تمارين الرياضة اليومية.. ما هو أفضل وقت لممارستها؟
تمارين الرياضة اليومية.. ما هو أفضل وقت لممارستها؟
دراسات ترصد اختلاف نتائجها بين الصباح والمساء
د. حسن محمد صندقجي
ما أفضل وقت في ساعات اليوم لممارسة التمارين الرياضية؟ سؤال بالفعل مهم ويحتاج إلى إجابة، وهو سؤال مهم للأطباء وأيضاً لعموم الناس الممارسين للتمارين الرياضية، سواء كانوا هواة أو محترفين.
أهمية السؤال للأطباء يكمن في الجوانب الإكلينيكية التطبيقية لبرامج إعادة التأهيل من أجل تقوية العضلات وبنائها لدى المرضى في حالات مرضية شتى، مثل ما بعد الإصابات بالجلطات الدماغية، أو بعد قضاء فترة في المستشفى في أقسام العناية المركزة، أو بعد العمليات الجراحية للعمود الفقري أو استبدال المفاصل أو إصابات الحوادث، وغيره. وذلك لمعرفة الوقت الأفضل لإجراء تلك التمارين التأهيلية للعضلات.
كما أنه مهم أيضاً لأننا نعلم أن ممارسة التمارين الرياضية لم تعد اليوم لمجرد «التسلية» وقضاء الوقت، بل هي ضرورية لكل إنسان كوسيلة «علاجية ووقائية» لتحسين الصحة البدنية والنفسية، وللإسهام في نجاح معالجة عدد من الأمراض البدنية والنفسية المزمنة. ولذا فإن ممارسة الرياضية اليومية هي بالفعل «كبسولة علاجية» دون شك.
وكذلك هناك أنشطة رياضية احترافية وترفيهية تتطلب من اللاعبين مهارات عالية في الأداء الرياضي لتحقيق النتائج الأفضل، وأولى خطوات ذلك التدريب الجيد في الأوقات الأفضل.
توقيت «الجرعة الرياضية»
وأول سؤال يأتي حينها بعد تحديد «كمية الجرعة» منها، للوقاية أو الأداء الاحترافي، متى أفضل وقت لتناول تلك «الكبسولة العلاجية»، ولممارسة تلك الحصة التدريبة للهواة والمحترفين؟، أسوة بتحديد وقت تناول الكبسولات العلاجية الأخرى، أو وقت ممارسة العمل الوظيفي للمحترفين.
وبالنسبة للبعض، الإجابة بسيطة، وهي أن «أفضل» وقت في اليوم لممارسة التمارين هو متى ما أستطيع ذلك، أو الوقت الذي تتوفر فيه الصالة الرياضية. وهذا ربما قبل أو بعد العمل، أو في فترة المساء، أو عندما لا تكون صالة الألعاب الرياضية مزدحمة، أو بما يتوافق مع ظروفي الأسرية، وغير ذلك.
قد تكون هذه الإجابة كافية ومقنعة في حالة واحدة، وهي أن نتائج أداء التمارين الرياضة اليومية له نفس التأثير الصحي على العضلات وبقية الجسم، باختلاف وقت ممارستها. ولكن ماذا لو لم تكن النتائج متشابهة؟
ووفقاً لدراسة جديدة أجراها فريق بحثي من كلية سكيدمور في نيويورك، فإن نتائج برنامج التمرين الرياضي لمدة 12 أسبوعاً، كانت مختلفة بين ممارسة التدريبات الصباحية مقابل التدريبات المسائية، وذلك من جوانب شتى تهم الهواة والمحترفين.
وتأتي هذه الدراسة ضمن مجموعة دراسات «الساعة البيولوجية والتمارين الرياضية في صحة القلب والأوعية الدموية»، المكونة من أربع دراسات طبية تم نشرها كلها حديثاً في مجلة «منتهى المعرفة في علم الغدد الصماء» Frontiers in Endocrinology. وهي دراسة «وقت التدريب: مشاركة الساعة البيولوجية في تمرين تكيف عضلات الهيكل العظمي» المنشورة في 25 أبريل (نيسان) الماضي. ودراسة «التمرين الصباحي يقلل من دهون البطن وضغط الدم لدى النساء. التمارين المسائية تزيد من الأداء العضلي لدى النساء وتخفض ضغط الدم لدى الرجال» المنشورة في 31 مايو (أيار) الماضي، ودراسة «تأثير تقييد النوم، مع التمرين أو من دونه، على ملامح العضلات الهيكلية لدى الذكور الشباب الأصحاء»، المنشورة في 22 يونيو (حزيران) الماضي، ودراسة «تأثير التمرين على مرضى السكري من النوع 2 الذين يعانون من السمنة في منطقة البطن ومحيط الفخذ»، المنشورة في 12 يوليو (تموز) الماضي.
