القهوة «بريئة» من اضطرابات نبض القلب والخفقان
القهوة «بريئة» من اضطرابات نبض القلب والخفقان
دراسة جديدة تفند الاستنتاجات العلمية القديمة حول تأثيراتها الضارة
د. حسن محمد صندقجي
ضمن نتائج أكبر دراسة متابعة من نوعها يتم إجراؤها حتى اليوم، لم يجد باحثون طبيون من جامعة كاليفورنيا أي دليل على أن التناول اليومي المعتدل للقهوة (أي حوالي 3 أكواب بحجم 250 مليلترا لكل منها) يؤدي إلى زيادة خطر الإصابة باضطراب نبض القلب Arrhythmias.
وليس هذا فحسب، بل على العكس من ذلك ووفقاً لما نشر ضمن عدد 19 يوليو (تموز) الحالي من مجلة جاما للطب الباطني JAMA Internal Medicine، تضمنت نتائج المتابعة في الدراسة لمدة أربع سنوات، ولمئات الآلاف من الناس، أن شرب القهوة ارتبط بانخفاض خطر حدوث اضطرابات نبض القلب بنسبة 3 في المائة.
تفنيد فكرة سائدة
وأفاد الباحثون حول أهمية الدراسة، أن الفكرة القائلة بأن شرب القهوة (المحتوية على الكافيين) يزيد من مخاطر عدم انتظام ضربات القلب هي فكرة شائعة وقديمة. ومع ذلك، فإن الدليل على تلك الفكرة لا يزال ضعيفاً.
وكان الهدف من دراستهم هو تقييم العلاقة بين استهلاك القهوة، كمنتج شائع التناول ويحتوي على الكافيين، وخطر الإصابة باضطرابات نبض القلب.
وعلق البروفسور غريغوري ماركوس، الباحث الرئيس في الدراسة واستشاري علاج اضطرابات نبض القلب بقسم أمراض القلب في جامعة كاليفورنيا، بالقول: «القهوة هي المصدر الرئيسي للكافيين لمعظم الناس، ولها سمعة (سيئة) في التسبب في اضطرابات نبض القلب أو تفاقمه. لكننا لم نعثر على دليل بأن استهلاكها يؤدي إلى زيادة مخاطر اضطرابات نبض القلب. وبينما يقترح البعض تجنب المنتجات (الطبيعية) التي تحتوي على الكافيين لتقليل مخاطر الإصابة باضطرابات نبض القلب، لم يتم إثبات هذا الارتباط في الواقع، بل قد يكون لاستهلاك القهوة فوائد مضادة للالتهابات وتقليل مخاطر الإصابة ببعض الأمراض، بما في ذلك السرطان والسكري والشلل الرعاش واضطرابات الكبد».
وفي الدراسة الجديدة، تابع باحثو جامعة كاليفورنيا لمدة أربع سنوات، تأثيرات تناول القهوة لدى ما يقرب من 400 ألف شخص، متوسط عمرهم 56 سنة.
وبالإضافة إلى التحليل التقليدي في فحص علاقة القهوة باضطرابات نبض القلب لدى عموم الناس، استخدم الباحثون أسلوباً يسمى «التوزيع العشوائي المندلي» Mendelian Randomization، في معرفة علاقة السبب والنتيجة، خاصةً لدى أولئك الذين لديهم متغيرات جينية تحفز سرعة «إزالة الكافيين من الجسم» بعد شرب القهوة، (استقلاب الكافيين Caffeine Metabolism). وهذا الأسلوب البحثي، وفق ما تشير إليه المراكز الأميركية لمكافحة الأمراض والوقاية منها CDC، يستخدم متابعة تأثير جينات معينة (تزيد من سرعة إزالة الكافيين من الجسم لدى بعض الناس دون غيرهم بعد شرب القهوة)، وذات ارتباط وثيق بعامل خطر محتمل التأثير يراد دراسته (تأثير القهوة على اضطرابات نبض القلب)، للحصول على دليل أدق بشأن مدى حقيقة وجود أي تأثير سببي (نشوء اضطرابات نبض القلب) نتيجة لعامل الخطر المحتمل (تناول كافيين القهوة). وبالتالي يعطي نتائج أدق في الدراسات الوبائية القائمة على الملاحظة Observational Epidemiological Studies.
