• ×
admin

«بيلة الدم»... تشخيص دقيق لتحديد أسباب الإصابة

«بيلة الدم»... تشخيص دقيق لتحديد أسباب الإصابة
نزف الجهاز البولي قد ينجم عن عدد من الحالات المرضية

د. عبير مبارك

أكدت مراجعة طبية حديثة أن الخطوة الأهم في المقاربة الإكلينيكية لحالات «خروج دم مع البول (بيلة الدم Hematuria)» هي معرفة «مكان» و«سبب» حدوث نزف الدم من أحد أجزاء الجهاز البولي. ويُعبَّر بالعربية عن حالة «خروج الدم مع البول» بمصطلح «بيلة الدم». ووفق ما نُشر ضمن عدد 8 يوليو (تموز) الحالي في «مجلة نيو إنغلاند جورنال الطبية (NEJM)»، فقد افتتحت الدكتورة جولي ر. إنجلفينغر، استشارية أولى في أمراض الكلى بمستشفى ماساتشوستس العام في بوسطن، مراجعتها العلمية التي جاءت بعنوان: «خروج الدم مع البول لدى البالغين»، قائلة: «يمكن أن تُؤدي مجموعة كبيرة من الأمراض إلى (بيلة دموية)، والمهمة المركزية هي استبعاد الأمراض التي تهدد الحياة، خصوصاً السرطان». وأضافت: «مشاهدة دم مع بول بشكل مفاجئ؛ بالفعل حالة لافتة للنظر وتحتاج إلى تفسير واضح، خصوصاً عندما لا تكون هناك إصابة سابقة، مثل التعرض لحادث اصطدام، أو شكوى من عُسر التبول بسبب التهاب المثانة، أو ألم في الخاصرة مع مرور حصوات الكلى».

- سبب النزف
وتحديد «سبب» و«موقع» النزف الدموي الذي تسبب في هذه الحالة، هو الأساس في وضع الطبيب خطة المعالجة. وبينما قد يكون السبب في بعض الحالات غير ضار، يُمكن أن يشير وجود الدم في البول إلى حالة مرضية تحتاج إلى معالجة ومتابعة طبية. ولذا من الضروري زيارة الطبيب في أي وقت يُلاحظ فيه المرء تغير لون البول إلى اللون الأحمر أو الوردي أو اللون «الصدئ» أو البني. وأوضحت الدكتورة إنجلفينغر أن الطبيعي في لون البول، هو أن يتراوح بين أن يكون عديم اللون تقريباً (عندما يحدث تخفيفه بشرب كميات جيدة من الماء)، واللون الكهرماني الداكن (عند تركيزه بفعل عدم شرب الكمية الكافية من الماء). والبول ذو اللون الأحمر أو الوردي أو ذو اللون «الصدئ» أو البني، قد يشير إلى وجود حالة «البيلة الدموية»، وقد يكون أيضاً بسبب امتزاج البول بمواد غير الدم، ولذا يتم إجراء فحص البول. وتقسّم الأوساط الطبية خروج الدم مع البول إلى نوعين رئيسيين: الأول: خروج دم مع البول لا يمكن رؤيته بالعين المجردة (Nonvisible Hematuria) البيلة الدموية المجهرية (Microscopic Hematuria)، والثاني: خروج دم واضح للعيان مع البول (Visible Hematuria) البيلة الدموية العيانية (Macroscopic Hematuria).
و«البيلة الدموية المجهرية» يجري اكتشافها بإجراء فحوصات للبول لمعرفة عدد خلايا الدم الحمراء الممتزجة بالبول. ولذا قالت الدكتورة إنجلفينغر: «(البيلة الدموية غير المرئية) قد لا تُكتشف لسنوات. وتُكتشف (بالصدفة) لدى العديد من المرضى عند إجراء تحليل البول لأسباب أخرى»؛ أي عند الشكوى من حالات مرضية لا علاقة لها بخروج دم مع البول ولا باضطرابات الجهاز البولي. وأضافت أنه «بين نتائج الدراسات الإحصائية، يختلف بشكل كبير تقدير معدل انتشار (البيلة الدموية غير المرئية)؛ إذ بعضها يشير إلى أنها نسبة صغيرة، والآخر يشير إلى أنها تلاحظ لدى 40 في المائة من المرضى الذين يراجعون عيادات المسالك البولية».
وفي حالات نوع «بيلة دم مرئية»؛ أي خروج دم مع البول واضح للعيان، غالباً ما يكون هناك تفسير واضح، ويتوافق مع تاريخ المريض وعلاماته وأعراضه (على سبيل المثال، مرور حصوات الكلى أو التهاب المثانة النزفي الحاد أو أزمة الخلايا المنجلية)، كما أوضحت الدكتورة إنجلفينغر. وأضافت: «قد تشير (البيلة الدموية) إلى سرطان المثانة أو المسالك البولية العلوية، ويقترح معظم الخبراء الإحالة إلى طبيب المسالك البولية جنباً إلى جنب مع التصوير بالأشعة وتنظير المثانة لاستبعاد السرطان».

