يوم الوطن
يوم الوطن
بكري معتوق عساس
حينَ خرجَ النبيُّ صلى الله عليه وسلمَ مُفَارِقاً وطنَهُ مكةَ، وسار مبتعداً عنها، وقفَ بالجُحْفةِ مُستقبلاً ديارَهُ الأولى، فاستعبرَ وبكى حنيناً وشوقاً إلى مكةَ، فأنزلَ الله عزَّ وجلَّ عليهِ قَوْلَه: (إنَّ الذي فَرَضَ عليكَ القُرآنَ لَرَادُّكَ إلى مَعَادٍ).. أيْ: مُرْجِعُكَ ومُعِيْدُكَ إليها.
هذا الموقفُ النبويُّ، وهذه التَّسْليةُ القرآنيةُ تَقِفُنا على حقيقةِ هذهِ العلاقةِ الفطريَّةِ بين الإنسانِ والأوطانِ.
إنَّها علاقةٌ وطيدةٌ لا تحتاجُ إلى تفسيرٍ ولا إلى تحليلٍ.
علاقةٌ تتجاوزُ المشاعرَ العابرةَ، والأحاسيسَ المستعجِلة. ألم يَجْزعِ النبيُّ صلى الله عليه وسلَّمَ حينَ أَخْبرهُ ورقةُ بنُ نوفلٍ أنَّ قومَهُ سيُخْرِجُونَهُ من وطنِهِ؟ لم يُبالِ صلى الله عليه وسلم بما أخبرَهُ به ورقةُ من عداوةِ قومِهِ وتكذيبِهِم وإيذائهم، ولكنَّه لما قال له: يا ليتَني فيها جَذَعٌ إذْ يُخرجُك قومُكَ، لما قال له ذلك تغيَّر وجهُهُ صلى الله عليه وسلَّم وقال في حُزنٍ: أوَ مُخْرِجيَّ هم؟!
وفي هذا من جلالةِ حبِّ الوطنِ، وصعوبةِ مفارقتِهِ ما فيه.
وعلاقةُ الإنسانِ بوطنِهِ ليستْ علاقةَ حبٍّ وإجلالٍ فحسبُ، بل هي أيضاً علاقةُ التزامٍ وعملٍ.. لقد أكرمنا اللهُ في وطنِنا (المملكةِ العربيةِ السعوديّةِ) بأنْ جمعَ لنا الدينَ والدُّنيا.
فجعل بلادَنا مَحْضِنَ الحرمينِ الشريفينِ، وجعلَ تأسيسها قائماً على تعاونٍ تاريخيٍّ بينَ رجلِ الدولةِ ورجلِ العلمِ، في رباطٍ وثيقٍ لا ينفصمُ بإذن الله أبداً.. ثم جعَلَها سُبحانَهُ مستودعَ الثرواتِ، وأرضَ الخيراتِ والبركاتِ، فأجرى عليها نِعَمَهُ ظاهرةً وباطنةً.. وواجبُ الشكر على هاتين النعمتينِ يقتضي منا أن نحافظَ على الدينِ والدُّنيا. أما الدينُ فبالالتزامِ بشرعِ الله في كل صغيرةٍ وكبيرةٍ، وبالحفاظِ الشديدِ على الشراكةِ التاريخيةِ بين القيادة والشعب، وبالحذرِ من كلِّ فكرةٍ أو دعوةٍ تُقوِّضُ هذا التناسقَ الجميلَ.
وأما الدنيا فبترشيد استعمالِ هذه الثرواتِ، وحُسنِ استغلالها، وتوظيفِها التوظيفَ الأمثلَ خدمةً للبلادِ والعبادِ.. ومِنْ قبلِ هذا ومن بعدِه بشكرِهِ جلَّ جلالُهُ على ما أنعمَ.
إنّنا في مثلِ هذه الأيامِ الغرّاءِ نستذكرُ سيرةَ الجدودِ المؤَسِّسِيْنَ، نستذكرُ موحِّدَ هذه البلادِ الملكَ عبدَالعزيز آل سعود رحمه الله، كما نستذكرُ تاريخاً مجيداً حافلاً من الإنجازاتِ التي تعاقبَ عليها الملوكُ هذه البلاد الأماجدُ، وأتمَّ مسيرتَها ودفعَ بها إلى الأمام خادمُ الحرمينِ الشريفينِ الملكِ سلمان بنِ عبدالعزيز وولي عهده حفظهم اللهُ.
أسأل الله سبحانه وتعالى أن يبارك لنا في وطننا، وأن يديمَ علينا أمننا، وأن يجزيَ ولاةَ أمورِنا عنّا خيرَ الجزاءِ.
