المكسرات «بريئة» من زيادة الوزن
المكسرات «بريئة» من زيادة الوزن
وسيلة غذائية لضبط وزن الجسم
د. حسن محمد صندقجي
قدّم باحثون من قسم التغذية والأطعمة بجامعة جورجيا بالولايات المتحدة، مراجعة تحليلية منهجية للدراسات التي فحصت العلاقة بين تناول المكسرات وزيادة وزن الجسم.
المكسرات والوزن
وتضمن عنوان الدراسة النتيجة التي توصل إليها الباحثون، إذْ كان العنوان «لا يؤدي تناول المكسرات إلى زيادة الوزن، بغض النظر عن تعليمات التغذية البديلة». ووفق ما تم نشره ضمن عدد مارس (آذار) - أبريل (نيسان) الماضي من «مجلة التغذية المتقدمة» Advances in Nutrition، لسان حال الجمعية الأميركية للتغذية ASN، قال الباحثون «تشير العديد من تقارير التدخلات الاكلينيكية إلى أن تناول المكسرات لن يؤدي إلى زيادة الوزن. ومع ذلك، ليس من الواضح ما إذا كان نوع التعليمات المقدمة حول كيفية دمج المكسرات في النظام الغذائي يؤثر على نتائج الوزن. وأجرينا مراجعة تحليلية منهجية لـ55 دراسة تم نشرها حول تغذية البالغين بالمكسرات، لتحديد ما إذا كانت هناك تغييرات في وزن الجسم BW أو مؤشر كتلة الجسم BMI أو محيط الخصر WC أو النسبة الكلية للشحوم في الجسم BF في المائة».
وبعض تلك الدراسات كان مع تعليمات استبدال النظام الغذائي Dietary Substitution Instructions(لمعادلة كمية كالورى السعرات الحرارية في المكسرات)، والبعض الآخر كان من دون ذلك.
وأفاد الباحثون في نتائج الدراسة «لم يكن هناك تغيير في وزن الجسم أو محيط الخصر أو مؤشر كتلة الجسم في نوعي الدراسات. بل في دراسات تناول المكسرات مع تعليمات الاستبدال الغذائي، كان ثمة انخفاض كبير في النسبة الكلية للشحوم في الجسم، إضافة إلى عدم وجود تغيير في مؤشر كتلة الجسم أو محيط الخصر أو مؤشر كتلة الجسم».
وكان باحثون من 10 دول أوروبية قد نشروا في عدد أكتوبر (تشرين الأول) 2018 للمجلة الأوروبية للتغذية Eur J Nutr، نتائج دراستهم الواسعة والطويلة الأمد بعنوان «تناول المكسرات والتغيرات في وزن الجسم وخطر السمنة لدى البالغين لمدة 5 سنوات». وقالوا «هناك أدلة غير متسقة فيما يتعلق بالعلاقة بين الإكثار من تناول المكسرات؛ كونها غذاءً كثيف الطاقة، وبين زيادة الوزن. لقد درسنا العلاقة بين تناول المكسرات والتغيرات في الوزن على مدى 5 سنوات». وشمل الباحثون نحو 375 ألف شخص من البالغين في عشر دول أوروبية.
وكانت نتائج الدراسة لافتة للنظر، وعلى عكس ما قد يُتوقع؛ وذلك بقولهم في ملخص نتائجها «زيادة تناول المكسرات يرتبط بانخفاض زيادة الوزن وتقليل خطر الإصابة بزيادة الوزن أو السمنة».
السعرات الحرارية
والواقع أن ثمة أسباباً منطقية في «ظاهرها» للاعتقاد بأن تناول المكسرات قد يكون سبباً في زيادة الوزن؛ ما يجعل من السهل فهم سبب تردد الأفراد المهتمين بمقدار الوزن لديهم، في تناول المكسرات. وخاصة بسبب أن المكسرات عالية المحتوى بالسعرات الحرارية، نتيجة غناها بالدهون. ولكن تلك الدهون هي من نوعية الدهون الصحية غير المشبعة، كما أن المكسرات خالية بالمطلق من الكولسترول.
