغنياء في العام الماضي بنسب واضحة (وفاضحة) ودخول 97 مليار ديرا جديدا أتى معظمهم من دول فقيرة أصلا ...
وأول شعور راودني هو عدم أخلاقية هذا الارتفاع في وقت خسر فيه ملايين الناس أموالهم بحجة \"الأزمة المالية العالمية\".. ففي حين عجز معظم الناس حول العالم عن استعادة مدخراتهم المفقودة (في البنوك أو البورصة أو الرهون العقارية) يستمر الأثرياء في مراكمة الأموال، وتستمر قائمة فوربس في استقطاب المزيد منهم...
وهذه المفارقة تثبت أن سلبيات (أي أزمة مالية) لا تطل سوى الفقراء ومتوسطي الدخل، ولا تهدف إلا لسحب المال من جيوب البسطاء لصالح الأغنياء وأصحاب الثروات..
وسواء كانت \"الأزمة\" عالمية أو محلية، وسواء كانت حقيقية أو مفتعلة، تنتهي دائما لصالح الأغنياء لسببين رئيسيين:
l الأول: لأنهم ببساطة الأدرى ببواطن الأمور ومبادئ الاستثمار والأقدر على اقتناص الفرص واستباق الأحداث والنجاة بأموالهم قبل الكارثة...
l والثاني -وهذا المفزع حقا- أن أسواق العالم مصممة أصلا لخدمتهم وتمويل مشاريعهم الضخمة من خلال استقطاب المدخرات الصغيرة من عامة الناس ثم منعهم من استعادتها في الوقت المناسب عند حصول أي كارثة مالية (...والمؤكد، ليس قبل نجاة الأغنياء بثرواتهم أولا ) !!
... وبالجمع بين السببين نفهم لماذا فقد معظم السعوديين مدخراتهم عام 2006 ولماذا عجزوا عن بيع أسهمهم في الوقت المناسب (في حين نجحت البنوك وأصحاب الثروات في بيع حصصهم قبل حلول الكارثة) .. أما في أمريكا فتكاد المؤامرة تلبس ثيابا رسمية كون ملايين المواطنين هناك خسروا بيوتهم ومدخراتهم في أزمة الرهن العقاري، وبدل أن تسارع الحكومة لإنقاذهم بقروض صغيرة ميسرة سارعت لإنقاذ البنوك نفسها بقروض تجاوزت المليارات !!
وحين نعود للخلف ونراجع تاريخ الأزمات العالمية نلاحظ أنها تأتي دائما بشكل دوري ومتوقع وتنتهي دائما بنفس السيناريو والنتيجة.. فسواء كانت أزمات قاسية وطويلة (كالتي طالت أوروبا وأمريكا عامي 1873 و 1929) أو عالمية شاملة (كالأزمة الآسيوية عام 1998 والرهن العقاري هذه الأيام) أو صغيرة وجانبية (كالتي طالت روسيا وإيرلندا ودبي واليونان حاليا) تنتهي جميعها بخسارة عامة الناس لمدخراتهم لصالح قلة ثرية تدير الأزمة ذاتها أو تراقبها عن كثب!!
... ولا أخفي عليكم ؛ يصعب على أي كان تقديم نصيحة تخدم أصحاب المدخرات الصغيرة (طالما ظلوا ملاكا للمدخرات الصغيرة) ؛ غير أن الثقافة الاستثمارية، والدراية المالية، وتنويع الأصول ، وسوء الظن في أي عروض بنكية ، تلعب دورا مهما في تقليل المخاطر وحماية المدخرات وعدم تكرار الأزمات ذاتها ..
وفي حال أضفت إليها قليلاً من الحظ وتأنيب الضمير لا أستبعد انتقالك من مستوى الأسماك الصغيرة إلى نادي الهوامير الكبيرة في \"خبطة عين\" !!
وحتى يحين موعد القائمة القادمة أقول للناس الطيبين : كل \"فوربس\" وأنتم بخير !
المصدر: صحيفة الرياض