وأفادت في جملتها أن النساء اللواتي يمارسن التمارين في الصباح يفقدن المزيد من الدهون، بينما النساء اللواتي مارسن التمرين في المساء، اكتسبن المزيد من المتانة والقوة في الجزء العلوي من الجسم. أما بالنسبة للرجال، فقد كانت تحسينات الأداء متشابهة بغض النظر عن وقت ممارسة الرياضة. لكن أولئك الرجال الذين مارسوا تلك التمارين الرياضية في المساء، كان لديهم انخفاض كبير في ضغط الدم، من بين جملة فوائد صحية أخرى.
ذكور وإناث
وهذه المجموعة من الدراسات الحديثة، هي جزء من مجموعة متنامية من الأبحاث حول اختلاف وقت ممارسة التمارين الرياضية بين الإناث والذكور، وتظهر أن ثمة بالفعل نتائج مختلفة لأوقات مختلفة من اليوم بين مجموعات سكانية مختلفة. كما توضح حقيقة أساسية، وهي أن ممارسة الرياضة بالعموم لها تأثير صحي كبير وإيجابي في النهاية. ونحن هنا لا نتحدث فقط عن القوة العضلية وفقدان الدهون، ولكن أيضاً عن جوانب أخرى متعددة، مثل صحة القلب ومستوى المزاج النفسي ونوعية جودة النوم وقدرات التحمّل في الأداء البدني وغيره.
وجاءت هذه النتائج بالصدفة المحضة، ذلك أن الهدف الأصلي من دراسة باحثي كلية سكيدمور كان اختبار برنامج لياقة مميز لمدة 3 أشهر، لمجموعة من البالغين الأصحاء النشطين للغاية وذوي لياقة عالية، ممن هم في أوائل منتصف العمر. واشتمل البرنامج على أربعة تمارين في الأسبوع، لكل منها تركيز مختلف في: تمارين القوة العضلية، وتمارين التحمّل بخطى ثابتة لفترة طويلة، وفترات من التمارين عالية الكثافة، وتمارين المرونة (تمارين الإطالة التقليدية جنباً إلى جنب مع تمارين اليوغا). ولكن نظراً لأن المجموعة كانت كبيرة، اضطر الباحثون إلى تقسيمهم إلى مجموعات تمرين صباحية وأخرى مسائية.
وقال الدكتور بول أرتشيرو، الباحث الرئيس في الدراسة، إن الباحثين لم يروا الفروق بين التمارين الصباحية والمسائية إلا بعد أن نظروا في النتائج. ورغم الاكتشاف العرضي هذا، أكد الدكتور أرتشيرو أن المشاركين في كل مجموعة أصبحوا أكثر رشاقة وأقوى بنية عضلية. ولكن النساء اللائي مارسن التمارين في الصباح حصلن على انخفاض أكبر في كمية الدهون في الجسم وانخفاض نسبة الدهون (إلى بقية مكونات الجسم الأخرى)، وذلك مقارنة بالمجموعة المسائية. وفي الوقت نفسه، حصلت النساء في المجموعة المسائية على مكاسب أكبر بكثير في قوة ومتانة ثبات عضلات ومفاصل وتراكيب الجزء العلوي من الجسم، وأيضاً التحمل العضلي في الاستخدام، مقارنة بنظرائهن في الصباح.
ومن بين الرجال، شهدت المجموعة المسائية تحسناً كبيراً في ضغط الدم ومستويات الكوليسترول ونسبة الدهون التي يحرقونها للحصول على الطاقة، إلى جانب انخفاض أكبر في الشعور بالتعب وتحسّن قدرات التحمّل.
خطط التوقيت
و«استراتيجية التوقيت» للحصول على نتائج أقوى ومستدامة من ممارسة التمارين الرياضية، قد دلت عليها أيضاً دراسات سابقة في هذا المضمار. ومن ذلك دراسة باحثين ألمان، تم نشرها ضمن عدد فبراير (شباط) 2018 من المجلة الطبية البريطانية لطب الرياضة والتمارين BMJ Open Sport Exerc Med.
وأفاد الباحثون في نتائجها أن ثمة علاقة بين إيقاعات الساعة البيولوجية وقوة العضلات وأوقات أداء التمارين. وقالوا: «تختلف قوة العضلات على مدار اليوم، وترتبط قوة العضلات الأعلى بأداءٍ أفضل. ووفق خصائص العضلات الميكانيكية الحيوية، تعتمد ذروة الأداء على الوقت من اليوم، والتوقيت المثالي لتمارين القوة يختلف عن تمارين التحمّل». وأضافوا: «أن القدرة على بذل جهد كبير والتعبير عن القوة والتحمل، تبلغ ذروتها في وقت متأخر من بعد الظهر، في الوقت نفسه تقريباً الذي تكون فيه درجة حرارة الجسم الأساسية في أعلى مستوياتها. ويمكن أن تفيد نتائجنا الرياضيين المحترفين، حيث قد يسمح جزء من الثواني بالحصول على ميدالية ذهبية، وكذلك برامج إعادة التأهيل في البيئات الإكلينيكية لزيادة فعالية العلاج وتقليل أوقات التعافي».
