تلوث الهواء القاتل الأكبر
تلوث الهواء القاتل الأكبر
تيلر كوين
كشفت دراسة جديدة أن تلوث الهواء يقتل سنوياً ما يزيد على 10 ملايين شخص ـ أكثر بكثير عن الـ2.6 مليون شخص الذين قضوا نحبهم جراء الإصابة بفيروس «كوفيد ـ 19» منذ رصده منذ أكثر من عام مضى. وفي الوقت الذي يتصدر فيروس «كوفيد ـ 19» العناوين الرئيسية لوسائل الإعلام، لا يزال تلوث الهواء العادي قضية هامشية أمام صانعي السياسات والتكنوقراط.
ربما تتساءل حول مدى دقة تقدير أعداد الوفيات جراء تلوث الهواء والبالغ 10.2 مليون وفاة. الملاحظ أن الدراسة، التي تفحصت على وجه التحديد أعداد الوفيات العالمية الناجمة عن جسيم دقيق ينجم عن احتراق الوقود الحفري، تعتمد بالفعل على بعض أساليب القياس المعقدة. ومع ذلك، فإنه إذا كنت تصدق أن التدخين ضار بالأشخاص ويمكنه في بعض الأحيان قتلهم ـ حقيقة مؤكدة ـ فإنه يبدو من المنطقي إذن أن تلوث الهواء سيئ هو الآخر.
لقد كنت دائم التردد على الصين والهند على مدار سنوات، ولم يكن من المستغرب أن يصل مستوى تلوث الهواء درجة بشعة تخلق بداخلي الرغبة في البقاء داخل غرفتي بالفندق طوال اليوم. وباعتباري زائراً ميسور الحال نسبياً، تمتعت بهذه الرفاهية ـ لكن الكثير من سكان المدينة لم يكونوا يملكونها. وعندما يخرج هؤلاء، يسبب الهواء أضراراً للجهاز التنفسي والدورة الدموية بأجسادهم، ويؤدي إلى تقليص أعمارهم.
ويعتمد الرقم المقدر البالغ 10.2 مليون نسمة على بيانات عام 2012، ومنذ عام 2012 تمكنت الصين من خفض الانبعاثات الكربونية لديها بدرجة كبيرة. ومع ذلك، تشهد الكثير من الدول الأخرى المزيد من النمو الاقتصادي، ومزيداً من التلوث بمرور الوقت. وعليه فإن غياب الدقة الناجم عن محدودية البيانات قد يسير في الاتجاهين.
وإذا كنت لا تزال متشككاً، فعليك إذن الرجوع إلى التقديرات السابقة الصادرة عن منظمة الصحة العالمية بخصوص الوفيات السنوية من تلوث الهواء والتي تتراوح في العادة بين 6 و7 ملايين نسمة. ودعونا نؤكد هنا من جديد أن هذا التقدير سنوي.
والسؤال هنا: لماذا لا تشكل هذه الوفيات قضية أكبر في إطار الخطاب السياسي الأميركي؟ أحد الأسباب المحتملة وراء ذلك قد يكون أن 62 في المائة من هذه الوفيات تقع داخل الصين والهند. أما أعداد الوفيات المبكرة جراء الجسيمات الدقيقة في أميركا الشمالية فبلغت 483 ألف وفاة، ما يقل قليلاً عن أعداد المتوفين جراء الإصابة بفيروس «كورونا» حتى اليوم. ويعود ما يقدر بـ876 من بين هذه الوفيات إلى أطفال دون الـ4.
وربما يتمثل سبب آخر وراء المكانة السياسية الضئيلة التي تحظى بها هذه القضية في كونها غير مرئية، ذلك أنه رغم أن تلوث الهواء يتسبب في الكثير من الوفيات، فإنه من النادر أن ترى أو تقرأ عن شخص يحتضر بسبب تلوث الهواء على نحو مباشر. وباستمرار تجري الإشارة إلى سرطان الرئة ومرض القلب باعتبارهما سبب الوفاة، رغم أنهما ربما ناجمين عن تلوث الهواء.
وتتمثل مشكلة أخرى في أن مسألة السبيل الأمثل لمكافحة تلوث الهواء لا تتوافق مع المعارك الآيديولوجية الراهنة. ربما يظن البعض أن الديمقراطيين سيهتمون بالقضية، لكن ينبغي الانتباه هنا إلى أن العبء الاقتصادي وراء اتخاذ إجراءات أشد صرامة سيقع على عاتق منطقة شمال شرقي البلاد، التي يميل غالبية سكانها نحو الحزب الديمقراطي.
