تقنين المخدرات يزيد من إدمان المراهقين
تقنين المخدرات يزيد من إدمان المراهقين
د. هاني رمزي عوض
كشفت دراسة بريطانية حديثة عن احتمالية أن يكون المراهقون أكثر عرضة للإصابة بإدمان المخدرات 3 أضعاف البالغين، خصوصاً أن المخ لديهم لا يزال في مرحلة التطور. وقد تزايد هذا الخطر بشكل كبير بعد تقنين بيع المخدرات في العديد من الدول الغربية. وساهمت هذه الدراسة التي نشرت في مطلع شهر يوليو (تموز) من العام الحالي في مجلة «علم الأدوية النفسية» (the Journal of Psychopharmacology) في إثارة الجدل من جديد عن الفوائد والأخطار المصاحبة لقرار بيع المخدرات الخفيفة (البعيدة الصلة عن الهيروين والكودايين) للجمهور حتى لو لأغراض طبية.
سلوك إدماني
أوضح الباحثون من جامعة «كنغز كوليدج لندن» (King›s College London) في المملكة المتحدة، أن المخدرات تبعاً للدراسات ربما لا تؤثر تأثيراً عضوياً على أنسجة المخ، لكن الأثر الكبير لها في السلوك الإدماني والتأثير النفسي المصاحب له. وأكدوا أن السلوك الإدماني في المخدرات يختلف عن المواد الأخرى التي يتعلق بها المراهقون مثل السجائر، سواء العادية أو الإلكترونية، أو إدمان ألعاب الفيديو أو غيرها، لأن المخدرات عبارة عن مواد كيميائية بالفعل تدخل إلى الدم، ويحتاج التخلص منها إلى أكثر من كسر السلوك الإدماني.
والمدمن يعتمد بشكل أساسي على مادة أو شيء معين لا يستطيع ممارسة حياته بشكل طبيعي دون تناوله أو التعامل معه، وهو الأمر الذي يمثل نوعاً من الارتباط النفسي الشديد.
ذكرت الدراسة أن استخدام المراهقين للمخدرات ارتفع بنسبة 20 في المائة في الولايات المتحدة منذ إضفاء الشرعية على بيع المخدرات، وكان مخدر الماريغوانا (Marijuana) هو الأكثر تداولاً بين المراهقين، نظراً لعدم وجود آثار جانبية مباشرة لاستخدامه على المدى القريب، وأيضاً لأن الآباء أصبحوا على قناعة بعدم الخطورة الصحية للحشيش، ودليلهم على ذلك هو السماح بالبيع من قبل الحكومات المختلفة في العالم. وبالطبع فإن هذا التصور غير صحيح. وعلى سبيل المثال، فإن السجائر رغم تقنين بيعها في جميع الدول تقريباً إلا أن استخدامها مرتبط بشكل مباشر بالعديد من المخاطر الصحية الشديدة.
قام الباحثون بإجراء الدراسة على 274 شخصاً من أعمار مختلفة، كان من بينهم 76 تقل أعمارهم عن 17 عاماً (ويعد عمر 18 عاماً هو عمر الانتقال من الطفولة للبلوغ طبياً)، وجميعهم يتناولون المخدرات باعتياد، سواء بشكل يومي أو على الأقل مرة أسبوعياً، وفي المتوسط كان الاستخدام حوالي 4 مرات في الأسبوع. وقام جميع المشاركين بالإجابة على استبيان خاص عن المخدرات التي يتناولونها، وطريقة استخدامها، والمواعيد التي يتم تناولها فيها، وعدد مرات تكرار الاستخدام في اليوم نفسه من عدمه، وكذلك شملت الأسئلة عمل تقييم للأعراض العقلية والنفسية الشائعة.
وتمت مقارنة الإجابات بين المراهقين والأشخاص البالغين فيما يتعلق بالمخدرات بشكل عام، سواء الخاصة بالاستخدام نفسه، أو الأعراض العقلية مثل القلق والقدرة على التركيز والاتزان والهلوسة والانخراط في العنف، واعتمد التقييم على أن يكون البالغ والمراهق له القدر نفسه من الاستخدام، سواء كثيراً جداً أو أقل القليل، وقام المشاركون بملء هذه الاستبيانات في خمس جلسات منفصلة على مدار عام كامل.
أضرار على المخ
يعتقد الباحثون أن المخدرات قد يكون لها آثار ضارة جداً على مخ المراهق بشكل خاص، وذلك لأن التطور الإدراكي في مناطق المخ التي تتحكم في الإحساس والمعرفة والعواطف المختلفة لا يزال مستمراً في ذلك الوقت من العمر، خصوصاً أن نفس مستقبلات المخ التي تستجيب للمادة الكيميائية الموجودة في الماريغوانا، التي يرمز لها اختصاراً «THC» تشارك في نمو المخ، لذلك يمكن أن تكون لها آثار سلبية على الصحة العقلية والوظيفة الإدراكية لهؤلاء المراهقين.