نتائج جديدة
وفي نتائج الدراسة، لم يلاحظ وجود أي دليل على ارتفاع خطر الإصابة باضطرابات نبض القلب لدى عموم المشاركين، وبالذات بين أولئك الذين لديهم استعداد وراثي لسرعة إزالة الكافيين من الجسم. وقال الباحثون إن الكميات الكبيرة من القهوة مرتبطة في الواقع بانخفاض خطر الإصابة باضطرابات نبض القلب بنسبة 3 في المائة. وأضاف البروفسور ماركوس: «دراستنا لم تجد أي دليل على أن تناول المشروبات التي تحتوي على الكافيين يزيد من خطر عدم انتظام ضربات القلب. وقد تلعب خصائص القهوة المضادة للأكسدة والمضادة للالتهابات والكافيين دوراً وقائياً ضد بعض اضطرابات نبض القلب».
وفي دراسة سابقة تم نشرها ضمن عدد 23 يوليو (تموز) 2020 من مجلة «نيو إنغلاند جورنال أوف ميديسن» New England Journal of Medicine، راجع باحثون من كلية الطب بجامعة هارفارد حوالي 100 دراسة علمية تم إجراؤها حول العلاقة بين القهوة وصحة الإنسان خلال العقود الماضية.
وأفادوا أن عددا كبيراً من نتائج الدراسات يدعم أن ثمة فوائد صحية لشرب القهوة، وأنها تحتوي على مئات من المواد الكيميائية النباتية النشطة بيولوجياً Phytochemicals التي تعمل بشكل صحي داخل الجسم، عبر خفض تداعيات الإجهاد التأكسدي Oxidative Stress على أنسجة وخلايا الجسم، والعمل على تحسين نوعية ونشاط وفاعلية الميكروبات المعوية الصديقة Gut Microbiome، والعمل بشكل إيجابي على تعديل عمليات استقلاب الأيض Metabolism للجلوكوز والدهون وتوجيهها إلى مسارات صحية أفضل. وقال الباحثون: «يرتبط استهلاك 2 إلى 5 أكواب قياسية (250 مليلترا) من القهوة يومياً (المحتوية على الكافيين أو الخالية منه) بانخفاض معدل الوفيات في دراسات تم إجراؤها في أنحاء مختلفة من العالم».
وأضافوا: «تشير مجموعة كبيرة من الأدلة إلى أن استهلاك القهوة، لا يزيد من خطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية والسرطانات. وفي الواقع، ارتبط الاستمرار في التناول المعتدل للقهوة يومياً، بانخفاض خطر الإصابة بأمراض مزمنة عديدة». ولكنهم في نفس سياق الحديث قالوا: «ومع ذلك، فإن تناول كميات كبيرة من الكافيين يمكن أن يكون له تأثيرات ضارة مختلفة، وقد تم التوصية بحدود 400 مليغرام (ملغم) من الكافيين في اليوم للبالغين غير الحوامل أو المرضعات و200 ملغم في اليوم للنساء الحوامل والمرضعات».
وأضافوا أن استهلاك القهوة لم يرتبط بزيادة خطر الإصابة بمرض ارتفاع ضغط الدم وليس له تأثير كبير على ضغط الدم لدى الأشخاص المصابين أصلاً بمرض ارتفاع ضغط الدم.
أما بالنسبة لأمراض الشرايين القلبية، فقالوا: «تشير الدراسات في نتائجها باستمرار إلى أن التناول المعتدل للقهوة المفلترة لا علاقة له بزيادة خطر الإصابة بهذه الأمراض القلبية الوعائية في عموم السكان أو بين الأشخاص الذين لديهم إصابة مزمنة بارتفاع ضغط الدم أو مرض السكري أو أمراض القلب والأوعية الدموية. بل في الواقع، ارتبط استهلاك القهوة بانخفاض خطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية والوفاة بسبب أمراض القلب والأوعية الدموية».
