ريادة الأعمال.. ومشاهير التواصل!!
ريادة الأعمال.. ومشاهير التواصل!!
علي آل شرمة
انتشرت خلال الفترة الأخيرة دعوات في شكل رسائل على وسائل التواصل الاجتماعي تدعو الشباب إلى ترك وظائفهم والمسارعة بدخول مجال العمل الحر، والانخراط في تلك الوسائط وتنشيط الحسابات لحصد أرباح كبيرة – كما يزعم مرسلو تلك الرسائل المشبوهة – وإحباط الشباب من العمل الوظيفي وتصويره على أنه وأد للأحلام وإضاعة للوقت وتبديد للقدرات إلى غير ذلك. والخطورة تكمن في أن البعض يتأثر بشدة بالرسائل التي يبعثها أولئك الناشطون، ويأخذها على أنها الحق الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.
الأسئلة التقليدية التي ترتفع في مثل هذه الحالات تتركَّز حول توقيت تلك الرسائل، والهدف منها والجهات التي تقف وراءها، ففي ما يختص بالتوقيت، نجد أن تلك الدعوات تأتي في وقت حققت فيه برامج توطين الوظائف نجاحات لافتة، بعد رجوع أعداد كبيرة من الشباب الذين كانوا في بعثات خارجية تلقوا خلالها دراسات عليا في أعرق جامعات العالم وأكثرها شهرة.
بعد أن تزود هؤلاء بالعلم والمعرفة وحازوا أعلى الدرجات العلمية وعادوا ليُسهموا في رفعة بلادهم ويتسلَّموا الوظائف القيادية في القطاعين العام والخاص، يأتي البعض بكل سهولة ويُطالبهم برمي كل تلك المعارف والعلوم وراء ظهورهم، والتحول إلى مشاهير على وسائل التواصل الاجتماعي.
المؤسف في الأمر أن مَن يُردِّدون تلك الدعوات يجهضون – بعلم أو بدون علم – الجهود الضخمة التي تبذلها الدولة لتوطين الوظائف، وزيادة مقدرات الشباب، ورفع مهاراتهم للمنافسة في سوق العمل، وفق مستهدفات رؤية المملكة 2030. وكلنا يعلم أن برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث يُنفق عشرات المليارات من الريالات على الشباب لتأهيلهم وتزويدهم بما يسد الفجوة الموجودة في السوق، وبكل بساطة يأتي هؤلاء ليشطبوا بجرّة قلم تلك الجهود، ويُحوِّلوا الشباب إلى مُؤثِّرين على وسائل التواصل.
أما في ما يتعلق بالدعوة إلى ولوج عالم ريادة الأعمال، فهي في منظورها العام دعوة حقيقية وصائبة، شريطة توفُّر مُقوِّمات بدء العمل الحر، وأن لا يكون الأمر مجرد رغبة، بل إن المقدرة والمعرفة يجب أن تُرافق الرغبة، ليتمكن المشروع من البقاء والمنافسة في السوق، ولا يتحول إلى أعباء مالية وديون تُثقل كاهل صاحبها، وقد ينتهي به الحال وراء القضبان.
ومن واقع وجودي في سوق العمل، فقد رأيتُ بنفسي أن هناك الكثيرين ممن لا يملكون مقومات البقاء، قد اضطروا للخروج من عالم الأعمال بسرعة، لأن دخولهم من الأساس لم يكن مبنياً على معطيات صحيحة وقواعد سليمة، حيث لم تكن هناك دراسات جدوى أو معرفة باحتياجات السوق الفعلية، ولم يمتلكوا التمويل الكافي الذي يغطي حجم المصاريف التأسيسية والتشغيلية التي تُمهِّد الطريق نحو النجاح.
بالتأكيد هناك فرص واعدة كثيرة في السوق، وأن المؤسسات الصغيرة والمتوسطة تلعب دوراً مؤثراً وكبيراً في اقتصادات الدول المتقدمة، إلا أن النجاح لا يمكن تحقيقه بالطريقة الميسورة التي تُصوِّرها تلك الرسائل التي باتت تُؤثِّر في كثيرين ممن تستهدفهم، والتي كان من الواجب أن تتحدَّث أيضاً عن أولئك الذين اضطروا للخروج من السوق لأسبابٍ متعددة، وتُوضِّح أسباب فشلهم حتى تكون الصورة مكتملة.