قال شوقي رحمه اللهُ:
وللأوطانِ في دمِ كلِّ حُرٍّ *** يدٌ سلفَتْ وَدَيْنٌ مُسْتَحقُّ
المدينة
بكري معتوق عساس
حينَ خرجَ النبيُّ صلى الله عليه وسلمَ مُفَارِقاً وطنَهُ مكةَ، وسار مبتعداً عنها، وقفَ بالجُحْفةِ مُستقبلاً ديارَهُ الأولى، فاستعبرَ وبكى حنيناً وشوقاً إلى مكةَ، فأنزلَ الله عزَّ وجلَّ عليهِ قَوْلَه: (إنَّ الذي فَرَضَ عليكَ القُرآنَ لَرَادُّكَ إلى مَعَادٍ).. أيْ: مُرْجِعُكَ ومُعِيْدُكَ إليها.
هذا الموقفُ النبويُّ، وهذه التَّسْليةُ القرآنيةُ تَقِفُنا على حقيقةِ هذهِ العلاقةِ الفطريَّةِ بين الإنسانِ والأوطانِ.
إنَّها علاقةٌ وطيدةٌ لا تحتاجُ إلى تفسيرٍ ولا إلى تحليلٍ.
علاقةٌ تتجاوزُ المشاعرَ العابرةَ، والأحاسيسَ المستعجِلة. ألم يَجْزعِ النبيُّ صلى الله عليه وسلَّمَ حينَ أَخْبرهُ ورقةُ بنُ نوفلٍ أنَّ قومَهُ سيُخْرِجُونَهُ من وطنِهِ؟ لم يُبالِ صلى الله عليه وسلم بما أخبرَهُ به ورقةُ من عداوةِ قومِهِ وتكذيبِهِم وإيذائهم، ولكنَّه لما قال له: يا ليتَني فيها جَذَعٌ إذْ يُخرجُك قومُكَ، لما قال له ذلك تغيَّر وجهُهُ صلى الله عليه وسلَّم وقال في حُزنٍ: أوَ مُخْرِجيَّ هم؟!
وفي هذا من جلالةِ حبِّ الوطنِ، وصعوبةِ مفارقتِهِ ما فيه.
وعلاقةُ الإنسانِ بوطنِهِ ليستْ علاقةَ حبٍّ وإجلالٍ فحسبُ، بل هي أيضاً علاقةُ التزامٍ وعملٍ.. لقد أكرمنا اللهُ في وطنِنا (المملكةِ العربيةِ السعوديّةِ) بأنْ جمعَ لنا الدينَ والدُّنيا.
فجعل بلادَنا مَحْضِنَ الحرمينِ الشريفينِ، وجعلَ تأسيسها قائماً على تعاونٍ تاريخيٍّ بينَ رجلِ الدولةِ ورجلِ العلمِ، في رباطٍ وثيقٍ لا ينفصمُ بإذن الله أبداً.. ثم جعَلَها سُبحانَهُ مستودعَ الثرواتِ، وأرضَ الخيراتِ والبركاتِ، فأجرى عليها نِعَمَهُ ظاهرةً وباطنةً.. وواجبُ الشكر على هاتين النعمتينِ يقتضي منا أن نحافظَ على الدينِ والدُّنيا. أما الدينُ فبالالتزامِ بشرعِ الله في كل صغيرةٍ وكبيرةٍ، وبالحفاظِ الشديدِ على الشراكةِ التاريخيةِ بين القيادة والشعب، وبالحذرِ من كلِّ فكرةٍ أو دعوةٍ تُقوِّضُ هذا التناسقَ الجميلَ.
وأما الدنيا فبترشيد استعمالِ هذه الثرواتِ، وحُسنِ استغلالها، وتوظيفِها التوظيفَ الأمثلَ خدمةً للبلادِ والعبادِ.. ومِنْ قبلِ هذا ومن بعدِه بشكرِهِ جلَّ جلالُهُ على ما أنعمَ.
إنّنا في مثلِ هذه الأيامِ الغرّاءِ نستذكرُ سيرةَ الجدودِ المؤَسِّسِيْنَ، نستذكرُ موحِّدَ هذه البلادِ الملكَ عبدَالعزيز آل سعود رحمه الله، كما نستذكرُ تاريخاً مجيداً حافلاً من الإنجازاتِ التي تعاقبَ عليها الملوكُ هذه البلاد الأماجدُ، وأتمَّ مسيرتَها ودفعَ بها إلى الأمام خادمُ الحرمينِ الشريفينِ الملكِ سلمان بنِ عبدالعزيز وولي عهده حفظهم اللهُ.
أسأل الله سبحانه وتعالى أن يبارك لنا في وطننا، وأن يديمَ علينا أمننا، وأن يجزيَ ولاةَ أمورِنا عنّا خيرَ الجزاءِ.
قال شوقي رحمه اللهُ:
وللأوطانِ في دمِ كلِّ حُرٍّ *** يدٌ سلفَتْ وَدَيْنٌ مُسْتَحقُّ
المدينة