حريتك تبدأ عند أول (لاءاتك)!
حريتك تبدأ عند أول (لاءاتك)!
محمد البلادي
* من أشهر أبيات المدح في التاريخ العربي قول الفرزدق في علي بن الحسين زين العابدين:
ما قال (لا) قطُّ، إلاّ في تَشَهُّدِهِ
لَوْلا التّشَهّدُ كانَتْ (لاءَهُ) نَعَمُ!
لاشك أن لكلمة (نعم) وقع جميل في نفوس الناس.. فهي دليل -في الأغلب الأعمّ- على الإيجابية والكرم والعطاء، لكن هذا المعنى ليس على إطلاقه، فأحياناً تكون دليل سذاجة وضعف، ولابد أنك قد عرفت شخصاً أو أكثر من ذوي الـ (نعم) اللا إرادية؛ قد تم استغلاله بطريقة قاسية ومحزنة، لمجرد أنه شخص حيٌّ كريم أو لطيف أكثر من اللازم!.. فهذه الشخصيات التي (يقيدها) الأدب الجمّ أو الحياء المبالغ فيه عن الممانعة والاستقلالية، كثيراً ما تُستنزف وتُستهلك مالياً وإدارياً أو اجتماعياً دون شفقة.. فالبعض لا يُقدّر هذا الخُلق، بل يعتبره فرصة يجب استغلالها، وقد عرفتُ شخصيا أكثر من مثال لأشخاص تم تحطيمهم بلا رحمة، فقط لأنهم خجولون أو كرماء!. * الإنسان كائن اجتماعي مُحب للآخرين بطبعه.. لكن من المهم جداً التفريق بين الكرم الإيجابي الذي قصده الفرزدق في بيته الشهير؛ وبين السذاجة المغرية بالاستغلال، فمبالغة البعض في إرضاء الآخرين، أو قلقه المرضي من تشويه الصورة المثالية التي يتوهَّم أن الآخرين يحملونها عنه، قد يدفعه إلى تقديم تنازلات كبيرة وغير مقبولة أحياناً.
* ثمة خط أحمر مهم بين أن تكون كريماً أو لطيفًا ومجاملاً، وأن تكون ضحية، تُحمّل نفسك ما ليس من مسؤوليتها أصلاً. إن قولك (لا) بطريقة مُهذَّبة ولبقة ومقنعة ليس أمراً مُعيباً، ولا انتهاكاً لحقوق صداقة أو زمالة، بل هو حق مشروع لكل أحد، وعمل من أعمال تحديد الأولويات، فأنتَ تقول (لا) لشيء ما عندما يكون لديك ما هو أكثر منه أهمية، وهذا ما لابد أن يُقابل بالتقدير من الطرف الآخر.. أنت بهذا تمارس حقاً مشروعاً تُعزِّز به قوة إرادتك، وتسيطر من خلاله على حياتك، بدلاً من أن تترك وقتك وطاقتك يندرجان في أجندة شخص آخر.
* ليس بالضرورة أن تكون جارحاً أو فظاً؛ غليظ القول عند قول (لا)، المهم أن تكون حاسماً ومقنعاً، وأن تعرف كيف ومتى ولمن تقولها دون أن تحرق الجسور مع الآخرين.. قد يكون هذا صعباً في البداية، لكنهم سيتوقفون بعد فترة عن محاولة استغلالك.. حينها قد يتلاشى البعض من حولك بعد أن يقل تدفق نهر الإذعان والاستسلام لديك، لكنك ستُدرك عندئذٍ أن معظم صداقاتك كانت تسير في طريق ذي اتجاه واحد، وأنها كانت مليئة بالتزامات أحادية الاتجاه، وأنك عندما تقوم بعمل أشياء لا ترغب القيام بها، فهذا لا يستهلك وقتك فحسب، بل إنه يُضعف معنوياتك ويمنعك من القيام بأنشطة أكثر أهمية لاحقًا.
* أُكرِّر التأكيد أننا لا نتحدث هنا عن (لا) الأنانية، ولا عن (لا) الانتقامية، أو تلك الحاقدة الحاسدة.. بل نعني (لا) الحرية.. تلك التي تحفظ مبادئك واستقلاليتك وشخصيتك.. (لا) التي تعنى الرأي الآخر المُختلِف والمستقل والمُبدِع.. (لا) التي تعنى في المجتمع؛ الشخصية المميزة والشجاعة.. وتعني في الإدارة؛ الاختلاف الهادف للنمو والإنتاجية والتطوير.
* هناك مثل لاتيني يقول: «لا تُشعل النار في نفسك من أجل تدفئة الآخرين». وعلى نفس المنهج نقول: انتزع حريتك وشخصيتك وقل (لا) عندما يجب أن تقولها.. لا تخش غضب أحد، فالمحبون والأصدقاء الحقيقيون سيُقدِّرون ويحترمون رغبتك، أما أشباههم من الوصوليين؛ فمن الطبيعي أن يشعروا بخيبة أمل فيك عندما يفشلون في استغلالك!.
