السودة بين الحقيقة والخيال!
السودة بين الحقيقة والخيال!
د. ملحة عبدالله
إن ما يحدث من تطوير سياحي وعمراني في بلادنا هو ما يتواءم مع جميع المشروعات التي تهدف إليها رؤية المملكة، ويجعلنا نقف متأملين ومتسائلين: ماذا يحدث في بلادنا؟ إنه الاكتشاف الجديد لدولة جديدة، وحديثة، وعالمية، تنافس أعتى دول العالم جمالاً وإبداعاً وتطوراً..
قرية السودة هي من قرى بلاد عسير ذات الجبال والمرتفعات الشاهقة التي تناطح السحاب وتسبح في عبابة الغيوم، تلك القرية الحالمة السابحة بين السحب تعانق نسمات الفضاء البكر الخالي من شوائب التلوث والعوادم والماكينات الصناعية وضجيج العربات وصفارات الإنذار، تنافس الطيور في ارتفاعها حتى إن الواقف على قمم جبالها يخال الطير تسبح لتدنو تحت أقدامه. قرية تقارب الخيال إذا حكى الحاكي وتفشل عندها كلمات الشعراء إذا ما حاولوا وصفها أو إماطة لثامها المزين بزهور اللوز والكادي والبعيثران والحبق وكل الأزاهير النادرة!
قرى تضرب جذورها في عمق التاريخ حيث يقول المؤرخون: "إن السودة عرفت من آلاف السنين بتاريخها القديم، فهناك نقوش ورسومات على صخور جبلية، ترمز للإنسان المقاتل وبعض الحيوانات مثل الغزلان والمها، إضافة إلى بعض الأدوات المستخدمة في القتال قديماً، وهذه الأحجار تتوزع في عدة مواقع في السودة، ويعيد البعض تاريخها إلى أكثر من 3000 سنة" كما أن اسمها يرجع إلى قمرة الأحجار السوداء بين الغابات الكثة، إلا أننا قد رددنا اسمها في موسوعتنا إلى كثافة غاباتها والتي تحتوي على تنوع حيواني كبير ومنها الأسود والفهود والغزلان والضباع والذئاب، وغير ذلك من الحيوانات المفترسة بين تلك الغابات الكثة.
هذه القرية لا تبعد كثيراً عن مدينة أبها، حيث تقع جبال السودة، على بعد 20 كم شمال غرب مدينة أبها في منطقة عسير، في المملكة العربية السعودية. تلك القمة الجبلية، السعودية، "تقع أيضاً على ارتفاع 3000 متر تقريباً كما تزعم معظم الدراسات أن ارتفاع الجبل يبلغ 3.133 متراً، ليصبح أعلى نقطة في السعودية، لكن بيانات بعثة مكوك الرادار الطبوغرافية ترى أن ارتفاع الجبل هو 2.985 متراً، كما ورد في بعض الدراسات المشار إليها".
إنه من العصي على الخيال أن يتأمل السامع هذا الوصف - من جمال وارتفاعات، وسحب، وضباب، وأمطار، وغيوم، وغابات كثة - إذا لم تتأتَ له الرؤية المحسوسة الواضحة الجلية البعيدة عن أي شك، فيما تراه العين لتصادق على الآذان فيصبح الحديث واقعاً ملموساً رائعاً!
لم تكن جبال عسير ومناظرها الفطرية البكر، بساحة خلاء للتنزه وفضاءات للجمال فحسب، وإنما تملؤها القرى وتحفل بالقبائل ذوي الأعراق، والأعراف والأنساب، التي لاتزال تحتفظ بكل عاداتها وتقاليدها وطرزها ذات الفنون المعمارية، والتي تستل سماتها من الشخصية ذاتها، في تلاحم واضح بين المكان والزمان والهوية، المتباهية بكل موروثها الشعبي وعقيدتها وعاداتها، من شعر، ورقصات، وأزياء، وأطعمة وقيم ومروءة، فجميع هذه الفنون لاتزال كما هي في مهدها الأول، ولكنها مع هذا التطور الكبير في جميع أنحاء المملكة - وبحسب رؤية 2030 وما يصاحبها من تحديث - أصبحت تتسم بذلك التلامس الحضاري المتطور، وخاصة بعد إعلان صاحب السمو الملكي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان نائب رئيس مجلس الوزراء، رئيس مجلس إدارة صندوق الاستثمارات العامة - حفظه الله -، عن إطلاق شركة تطوير السودة في منطقة عسير باستثمارات متوقعة تتجاوز قيمتها 11 مليار ريال سعودي.
