"صنعة أبوك"
"صنعة أبوك"
حسين علي حسين
في مجال المال والأعمال على بساطته في المدينة المنورة، كان المثل الدارج "صنعة أبوك لا يغلبوك" وإلى جواره مثل آخر مهم "صنعة في اليد أمان من الفقر"، ولذلك غالبا ما تجد أسرا وجماعات تحتكر أعمالا محددة من بابها، كما يقولون، فلا يدخل عليهم فيها أحد بسهولة ويسر؛ بل إن بعض الأسر إذا أرادت أن يتقن أحد أبنائها صنعة أو مهنة، كانت ترسله لشيخها أو البارع فيها ليتقن الصنعة على يديه وبناء على توجيهاته، فيمكث عند الصانع أياما وشهورا، وهو يعمل ويجد في العمل دون أن يفرح بقرش مكافأة على جهوده وتعبه، حتى يعلن معلمه أنه أتقن الصنعة أو المهنة؛ حينذاك له الخيار أن يكون صبيا أو عاملا بأجر، أو يفتح له عملا يخصه، يمارس فيه الصنعة التي تعلمها!
وكان المعلم أو محترف الصنعة شديدا مع عماله، ولا يسمح إلا في أضيق الحدود لعامل لديه أن يتأخر، أو يخطئ في عمل كلف به؛ ولأن الحال في تلك الظروف كانت صعبة، فإن من يجد عملا لا يغادره بسهولة حتى لو كان يأخذ أجره حسب التساهيل؛ لأن البديل بطالة قد تدوم أياما وشهورا!
وأبقى مع المثلين السابقين، لا أقول إن من يبيعون لحم البقر في خان الجزارة كانوا من أسرة واحدة، ومثلهم من يبيعون لحم الجمل، ومن يمتهنون صياغة الذهب وصناعة العقل والمشالح، كانوا أيضا من بيوت عرفت على مدى عقود بتلك المهن! وكثيرا ما تجد الأب يضع عينه على واحد أو أكثر من أبنائه ليصحبهم إلى العمل الذي يمارسه؛ وقد أدركت الوقت الذي سحب فيه والدي أخي الأكبر - رحمهما الله - إلى عمله، على أمل أن يتدرج في مهنة البناء من عامل صغير إلى بنّاء، وإذا كان ذكيا فاهما في الصنعة والسوق ربما أصبح معلما أو مقاولا، لولا تدخل صديق له في ذلك الوقت ليقنعه بإعادة الابن إلى المدرسة بعد أن قضى عاما أو عامين عاملا تحت إشراف ورعاية والده، وليصبح بعد عودته للدراسة مدرسا في ثانوية صناعية! وعندي أصدقاء كثر عندما كنت طالبا كان إخوتهم الأكبر منهم يعملون مع آبائهم في مهن شتى، جريا على المثل الدرج الذي أوردناه آنفا!
وما هو في المدينة المنورة، كان موجودا في مصر والشام بنفس العادات والتقاليد؛ حتى عندما بدأ التعليم في الانتشار، أصبحت لا تعدم أولئك الآباء الأطباء والصيادلة والمحاسبين والصناعيين، وهم يشجعون أبناءهم وبناتهم على الانخراط فيما تعلموه أو تخصصوا فيه، حتى يتمكن الآباء من دعم ورعاية أبنائهم من واقع ما درسوه أو برعوا فيه من العلم والمعرفة بكافة فروعها، ولو قلبت عينك الآن وأنت تتجول في بعض الشوارع والمدن الصناعية، وحتى المستشفيات والجامعات، لوجدت عديدا من الأبناء والبنات على مهن آبائهم وأمهاتهم أو أفرادا من أسرتهم.
الرياض
حسين علي حسين
في مجال المال والأعمال على بساطته في المدينة المنورة، كان المثل الدارج "صنعة أبوك لا يغلبوك" وإلى جواره مثل آخر مهم "صنعة في اليد أمان من الفقر"، ولذلك غالبا ما تجد أسرا وجماعات تحتكر أعمالا محددة من بابها، كما يقولون، فلا يدخل عليهم فيها أحد بسهولة ويسر؛ بل إن بعض الأسر إذا أرادت أن يتقن أحد أبنائها صنعة أو مهنة، كانت ترسله لشيخها أو البارع فيها ليتقن الصنعة على يديه وبناء على توجيهاته، فيمكث عند الصانع أياما وشهورا، وهو يعمل ويجد في العمل دون أن يفرح بقرش مكافأة على جهوده وتعبه، حتى يعلن معلمه أنه أتقن الصنعة أو المهنة؛ حينذاك له الخيار أن يكون صبيا أو عاملا بأجر، أو يفتح له عملا يخصه، يمارس فيه الصنعة التي تعلمها!
وكان المعلم أو محترف الصنعة شديدا مع عماله، ولا يسمح إلا في أضيق الحدود لعامل لديه أن يتأخر، أو يخطئ في عمل كلف به؛ ولأن الحال في تلك الظروف كانت صعبة، فإن من يجد عملا لا يغادره بسهولة حتى لو كان يأخذ أجره حسب التساهيل؛ لأن البديل بطالة قد تدوم أياما وشهورا!
وأبقى مع المثلين السابقين، لا أقول إن من يبيعون لحم البقر في خان الجزارة كانوا من أسرة واحدة، ومثلهم من يبيعون لحم الجمل، ومن يمتهنون صياغة الذهب وصناعة العقل والمشالح، كانوا أيضا من بيوت عرفت على مدى عقود بتلك المهن! وكثيرا ما تجد الأب يضع عينه على واحد أو أكثر من أبنائه ليصحبهم إلى العمل الذي يمارسه؛ وقد أدركت الوقت الذي سحب فيه والدي أخي الأكبر - رحمهما الله - إلى عمله، على أمل أن يتدرج في مهنة البناء من عامل صغير إلى بنّاء، وإذا كان ذكيا فاهما في الصنعة والسوق ربما أصبح معلما أو مقاولا، لولا تدخل صديق له في ذلك الوقت ليقنعه بإعادة الابن إلى المدرسة بعد أن قضى عاما أو عامين عاملا تحت إشراف ورعاية والده، وليصبح بعد عودته للدراسة مدرسا في ثانوية صناعية! وعندي أصدقاء كثر عندما كنت طالبا كان إخوتهم الأكبر منهم يعملون مع آبائهم في مهن شتى، جريا على المثل الدرج الذي أوردناه آنفا!
وما هو في المدينة المنورة، كان موجودا في مصر والشام بنفس العادات والتقاليد؛ حتى عندما بدأ التعليم في الانتشار، أصبحت لا تعدم أولئك الآباء الأطباء والصيادلة والمحاسبين والصناعيين، وهم يشجعون أبناءهم وبناتهم على الانخراط فيما تعلموه أو تخصصوا فيه، حتى يتمكن الآباء من دعم ورعاية أبنائهم من واقع ما درسوه أو برعوا فيه من العلم والمعرفة بكافة فروعها، ولو قلبت عينك الآن وأنت تتجول في بعض الشوارع والمدن الصناعية، وحتى المستشفيات والجامعات، لوجدت عديدا من الأبناء والبنات على مهن آبائهم وأمهاتهم أو أفرادا من أسرتهم.
الرياض