لذا؛ فإن الحقيقة هي أن تناول المكسرات ليس فقط وسيلة صحية لحفظ الجسم من الإصابة بالأمراض القلبية وأمراض الأوعية الدموية، وقائمة متعددة العناصر من الأمراض المزمنة، بل هو أيضاً وسيلة غذائية لخفض وزن الجسم وضبط التحكم في ذلك. وهي الحقيقة المستندة إلى الأدلة والبراهين العلمية. وأن ملاحظة البعض ممن يحرصون على تناول المكسرات، حصول زيادة في الوزن لديهم، فإن ذلك ليس مرده إلى تناول المكسرات، بل هو أسباب أخرى في مكونات وجبات طعامهم اليومية ومقدار الجهد البدني الذي يبذلونه مقارنة بما هو صحي فيهما (مكونات وجبات الطعام اليومية وممارسة الرياضة البدنية).
وتُعد المكسرات، كنوع من المنتجات الغذائية النباتية، مصدراً ممتازاً للألياف والدهون الصحية والبروتين والمعادن والفيتامينات والمواد المضادة للأكسدة؛ مما يجعلها جزءاً أساسياً في النظام الغذائي الصحي للأشخاص في الأعمار كافة دون استثناء.
ووجود الدهون في المكسرات لا يعني تلقائياً أن المكسرات ستؤدي إلى زيادة الوزن. وذلك لسببين، الأول: أن تناول الدهون والبروتينات، أياً كان مصدرهما ليسا هما «السبب الرئيسي» في زيادة الوزن والسمنة، بل إن الإفراط في تناول نشويات سكريات الكربوهيدرات هو «السبب الرئيسي». ذلك أن الجسم يُحول تلك الكربوهيدرات التي تناولها المرء وتفيض عن حاجة جسمه، إلى شحوم تتراكم في الجسم. وعليه، فإن الدهون التي يتناولها المرء ليست هي «المكون الرئيسي» للشحوم المتراكمة في جسمه.
والأمر الآخر، أن التحذيرات الطبية من الإكثار من تناول الدهون هي ليست تحذيرات طبية عامة، بل مُوجّهة بالدرجة الرئيسية نحو تناول «الدهون المشبعة» بالذات. وهذا التحذير الطبي بضرورة تقليل تناول الدهون المشبعة له سببان، الأول: أن الدهون المشبعة غالباً مصدرها حيواني، وتأتي ممزوجة بالكولسترول لا محالة. ومن أجل تقليل تناول كولسترول الطعام يجدر تقليل تناول الشحوم والدهون الحيوانية المصدر.
والسبب الآخر، أن الدهون المشبعة بحد ذاتها، هي مُحفز قوي للكبد على إنتاج المزيد من الكولسترول.
دهون صحية
هذا، ويحتاج الجسم إلى الدهون الصحية لكي يعمل بشكل صحيح؛ ما يجعل تلك الدهون في الغذاء مفيدة للجسم. ولذا؛ لا تزال توصيات التغذية الصحية تتضمن أن تُشكل الدهون الصحية نسبة 35 في المائة من كمية طاقة السعرات الحرارية للطعام اليومي للشخص البالغ. ولكن لأن غالبية الناس تميل إلى تناول الكثير من الدهون الحيوانية المصدر (في اللحوم والدواجن والسمن والزبدة ومنتجات الألبان)، والتي غالبها دهون مشبعة، فإن نصائح التغذية الصحية تُنبه إلى ضرورة أن تكون الدهون النباتية المصدر، التي غالبها دهون غير مشبعة، هي المصدر الرئيسي لدهون الطعام اليومي.
ولذا؛ ما دام أن المرء يُحافظ على إجمالي كمية الدهون التي يتناولها عند حدود 30 في المائة من إجمالي السعرات الحرارية لطعامه اليومي، فلا داعي للقلق بشأن الدهون في المكسرات بالنسبة لوزن الجسم، عندما تكون كمية المكسرات معتدلة، أي في حدود ما يملأ الكف يومياً.