فوائد القهوة
وكانت دراسة سابقة تم نشرها ضمن عدد 16 أبريل (نيسان) 2018 من مجلة الكلية الأميركية لطب كهرباء القلب JACC: Clinical Electrophysiology، قد أوضحت أن الأشخاص الذين يتناولون القهوة بكمية معتدلة قد يكونون أقل عرضة للإصابة باضطرابات انتظام إيقاع نبض القلب Arrhythmias.
وقال الباحثون في مقدمة الدراسة: «تشير نتائج الأبحاث المكثفة على مدى العقد الماضي، إلى أن العديد من المعتقدات الشائعة على نطاق واسع بشأن الكافيين قد لا تكون قائمة على الأدلة». وأفاد الباحثون ما ملخصه أن المراجعة الشاملة للدراسات حول هذا الأمر، تشير إلى أن الذين يستهلكون القهوة بانتظام وبكميات يومية معتدلة (أي حوالي ثلاثة أكواب من القهوة في اليوم)، لديهم انخفاض طوال حياتهم من خطورة الإصابة باضطرابات إيقاع نبض القلب، بل ربما أيضاً تتحسن فرص بقائهم على قيد الحياة نتيجة لذلك. ولا يبدو أنه يزيد من احتمال نشوء الإصابة بأمراض عدم انتظام ضربات القلب البطينية المصدر. ويبدو أنه يقلل من احتمالات الإصابة بالارتجاف الأذيني. وتناول الكافيين المعتدل (أي حوالي 300 ملغم في اليوم الواحد) قد يكون آمنا لمرضى الارتجاف الأذيني AF ومرضى اضطرابات النبض البطينية المصدر Ventricular Arrhythmias. كما وجدت الدراسة أن تناول كمية معتدلة من الكافيين، أي حوالي 300 ملغم في اليوم الواحد، من قبل المرضى الذين أصيبوا بنوبات الجلطة القلبية، قد أدى لديهم إلى تحسن معدل ضربات القلب وإلى عدم وجود اضطرابات حادة في نظم إيقاع نبض القلب.
لا خطر في تناول الكافيين باعتدال
> الكافيين «المادة ذات التأثير النفسي» Psychoactive Agent الأكثر تناولاً من قبل الناس على مستوى العالم.
ويوجد الكافيين في مجموعة واسعة من أجزاء أنواع مختلفة من النباتات، مثل حبوب القهوة وحبوب الكاكاو، وأوراق الشاي وشاي يربا ماتتي العشبي Yerba Matte، وثمار توت الغوارانا (المستخدمة في عدد من المشروبات والمكملات الغذائية المختلفة). وأحد أسباب ذلك دوره في سلامة نمو تلك النباتات، إذ يعمل كمبيد حشري طبيعي. كما يمكن صناعة مركب الكافيين وإضافته إلى الأطعمة والمشروبات (المشروبات الغازية ومشروبات الطاقة)، وإلى أنواع الأدوية المسكنة للألم. والواقع طبياً، أن مركب الكافيين هو «العقار» الأعلى تناولاً في العالم، سواء في المنتجات الغذائية (القهوة أو الشاي أو الشوكولاته أو المشروبات الغازية أو مشروبات الطاقة)، أو في أدوية تسكين الألم الشائعة.
وبعيد تناول الكافيين، تبدأ الأمعاء في امتصاصه خلال 15 دقيقة، ويكتمل ذلك في غضون 45 دقيقة. ويستمر مفعول الكافيين في الجسم حوالي ساعتين، إلى حين إتمام الكبد عمليات إزالة الكافيين (بواسطة أنظمة من الأنزيمات) وتحويله إلى حمض اليوريك Uric Acid، الذي يتم إخراجه مع البول.
