أحمد زكي يماني
أحمد زكي يماني
حسين حسين
في السبعينات الميلادية، كنت مراسلاً لإحدى الصحف التي تصدر في جدة، عندما ذهبت للقاء المرحوم "أحمد زكي يماني" وزير البترول والثروة المعدنية آنذاك، وكان لقاء هذا الرجل صعباً، وربما كان أملاً لعديد من المراسلين الصحفيين في الداخل والخارج، ولذلك لم أستغرب صرفي بلطف من قبل سكرتيره أو مدير مكتبه، بحجة التزامه بمواعيد في ذلك الوقت؛ ولأنني كنت متأكداً من وجوده، لم أخرج من الوزارة؛ بل وقفت على بوابتها الخارجية لعل معاليه يمر فأحصل منه على ما جئت من أجله، ولم تمض دقائق إلا والرجل يخرج، وحالما وقفت أمامه ومعي مسجلي الصغير أخذه مني، ومن دون أن أسأله عما أريد تحدث، وكان خلفه سكرتيره، باستفاضة، عن إحدى القضايا التي كانت مثار جدل في تلك الأيام، وكانت تدور حول أسعار البترول وتقلباتها.
وبقدر إعجابي بذلك التصريح الذي تناقلته وكالات الأنباء العالمية عن جريدتي، بقدر ما أعجبتني اللغة الراقية، الخالية من اللحن والإطناب التي تحدث بها؛ كانت المرة الأولى التي أسمع فيها تصريحاً بذلك الجمال اللغوي، وبتلك الشفافية العالية، التي جعلته يأخذ مني جهاز التسجيل ويتحدث من خلاله باسترسال، لم أحتَج معه لأي تعقيب؛ وإلى ذلك كان "أحمد زكي يماني" يتمتع بثقافة عالية وبجاذبية طاغية وأناقة منقطعة النظير، جعلته مطمعاً لجميع وكالات الأنباء والصحف العالمية.
وقد تعرض يماني في العام 1975م لمحنة كبيرة، عندما اختطف لمدة يومين، من قبل الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وكان ذلك الاختطاف بقيادة الإرهابي الفنزويلي "كارلوس"، وكانت الخطة أن يتم إعدامه بعد تحرير كل وزراء البترول الذين شملهم الاختطاف، الذي نفذ أثناء انعقاد مؤتمر وزراء "الأوبك"، في العاصمة النمساوية فينا.
انشغل "أحمد زكي يماني" عند خروجه من وزارة البترول والثروة المعدنية بإنشاء مركز في لندن لتقديم الدراسات حول البترول والطاقة، إلى جانب إنشائه مجموعة "مكة المكرمة والمدينة المنورة" التي تهدف إلى العمل على رعاية ومساعدة الجهود التي تبذل، في دراسة تراث المدينتين المقدستين على مر العصور مستعيناً بالمختصين من داخل المملكة وخارجها. وقد انبثق عن هذه المجموعة عديد من المؤسسات ذات الطابع الثقافي، الحضاري، الإسلامي، مثل "مؤسسة الفرقان للتراث الإسلامي"، التي صدر عنها عديد من الكتب في التراجم والرحلات حول المدينتين المقدستين، أبرزها كتابا "الجواهر الحسان، رحلة الرحلات". وكذلك مول جائزة سنوية باسم الشاعر الكبير "محمد حسن فقي" تدور الأبحاث المقدمة لنيلها حول أدب "الفقي"، وكانت هذه المجموعة تقدم العون والمساعدة للمختصين في هذا المجال، في حال حاجتهم لإنجاز أبحاثهم ودراساتهم المختصة بتراث المدينتين المقدستين.
كان "أحمد زكي يماني" رجل دولة من طراز رفيع، لعب دوراً محورياً أثناء الطفرة النفطية، وكان من خلال موقعه في وزارة البترول والثروة المعدنية (1962 - 1986م) مالئ الدنيا وشاغل الناس، أينما حل. رحمه الله.