أو ربما قد تتساءل عن السبب وراء عدم تسليط الضوء بدرجة أكبر على عدد الأشخاص الذين يتوفون كل عام جراء ارتفاع درجة حرارة الأرض، سواء على نحو مباشر أو غير مباشر. في الواقع، من الصعب التوصل لتقدير دقيق لهذا العدد، رغم أنه يكاد يكون في حكم المؤكد أنه بعيد تماماً عن 10 ملايين نسمة.
كما أن الحديث بمعدل أكبر عن تلوث الهواء ربما يشتت الانتباه بعيداً عن النضال الأوسع ضد التغييرات المناخية، والتي يبدو أنها قضية أكثر بروزاً أمام الكثير من المثقفين والنشطاء. وربما يعتقد هؤلاء، وربما يكونون صائبين في ذلك، أنهم إذا نجحوا في الحد من التغييرات المناخية، فإنَّ تلوث الهواء سيتراجع بدوره بدرجة كبيرة.
ومع هذا، لا أزال من داخلي لا أشعر بالرضا تجاه هذه التفسيرات، فإذا كان هناك أمر ما يقتل 10 ملايين شخص سنوياً، أو حتى يكون قريبا من هذا الرقم، فإن هذه الظاهرة ينبغي أن تصبح محور الاهتمام الرئيسي للنقاشات الدائرة. أليس من المنطقي أن يهتم الصعيدان السياسي والثقافي على نحو صريح بأكبر المشكلات التي تواجه البلاد؟
فيما يخص ما يحمله هذا الأمر من دلالات على الصعيد السياسي، فإن هذا يعزز العائد الاجتماعي العالمي للسعي الأميركي وراء الاعتماد على مصادر طاقة أكثر صداقة للبيئة. كما أن هذا يشير ضمنياً إلى دور سياسي أكبر في تيسير الاتفاقات الدولية للترخيص لصور جديدة من تكنولوجيا الطاقة والطب الحيوي.
وهناك استجابات أكثر ابتكاراً وأقل تكلفة. على سبيل المثال، منذ عام 2008 تطلق السفارة الأميركية في الصين تغريدات تحمل تحديثات مستمرة حول جودة الهواء في بكين، ما يجعل الرأي العام الصيني أكثر إدراكاً بكثير للقضية، ويؤدي لحدوث تغييرات داخل الصين وغيرها.
أما الدرس الكبير هنا فيبدو واضحاً للعيان: بمجرد أن تبدأ في التعامل مع تلوث الهواء بجدية، يبدأ شكل العالم بأسره في التغير.
بلومبرغ
تيلر كوين
كشفت دراسة جديدة أن تلوث الهواء يقتل سنوياً ما يزيد على 10 ملايين شخص ـ أكثر بكثير عن الـ2.6 مليون شخص الذين قضوا نحبهم جراء الإصابة بفيروس «كوفيد ـ 19» منذ رصده منذ أكثر من عام مضى. وفي الوقت الذي يتصدر فيروس «كوفيد ـ 19» العناوين الرئيسية لوسائل الإعلام، لا يزال تلوث الهواء العادي قضية هامشية أمام صانعي السياسات والتكنوقراط.
ربما تتساءل حول مدى دقة تقدير أعداد الوفيات جراء تلوث الهواء والبالغ 10.2 مليون وفاة. الملاحظ أن الدراسة، التي تفحصت على وجه التحديد أعداد الوفيات العالمية الناجمة عن جسيم دقيق ينجم عن احتراق الوقود الحفري، تعتمد بالفعل على بعض أساليب القياس المعقدة. ومع ذلك، فإنه إذا كنت تصدق أن التدخين ضار بالأشخاص ويمكنه في بعض الأحيان قتلهم ـ حقيقة مؤكدة ـ فإنه يبدو من المنطقي إذن أن تلوث الهواء سيئ هو الآخر.
لقد كنت دائم التردد على الصين والهند على مدار سنوات، ولم يكن من المستغرب أن يصل مستوى تلوث الهواء درجة بشعة تخلق بداخلي الرغبة في البقاء داخل غرفتي بالفندق طوال اليوم. وباعتباري زائراً ميسور الحال نسبياً، تمتعت بهذه الرفاهية ـ لكن الكثير من سكان المدينة لم يكونوا يملكونها. وعندما يخرج هؤلاء، يسبب الهواء أضراراً للجهاز التنفسي والدورة الدموية بأجسادهم، ويؤدي إلى تقليص أعمارهم.
ويعتمد الرقم المقدر البالغ 10.2 مليون نسمة على بيانات عام 2012، ومنذ عام 2012 تمكنت الصين من خفض الانبعاثات الكربونية لديها بدرجة كبيرة. ومع ذلك، تشهد الكثير من الدول الأخرى المزيد من النمو الاقتصادي، ومزيداً من التلوث بمرور الوقت. وعليه فإن غياب الدقة الناجم عن محدودية البيانات قد يسير في الاتجاهين.