ويختلف الناس في قدرة تخليص الجسم من الكافيين، إما وفق عوامل جينية تجعل البعض أسرع في إتمام ذلك، أو عوامل غير جينية. وللتوضيح، فإن أجسام الأطفال بالعموم لا تقوى على التخلص من الكافيين بالسرعة التي لدى البالغين. والتدخين يسرع من نشاط عمليات تفتيت وإخراج الكافيين بنسبة 50٪. وتناول المرأة لموانع الحمل أو الحمل نفسه، يبطئ تلك العمليات، وبالتالي يتراكم الكافيين في الجسم بمقدار الضعف لديهن.
وحول سؤال: الكافيين، ما الكمية التي تمثل إفراطاً؟ يفيد الباحثون من مايوكلينك بالقول: «يبدو أن تناول ما يصل إلى 400 ملليغرام من الكافيين يومياً لا يسبب خطراً على صحة معظم البالغين. فهذه الكمية تقريباً ما تكون موجودة في أربعة أكواب من القهوة. وضع في حسبانك أن محتوى الكافيين الفعلي في المشروبات يختلف اختلافاً كبيراً، خاصةً في مشروبات الطاقة.
ورغم أن استخدام الكافيين قد يكون آمناً للبالغين، فإنه ليس من الجيد أن يتناوله الأطفال. ويلزم تحذير المراهقين واليافعين من الإفراط في تناول الكافيين. والحوامل عليهن الحد من استخدام الكافيين إلى أقل من 200 ملغم يومياً. وبعض الأشخاص لديهم حساسية أعلى للكافيين مقارنةً بغيرهم. وفي حال كنت سريع التأثر بالكافيين، فقد يؤدي تناوله حتى بكميات صغيرة إلى حدوث آثار غير مرغوب فيها، مثل الأرق ومشاكل النوم».
وأضافوا: «خلاصة القول، إذا كنت مثل معظم البالغين، فإن الكافيين يمثل جزءاً من روتينك اليومي. وفي العادة لن يسبب لك مشكلات صحية. لكن ضع في حسبانك الآثار الجانبية المحتملة للكافيين وكن مستعداً لتقليله إذا لزم الأمر».
الشرق الأوسط
دراسة جديدة تفند الاستنتاجات العلمية القديمة حول تأثيراتها الضارة
د. حسن محمد صندقجي
ضمن نتائج أكبر دراسة متابعة من نوعها يتم إجراؤها حتى اليوم، لم يجد باحثون طبيون من جامعة كاليفورنيا أي دليل على أن التناول اليومي المعتدل للقهوة (أي حوالي 3 أكواب بحجم 250 مليلترا لكل منها) يؤدي إلى زيادة خطر الإصابة باضطراب نبض القلب Arrhythmias.
وليس هذا فحسب، بل على العكس من ذلك ووفقاً لما نشر ضمن عدد 19 يوليو (تموز) الحالي من مجلة جاما للطب الباطني JAMA Internal Medicine، تضمنت نتائج المتابعة في الدراسة لمدة أربع سنوات، ولمئات الآلاف من الناس، أن شرب القهوة ارتبط بانخفاض خطر حدوث اضطرابات نبض القلب بنسبة 3 في المائة.
تفنيد فكرة سائدة
وأفاد الباحثون حول أهمية الدراسة، أن الفكرة القائلة بأن شرب القهوة (المحتوية على الكافيين) يزيد من مخاطر عدم انتظام ضربات القلب هي فكرة شائعة وقديمة. ومع ذلك، فإن الدليل على تلك الفكرة لا يزال ضعيفاً.
وكان الهدف من دراستهم هو تقييم العلاقة بين استهلاك القهوة، كمنتج شائع التناول ويحتوي على الكافيين، وخطر الإصابة باضطرابات نبض القلب.