ومما يدعو للفخر أن تكون قرى السودة ورجال ألمع وجبال عسير - بكل جمالها وبكل فطريتها وعبقرية مكانها وتفرد شخصية أهلها - من أكبر اهتمامات ولي العهد - حفظه الله -، لتكون قبلة سياحية ليست محلية أو إقليمية فحسب وإنما ليضعها على خارطة الأماكن السياحية العالمية؛ فإطلاق مشروع شركة تطوير السودة المملوك بالكامل لصندوق الاستثمارات العامة يعمل على تطوير المنطقة، لتصبح وجهة سياحية جبلية، وتقدّم مرافق سكنية وترفيهية والتي ستساهم بزيادة إجمالي الناتج المحلي تراكمياً بـ29 مليار ريال، بالشراكة مع المستثمرين والقطاعين العام والخاص، وإيجاد 8000 فرصة وظيفية مباشرة وغير مباشرة بحلول عام 2030، وفق ما أعلنته وكالة الأنباء السعودية.
ومن خلال التأمل بين الماضي والحاضر، يتراءى لنا ذلك الشغف بالوهج السياحي السعودي العالمي والذي يسبر أغوار تلك المناطق الفطرية، المحتفظة برونقها التراثي والبيئي ليتعانق الماضي بالمحاضر، فلم نكن نتخيل هذا الوهج الحضاري لينير مرابعنا، وكأنه ضرب من الخيال، لكنه أصبح واقعاً ملموساً، حينما تهدف الشركة في هذا التطوير إلى "تطوير 2700 غرفة فندقية وتطوير 1300 وحدة سكنية وتطوير 30 مشروعاً تجارياً وترفيهياً لاستثمار تطوير البنية التحتية بأكثر من 20 مشروعاً بقيمة تتجاوز 3 مليارات ريال كما هو معلن في وسائل الإعلام".
وبهذا ستصبح جبال عسير - المعانقة للسحب والممطرة صيفاً وشتاء بضبابها الحاضن لها على مدار العام مستضيفة لـ"مليوني زائر محلي ودولي سنوياً بحلول عام 2030، كما تُعنى الشركة بمسؤولية استحداث إطار عمل تنظيمي يهدف للحفاظ على البيئة والثقافة، وتطوير "أنظمة الكود العمراني"، وإزالة "التلوث البصري" وجذب الاستثمارات".
إن ما يحدث من تطوير سياحي وعمراني في بلادنا هو ما يتواءم مع جميع المشروعات التي تهدف لها رؤية المملكة، ويجعلنا نقف متأملين ومتسائلين: ماذا يحدث في بلادنا؟ إنه الاكتشاف الجديد لدولة جديدة، وحديثة، وعالمية، تنافس أعتى دول العالم جمالاً وإبداعاً وتطوراً، وإحداها مدن وقرى عسير وجبالها؛ والسودة درة التاج السياحي فيها.
الرياض
د. ملحة عبدالله
إن ما يحدث من تطوير سياحي وعمراني في بلادنا هو ما يتواءم مع جميع المشروعات التي تهدف إليها رؤية المملكة، ويجعلنا نقف متأملين ومتسائلين: ماذا يحدث في بلادنا؟ إنه الاكتشاف الجديد لدولة جديدة، وحديثة، وعالمية، تنافس أعتى دول العالم جمالاً وإبداعاً وتطوراً..
قرية السودة هي من قرى بلاد عسير ذات الجبال والمرتفعات الشاهقة التي تناطح السحاب وتسبح في عبابة الغيوم، تلك القرية الحالمة السابحة بين السحب تعانق نسمات الفضاء البكر الخالي من شوائب التلوث والعوادم والماكينات الصناعية وضجيج العربات وصفارات الإنذار، تنافس الطيور في ارتفاعها حتى إن الواقف على قمم جبالها يخال الطير تسبح لتدنو تحت أقدامه. قرية تقارب الخيال إذا حكى الحاكي وتفشل عندها كلمات الشعراء إذا ما حاولوا وصفها أو إماطة لثامها المزين بزهور اللوز والكادي والبعيثران والحبق وكل الأزاهير النادرة!
قرى تضرب جذورها في عمق التاريخ حيث يقول المؤرخون: "إن السودة عرفت من آلاف السنين بتاريخها القديم، فهناك نقوش ورسومات على صخور جبلية، ترمز للإنسان المقاتل وبعض الحيوانات مثل الغزلان والمها، إضافة إلى بعض الأدوات المستخدمة في القتال قديماً، وهذه الأحجار تتوزع في عدة مواقع في السودة، ويعيد البعض تاريخها إلى أكثر من 3000 سنة" كما أن اسمها يرجع إلى قمرة الأحجار السوداء بين الغابات الكثة، إلا أننا قد رددنا اسمها في موسوعتنا إلى كثافة غاباتها والتي تحتوي على تنوع حيواني كبير ومنها الأسود والفهود والغزلان والضباع والذئاب، وغير ذلك من الحيوانات المفترسة بين تلك الغابات الكثة.