وجد الباحثون أن 50 في المائة من المراهقين الذين شملتهم الدراسة تقريباً لديهم 6 أعراض أو أكثر لإدمان تعاطي الحشيش، ولذلك تم وصفهم بأنهم يعانون من سلوك إدماني شديد، وفسر الباحثون هذا الارتباط بتكيف المخ على وجود المخدر أثناء النمو، مما يجعل إدمان الماريغوانا والمواد الأخرى المسببة للإدمان أكثر احتمالاً، ويضاعف الخطر أن أجزاء المخ التي يكون قد تم تطويرها بالفعل في فترة المراهقة هي تلك الأجزاء المسؤولة عن الاشتراك في تجارب جديدة والتأثر بالأقران. ولكن الأجزاء التي لم يتم تطويرها بعد هي تلك المسؤولة عن التحكم في الاندفاع والانخراط في السلوكيات الخطيرة، مما يفسر ارتكاب المراهقين للجرائم في هذه الفترة العمرية.
أوضحت الدراسة أن الاستخدام المبكر للماريغوانا يزيد بشكل كبير من خطر الإصابة بتعاطي المخدرات، وفعلياً يعد من أقوى العوامل التي تؤدي إلى الإدمان. ويجب على الآباء أن يكونوا أكثر دراية بهذا الخطر، ويمكن أن تتم مناقشته مع أبنائهم، وتوضيح خطورته الطبية، خصوصاً أن فاعلية الماريغوانا تضاعفت أربع مرات عن الحشيش التقليدي خلال العقدين الماضيين، وأصبح تركيز «THC» أعلى بكثير في المنتجات الحالية مثل «الفيب» (vapes) وأنواع الطعام المختلفة التي تحتوي على المخدرات، ويتناولها الشباب بكثرة كنوع من المغامرة (الشيكولاته والعلكة وفي بعض البلدان تتم إضافتها حتى للمعكرونة والأيس كريم).
في النهاية، حذرت الدراسة المراهقين والآباء من خطورة استخدام المخدرات، ولو على سبيل التجربة، وأكدت أن الكميات التي تكون موجودة في الأطعمة بشكل خاص لا يمكن معرفة نسبتها بدقة، ولا درجة الأمان فيها، وليس معنى وضعها في الطعام أنها آمنة صحية، بل العكس تماماً.
الشرق الأوسط
د. هاني رمزي عوض
كشفت دراسة بريطانية حديثة عن احتمالية أن يكون المراهقون أكثر عرضة للإصابة بإدمان المخدرات 3 أضعاف البالغين، خصوصاً أن المخ لديهم لا يزال في مرحلة التطور. وقد تزايد هذا الخطر بشكل كبير بعد تقنين بيع المخدرات في العديد من الدول الغربية. وساهمت هذه الدراسة التي نشرت في مطلع شهر يوليو (تموز) من العام الحالي في مجلة «علم الأدوية النفسية» (the Journal of Psychopharmacology) في إثارة الجدل من جديد عن الفوائد والأخطار المصاحبة لقرار بيع المخدرات الخفيفة (البعيدة الصلة عن الهيروين والكودايين) للجمهور حتى لو لأغراض طبية.
سلوك إدماني
أوضح الباحثون من جامعة «كنغز كوليدج لندن» (King›s College London) في المملكة المتحدة، أن المخدرات تبعاً للدراسات ربما لا تؤثر تأثيراً عضوياً على أنسجة المخ، لكن الأثر الكبير لها في السلوك الإدماني والتأثير النفسي المصاحب له. وأكدوا أن السلوك الإدماني في المخدرات يختلف عن المواد الأخرى التي يتعلق بها المراهقون مثل السجائر، سواء العادية أو الإلكترونية، أو إدمان ألعاب الفيديو أو غيرها، لأن المخدرات عبارة عن مواد كيميائية بالفعل تدخل إلى الدم، ويحتاج التخلص منها إلى أكثر من كسر السلوك الإدماني.
والمدمن يعتمد بشكل أساسي على مادة أو شيء معين لا يستطيع ممارسة حياته بشكل طبيعي دون تناوله أو التعامل معه، وهو الأمر الذي يمثل نوعاً من الارتباط النفسي الشديد.
ذكرت الدراسة أن استخدام المراهقين للمخدرات ارتفع بنسبة 20 في المائة في الولايات المتحدة منذ إضفاء الشرعية على بيع المخدرات، وكان مخدر الماريغوانا (Marijuana) هو الأكثر تداولاً بين المراهقين، نظراً لعدم وجود آثار جانبية مباشرة لاستخدامه على المدى القريب، وأيضاً لأن الآباء أصبحوا على قناعة بعدم الخطورة الصحية للحشيش، ودليلهم على ذلك هو السماح بالبيع من قبل الحكومات المختلفة في العالم. وبالطبع فإن هذا التصور غير صحيح. وعلى سبيل المثال، فإن السجائر رغم تقنين بيعها في جميع الدول تقريباً إلا أن استخدامها مرتبط بشكل مباشر بالعديد من المخاطر الصحية الشديدة.