وعلق البروفسور غريغوري ماركوس، الباحث الرئيس في الدراسة واستشاري علاج اضطرابات نبض القلب بقسم أمراض القلب في جامعة كاليفورنيا، بالقول: «القهوة هي المصدر الرئيسي للكافيين لمعظم الناس، ولها سمعة (سيئة) في التسبب في اضطرابات نبض القلب أو تفاقمه. لكننا لم نعثر على دليل بأن استهلاكها يؤدي إلى زيادة مخاطر اضطرابات نبض القلب. وبينما يقترح البعض تجنب المنتجات (الطبيعية) التي تحتوي على الكافيين لتقليل مخاطر الإصابة باضطرابات نبض القلب، لم يتم إثبات هذا الارتباط في الواقع، بل قد يكون لاستهلاك القهوة فوائد مضادة للالتهابات وتقليل مخاطر الإصابة ببعض الأمراض، بما في ذلك السرطان والسكري والشلل الرعاش واضطرابات الكبد».
وفي الدراسة الجديدة، تابع باحثو جامعة كاليفورنيا لمدة أربع سنوات، تأثيرات تناول القهوة لدى ما يقرب من 400 ألف شخص، متوسط عمرهم 56 سنة.
وبالإضافة إلى التحليل التقليدي في فحص علاقة القهوة باضطرابات نبض القلب لدى عموم الناس، استخدم الباحثون أسلوباً يسمى «التوزيع العشوائي المندلي» Mendelian Randomization، في معرفة علاقة السبب والنتيجة، خاصةً لدى أولئك الذين لديهم متغيرات جينية تحفز سرعة «إزالة الكافيين من الجسم» بعد شرب القهوة، (استقلاب الكافيين Caffeine Metabolism). وهذا الأسلوب البحثي، وفق ما تشير إليه المراكز الأميركية لمكافحة الأمراض والوقاية منها CDC، يستخدم متابعة تأثير جينات معينة (تزيد من سرعة إزالة الكافيين من الجسم لدى بعض الناس دون غيرهم بعد شرب القهوة)، وذات ارتباط وثيق بعامل خطر محتمل التأثير يراد دراسته (تأثير القهوة على اضطرابات نبض القلب)، للحصول على دليل أدق بشأن مدى حقيقة وجود أي تأثير سببي (نشوء اضطرابات نبض القلب) نتيجة لعامل الخطر المحتمل (تناول كافيين القهوة). وبالتالي يعطي نتائج أدق في الدراسات الوبائية القائمة على الملاحظة Observational Epidemiological Studies.
نتائج جديدة
وفي نتائج الدراسة، لم يلاحظ وجود أي دليل على ارتفاع خطر الإصابة باضطرابات نبض القلب لدى عموم المشاركين، وبالذات بين أولئك الذين لديهم استعداد وراثي لسرعة إزالة الكافيين من الجسم. وقال الباحثون إن الكميات الكبيرة من القهوة مرتبطة في الواقع بانخفاض خطر الإصابة باضطرابات نبض القلب بنسبة 3 في المائة. وأضاف البروفسور ماركوس: «دراستنا لم تجد أي دليل على أن تناول المشروبات التي تحتوي على الكافيين يزيد من خطر عدم انتظام ضربات القلب. وقد تلعب خصائص القهوة المضادة للأكسدة والمضادة للالتهابات والكافيين دوراً وقائياً ضد بعض اضطرابات نبض القلب».
وفي دراسة سابقة تم نشرها ضمن عدد 23 يوليو (تموز) 2020 من مجلة «نيو إنغلاند جورنال أوف ميديسن» New England Journal of Medicine، راجع باحثون من كلية الطب بجامعة هارفارد حوالي 100 دراسة علمية تم إجراؤها حول العلاقة بين القهوة وصحة الإنسان خلال العقود الماضية.
وأفادوا أن عددا كبيراً من نتائج الدراسات يدعم أن ثمة فوائد صحية لشرب القهوة، وأنها تحتوي على مئات من المواد الكيميائية النباتية النشطة بيولوجياً Phytochemicals التي تعمل بشكل صحي داخل الجسم، عبر خفض تداعيات الإجهاد التأكسدي Oxidative Stress على أنسجة وخلايا الجسم، والعمل على تحسين نوعية ونشاط وفاعلية الميكروبات المعوية الصديقة Gut Microbiome، والعمل بشكل إيجابي على تعديل عمليات استقلاب الأيض Metabolism للجلوكوز والدهون وتوجيهها إلى مسارات صحية أفضل. وقال الباحثون: «يرتبط استهلاك 2 إلى 5 أكواب قياسية (250 مليلترا) من القهوة يومياً (المحتوية على الكافيين أو الخالية منه) بانخفاض معدل الوفيات في دراسات تم إجراؤها في أنحاء مختلفة من العالم».