من يريد أن يدخل سوق العمل ويصبح من رواد الأعمال؛ عليه أن يمتلك مقومات التطور التي في مقدمتها: القدرة على تسيير الأعمال بواقعية، وأن يتحلى بالصبر وعدم استعجال النتائج، وأن يتوفَّر لديه رأس المال اللازم، والخبرة الكافية، والإلمام بكافة تفاصيل النشاط التجاري المعني، والوعي الإداري، والقدرة على قيادة فريقه من العاملين معه، والكوادر التسويقية التي تتولى عملية الترويج للمنتج وإيصاله للمستهلك.
لكل ذلك، نحتاج – من وجهة نظري – إلى توعية شاملة تُنير الطريق أمام الشباب، وتُوضِّح لهم المقوِّمات الواجب امتلاكها لدخول مجال العمل الحر، وتُؤهِّلهم ليُصبحوا روَّاد أعمال ناجحين، يستطيعون فهم الواقع بصورةٍ حقيقية. ومن الأهمية كذلك أن نبدأ هذه الخطوة منذ سنين مبكرة، بحيث يتم التركيز عليها في المقررات الدراسية، واستحداث مناهج تعليمية متخصصة في عالم الاقتصاد والتجارة والإدارة؛ لتخريج رواد أعمال ناجحين.
أما ما نُشاهده في الوقت الحالي من أحاديث مرسلة، فهي لا تعدو كونها تسويقا للأوهام، وفخ سوف يقع فيه بالتأكيد كل مَن ينساق وراءه بدون وعي أو بصيرة، فمثلما أن ريادة الأعمال تمتلك كافة عوامل الجذب وعناصر القوة، فإن المغامرة غير مأمونة العواقب تُعدُّ مضيعة لمستقبل الشباب، وهو ما يمكن أن يقود – لا قدر الله – إلى خراب البيوت وضياع مستقبل الشباب، وارتفاع أعداد البطالة إلى أرقام فلكية، تصعب السيطرة عليها مستقبلاً، وهو ما يؤدي بدوره إلى خلل في المنظومة الاجتماعية.
المدينة
علي آل شرمة
انتشرت خلال الفترة الأخيرة دعوات في شكل رسائل على وسائل التواصل الاجتماعي تدعو الشباب إلى ترك وظائفهم والمسارعة بدخول مجال العمل الحر، والانخراط في تلك الوسائط وتنشيط الحسابات لحصد أرباح كبيرة – كما يزعم مرسلو تلك الرسائل المشبوهة – وإحباط الشباب من العمل الوظيفي وتصويره على أنه وأد للأحلام وإضاعة للوقت وتبديد للقدرات إلى غير ذلك. والخطورة تكمن في أن البعض يتأثر بشدة بالرسائل التي يبعثها أولئك الناشطون، ويأخذها على أنها الحق الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.
الأسئلة التقليدية التي ترتفع في مثل هذه الحالات تتركَّز حول توقيت تلك الرسائل، والهدف منها والجهات التي تقف وراءها، ففي ما يختص بالتوقيت، نجد أن تلك الدعوات تأتي في وقت حققت فيه برامج توطين الوظائف نجاحات لافتة، بعد رجوع أعداد كبيرة من الشباب الذين كانوا في بعثات خارجية تلقوا خلالها دراسات عليا في أعرق جامعات العالم وأكثرها شهرة.
بعد أن تزود هؤلاء بالعلم والمعرفة وحازوا أعلى الدرجات العلمية وعادوا ليُسهموا في رفعة بلادهم ويتسلَّموا الوظائف القيادية في القطاعين العام والخاص، يأتي البعض بكل سهولة ويُطالبهم برمي كل تلك المعارف والعلوم وراء ظهورهم، والتحول إلى مشاهير على وسائل التواصل الاجتماعي.
المؤسف في الأمر أن مَن يُردِّدون تلك الدعوات يجهضون – بعلم أو بدون علم – الجهود الضخمة التي تبذلها الدولة لتوطين الوظائف، وزيادة مقدرات الشباب، ورفع مهاراتهم للمنافسة في سوق العمل، وفق مستهدفات رؤية المملكة 2030. وكلنا يعلم أن برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث يُنفق عشرات المليارات من الريالات على الشباب لتأهيلهم وتزويدهم بما يسد الفجوة الموجودة في السوق، وبكل بساطة يأتي هؤلاء ليشطبوا بجرّة قلم تلك الجهود، ويُحوِّلوا الشباب إلى مُؤثِّرين على وسائل التواصل.
