دعوة لتوثيق التراث الأدبي والبصري لرحلة الحج
دعوة لتوثيق التراث الأدبي والبصري لرحلة الحج
ميرزا الخويلدي
في عصر الصورة، تقف الكلمة عاجزة عن وصف رحلة الحج. تلتقط الكاميرات المتحركة آلاف الحجاج وهم يسيحون في رحاب المشاعر المقدسة يؤدون مناسكهم. تترصد عيون الكاميرا مشاهد تغلي بالعواطف والمشاعر وتكتسي بروحانية الحج. ووحدها الصورة قادرة اليوم على نقل وتسجيل وتوثيق صور الإيثار والعطاء والبذل التي يسطرها الحجاج والعاملون في خدمتهم.
الصورة أصبحت وسيلتنا ليس لنقل المشهد، وإنما لتوصيل الحمولات العاطفية التي تكتسي حركة الحجاج، ثمة نهر من المشاعر تلتقي على أمواجه عواطف الجميع، الحجاج هم الطليعة التي تتصل بين الأرض والسماء تحمل آمال الأرض وتطلعات البشر وآمالهم إلى السماء، طلباً للرحمة والتسامح والخير.
وثّق المستشرقون رحلاتهم للجزيرة العربية براً أو بحراً، مع تسجيل وصفي دقيق لرحلة الحجاج إلى الديار المقدسة، وتدوين انطباعاتهم عن السكان المحليين والمهن الوظيفية، وطقوس الحج، والمخاطر المحدقة بالحجاج خلال رحلتهم. لكن أغلب تلك الكتابات لم تضف جديداً للذاكرة الوثائقية عما كتبه الرحالة العرب والمسلمون منذ الرحالة الفارسي ناصر خسرو شاه عام 442 هجرياً، وهي الرحلة الأقدم في هذا المجال، مروراً برحلة ابن جبير الأندلسي (حج عام 578 هجرياً من غرناطة إلى جدة)، وابن بطوطة (رحلته إلى الحج كانت عام 726هـ)، وعبد القادر الجزائري (عام 1241هـ - 1825م)، وغيرهم.
كما تناول كتّاب سعوديون الحج من باب أدب الرحلات كذلك، أمثال العلامة حمد الجاسر الذي ألّف كتاباً بعنوان: «أشهر رحلات الحج»، وكتب عبد الله الحقيل كتاب «رحلات الحج في عيون الرحالة وكتابات الأدباء والمؤرخين»، وجمع الدكتور محمد الشريف كتب رحلات الحج، وغيرها.
ولم تدخل الصورة إلا في وقت متأخر. حيث تعود أقدم الصور التي التقطت لمكة المكرمة والمدينة المنورة، لعام 1880 حين التقط ضابط مصري رفيع يدعى محمد صادق بك، مئات الصور خلال ثلاث رحلات قام بها للديار المقدسة، بين عامي 1860 و1880، ونشرها عبر أربعة مؤلفات، ويوجد المئات من هذه الصور في مكتبة الملك عبد العزيز.
كما قام طبيب عراقي هو عبد الغفار البغدادي بالتقاط مجموعة من الصور خلال أدائه الحج عام 1885. وقد التقى هناك المستشرق الهولندي سنوك هرجرونجي (1857 - 1936) الذي كان يقوم برحلة للجزيرة العربية بهدف توثيق مناسك الحج. وفي مكة تعرف على البغدادي، حيث عملا على توثيق رحلة الحج ومخيمات الحجيج والحياة العامة في مكة والمشاعر المقدسة عبر كاميرا بدائية.
وبين عامي 1904 و1908 قام المصور المصري محمد علي أفندي السعودي برحلة إلى مكة التقط خلالها مئات الصور وثقت رحلة الحج وقدمت صوراً قديمة لمواكب الحجيج والمشاعر المقدسة في منى وعرفات... وصدرت في كتاب حمل عنوان: «مصور في الحج» عن مشروع «كلمة» التابع لهيئة أبوظبي للثقافة.
إلى جانب الصورة، دخل الفيلم السينمائي والوثائقي متأخراً في تسجيل رحلة الحج، بينها فيلم «الطريق إلى مكة» المقتبس من كتاب بنفس العنوان للمستشرق النمساوي ليوبولد فايس الذي أصبح معروفاً باسمه الجديد: محمد أسد، حيث تحول كتابه (الطريق إلى مكة) إلى فيلم سينمائي نفذه المخرج النمساوي جورج ميتش، وهو يرصد سيرة محمد أسد وقصة إسلامه ورحلته إلى مكة.
فيلم آخر هو «الرحلة إلى مكة» يتخذ من رحلة ابن بطوطة في القرن الرابع عشر موضوعاً له، يحكي الفيلم في 45 دقيقة رحلة ابن بطوطة من بلدته طنجة في المغرب وعبر الصحراء على امتداد آلاف الأميال إلى مكة لأداء الحج، ويمزج الفيلم بين الصورة التي كان عليها الحج في الماضي وتلك التي يبدو عليها الآن، وقد أنتج الفيلم بالتعاون بين مؤسسات سعودية ثقافية وخاصة، ويتناول رحلة ابن بطوطة المثيرة التي نقلته من مدينته الأصلية طنجة شمالي المغرب إلى مكة المكرمة لأداء فريضة الحج ما بين 1325 و1326 ميلادياً، والصعاب التي اكتنفت رحلته في طريقه لأداء الحج عبر 3 آلاف ميل قطعها.
نكتب كل ذلك لندعو وزارة الثقافة السعودية، ووزارة الحج، لجمع التراث الأدبي والبصري المتعلق بالحج. جمعه وتوثيقه وتسجيله ورقمنته، ليصبح متاحاً للناس قراءً وباحثين ومنتجين للأفلام الوثائقية.