المدينة
محمد البلادي
* من أشهر أبيات المدح في التاريخ العربي قول الفرزدق في علي بن الحسين زين العابدين:
ما قال (لا) قطُّ، إلاّ في تَشَهُّدِهِ
لَوْلا التّشَهّدُ كانَتْ (لاءَهُ) نَعَمُ!
لاشك أن لكلمة (نعم) وقع جميل في نفوس الناس.. فهي دليل -في الأغلب الأعمّ- على الإيجابية والكرم والعطاء، لكن هذا المعنى ليس على إطلاقه، فأحياناً تكون دليل سذاجة وضعف، ولابد أنك قد عرفت شخصاً أو أكثر من ذوي الـ (نعم) اللا إرادية؛ قد تم استغلاله بطريقة قاسية ومحزنة، لمجرد أنه شخص حيٌّ كريم أو لطيف أكثر من اللازم!.. فهذه الشخصيات التي (يقيدها) الأدب الجمّ أو الحياء المبالغ فيه عن الممانعة والاستقلالية، كثيراً ما تُستنزف وتُستهلك مالياً وإدارياً أو اجتماعياً دون شفقة.. فالبعض لا يُقدّر هذا الخُلق، بل يعتبره فرصة يجب استغلالها، وقد عرفتُ شخصيا أكثر من مثال لأشخاص تم تحطيمهم بلا رحمة، فقط لأنهم خجولون أو كرماء!. * الإنسان كائن اجتماعي مُحب للآخرين بطبعه.. لكن من المهم جداً التفريق بين الكرم الإيجابي الذي قصده الفرزدق في بيته الشهير؛ وبين السذاجة المغرية بالاستغلال، فمبالغة البعض في إرضاء الآخرين، أو قلقه المرضي من تشويه الصورة المثالية التي يتوهَّم أن الآخرين يحملونها عنه، قد يدفعه إلى تقديم تنازلات كبيرة وغير مقبولة أحياناً.
* ثمة خط أحمر مهم بين أن تكون كريماً أو لطيفًا ومجاملاً، وأن تكون ضحية، تُحمّل نفسك ما ليس من مسؤوليتها أصلاً. إن قولك (لا) بطريقة مُهذَّبة ولبقة ومقنعة ليس أمراً مُعيباً، ولا انتهاكاً لحقوق صداقة أو زمالة، بل هو حق مشروع لكل أحد، وعمل من أعمال تحديد الأولويات، فأنتَ تقول (لا) لشيء ما عندما يكون لديك ما هو أكثر منه أهمية، وهذا ما لابد أن يُقابل بالتقدير من الطرف الآخر.. أنت بهذا تمارس حقاً مشروعاً تُعزِّز به قوة إرادتك، وتسيطر من خلاله على حياتك، بدلاً من أن تترك وقتك وطاقتك يندرجان في أجندة شخص آخر.
* ليس بالضرورة أن تكون جارحاً أو فظاً؛ غليظ القول عند قول (لا)، المهم أن تكون حاسماً ومقنعاً، وأن تعرف كيف ومتى ولمن تقولها دون أن تحرق الجسور مع الآخرين.. قد يكون هذا صعباً في البداية، لكنهم سيتوقفون بعد فترة عن محاولة استغلالك.. حينها قد يتلاشى البعض من حولك بعد أن يقل تدفق نهر الإذعان والاستسلام لديك، لكنك ستُدرك عندئذٍ أن معظم صداقاتك كانت تسير في طريق ذي اتجاه واحد، وأنها كانت مليئة بالتزامات أحادية الاتجاه، وأنك عندما تقوم بعمل أشياء لا ترغب القيام بها، فهذا لا يستهلك وقتك فحسب، بل إنه يُضعف معنوياتك ويمنعك من القيام بأنشطة أكثر أهمية لاحقًا.
* أُكرِّر التأكيد أننا لا نتحدث هنا عن (لا) الأنانية، ولا عن (لا) الانتقامية، أو تلك الحاقدة الحاسدة.. بل نعني (لا) الحرية.. تلك التي تحفظ مبادئك واستقلاليتك وشخصيتك.. (لا) التي تعنى الرأي الآخر المُختلِف والمستقل والمُبدِع.. (لا) التي تعنى في المجتمع؛ الشخصية المميزة والشجاعة.. وتعني في الإدارة؛ الاختلاف الهادف للنمو والإنتاجية والتطوير.
* هناك مثل لاتيني يقول: «لا تُشعل النار في نفسك من أجل تدفئة الآخرين». وعلى نفس المنهج نقول: انتزع حريتك وشخصيتك وقل (لا) عندما يجب أن تقولها.. لا تخش غضب أحد، فالمحبون والأصدقاء الحقيقيون سيُقدِّرون ويحترمون رغبتك، أما أشباههم من الوصوليين؛ فمن الطبيعي أن يشعروا بخيبة أمل فيك عندما يفشلون في استغلالك!.
المدينة