وأضافوا: «تشير مجموعة كبيرة من الأدلة إلى أن استهلاك القهوة، لا يزيد من خطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية والسرطانات. وفي الواقع، ارتبط الاستمرار في التناول المعتدل للقهوة يومياً، بانخفاض خطر الإصابة بأمراض مزمنة عديدة». ولكنهم في نفس سياق الحديث قالوا: «ومع ذلك، فإن تناول كميات كبيرة من الكافيين يمكن أن يكون له تأثيرات ضارة مختلفة، وقد تم التوصية بحدود 400 مليغرام (ملغم) من الكافيين في اليوم للبالغين غير الحوامل أو المرضعات و200 ملغم في اليوم للنساء الحوامل والمرضعات».
وأضافوا أن استهلاك القهوة لم يرتبط بزيادة خطر الإصابة بمرض ارتفاع ضغط الدم وليس له تأثير كبير على ضغط الدم لدى الأشخاص المصابين أصلاً بمرض ارتفاع ضغط الدم.
أما بالنسبة لأمراض الشرايين القلبية، فقالوا: «تشير الدراسات في نتائجها باستمرار إلى أن التناول المعتدل للقهوة المفلترة لا علاقة له بزيادة خطر الإصابة بهذه الأمراض القلبية الوعائية في عموم السكان أو بين الأشخاص الذين لديهم إصابة مزمنة بارتفاع ضغط الدم أو مرض السكري أو أمراض القلب والأوعية الدموية. بل في الواقع، ارتبط استهلاك القهوة بانخفاض خطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية والوفاة بسبب أمراض القلب والأوعية الدموية».
فوائد القهوة
وكانت دراسة سابقة تم نشرها ضمن عدد 16 أبريل (نيسان) 2018 من مجلة الكلية الأميركية لطب كهرباء القلب JACC: Clinical Electrophysiology، قد أوضحت أن الأشخاص الذين يتناولون القهوة بكمية معتدلة قد يكونون أقل عرضة للإصابة باضطرابات انتظام إيقاع نبض القلب Arrhythmias.
وقال الباحثون في مقدمة الدراسة: «تشير نتائج الأبحاث المكثفة على مدى العقد الماضي، إلى أن العديد من المعتقدات الشائعة على نطاق واسع بشأن الكافيين قد لا تكون قائمة على الأدلة». وأفاد الباحثون ما ملخصه أن المراجعة الشاملة للدراسات حول هذا الأمر، تشير إلى أن الذين يستهلكون القهوة بانتظام وبكميات يومية معتدلة (أي حوالي ثلاثة أكواب من القهوة في اليوم)، لديهم انخفاض طوال حياتهم من خطورة الإصابة باضطرابات إيقاع نبض القلب، بل ربما أيضاً تتحسن فرص بقائهم على قيد الحياة نتيجة لذلك. ولا يبدو أنه يزيد من احتمال نشوء الإصابة بأمراض عدم انتظام ضربات القلب البطينية المصدر. ويبدو أنه يقلل من احتمالات الإصابة بالارتجاف الأذيني. وتناول الكافيين المعتدل (أي حوالي 300 ملغم في اليوم الواحد) قد يكون آمنا لمرضى الارتجاف الأذيني AF ومرضى اضطرابات النبض البطينية المصدر Ventricular Arrhythmias. كما وجدت الدراسة أن تناول كمية معتدلة من الكافيين، أي حوالي 300 ملغم في اليوم الواحد، من قبل المرضى الذين أصيبوا بنوبات الجلطة القلبية، قد أدى لديهم إلى تحسن معدل ضربات القلب وإلى عدم وجود اضطرابات حادة في نظم إيقاع نبض القلب.