الرياض
حسين حسين
في السبعينات الميلادية، كنت مراسلاً لإحدى الصحف التي تصدر في جدة، عندما ذهبت للقاء المرحوم "أحمد زكي يماني" وزير البترول والثروة المعدنية آنذاك، وكان لقاء هذا الرجل صعباً، وربما كان أملاً لعديد من المراسلين الصحفيين في الداخل والخارج، ولذلك لم أستغرب صرفي بلطف من قبل سكرتيره أو مدير مكتبه، بحجة التزامه بمواعيد في ذلك الوقت؛ ولأنني كنت متأكداً من وجوده، لم أخرج من الوزارة؛ بل وقفت على بوابتها الخارجية لعل معاليه يمر فأحصل منه على ما جئت من أجله، ولم تمض دقائق إلا والرجل يخرج، وحالما وقفت أمامه ومعي مسجلي الصغير أخذه مني، ومن دون أن أسأله عما أريد تحدث، وكان خلفه سكرتيره، باستفاضة، عن إحدى القضايا التي كانت مثار جدل في تلك الأيام، وكانت تدور حول أسعار البترول وتقلباتها.
وبقدر إعجابي بذلك التصريح الذي تناقلته وكالات الأنباء العالمية عن جريدتي، بقدر ما أعجبتني اللغة الراقية، الخالية من اللحن والإطناب التي تحدث بها؛ كانت المرة الأولى التي أسمع فيها تصريحاً بذلك الجمال اللغوي، وبتلك الشفافية العالية، التي جعلته يأخذ مني جهاز التسجيل ويتحدث من خلاله باسترسال، لم أحتَج معه لأي تعقيب؛ وإلى ذلك كان "أحمد زكي يماني" يتمتع بثقافة عالية وبجاذبية طاغية وأناقة منقطعة النظير، جعلته مطمعاً لجميع وكالات الأنباء والصحف العالمية.
وقد تعرض يماني في العام 1975م لمحنة كبيرة، عندما اختطف لمدة يومين، من قبل الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وكان ذلك الاختطاف بقيادة الإرهابي الفنزويلي "كارلوس"، وكانت الخطة أن يتم إعدامه بعد تحرير كل وزراء البترول الذين شملهم الاختطاف، الذي نفذ أثناء انعقاد مؤتمر وزراء "الأوبك"، في العاصمة النمساوية فينا.
انشغل "أحمد زكي يماني" عند خروجه من وزارة البترول والثروة المعدنية بإنشاء مركز في لندن لتقديم الدراسات حول البترول والطاقة، إلى جانب إنشائه مجموعة "مكة المكرمة والمدينة المنورة" التي تهدف إلى العمل على رعاية ومساعدة الجهود التي تبذل، في دراسة تراث المدينتين المقدستين على مر العصور مستعيناً بالمختصين من داخل المملكة وخارجها. وقد انبثق عن هذه المجموعة عديد من المؤسسات ذات الطابع الثقافي، الحضاري، الإسلامي، مثل "مؤسسة الفرقان للتراث الإسلامي"، التي صدر عنها عديد من الكتب في التراجم والرحلات حول المدينتين المقدستين، أبرزها كتابا "الجواهر الحسان، رحلة الرحلات". وكذلك مول جائزة سنوية باسم الشاعر الكبير "محمد حسن فقي" تدور الأبحاث المقدمة لنيلها حول أدب "الفقي"، وكانت هذه المجموعة تقدم العون والمساعدة للمختصين في هذا المجال، في حال حاجتهم لإنجاز أبحاثهم ودراساتهم المختصة بتراث المدينتين المقدستين.
كان "أحمد زكي يماني" رجل دولة من طراز رفيع، لعب دوراً محورياً أثناء الطفرة النفطية، وكان من خلال موقعه في وزارة البترول والثروة المعدنية (1962 - 1986م) مالئ الدنيا وشاغل الناس، أينما حل. رحمه الله.
الرياض