• ×
admin

عودة التوافق الخليجي تستحق المراقبة عن قرب

عودة التوافق الخليجي تستحق المراقبة عن قرب

د. علي الخشيبان

أثبت مجلس التعاون الخليجي خلال مسيرته قدرته البنائية على التماسك، رغم التحولات الكبرى ورغم التعقيدات المحيطة بالمنطقة والتأثيرات، فالمنطقة الخليجية تحيط بها عوامل سياسية يصعب تجاوزها..
انتهت اجتماعات القمة الخليجية الثانية والأربعين التي عقدت في الرياض، وبدا واضحا أن المهمة الخليجية تدخل منعطفا مهما، فالخليج يعود من جديد ليصبح مرتكزا تدور حوله الكثير من التكهنات والتوقعات، فالخليج يمتلك حساسية عالية في أحداثه على المستوى الدولي، ويبدو بوضوح أن الخليج العربي بدوله الست يدخل مرحلة ما بعد أحداث الربيع العربي التي خلطت بعض أوراق اللعبة السياسية في الشرق الأوسط وأنتجت بعض الأزمات الأساسية والفرعية، ومن المفيد للمحللين مناقشة تلك الآثار التي تركتها مرحلة الربيع العربي على المنطقة الشرق أوسطية، حيث يمكن أن تنسب الكثير من المشكلات التي ظهرت في الخليج العربي إلى تلك الأحداث وآثارها الجانبية.
أثبت مجلس التعاون الخليجي خلال مسيرته قدرته البنائية على التماسك رغم التحولات الكبرى ورغم التعقيدات المحيطة بالمنطقة والتأثيرات، فالمنطقة الخليجية تحيط بها عوامل سياسية يصعب تجاوزها عند تحليل الكيان الخليجي سياسيا واقتصاديا، فهناك أطراف رئيسة تقليدية لها تأثير مباشر على أحداث المنطقة مثل وأمريكا وأوروبا وروسيا بجانب الدور الإيراني ومحاولتها امتلاك السلاح النووي، وهناك أطراف تمت ترقيتها لتصبح طرفا تقليديا في المنطقة ويمثلها هنا إسرائيل التي استطاعت أن تحقق عمليات تطبيع مع اثنتين من الدول الخليجية، أما الأطراف المستجدة فتتزعمها الصين القادمة إلى المنطقة بقوة، كما يوجد هناك أطراف تمارس التخفي خدمة لأهداف سياسية أو حزبية، وهذا ما حول المنطقة بشكل تراكمي إلى ثقب يتميز بجاذبية دولية عالية على جميع المستويات السياسية والاقتصادية والإعلامية.
السؤال المهم اليوم يدور حول مظهر هذا التوافق ومنتجاته..؟ الدول الخليجية الست يمكن تقسيمها إلى قسمين؛ الأول يشمل أربع دول خليجية متقاربة جغرافيا وديمغرافيا، ودولتان هما الأكبر مساحة، ولكن تظل المملكة العربية السعودية هي الأكثر شدة في تباينها عن الدول الخليجية بالكثير من السمات، وهذا يحملها مسؤولية كبرى ويمنحها فرصة التأثير والقيادة بشكل تلقائي وقد اعتادت السياسية السعودية تاريخيا التأكيد على أن انطلاقتها ترتبط بدول الخليج وتتوافق معها، وأثبتت السعودية تاريخيا أنها ترحب بالتقدم والتحول الذي تحققه دول الخليج التي يتنامى حاليا شعورها بأهمية السير بشكل متسق مع بعضها من أجل تحقيق أهدافها.
لا يمكن إغفال الآثار الجانبية التي خلفتها العشرون سنة الماضية على المنطقة الخليجية وخاصة أن الشرق الأوسط بلا استثناء تعرض لهزات سياسية كبرى وكان من المتوقع أن تعصف تلك الهزات بالكيان الخليجي، ولكن مجلس التعاون الخليجي عكس المعادلة واستطاع أن يبقي صورته الكاملة بتماسكها، وهذا ينعكس بالتأكيد على الدول الخليجية التي تدرك أن خياراتها محصورة بالبقاء متحدة ومتوافقة بأقل كمية من الخلافات السياسية وهي الخلافات الأكثر بروزا في الغالب، ولكن المرحلة الحالية للمجلس تعكس عودة التوافق الخليجي إلى مستوى أكثر قوة، وقد كان البيان الختامي للقمة الأخيرة لمجلس التعاون يحمل بصمات أكثر جراءة في تعزيز موقف دول المجلس من الأحداث المحيطة بها وتطلعاتها للمستقبل.
القضية المحورية الأكثر تأثيرا على مجلس التعاون الخليجي اليوم هي السلاح النووي الإيراني وتطوراته وكذلك مشروعاتها العسكرية وصواريخها البالستية، ومع الوقت تنحصر خيارات إيران بتحولها إلى دولة مماثلة لكوريا الشمالية بينما يحيطها دول تحقق تقدما اقتصاديا كان من الممكن أن تكون إيران جزءا منه بدلا من تركيزها على السلاح النووي، إيران بحاجة إلى تعزيزات اقتصادية تمكنها من العيش بجانب منظومة خليجية تحقق تطورات اقتصادية وسياسية مميزة بينما ستبقى إيران بتوجهاتها العسكرية مصدر قلق؛ خاصة أنها ليست الدولة الوحيدة في المنطقة التي يمكنها أن تمتلك السلاح النووي، فانفراط العقد النووي في المنطقة سيفتح سباق تسلح أكبر مما تحتمله المنطقة.
عودة التوافق الخليجي بهذه الصورة تستحق فعلا المراقبة عن كثب؛ فهي إعلان قادم لمرحلة تطورية، خاصة أن دول الخليج التي تتنافس في المسار التطوري وتحقيق معادلات اقتصادية وتكنولوجية عالية سوف تذهب بعيدا بتطورها عن المنطقة، وهذا ما سوف يزعج القوى المعادية للمنطقة وأهمها إيران التي سيصبح من الصعب عليها مستقبلا توظيف تاريخها وعمقها الحضاري للحاق بالقوى الاقتصادية التي سوف تصل إليها الدول الخليجية، وبهذه الصيغة يتحتم على إيران مراقبة التوافق الخليجي وأخذه على محمل الجد، وأن التنافس العسكري ليس سوى جزء من تنافس اقتصادي وسياسي حققت فيه الدول الخليجية الكثير من الإنجازات خلال الأربعة عقود الماضية.

الرياض
بواسطة : admin
 0  0  103