- دراسة الحالات
وهناك تسلسل منطقي في المقاربة الاكلينيكية لحالات خروج الدم مع البول. والخطوة المبدئية تتمثل في مراجعة التاريخ المرضي للشخص وإجراء الفحص الاكلينيكي له، وذلك من جوانب الأمراض التي يُعاني منها بشكل مزمن (مرض السكري، وحصوات الكلى... وغيرهما)، وهل حصلت إصابة حادث أو تم تثبيت قسطرة البول... وغيرها من المعلومات التي ربما تساعد في معرفة «السبب».
وتتمثل الخطوة الثانية في إجراء فحوصات للبول نفسه، لتأكيد أن اللون الأحمر أو الوردي للبول هو بسبب وجود الدم، وتأكيد وجود الدم ولو بمقدار ميكروسكوبي لا يُرى بالعين المجردة، إضافة إلى معرفة ما إذا كان البول يحتوي على كرات الدم الحمراء أم لا، وهل ثمة مؤشرات على وجود التهاب ميكروبي في مجاري الجهاز البولي (خلايا الدم البيضاء، وجود النيترات مع البول، أو عزل ميكروبات في البول)، أو وجود أنواع من المعادن التي تسبب حصى الكلى. كما يجري التأكد من «شكل» خلايا الدم الحمراء إذا كانت موجودة مع البول؛ لأن ذلك قد يُساعد في تحديد «مكان» حدوث النزف، كما سيأتي. وأيضاً إجراء «مزرعة» لعينة من البول لعزل أي ميكروبات من المحتمل تسببها في التهاب مجاري البول.
وإذا تطلب الأمر؛ قد يُقدم الطبيب على الخطوة الثالثة، وذلك لاكتشاف «مكان» و«سبب» البيلة الدموية، وهي إجراء فحوصات التصوير بأحد أنواع تقنيات فحوصات الأشعة، كالأشعة بالموجات فوق الصوتية، أو الأشعة المقطعية، أو التصوير بالرنين المغناطيسي، وذلك وفق مدى الحاجة الإكلينيكية للتشخيص.
ووفق نتائج تلك الخطوات الثلاث السابقة، قد يرى الطبيب ضرورة إجراء منظار المثانة (Cystoscopy)، الذي فيه يُمرر الطبيب أنبوباً ضيقاً يحتوي على كاميرا صغيرة إلى المثانة لفحص المثانة ومجرى البول، وذلك للبحث عن علامات أي مرض وراء خروج الدم مع البول. ويُضيف أطباء المسالك البولية في «مايو كلينك»: «وأحياناً لا يتم اكتشاف سبب النزف البولي. وفي هذه الحالة، قد يوصي طبيبك باختبار المتابعة المنتظمة، خصوصاً إذا كنت تعاني من عوامل خطر الإصابة بسرطان المثانة، مثل التدخين والتعرض للسموم البيئية أو تاريخ بالتعرض للعلاج الإشعاعي. ووفقاً للحالة التي تسبب (البيلة الدموية) لك، فقد يتضمن علاجك تناول المضادات الحيوية للتخلص من عدوى الجهاز البولي، أو تجربة الأدوية المقررة بوصفة طبية لتصغير حجم البروستاتا المتضخمة، أو العلاج بـ(صدمة الموجات Shock Waves) لتفتيت حصوات المثانة أو الكلى. وفي بعض الحالات، قد لا يلزم العلاج. واحرص على المتابعة مع طبيبك بعد العلاج لضمان عدم وجود مزيد من الدم في البول».

