ينبع وحضارة العيون..
ينبع وحضارة العيون..
إبراهيم الوافي
ينبع النخل.. ذلك الوادي الممتدّ بين جبال تدرك المطر، وتختزله لينفجر ينابيع في هذا الوادي الثري بحضاراته القديمة وبساتينه الغنّاءة.. ورد مسمّاه في حكايا أجدادنا بـ «الشام» لخصوبة تربته وكثرة بساتينه، وقيل لوقوعه في شمال المهاجرين عنه إلى «جدة أو المدينة» إذ تسمى حينها جهة الجنوب «يمن» وجهة الشمال «شام» لكنني أحب أن أميل إلى الرأي الأول لأملأ خيالاتي بحدائق غنّاء وبساتين مثمرة.. عشت طفولتي متحسّرا على آثارها.. ظل ذلك الوادي مأوى الجوعى، وكرم القادرين، وجنّة توسطت الصحراء، حتى ما قبل خمسين عاما حيث داهمه الجفاف وتحوّلت غابات نخيله إلى أعجاز تنعق بها الريح كلما هبّت عاصفة جافة موحشة في وادٍ مقفرٍ حتى من أهله.. اليوم يستعيد هذا الوادي الثري بإرثه المائي التاريخي العظيم ينابيعه تباعا منذ نحو خمسة أعوام.. حيث عاد الماء للجريان في قراه المتعدّدة وعاد بعض أهله إليه حالمين بغدٍ يشبه أمسه البعيد، وبذاكرة تستحثّهم على أن يكونوا بعض أجدادهم...
الأسبوع الماضي.. كنت في زيارة إليه وهو المنشأ والذاكرة.. حيث تشرفت باستقبال ولقاء عدد من أساتذتي وأصدقائي المبدعين من نخبة أدباء ومثقفي المملكة في قريتي الأم «سويقه».. وهي إحدى القرى التي تجاذبتها العيون.. حيث تجري بها ثلاثة عيون.. عادت اثنتان منها للجريان اليوم وبانتظار الثالثة قريبا إن شاء الله، ولا شك أن عودة العيون إليها أو إلى بقية القرى الأخرى البالغة اليوم نحو «عشرين عينا» إنما عادت بعد جهود مضنية ودعم مالي كبير من أهالي القرى، لكن تلك الجهود بحاجة إلى الاستمرار، لتعود لنا ينبع النخل.. شام الأحلام، ومصيف الذاكرة...
يقول الدكتور أحمد الهلالي عن عيون ينبع النخل في مقالة له نشرت بصحيفة مكة بعد زيارته لها: ... من هنا فإني أتوجه بهذه المقالة إلى وزارة السياحة، وهي القديرة الحريصة على كل ما يفيد الوطن والمواطن، وفي أعماقي يقين جازم بأنها ستبادر إلى مضاعفة الاهتمام بعيون ينبع، وتجنيد الطاقات العلمية والبحثية المختلفة للوقوف على سر تصميم هذه العيون، وكشفه للناس علميا، ثم ستبادر إلى استدامتها بصيانتها، وإعادتها إلى سابق عهدها، والعمل على أن تكون وجهة سياحية من وجهات وطننا الغالي الأثيث بمعالم الحضارات...) ولعلي هنا أضم صوتي لصوت الدكتور النبيل.. وكلي ثقة بوعي المسؤولين في وزارة السياحة والالتفات إلى هذه الثروة التاريخية العائدة إلينا..
فاصلة :
كيف لم أنتبِهْ
أنَّ للريحِ ساقينِ للنخلِ ذاكرةً متعَبَه
حينَ كنتُ صغيرًا
سألتُ أبي كيفَ ينمو النخيلُ ارتفاعًا
ويشرعُ للريحِ أبوابَه
بينما الأرض من تحته مُعْشِبةْ
كيف لم أنتبه..!!؟
حين قاسَ المسافةَ بين الظلالِ وبيني
وبينَ النخيلِ وبينيْ
وأطبق بالصمتِ يضربُ مسحاه في الأرضِ حتى تشظَّتْ ظلالُ النخيلِ
وقرَّ بعينيهِ وهْمُ الشبةْ..!