لا خطر في تناول الكافيين باعتدال
> الكافيين «المادة ذات التأثير النفسي» Psychoactive Agent الأكثر تناولاً من قبل الناس على مستوى العالم.
ويوجد الكافيين في مجموعة واسعة من أجزاء أنواع مختلفة من النباتات، مثل حبوب القهوة وحبوب الكاكاو، وأوراق الشاي وشاي يربا ماتتي العشبي Yerba Matte، وثمار توت الغوارانا (المستخدمة في عدد من المشروبات والمكملات الغذائية المختلفة). وأحد أسباب ذلك دوره في سلامة نمو تلك النباتات، إذ يعمل كمبيد حشري طبيعي. كما يمكن صناعة مركب الكافيين وإضافته إلى الأطعمة والمشروبات (المشروبات الغازية ومشروبات الطاقة)، وإلى أنواع الأدوية المسكنة للألم. والواقع طبياً، أن مركب الكافيين هو «العقار» الأعلى تناولاً في العالم، سواء في المنتجات الغذائية (القهوة أو الشاي أو الشوكولاته أو المشروبات الغازية أو مشروبات الطاقة)، أو في أدوية تسكين الألم الشائعة.
وبعيد تناول الكافيين، تبدأ الأمعاء في امتصاصه خلال 15 دقيقة، ويكتمل ذلك في غضون 45 دقيقة. ويستمر مفعول الكافيين في الجسم حوالي ساعتين، إلى حين إتمام الكبد عمليات إزالة الكافيين (بواسطة أنظمة من الأنزيمات) وتحويله إلى حمض اليوريك Uric Acid، الذي يتم إخراجه مع البول.
ويختلف الناس في قدرة تخليص الجسم من الكافيين، إما وفق عوامل جينية تجعل البعض أسرع في إتمام ذلك، أو عوامل غير جينية. وللتوضيح، فإن أجسام الأطفال بالعموم لا تقوى على التخلص من الكافيين بالسرعة التي لدى البالغين. والتدخين يسرع من نشاط عمليات تفتيت وإخراج الكافيين بنسبة 50٪. وتناول المرأة لموانع الحمل أو الحمل نفسه، يبطئ تلك العمليات، وبالتالي يتراكم الكافيين في الجسم بمقدار الضعف لديهن.
وحول سؤال: الكافيين، ما الكمية التي تمثل إفراطاً؟ يفيد الباحثون من مايوكلينك بالقول: «يبدو أن تناول ما يصل إلى 400 ملليغرام من الكافيين يومياً لا يسبب خطراً على صحة معظم البالغين. فهذه الكمية تقريباً ما تكون موجودة في أربعة أكواب من القهوة. وضع في حسبانك أن محتوى الكافيين الفعلي في المشروبات يختلف اختلافاً كبيراً، خاصةً في مشروبات الطاقة.
ورغم أن استخدام الكافيين قد يكون آمناً للبالغين، فإنه ليس من الجيد أن يتناوله الأطفال. ويلزم تحذير المراهقين واليافعين من الإفراط في تناول الكافيين. والحوامل عليهن الحد من استخدام الكافيين إلى أقل من 200 ملغم يومياً. وبعض الأشخاص لديهم حساسية أعلى للكافيين مقارنةً بغيرهم. وفي حال كنت سريع التأثر بالكافيين، فقد يؤدي تناوله حتى بكميات صغيرة إلى حدوث آثار غير مرغوب فيها، مثل الأرق ومشاكل النوم».
وأضافوا: «خلاصة القول، إذا كنت مثل معظم البالغين، فإن الكافيين يمثل جزءاً من روتينك اليومي. وفي العادة لن يسبب لك مشكلات صحية. لكن ضع في حسبانك الآثار الجانبية المحتملة للكافيين وكن مستعداً لتقليله إذا لزم الأمر».
الشرق الأوسط