وهذه الجوانب المتعلقة بالوزن وكمية السعرات الحرارية في المكسرات أوضحتها دراسة باحثين من جامعة هارفارد، والمنشورة ضمن عدد سبتمبر (أيلول) 2019 لـ«المجلة البريطانية للتغذية والوقاية والصحة» BMJ NPH، وكانت بعنوان «تأثيرات تغير تناول المكسرات على تغير الوزن لدى الرجال والنساء في الولايات المتحدة على المدى الطويل». وقال الباحثون في نتائجها «الخلاصة: ترتبط زيادة الاستهلاك اليومي للمكسرات بانخفاض زيادة الوزن على المدى الطويل وانخفاض خطر الإصابة بالسمنة لدى البالغين». وبتوضيح ما أضافته هذه الدراسة أن:
- ارتبطت زيادة الاستهلاك الكلي للمكسرات، وتناول نوعيات معينة من المكسرات، بقلة زيادة الوزن على الرغم من كونها غنية بالسعرات الحرارية.
- ارتبط الاستهلاك اليومي المتزايد للمكسرات بانخفاض مخاطر زيادة الوزن بشكل معتدل وانخفاض خطر الإصابة بالسمنة.
- يمكن أن يكون دمج المكسرات كجزء من نمط غذائي صحي، استراتيجية فعالة لإجراء تعديلات غذائية يمكن تحقيقها للوقاية الأولية من السمنة.
وأضاف الباحثون القول «غالباً ما يتم تبسيط سبب زيادة الوزن كنتيجة للفائض في مدخول الطاقة (كمية السعرات الحرارية المُتناولة من الطعام). ولكن الأدلة العلمية تدعم بشكل متزايد دوراً مهماً لجودة مكونات النظام الغذائي في إدارة الوزن. وعلى سبيل المثال، تشير الدراسات الحديثة إلى أن تنويع الأطعمة يُساهم في الحفاظ على الوزن على المدى الطويل من خلال مسارات مختلفة لتوازن الوزن. وبالتالي، فإن الاستراتيجيات التي تعزز الأنماط الغذائية الصحية الشاملة، بدلاً من تلك التي تركز فقط على السعرات الحرارية الإجمالية، قد تكون أكثر فاعلية بالنسبة للسيطرة على الوزن على المدى الطويل والوقاية من السمنة».
وضمن دراسة لباحثين أستراليين ونيوزلنديين تم نشرها في عدد 6 أكتوبر (تشرين الأول) 2018 من مجلة المغذيات Nutrients، قال الباحثون «ولأن تناول المكسرات يوفر الشعور بامتلاء الشبع، فإن تناولها يقلل من كمية الأطعمة المستهلكة في الوجبة. وقد أظهرت الدراسات أن ما بين 54 و150 في المائة من الطاقة التي يقدمها تناول المكسرات يتم تعويضها من خلال خفض تلقائي في تناول الطعام اللاحق في وجبة الطعام. واستناداً إلى الأدلة العلمية، قد يبدو أن تأثيرات المكسرات على الشهية هي لصالح البدناء المتقدمين في العمر».
المكسرات... بروتينات ودهون وفيتامينات ومعادن وألياف مفيدة للقلب
> تناول المكسرات يُوفر للجسم نوعية عالية الجودة من البروتينات الغذائية ذات التأثيرات الصحية العالية الإيجابية للقلب؛ وذلك بالمقارنة مع تناول البروتينات الحيوانية المصدر. وتشير الأدلة العلمية إلى أن ثمة علاقة معقدة بين بروتينات الغذاء (النباتية والحيوانية) وبين صحة القلب والأوعية الدموية.
وتحديداً، لاحظت إحدى الدراسات من كلية الصحة العامة بجامعة لوما ليندا بالولايات المتحدة (تم نشرها ضمن عدد الثاني من أبريل/نيسان 2018 لـ«المجلة الدولية لعلم الأوبئة» International Journal of Epidemiology)، أن الأشخاص الذين يكثرون من تناول البروتينات من المكسرات تقل فيما بينهم احتمالات الإصابة بأمراض القلب بنسبة 40 في المائة، وأن الاعتماد على المصادر الحيوانية في تزويد الجسم بالبروتينات، وتناولها بكثرة تفوق الكمية المنصوح بها في نصائح التغذية الصحية، يرفع من احتمالات الإصابة بأمراض القلب بنسبة 60 في المائة.