الرياض
إبراهيم الوافي
ينبع النخل.. ذلك الوادي الممتدّ بين جبال تدرك المطر، وتختزله لينفجر ينابيع في هذا الوادي الثري بحضاراته القديمة وبساتينه الغنّاءة.. ورد مسمّاه في حكايا أجدادنا بـ «الشام» لخصوبة تربته وكثرة بساتينه، وقيل لوقوعه في شمال المهاجرين عنه إلى «جدة أو المدينة» إذ تسمى حينها جهة الجنوب «يمن» وجهة الشمال «شام» لكنني أحب أن أميل إلى الرأي الأول لأملأ خيالاتي بحدائق غنّاء وبساتين مثمرة.. عشت طفولتي متحسّرا على آثارها.. ظل ذلك الوادي مأوى الجوعى، وكرم القادرين، وجنّة توسطت الصحراء، حتى ما قبل خمسين عاما حيث داهمه الجفاف وتحوّلت غابات نخيله إلى أعجاز تنعق بها الريح كلما هبّت عاصفة جافة موحشة في وادٍ مقفرٍ حتى من أهله.. اليوم يستعيد هذا الوادي الثري بإرثه المائي التاريخي العظيم ينابيعه تباعا منذ نحو خمسة أعوام.. حيث عاد الماء للجريان في قراه المتعدّدة وعاد بعض أهله إليه حالمين بغدٍ يشبه أمسه البعيد، وبذاكرة تستحثّهم على أن يكونوا بعض أجدادهم...
الأسبوع الماضي.. كنت في زيارة إليه وهو المنشأ والذاكرة.. حيث تشرفت باستقبال ولقاء عدد من أساتذتي وأصدقائي المبدعين من نخبة أدباء ومثقفي المملكة في قريتي الأم «سويقه».. وهي إحدى القرى التي تجاذبتها العيون.. حيث تجري بها ثلاثة عيون.. عادت اثنتان منها للجريان اليوم وبانتظار الثالثة قريبا إن شاء الله، ولا شك أن عودة العيون إليها أو إلى بقية القرى الأخرى البالغة اليوم نحو «عشرين عينا» إنما عادت بعد جهود مضنية ودعم مالي كبير من أهالي القرى، لكن تلك الجهود بحاجة إلى الاستمرار، لتعود لنا ينبع النخل.. شام الأحلام، ومصيف الذاكرة...
يقول الدكتور أحمد الهلالي عن عيون ينبع النخل في مقالة له نشرت بصحيفة مكة بعد زيارته لها: ... من هنا فإني أتوجه بهذه المقالة إلى وزارة السياحة، وهي القديرة الحريصة على كل ما يفيد الوطن والمواطن، وفي أعماقي يقين جازم بأنها ستبادر إلى مضاعفة الاهتمام بعيون ينبع، وتجنيد الطاقات العلمية والبحثية المختلفة للوقوف على سر تصميم هذه العيون، وكشفه للناس علميا، ثم ستبادر إلى استدامتها بصيانتها، وإعادتها إلى سابق عهدها، والعمل على أن تكون وجهة سياحية من وجهات وطننا الغالي الأثيث بمعالم الحضارات...) ولعلي هنا أضم صوتي لصوت الدكتور النبيل.. وكلي ثقة بوعي المسؤولين في وزارة السياحة والالتفات إلى هذه الثروة التاريخية العائدة إلينا..
فاصلة :
كيف لم أنتبِهْ
أنَّ للريحِ ساقينِ للنخلِ ذاكرةً متعَبَه
حينَ كنتُ صغيرًا
سألتُ أبي كيفَ ينمو النخيلُ ارتفاعًا
ويشرعُ للريحِ أبوابَه
بينما الأرض من تحته مُعْشِبةْ
كيف لم أنتبه..!!؟
حين قاسَ المسافةَ بين الظلالِ وبيني
وبينَ النخيلِ وبينيْ
وأطبق بالصمتِ يضربُ مسحاه في الأرضِ حتى تشظَّتْ ظلالُ النخيلِ
وقرَّ بعينيهِ وهْمُ الشبةْ..!
الرياض