• ×
admin

الجد والمُراح

الجد والمُراح

عادل الكلباني

كان نبينا صلى الله عليه وآله وسلم يبتسم ويضحك، ويمازح، ويمارس أمام أصحابه عفويته كإنسان، ويظهر من شمائله ما يتجنب كثير من الدعاة إظهاره أمام أقرب الناس لهم، تورعًا عن الانبساط، ولأجل ذلك يعزفون عن كثير من منصات التواصل..

تتنافس عقول المبدعين في ابتكار أساليب تروج بها أفكارها، وتبذل الملايين من الدولارات لاكتساب المزيد من الجماهير، وتحرص بعناية على إرضاء عملائها، ولا تعتمد تلك العقول على جودة مبتكراتها وحقائق أفكارها، بل اتجهت إلى التسويق الإعلامي والدعائي وجعلت ذلك جزءًا رئيسًا من فكرتها ومنتجاتها، وفي الجانب الدعائي يتفنن المبتكرون في اختراع الأساليب الخفيفة والمحببة إلى النفوس، والتمسوا لذلك مشاهير الفنانين والبقاع التي تجذب الجماهير وتروج لسلعتها، مع ملاحظة أن أشياء كثيرة في ذلك قد تحتوي على المخالفات الشرعية وربما العرفية، وليس ذلك محور حديثنا هنا، إنما أريد التنبيه على الأسلوب المرغب في ذلك، فهذا لا يختص فقط بمبتكرات الدنيا وأفكارها، بل إنه في التنزيل العزيز يقول ربنا: «ولو كنت فظًّا غليظ القلب لانفضوا من حولك» فهذه واحدة من الأساليب التي ينبغي لها أن ترافقنا معشر الداعين إلى الله، فإن سلعة الله هي الجنة، وكما يقول الله في كتابه: «إنا سنلقي عليك قولًا ثقيلاً» فوصف الحق بأن فيه ثقلًا، وثقل الحق من جهة أنه تكاليف وفقهيات وواجبات وشرائع، ولحاجة النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى الصبر، أعقب الله قوله: «إنا نحن نزلنا عليك القرآن تنزيلا» بقوله: «فاصبر لحكم ربك» لأن في الدعوة مجاهدة وصبرًا على الآخرين، وحين مر بنبينا صلى الله عليه وآله وسلـم أناس من اليهود فقالوا: "السام عليك" فغضبت عائشة رضي الله عـنها فقال صلى الله عليه وآله وسلـم "يا عائشة، مه"، فقالت: يا رسول الله أما سمعت ما قالوا؟ قال: "أو ما سمعت ما رددت عليهم؟ يا عائشة، لم يدخل الرفق في شيء إلا زانه، ولم ينزع من شيء إلا شانه "فهذا الحديث وغيره كثير يرشدنا نبينا صلى الله عليه وآله وسلـم إلى انتقاء الأساليب والكلمات المرغبة والتي هي جزء من المأمور به في البلاغ.

وفي هذا العصر يتجه الشباب بكل قواهم الفكرية إلى اكتساب المعلومة من الشبكة المعلوماتية، وأكثرهم يتجه إلى مواقع التواصل، ولا يكاد تمر به لحظات إلا ويقلب طرفه في الذي يرسم الابتسامة على شفتيه، وما أكثر هذه المنصات التي استحوذت على كثير من شرائح المجتمع بما تقدمه من فكاهة، ومزحة، ومعلومة لا تخلو من أسلوب مرح، ولكننا وللأسف، نرى عزوفًا كبيرًا من ذوي الوعظ والعلم والفقه، عن هذه المنصات والمواقع، وكأن الموسوعة الدعوية لا تستطيع خلق مادة فقهية أو عقدية أو وعظية في قالب مرح، يعتمد على الأسلوب القريب من قلوب الشباب، فإن ذلك لا يخل من مكانة الداعية، ولا يقلل من شأنه، على العكس من ذلك تماماً، فإن ذلك يزيد من محبته في القلوب، وقد كان نبينا صلى الله عليه وآله وسلم يبتسم ويضحك، ويمازح، ويمارس أمام أصحابه عفويته كإنسان، ويظهر من شمائله ما يتجنب كثير من الدعاة إظهاره أمام أقرب الناس لهم، تورعًا عن الانبساط، ولأجل ذلك يعزفون عن كثير من منصات التواصل، وفي الحديث عن أبي هريرة، قال: كنا نصلي مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم العشاء، فإذا سجد وثب الحسن والحسين على ظهره، فإذا رفع رأسه، أخذهما بيده من خلفه أخذاً رفيقاً، فيضعهما على الأرض، فإذا عاد عادا، حتى قضى صلاته، أقعدهما على فخذيه، قال: فقمت إليه، فقلت: يا رسول الله، أردهما، فبرقت برقة، فقال لهما: "الحقا بأمكما". قال: فمكث ضوءُها حتى دخلا" ولعل خيالك يذهب بك إلى تصور هذه اللحظات في صلاة عشاء أمام أصحابه، وهو ما لا نراه ولا نفعله، وهو من عفويات الحياة التي تحصل مرارًا، وأمثالها كثير، ومع كون مثل ذلك من المباحات، إلا أنها تعطي صورة انطباعية ترفع الكلفة والغلظة عن فاعلها، إذا ما فعلها دون تكلف، ولمثل ذلك تهرع كثير من النفوس إلى باب الحق. هذا، والله من وراء القصد.

الرياض
بواسطة : admin
 0  0  95