وترتكز النصيحة الطبية لجدوى تناول المكسرات في صحة القلب والأوعية الدموية، على فائدة ذلك في خفض نسبة الكولسترول الخفيف في الدم LDL، وهو نوع الكولسترول الضار بالقلب والأوعية الدموية، ورفع الكولسترول الثقيل الحميد. وذلك عبر آليات عدة، وهي:
- تناول المكسرات يعني تناول منتج غذائي خالٍ من الكولسترول بالأصل. ومعلوم أن الكولسترول لا يُوجد على الإطلاق في أي منتج غذائي نباتي المصدر، بل فقط في المنتجات الحيوانية.
- تناول المكسرات يُزود الجسم بنوعية الدهون غير المشبعة، ذات الجودة الصحية العالية؛ إذْ يُسهم تناولها في خفض الكولسترول في الدم.
- تحتوي المكسرات على مواد فايتوستيرول المساعدة على خفض امتصاص الأمعاء للكولسترول الموجود حصرياً في الأطعمة الحيوانية المصدر.
- المكسرات غنية بالألياف الطبيعية، التي تعمل على خفض امتصاص الأمعاء للكولسترول وإبطاء امتصاص الأمعاء للسكريات.
- يوفر وجود مادة أرجنين، وخاصة في الجوز (عين الجمل)، تنشيط إنتاج الجسم لمركبات أكسيد النيتريك الموسعة للشرايين القلبية.
- احتواء المكسرات على مركبات الليجيك المضادة للأكسدة، يُسهم بشكل إيجابي في منع إتمام عمليات أكسدة الكولسترول بفعل تأثير عناصر الجذور الحرة الضارة على الجسم. وبالتالي الحيلولة دون ترسيخ ترسب الكولسترول على جدران الشرايين القلبية التاجية.
- احتواء المكسرات على كميات مختلفة من المعادن والفيتامينات ذات التأثيرات الصحية الإيجابية للقلب والأوعية الدموية.
ويقول الدكتور غاري فريزر، الأستاذ في كلية الصحة العامة بجامعة لوما ليندا «كل ما يتطلبه الأمر هو تناول مجموعة متنوعة من أنواع المكسرات، تؤكل بكميات صغيرة كل يوم، أي بعدد من الحبات يتراوح ما بين 10 و14 من خليط المكسرات، وستخفض نسبة الكوليسترول الخفيف الضار في الدم، الكوليسترول السيئ».
الشرق الأوسط
وسيلة غذائية لضبط وزن الجسم
د. حسن محمد صندقجي
قدّم باحثون من قسم التغذية والأطعمة بجامعة جورجيا بالولايات المتحدة، مراجعة تحليلية منهجية للدراسات التي فحصت العلاقة بين تناول المكسرات وزيادة وزن الجسم.
المكسرات والوزن
وتضمن عنوان الدراسة النتيجة التي توصل إليها الباحثون، إذْ كان العنوان «لا يؤدي تناول المكسرات إلى زيادة الوزن، بغض النظر عن تعليمات التغذية البديلة». ووفق ما تم نشره ضمن عدد مارس (آذار) - أبريل (نيسان) الماضي من «مجلة التغذية المتقدمة» Advances in Nutrition، لسان حال الجمعية الأميركية للتغذية ASN، قال الباحثون «تشير العديد من تقارير التدخلات الاكلينيكية إلى أن تناول المكسرات لن يؤدي إلى زيادة الوزن. ومع ذلك، ليس من الواضح ما إذا كان نوع التعليمات المقدمة حول كيفية دمج المكسرات في النظام الغذائي يؤثر على نتائج الوزن. وأجرينا مراجعة تحليلية منهجية لـ55 دراسة تم نشرها حول تغذية البالغين بالمكسرات، لتحديد ما إذا كانت هناك تغييرات في وزن الجسم BW أو مؤشر كتلة الجسم BMI أو محيط الخصر WC أو النسبة الكلية للشحوم في الجسم BF في المائة».
وبعض تلك الدراسات كان مع تعليمات استبدال النظام الغذائي Dietary Substitution Instructions(لمعادلة كمية كالورى السعرات الحرارية في المكسرات)، والبعض الآخر كان من دون ذلك.
وأفاد الباحثون في نتائج الدراسة «لم يكن هناك تغيير في وزن الجسم أو محيط الخصر أو مؤشر كتلة الجسم في نوعي الدراسات. بل في دراسات تناول المكسرات مع تعليمات الاستبدال الغذائي، كان ثمة انخفاض كبير في النسبة الكلية للشحوم في الجسم، إضافة إلى عدم وجود تغيير في مؤشر كتلة الجسم أو محيط الخصر أو مؤشر كتلة الجسم».