وإذا كنت لا تزال متشككاً، فعليك إذن الرجوع إلى التقديرات السابقة الصادرة عن منظمة الصحة العالمية بخصوص الوفيات السنوية من تلوث الهواء والتي تتراوح في العادة بين 6 و7 ملايين نسمة. ودعونا نؤكد هنا من جديد أن هذا التقدير سنوي.
والسؤال هنا: لماذا لا تشكل هذه الوفيات قضية أكبر في إطار الخطاب السياسي الأميركي؟ أحد الأسباب المحتملة وراء ذلك قد يكون أن 62 في المائة من هذه الوفيات تقع داخل الصين والهند. أما أعداد الوفيات المبكرة جراء الجسيمات الدقيقة في أميركا الشمالية فبلغت 483 ألف وفاة، ما يقل قليلاً عن أعداد المتوفين جراء الإصابة بفيروس «كورونا» حتى اليوم. ويعود ما يقدر بـ876 من بين هذه الوفيات إلى أطفال دون الـ4.
وربما يتمثل سبب آخر وراء المكانة السياسية الضئيلة التي تحظى بها هذه القضية في كونها غير مرئية، ذلك أنه رغم أن تلوث الهواء يتسبب في الكثير من الوفيات، فإنه من النادر أن ترى أو تقرأ عن شخص يحتضر بسبب تلوث الهواء على نحو مباشر. وباستمرار تجري الإشارة إلى سرطان الرئة ومرض القلب باعتبارهما سبب الوفاة، رغم أنهما ربما ناجمين عن تلوث الهواء.
وتتمثل مشكلة أخرى في أن مسألة السبيل الأمثل لمكافحة تلوث الهواء لا تتوافق مع المعارك الآيديولوجية الراهنة. ربما يظن البعض أن الديمقراطيين سيهتمون بالقضية، لكن ينبغي الانتباه هنا إلى أن العبء الاقتصادي وراء اتخاذ إجراءات أشد صرامة سيقع على عاتق منطقة شمال شرقي البلاد، التي يميل غالبية سكانها نحو الحزب الديمقراطي.
أو ربما قد تتساءل عن السبب وراء عدم تسليط الضوء بدرجة أكبر على عدد الأشخاص الذين يتوفون كل عام جراء ارتفاع درجة حرارة الأرض، سواء على نحو مباشر أو غير مباشر. في الواقع، من الصعب التوصل لتقدير دقيق لهذا العدد، رغم أنه يكاد يكون في حكم المؤكد أنه بعيد تماماً عن 10 ملايين نسمة.
كما أن الحديث بمعدل أكبر عن تلوث الهواء ربما يشتت الانتباه بعيداً عن النضال الأوسع ضد التغييرات المناخية، والتي يبدو أنها قضية أكثر بروزاً أمام الكثير من المثقفين والنشطاء. وربما يعتقد هؤلاء، وربما يكونون صائبين في ذلك، أنهم إذا نجحوا في الحد من التغييرات المناخية، فإنَّ تلوث الهواء سيتراجع بدوره بدرجة كبيرة.
ومع هذا، لا أزال من داخلي لا أشعر بالرضا تجاه هذه التفسيرات، فإذا كان هناك أمر ما يقتل 10 ملايين شخص سنوياً، أو حتى يكون قريبا من هذا الرقم، فإن هذه الظاهرة ينبغي أن تصبح محور الاهتمام الرئيسي للنقاشات الدائرة. أليس من المنطقي أن يهتم الصعيدان السياسي والثقافي على نحو صريح بأكبر المشكلات التي تواجه البلاد؟
فيما يخص ما يحمله هذا الأمر من دلالات على الصعيد السياسي، فإن هذا يعزز العائد الاجتماعي العالمي للسعي الأميركي وراء الاعتماد على مصادر طاقة أكثر صداقة للبيئة. كما أن هذا يشير ضمنياً إلى دور سياسي أكبر في تيسير الاتفاقات الدولية للترخيص لصور جديدة من تكنولوجيا الطاقة والطب الحيوي.
وهناك استجابات أكثر ابتكاراً وأقل تكلفة. على سبيل المثال، منذ عام 2008 تطلق السفارة الأميركية في الصين تغريدات تحمل تحديثات مستمرة حول جودة الهواء في بكين، ما يجعل الرأي العام الصيني أكثر إدراكاً بكثير للقضية، ويؤدي لحدوث تغييرات داخل الصين وغيرها.
أما الدرس الكبير هنا فيبدو واضحاً للعيان: بمجرد أن تبدأ في التعامل مع تلوث الهواء بجدية، يبدأ شكل العالم بأسره في التغير.
بلومبرغ