أما في ما يتعلق بالدعوة إلى ولوج عالم ريادة الأعمال، فهي في منظورها العام دعوة حقيقية وصائبة، شريطة توفُّر مُقوِّمات بدء العمل الحر، وأن لا يكون الأمر مجرد رغبة، بل إن المقدرة والمعرفة يجب أن تُرافق الرغبة، ليتمكن المشروع من البقاء والمنافسة في السوق، ولا يتحول إلى أعباء مالية وديون تُثقل كاهل صاحبها، وقد ينتهي به الحال وراء القضبان.
ومن واقع وجودي في سوق العمل، فقد رأيتُ بنفسي أن هناك الكثيرين ممن لا يملكون مقومات البقاء، قد اضطروا للخروج من عالم الأعمال بسرعة، لأن دخولهم من الأساس لم يكن مبنياً على معطيات صحيحة وقواعد سليمة، حيث لم تكن هناك دراسات جدوى أو معرفة باحتياجات السوق الفعلية، ولم يمتلكوا التمويل الكافي الذي يغطي حجم المصاريف التأسيسية والتشغيلية التي تُمهِّد الطريق نحو النجاح.
بالتأكيد هناك فرص واعدة كثيرة في السوق، وأن المؤسسات الصغيرة والمتوسطة تلعب دوراً مؤثراً وكبيراً في اقتصادات الدول المتقدمة، إلا أن النجاح لا يمكن تحقيقه بالطريقة الميسورة التي تُصوِّرها تلك الرسائل التي باتت تُؤثِّر في كثيرين ممن تستهدفهم، والتي كان من الواجب أن تتحدَّث أيضاً عن أولئك الذين اضطروا للخروج من السوق لأسبابٍ متعددة، وتُوضِّح أسباب فشلهم حتى تكون الصورة مكتملة.
من يريد أن يدخل سوق العمل ويصبح من رواد الأعمال؛ عليه أن يمتلك مقومات التطور التي في مقدمتها: القدرة على تسيير الأعمال بواقعية، وأن يتحلى بالصبر وعدم استعجال النتائج، وأن يتوفَّر لديه رأس المال اللازم، والخبرة الكافية، والإلمام بكافة تفاصيل النشاط التجاري المعني، والوعي الإداري، والقدرة على قيادة فريقه من العاملين معه، والكوادر التسويقية التي تتولى عملية الترويج للمنتج وإيصاله للمستهلك.
لكل ذلك، نحتاج – من وجهة نظري – إلى توعية شاملة تُنير الطريق أمام الشباب، وتُوضِّح لهم المقوِّمات الواجب امتلاكها لدخول مجال العمل الحر، وتُؤهِّلهم ليُصبحوا روَّاد أعمال ناجحين، يستطيعون فهم الواقع بصورةٍ حقيقية. ومن الأهمية كذلك أن نبدأ هذه الخطوة منذ سنين مبكرة، بحيث يتم التركيز عليها في المقررات الدراسية، واستحداث مناهج تعليمية متخصصة في عالم الاقتصاد والتجارة والإدارة؛ لتخريج رواد أعمال ناجحين.
أما ما نُشاهده في الوقت الحالي من أحاديث مرسلة، فهي لا تعدو كونها تسويقا للأوهام، وفخ سوف يقع فيه بالتأكيد كل مَن ينساق وراءه بدون وعي أو بصيرة، فمثلما أن ريادة الأعمال تمتلك كافة عوامل الجذب وعناصر القوة، فإن المغامرة غير مأمونة العواقب تُعدُّ مضيعة لمستقبل الشباب، وهو ما يمكن أن يقود – لا قدر الله – إلى خراب البيوت وضياع مستقبل الشباب، وارتفاع أعداد البطالة إلى أرقام فلكية، تصعب السيطرة عليها مستقبلاً، وهو ما يؤدي بدوره إلى خلل في المنظومة الاجتماعية.
المدينة