وكان باحثون من 10 دول أوروبية قد نشروا في عدد أكتوبر (تشرين الأول) 2018 للمجلة الأوروبية للتغذية Eur J Nutr، نتائج دراستهم الواسعة والطويلة الأمد بعنوان «تناول المكسرات والتغيرات في وزن الجسم وخطر السمنة لدى البالغين لمدة 5 سنوات». وقالوا «هناك أدلة غير متسقة فيما يتعلق بالعلاقة بين الإكثار من تناول المكسرات؛ كونها غذاءً كثيف الطاقة، وبين زيادة الوزن. لقد درسنا العلاقة بين تناول المكسرات والتغيرات في الوزن على مدى 5 سنوات». وشمل الباحثون نحو 375 ألف شخص من البالغين في عشر دول أوروبية.
وكانت نتائج الدراسة لافتة للنظر، وعلى عكس ما قد يُتوقع؛ وذلك بقولهم في ملخص نتائجها «زيادة تناول المكسرات يرتبط بانخفاض زيادة الوزن وتقليل خطر الإصابة بزيادة الوزن أو السمنة».
السعرات الحرارية
والواقع أن ثمة أسباباً منطقية في «ظاهرها» للاعتقاد بأن تناول المكسرات قد يكون سبباً في زيادة الوزن؛ ما يجعل من السهل فهم سبب تردد الأفراد المهتمين بمقدار الوزن لديهم، في تناول المكسرات. وخاصة بسبب أن المكسرات عالية المحتوى بالسعرات الحرارية، نتيجة غناها بالدهون. ولكن تلك الدهون هي من نوعية الدهون الصحية غير المشبعة، كما أن المكسرات خالية بالمطلق من الكولسترول.
لذا؛ فإن الحقيقة هي أن تناول المكسرات ليس فقط وسيلة صحية لحفظ الجسم من الإصابة بالأمراض القلبية وأمراض الأوعية الدموية، وقائمة متعددة العناصر من الأمراض المزمنة، بل هو أيضاً وسيلة غذائية لخفض وزن الجسم وضبط التحكم في ذلك. وهي الحقيقة المستندة إلى الأدلة والبراهين العلمية. وأن ملاحظة البعض ممن يحرصون على تناول المكسرات، حصول زيادة في الوزن لديهم، فإن ذلك ليس مرده إلى تناول المكسرات، بل هو أسباب أخرى في مكونات وجبات طعامهم اليومية ومقدار الجهد البدني الذي يبذلونه مقارنة بما هو صحي فيهما (مكونات وجبات الطعام اليومية وممارسة الرياضة البدنية).
وتُعد المكسرات، كنوع من المنتجات الغذائية النباتية، مصدراً ممتازاً للألياف والدهون الصحية والبروتين والمعادن والفيتامينات والمواد المضادة للأكسدة؛ مما يجعلها جزءاً أساسياً في النظام الغذائي الصحي للأشخاص في الأعمار كافة دون استثناء.
ووجود الدهون في المكسرات لا يعني تلقائياً أن المكسرات ستؤدي إلى زيادة الوزن. وذلك لسببين، الأول: أن تناول الدهون والبروتينات، أياً كان مصدرهما ليسا هما «السبب الرئيسي» في زيادة الوزن والسمنة، بل إن الإفراط في تناول نشويات سكريات الكربوهيدرات هو «السبب الرئيسي». ذلك أن الجسم يُحول تلك الكربوهيدرات التي تناولها المرء وتفيض عن حاجة جسمه، إلى شحوم تتراكم في الجسم. وعليه، فإن الدهون التي يتناولها المرء ليست هي «المكون الرئيسي» للشحوم المتراكمة في جسمه.
والأمر الآخر، أن التحذيرات الطبية من الإكثار من تناول الدهون هي ليست تحذيرات طبية عامة، بل مُوجّهة بالدرجة الرئيسية نحو تناول «الدهون المشبعة» بالذات. وهذا التحذير الطبي بضرورة تقليل تناول الدهون المشبعة له سببان، الأول: أن الدهون المشبعة غالباً مصدرها حيواني، وتأتي ممزوجة بالكولسترول لا محالة. ومن أجل تقليل تناول كولسترول الطعام يجدر تقليل تناول الشحوم والدهون الحيوانية المصدر.