قام الباحثون بإجراء الدراسة على 274 شخصاً من أعمار مختلفة، كان من بينهم 76 تقل أعمارهم عن 17 عاماً (ويعد عمر 18 عاماً هو عمر الانتقال من الطفولة للبلوغ طبياً)، وجميعهم يتناولون المخدرات باعتياد، سواء بشكل يومي أو على الأقل مرة أسبوعياً، وفي المتوسط كان الاستخدام حوالي 4 مرات في الأسبوع. وقام جميع المشاركين بالإجابة على استبيان خاص عن المخدرات التي يتناولونها، وطريقة استخدامها، والمواعيد التي يتم تناولها فيها، وعدد مرات تكرار الاستخدام في اليوم نفسه من عدمه، وكذلك شملت الأسئلة عمل تقييم للأعراض العقلية والنفسية الشائعة.
وتمت مقارنة الإجابات بين المراهقين والأشخاص البالغين فيما يتعلق بالمخدرات بشكل عام، سواء الخاصة بالاستخدام نفسه، أو الأعراض العقلية مثل القلق والقدرة على التركيز والاتزان والهلوسة والانخراط في العنف، واعتمد التقييم على أن يكون البالغ والمراهق له القدر نفسه من الاستخدام، سواء كثيراً جداً أو أقل القليل، وقام المشاركون بملء هذه الاستبيانات في خمس جلسات منفصلة على مدار عام كامل.
أضرار على المخ
يعتقد الباحثون أن المخدرات قد يكون لها آثار ضارة جداً على مخ المراهق بشكل خاص، وذلك لأن التطور الإدراكي في مناطق المخ التي تتحكم في الإحساس والمعرفة والعواطف المختلفة لا يزال مستمراً في ذلك الوقت من العمر، خصوصاً أن نفس مستقبلات المخ التي تستجيب للمادة الكيميائية الموجودة في الماريغوانا، التي يرمز لها اختصاراً «THC» تشارك في نمو المخ، لذلك يمكن أن تكون لها آثار سلبية على الصحة العقلية والوظيفة الإدراكية لهؤلاء المراهقين.
وجد الباحثون أن 50 في المائة من المراهقين الذين شملتهم الدراسة تقريباً لديهم 6 أعراض أو أكثر لإدمان تعاطي الحشيش، ولذلك تم وصفهم بأنهم يعانون من سلوك إدماني شديد، وفسر الباحثون هذا الارتباط بتكيف المخ على وجود المخدر أثناء النمو، مما يجعل إدمان الماريغوانا والمواد الأخرى المسببة للإدمان أكثر احتمالاً، ويضاعف الخطر أن أجزاء المخ التي يكون قد تم تطويرها بالفعل في فترة المراهقة هي تلك الأجزاء المسؤولة عن الاشتراك في تجارب جديدة والتأثر بالأقران. ولكن الأجزاء التي لم يتم تطويرها بعد هي تلك المسؤولة عن التحكم في الاندفاع والانخراط في السلوكيات الخطيرة، مما يفسر ارتكاب المراهقين للجرائم في هذه الفترة العمرية.
أوضحت الدراسة أن الاستخدام المبكر للماريغوانا يزيد بشكل كبير من خطر الإصابة بتعاطي المخدرات، وفعلياً يعد من أقوى العوامل التي تؤدي إلى الإدمان. ويجب على الآباء أن يكونوا أكثر دراية بهذا الخطر، ويمكن أن تتم مناقشته مع أبنائهم، وتوضيح خطورته الطبية، خصوصاً أن فاعلية الماريغوانا تضاعفت أربع مرات عن الحشيش التقليدي خلال العقدين الماضيين، وأصبح تركيز «THC» أعلى بكثير في المنتجات الحالية مثل «الفيب» (vapes) وأنواع الطعام المختلفة التي تحتوي على المخدرات، ويتناولها الشباب بكثرة كنوع من المغامرة (الشيكولاته والعلكة وفي بعض البلدان تتم إضافتها حتى للمعكرونة والأيس كريم).
في النهاية، حذرت الدراسة المراهقين والآباء من خطورة استخدام المخدرات، ولو على سبيل التجربة، وأكدت أن الكميات التي تكون موجودة في الأطعمة بشكل خاص لا يمكن معرفة نسبتها بدقة، ولا درجة الأمان فيها، وليس معنى وضعها في الطعام أنها آمنة صحية، بل العكس تماماً.
الشرق الأوسط