- فحص عينة البول... خطوة أولية
> أبسط وسائل فحص عينة البول «شريط فحص البول بالغمْس (Urine Dipstick Test)»، ويضم «شريط فحص البول بالغمْس» عدداً من «الشرائح» أو «الكواشف»، قد تصل إلى 10 في كل شريط. ويتغير لونها بدرجات مختلفة، عند الغمْس في عينة البول. وذلك مثل كريات الدم البيضاء، وكريات الدم الحمراء، والهيموغلوبين، وبروتين الزلال، وسكر الغلوكوز، والكيتونات، وبيلوروبين صفراء الكبد، ونيترات التهاب البول، ومقدار حامضية البول... وغيرها.
وإذا ما أظهر هذا الفحص وجود الدم (الهيموغلوبين، خلايا دم حمراء)، يتم إجراء فحص «عينة مُركّزة لراسب البول (Urinary Sediment)» بالميكروسكوب، للتأكد من ملاحظة وجود خلايا دم حمراء بالفحص الميكروسكوبي عالي القوة.
ثم يتم فحص «شكل» خلايا الدم الحمراء لتحديد مصدر نزوح هذا الخلايا الدموية الحمراء. وللتوضيح؛ عندما يكون موقع نزف خلايا الدم الحمراء في حوض الكلية أو الأجزاء السفلية من الجهاز البولي (المثانة، والحالب، والإحليل)، يكون شكل خلايا الدم الحمراء شكلاً طبيعياً. بينما خروج خلايا الدم الحمراء من «وحدات الكبيبة (Glomeruli)» في الكلية نفسها، يتسبب في تشوه شكل خلية الدم الحمراء (لأنها تمر عبر ممرات ضيقة للوصول إلى البول)، ولذا تظهر «خلايا دم حمراء مشوهة الشكل (Dysmorphic Red Cells)» في عينة البول.

- أسباب لخروج الدم مع البول
> هناك مشكلات صحية ومرضية عدة قد تكون وراء حدوث نزف الدم في البول، مثل التمارين الرياضية الشاقة جداً وغير المعتادة، وإصابة الكلى في حوادث الاصطدام، أو أي إصابات أخرى كوضع «قسطرة البول (Urinary Catheter)»، و«فقر الدم المنجلي Sickle Cell Anemia)»، وتناول بعض أنواع الأدوية لزيادة سيولة الدم. ولكن في المقابل، هناك اضطرابات مرضية محددة تحتاج إلى اهتمام من قبل الطبيب والمريض، وتشمل:
* الالتهابات الميكروبية: سواء في الكلية أو حوض الكلية أو المثانة أو الإحليل، كلها قد ينتج عنها خروج الدم بدرجات متفاوتة. ولكن كل حالة من مواضع الالتهابات هذه لها أعراض مختلفة. وفي التهاب المثانة، يمكن أن تتضمن الأعراض إلحاحاً مستمراً للتبول، وألماً وحرقاناً وقت التبول، وبولاً برائحة كريهة للغاية. وإضافة إلى هذه الأعراض، قد يكون في عدوى الكلى نفسها، حُمّى وألم بالجنب.
- حصوات الجهاز البولي: حصوات المثانة أو الكلى وإن كانت غير مؤلمة بشكل عام، إلا إن تحركها وخروجها مع البول، من منطقة إلى أخرى في الجهاز البولي، يمكن أن يُؤدي إلى خروج دم مع البول بشكل واضح أو بشكل ميكروسكوبي. كما يمكن أن يُسبب تحركها ألماً موجعاً للغاية.
- تضخم البروستاتا: عندما يضغط تضخم البروستاتا على مجرى البول، ويعوق تدفق البول جزئياً، قد تحدث صعوبة التبول، أو الحاجة الشديدة أو المستمرة للتبول، أو خروج الدم مع البول بشكل ميكروسكوبي أو مرئي. كما أن التهاب البروستاتا قد يُؤدي إلى أعراض مماثلة.
- أمراض الكلى: يقول أطباء المسالك البولية في «مايو كلينك»: «يُعد النزف البولي المجهري من الأعراض المنتشرة لالتهاب (كُبيبات الكلى)، وهو التهاب يصيب نظام الترشيح بالكلى. ويمكن أن يكون التهاب (كبيبات الكلى) جزءاً من مرض جهازي، مثل داء السكري، أو يمكن أن يحدث بصورة مستقلة. ويمكن أن يحدث التهاب (كُبيبات الكلى) بسبب العدوى الفيروسية أو العقدية، وأمراض الأوعية الدموية مثل (الالتهاب الوعائي)، ومشكلات المناعة، مثل اعتلال الكلية بالعامل (A)، الذي يصيب الشعيرات الدقيقة التي تقوم بترشيح الدم في الكلى (الكُبيبات)».
- السرطان: يوضح أطباء المسالك البولية في «مايو كلينك» بالقول: «يمكن أن يكون الدم المرئي في البول علامة على سرطان الكلى أو المثانة أو البروستاتا المتقدم. وللأسف، قد لا تظهر العلامات أو الأعراض في المراحل المبكرة حيث تكون هذه الأنواع من السرطان قابلة للعلاج».

الشرق الأوسط
بواسطة : admin
 0  0  141