والسبب الآخر، أن الدهون المشبعة بحد ذاتها، هي مُحفز قوي للكبد على إنتاج المزيد من الكولسترول.
دهون صحية
هذا، ويحتاج الجسم إلى الدهون الصحية لكي يعمل بشكل صحيح؛ ما يجعل تلك الدهون في الغذاء مفيدة للجسم. ولذا؛ لا تزال توصيات التغذية الصحية تتضمن أن تُشكل الدهون الصحية نسبة 35 في المائة من كمية طاقة السعرات الحرارية للطعام اليومي للشخص البالغ. ولكن لأن غالبية الناس تميل إلى تناول الكثير من الدهون الحيوانية المصدر (في اللحوم والدواجن والسمن والزبدة ومنتجات الألبان)، والتي غالبها دهون مشبعة، فإن نصائح التغذية الصحية تُنبه إلى ضرورة أن تكون الدهون النباتية المصدر، التي غالبها دهون غير مشبعة، هي المصدر الرئيسي لدهون الطعام اليومي.
ولذا؛ ما دام أن المرء يُحافظ على إجمالي كمية الدهون التي يتناولها عند حدود 30 في المائة من إجمالي السعرات الحرارية لطعامه اليومي، فلا داعي للقلق بشأن الدهون في المكسرات بالنسبة لوزن الجسم، عندما تكون كمية المكسرات معتدلة، أي في حدود ما يملأ الكف يومياً.
وهذه الجوانب المتعلقة بالوزن وكمية السعرات الحرارية في المكسرات أوضحتها دراسة باحثين من جامعة هارفارد، والمنشورة ضمن عدد سبتمبر (أيلول) 2019 لـ«المجلة البريطانية للتغذية والوقاية والصحة» BMJ NPH، وكانت بعنوان «تأثيرات تغير تناول المكسرات على تغير الوزن لدى الرجال والنساء في الولايات المتحدة على المدى الطويل». وقال الباحثون في نتائجها «الخلاصة: ترتبط زيادة الاستهلاك اليومي للمكسرات بانخفاض زيادة الوزن على المدى الطويل وانخفاض خطر الإصابة بالسمنة لدى البالغين». وبتوضيح ما أضافته هذه الدراسة أن:
- ارتبطت زيادة الاستهلاك الكلي للمكسرات، وتناول نوعيات معينة من المكسرات، بقلة زيادة الوزن على الرغم من كونها غنية بالسعرات الحرارية.
- ارتبط الاستهلاك اليومي المتزايد للمكسرات بانخفاض مخاطر زيادة الوزن بشكل معتدل وانخفاض خطر الإصابة بالسمنة.
- يمكن أن يكون دمج المكسرات كجزء من نمط غذائي صحي، استراتيجية فعالة لإجراء تعديلات غذائية يمكن تحقيقها للوقاية الأولية من السمنة.
وأضاف الباحثون القول «غالباً ما يتم تبسيط سبب زيادة الوزن كنتيجة للفائض في مدخول الطاقة (كمية السعرات الحرارية المُتناولة من الطعام). ولكن الأدلة العلمية تدعم بشكل متزايد دوراً مهماً لجودة مكونات النظام الغذائي في إدارة الوزن. وعلى سبيل المثال، تشير الدراسات الحديثة إلى أن تنويع الأطعمة يُساهم في الحفاظ على الوزن على المدى الطويل من خلال مسارات مختلفة لتوازن الوزن. وبالتالي، فإن الاستراتيجيات التي تعزز الأنماط الغذائية الصحية الشاملة، بدلاً من تلك التي تركز فقط على السعرات الحرارية الإجمالية، قد تكون أكثر فاعلية بالنسبة للسيطرة على الوزن على المدى الطويل والوقاية من السمنة».