الشرق الأوسط
ميرزا الخويلدي
في عصر الصورة، تقف الكلمة عاجزة عن وصف رحلة الحج. تلتقط الكاميرات المتحركة آلاف الحجاج وهم يسيحون في رحاب المشاعر المقدسة يؤدون مناسكهم. تترصد عيون الكاميرا مشاهد تغلي بالعواطف والمشاعر وتكتسي بروحانية الحج. ووحدها الصورة قادرة اليوم على نقل وتسجيل وتوثيق صور الإيثار والعطاء والبذل التي يسطرها الحجاج والعاملون في خدمتهم.
الصورة أصبحت وسيلتنا ليس لنقل المشهد، وإنما لتوصيل الحمولات العاطفية التي تكتسي حركة الحجاج، ثمة نهر من المشاعر تلتقي على أمواجه عواطف الجميع، الحجاج هم الطليعة التي تتصل بين الأرض والسماء تحمل آمال الأرض وتطلعات البشر وآمالهم إلى السماء، طلباً للرحمة والتسامح والخير.
وثّق المستشرقون رحلاتهم للجزيرة العربية براً أو بحراً، مع تسجيل وصفي دقيق لرحلة الحجاج إلى الديار المقدسة، وتدوين انطباعاتهم عن السكان المحليين والمهن الوظيفية، وطقوس الحج، والمخاطر المحدقة بالحجاج خلال رحلتهم. لكن أغلب تلك الكتابات لم تضف جديداً للذاكرة الوثائقية عما كتبه الرحالة العرب والمسلمون منذ الرحالة الفارسي ناصر خسرو شاه عام 442 هجرياً، وهي الرحلة الأقدم في هذا المجال، مروراً برحلة ابن جبير الأندلسي (حج عام 578 هجرياً من غرناطة إلى جدة)، وابن بطوطة (رحلته إلى الحج كانت عام 726هـ)، وعبد القادر الجزائري (عام 1241هـ - 1825م)، وغيرهم.
كما تناول كتّاب سعوديون الحج من باب أدب الرحلات كذلك، أمثال العلامة حمد الجاسر الذي ألّف كتاباً بعنوان: «أشهر رحلات الحج»، وكتب عبد الله الحقيل كتاب «رحلات الحج في عيون الرحالة وكتابات الأدباء والمؤرخين»، وجمع الدكتور محمد الشريف كتب رحلات الحج، وغيرها.
ولم تدخل الصورة إلا في وقت متأخر. حيث تعود أقدم الصور التي التقطت لمكة المكرمة والمدينة المنورة، لعام 1880 حين التقط ضابط مصري رفيع يدعى محمد صادق بك، مئات الصور خلال ثلاث رحلات قام بها للديار المقدسة، بين عامي 1860 و1880، ونشرها عبر أربعة مؤلفات، ويوجد المئات من هذه الصور في مكتبة الملك عبد العزيز.
كما قام طبيب عراقي هو عبد الغفار البغدادي بالتقاط مجموعة من الصور خلال أدائه الحج عام 1885. وقد التقى هناك المستشرق الهولندي سنوك هرجرونجي (1857 - 1936) الذي كان يقوم برحلة للجزيرة العربية بهدف توثيق مناسك الحج. وفي مكة تعرف على البغدادي، حيث عملا على توثيق رحلة الحج ومخيمات الحجيج والحياة العامة في مكة والمشاعر المقدسة عبر كاميرا بدائية.
وبين عامي 1904 و1908 قام المصور المصري محمد علي أفندي السعودي برحلة إلى مكة التقط خلالها مئات الصور وثقت رحلة الحج وقدمت صوراً قديمة لمواكب الحجيج والمشاعر المقدسة في منى وعرفات... وصدرت في كتاب حمل عنوان: «مصور في الحج» عن مشروع «كلمة» التابع لهيئة أبوظبي للثقافة.
إلى جانب الصورة، دخل الفيلم السينمائي والوثائقي متأخراً في تسجيل رحلة الحج، بينها فيلم «الطريق إلى مكة» المقتبس من كتاب بنفس العنوان للمستشرق النمساوي ليوبولد فايس الذي أصبح معروفاً باسمه الجديد: محمد أسد، حيث تحول كتابه (الطريق إلى مكة) إلى فيلم سينمائي نفذه المخرج النمساوي جورج ميتش، وهو يرصد سيرة محمد أسد وقصة إسلامه ورحلته إلى مكة.
فيلم آخر هو «الرحلة إلى مكة» يتخذ من رحلة ابن بطوطة في القرن الرابع عشر موضوعاً له، يحكي الفيلم في 45 دقيقة رحلة ابن بطوطة من بلدته طنجة في المغرب وعبر الصحراء على امتداد آلاف الأميال إلى مكة لأداء الحج، ويمزج الفيلم بين الصورة التي كان عليها الحج في الماضي وتلك التي يبدو عليها الآن، وقد أنتج الفيلم بالتعاون بين مؤسسات سعودية ثقافية وخاصة، ويتناول رحلة ابن بطوطة المثيرة التي نقلته من مدينته الأصلية طنجة شمالي المغرب إلى مكة المكرمة لأداء فريضة الحج ما بين 1325 و1326 ميلادياً، والصعاب التي اكتنفت رحلته في طريقه لأداء الحج عبر 3 آلاف ميل قطعها.
نكتب كل ذلك لندعو وزارة الثقافة السعودية، ووزارة الحج، لجمع التراث الأدبي والبصري المتعلق بالحج. جمعه وتوثيقه وتسجيله ورقمنته، ليصبح متاحاً للناس قراءً وباحثين ومنتجين للأفلام الوثائقية.
الشرق الأوسط