هذه القرية لا تبعد كثيراً عن مدينة أبها، حيث تقع جبال السودة، على بعد 20 كم شمال غرب مدينة أبها في منطقة عسير، في المملكة العربية السعودية. تلك القمة الجبلية، السعودية، "تقع أيضاً على ارتفاع 3000 متر تقريباً كما تزعم معظم الدراسات أن ارتفاع الجبل يبلغ 3.133 متراً، ليصبح أعلى نقطة في السعودية، لكن بيانات بعثة مكوك الرادار الطبوغرافية ترى أن ارتفاع الجبل هو 2.985 متراً، كما ورد في بعض الدراسات المشار إليها".
إنه من العصي على الخيال أن يتأمل السامع هذا الوصف - من جمال وارتفاعات، وسحب، وضباب، وأمطار، وغيوم، وغابات كثة - إذا لم تتأتَ له الرؤية المحسوسة الواضحة الجلية البعيدة عن أي شك، فيما تراه العين لتصادق على الآذان فيصبح الحديث واقعاً ملموساً رائعاً!
لم تكن جبال عسير ومناظرها الفطرية البكر، بساحة خلاء للتنزه وفضاءات للجمال فحسب، وإنما تملؤها القرى وتحفل بالقبائل ذوي الأعراق، والأعراف والأنساب، التي لاتزال تحتفظ بكل عاداتها وتقاليدها وطرزها ذات الفنون المعمارية، والتي تستل سماتها من الشخصية ذاتها، في تلاحم واضح بين المكان والزمان والهوية، المتباهية بكل موروثها الشعبي وعقيدتها وعاداتها، من شعر، ورقصات، وأزياء، وأطعمة وقيم ومروءة، فجميع هذه الفنون لاتزال كما هي في مهدها الأول، ولكنها مع هذا التطور الكبير في جميع أنحاء المملكة - وبحسب رؤية 2030 وما يصاحبها من تحديث - أصبحت تتسم بذلك التلامس الحضاري المتطور، وخاصة بعد إعلان صاحب السمو الملكي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان نائب رئيس مجلس الوزراء، رئيس مجلس إدارة صندوق الاستثمارات العامة - حفظه الله -، عن إطلاق شركة تطوير السودة في منطقة عسير باستثمارات متوقعة تتجاوز قيمتها 11 مليار ريال سعودي.
ومما يدعو للفخر أن تكون قرى السودة ورجال ألمع وجبال عسير - بكل جمالها وبكل فطريتها وعبقرية مكانها وتفرد شخصية أهلها - من أكبر اهتمامات ولي العهد - حفظه الله -، لتكون قبلة سياحية ليست محلية أو إقليمية فحسب وإنما ليضعها على خارطة الأماكن السياحية العالمية؛ فإطلاق مشروع شركة تطوير السودة المملوك بالكامل لصندوق الاستثمارات العامة يعمل على تطوير المنطقة، لتصبح وجهة سياحية جبلية، وتقدّم مرافق سكنية وترفيهية والتي ستساهم بزيادة إجمالي الناتج المحلي تراكمياً بـ29 مليار ريال، بالشراكة مع المستثمرين والقطاعين العام والخاص، وإيجاد 8000 فرصة وظيفية مباشرة وغير مباشرة بحلول عام 2030، وفق ما أعلنته وكالة الأنباء السعودية.
ومن خلال التأمل بين الماضي والحاضر، يتراءى لنا ذلك الشغف بالوهج السياحي السعودي العالمي والذي يسبر أغوار تلك المناطق الفطرية، المحتفظة برونقها التراثي والبيئي ليتعانق الماضي بالمحاضر، فلم نكن نتخيل هذا الوهج الحضاري لينير مرابعنا، وكأنه ضرب من الخيال، لكنه أصبح واقعاً ملموساً، حينما تهدف الشركة في هذا التطوير إلى "تطوير 2700 غرفة فندقية وتطوير 1300 وحدة سكنية وتطوير 30 مشروعاً تجارياً وترفيهياً لاستثمار تطوير البنية التحتية بأكثر من 20 مشروعاً بقيمة تتجاوز 3 مليارات ريال كما هو معلن في وسائل الإعلام".
وبهذا ستصبح جبال عسير - المعانقة للسحب والممطرة صيفاً وشتاء بضبابها الحاضن لها على مدار العام مستضيفة لـ"مليوني زائر محلي ودولي سنوياً بحلول عام 2030، كما تُعنى الشركة بمسؤولية استحداث إطار عمل تنظيمي يهدف للحفاظ على البيئة والثقافة، وتطوير "أنظمة الكود العمراني"، وإزالة "التلوث البصري" وجذب الاستثمارات".
إن ما يحدث من تطوير سياحي وعمراني في بلادنا هو ما يتواءم مع جميع المشروعات التي تهدف لها رؤية المملكة، ويجعلنا نقف متأملين ومتسائلين: ماذا يحدث في بلادنا؟ إنه الاكتشاف الجديد لدولة جديدة، وحديثة، وعالمية، تنافس أعتى دول العالم جمالاً وإبداعاً وتطوراً، وإحداها مدن وقرى عسير وجبالها؛ والسودة درة التاج السياحي فيها.
الرياض