وضمن دراسة لباحثين أستراليين ونيوزلنديين تم نشرها في عدد 6 أكتوبر (تشرين الأول) 2018 من مجلة المغذيات Nutrients، قال الباحثون «ولأن تناول المكسرات يوفر الشعور بامتلاء الشبع، فإن تناولها يقلل من كمية الأطعمة المستهلكة في الوجبة. وقد أظهرت الدراسات أن ما بين 54 و150 في المائة من الطاقة التي يقدمها تناول المكسرات يتم تعويضها من خلال خفض تلقائي في تناول الطعام اللاحق في وجبة الطعام. واستناداً إلى الأدلة العلمية، قد يبدو أن تأثيرات المكسرات على الشهية هي لصالح البدناء المتقدمين في العمر».
المكسرات... بروتينات ودهون وفيتامينات ومعادن وألياف مفيدة للقلب
> تناول المكسرات يُوفر للجسم نوعية عالية الجودة من البروتينات الغذائية ذات التأثيرات الصحية العالية الإيجابية للقلب؛ وذلك بالمقارنة مع تناول البروتينات الحيوانية المصدر. وتشير الأدلة العلمية إلى أن ثمة علاقة معقدة بين بروتينات الغذاء (النباتية والحيوانية) وبين صحة القلب والأوعية الدموية.
وتحديداً، لاحظت إحدى الدراسات من كلية الصحة العامة بجامعة لوما ليندا بالولايات المتحدة (تم نشرها ضمن عدد الثاني من أبريل/نيسان 2018 لـ«المجلة الدولية لعلم الأوبئة» International Journal of Epidemiology)، أن الأشخاص الذين يكثرون من تناول البروتينات من المكسرات تقل فيما بينهم احتمالات الإصابة بأمراض القلب بنسبة 40 في المائة، وأن الاعتماد على المصادر الحيوانية في تزويد الجسم بالبروتينات، وتناولها بكثرة تفوق الكمية المنصوح بها في نصائح التغذية الصحية، يرفع من احتمالات الإصابة بأمراض القلب بنسبة 60 في المائة.
وترتكز النصيحة الطبية لجدوى تناول المكسرات في صحة القلب والأوعية الدموية، على فائدة ذلك في خفض نسبة الكولسترول الخفيف في الدم LDL، وهو نوع الكولسترول الضار بالقلب والأوعية الدموية، ورفع الكولسترول الثقيل الحميد. وذلك عبر آليات عدة، وهي:
- تناول المكسرات يعني تناول منتج غذائي خالٍ من الكولسترول بالأصل. ومعلوم أن الكولسترول لا يُوجد على الإطلاق في أي منتج غذائي نباتي المصدر، بل فقط في المنتجات الحيوانية.
- تناول المكسرات يُزود الجسم بنوعية الدهون غير المشبعة، ذات الجودة الصحية العالية؛ إذْ يُسهم تناولها في خفض الكولسترول في الدم.
- تحتوي المكسرات على مواد فايتوستيرول المساعدة على خفض امتصاص الأمعاء للكولسترول الموجود حصرياً في الأطعمة الحيوانية المصدر.
- المكسرات غنية بالألياف الطبيعية، التي تعمل على خفض امتصاص الأمعاء للكولسترول وإبطاء امتصاص الأمعاء للسكريات.
- يوفر وجود مادة أرجنين، وخاصة في الجوز (عين الجمل)، تنشيط إنتاج الجسم لمركبات أكسيد النيتريك الموسعة للشرايين القلبية.
- احتواء المكسرات على مركبات الليجيك المضادة للأكسدة، يُسهم بشكل إيجابي في منع إتمام عمليات أكسدة الكولسترول بفعل تأثير عناصر الجذور الحرة الضارة على الجسم. وبالتالي الحيلولة دون ترسيخ ترسب الكولسترول على جدران الشرايين القلبية التاجية.
- احتواء المكسرات على كميات مختلفة من المعادن والفيتامينات ذات التأثيرات الصحية الإيجابية للقلب والأوعية الدموية.
ويقول الدكتور غاري فريزر، الأستاذ في كلية الصحة العامة بجامعة لوما ليندا «كل ما يتطلبه الأمر هو تناول مجموعة متنوعة من أنواع المكسرات، تؤكل بكميات صغيرة كل يوم، أي بعدد من الحبات يتراوح ما بين 10 و14 من خليط المكسرات، وستخفض نسبة الكوليسترول الخفيف الضار في الدم، الكوليسترول السيئ».
الشرق الأوسط