وبغض النظر عن نوعية الأداء، وكمثال تطبيقي آخر، قد يوفر توقيت التمرين فوائد صحية قوية للرجال المصابين بداء السكري من النوع 2. أو المعرضين له. وأظهرت دراسة أجريت عام 2020 أن الرجال الذين يمارسون الرياضة بين الساعة 3 و6 مساءً، شهدوا تحسناً كبيراً في ضبط نسبة السكر في الدم وحفظ حساسية الأنسولين، مقارنة بمجموعة تدربت بين الساعة 8 و10 صباحاً. كما فقدوا أيضاً المزيد من الدهون خلال البرنامج الذي استمر 12 أسبوعاً، رغم أنهم كانوا يقومون بنفس التدريبات بالضبط.
اختلاف توقيت ممارسة الرياضة وتأثيراته على النوم
تقول الدكتورة تشارلين جامالدو، المدير الطبي لمركز جونز هوبكنز للنوم في مستشفى هوارد كاونتي العام،: «استناداً إلى الدراسات المتوفرة، لدينا دليل قوي على أن التمارين الرياضية تساعدك على النوم بشكل أسرع، وتحسن نوعية النوم. وقد لا نتمكن أبداً من تحديد الآلية التي تشرح كيفية ارتباط هذين العاملين. ولكننا نعلم أن تمارين إيروبيك الهوائية (الهرولة مثلاً) المعتدلة تزيد من كمية نوم الموجة البطيئة Slow Wave Sleep التي تحصل عليها. ويشير نوم الموجة البطيئة إلى النوم العميق، حيث يكون للدماغ والجسم فرصة لتجديد شبابهم. ويمكن أن تساعد التمارين أيضاً في استقرار حالتك المزاجية وتخفيف الضغط على العقل، وهما مهم للانتقال الطبيعي إلى النوم. ولكن لا يزال هناك بعض الجدل حول الوقت الذي يجب أن تمارس فيه الرياضة».
وتفيد الدكتورة جينيفر هايز، المتخصصة في علم الأعصاب بجامعة ماكماستر ومؤلفة كتاب «حرّك الجسم تشفي العقل»، قائلة: «إن ممارسة الرياضة يمكن أن تؤثر على جودة نومك بعدة طرق». وتوضح ذلك بالنقاط التالية:
- أولاً: «تساعدك التمارين الرياضية على النوم بشكل أسرع والنوم بشكل أعمق في الليل». والاستثناء الوحيد هو إذا كنت تمارس الرياضة بشكل مكثف أو قريب جداً من وقت النوم، بحيث لا يزال معدل ضربات قلبك مرتفعاً.
- ثانياً: «تساعد ممارسة الرياضة في وقت ثابت كل يوم، على تنظيم إيقاعات الجسم اليومية». ولا يهم إذا كان التمرين في الصباح أو المساء أو في أي مكان بينهما، طالما أن الجسم يعلم متى ستمارسها بشكل روتيني وفي الوقت نفسه من اليوم. وهذا سوف يساعدك على النوم والاستيقاظ في الأوقات نفسها. والتمرينات الخارجية أفضل، لأن الشمس هي أقوى منظم للساعة البيولوجية وتعمل جنباً إلى جنب مع النشاط البدني.
- ثالثاً: يمكن أن تساعدك ممارسة الرياضة في أوقات محددة في التغلب على إرهاق السفر أو التكيف مع وردية (نوبة) عمل سابقة أو لاحقة. وتقول: «ممارسة الرياضة في الساعة 7 صباحاً أو بين 1 و4 مساءً تساعد ساعتك البيولوجية على عودة الرجوع في الوقت المناسب، مما يسهل الاستيقاظ مبكراً. وإذا كنت بحاجة إلى تدريب جسدك على الاستيقاظ في وقت متأخر من الصباح، فحاول ممارسة الرياضة بين الساعة 7 و10 مساءً».
الشرق الأوسط
دراسات ترصد اختلاف نتائجها بين الصباح والمساء
د. حسن محمد صندقجي
ما أفضل وقت في ساعات اليوم لممارسة التمارين الرياضية؟ سؤال بالفعل مهم ويحتاج إلى إجابة، وهو سؤال مهم للأطباء وأيضاً لعموم الناس الممارسين للتمارين الرياضية، سواء كانوا هواة أو محترفين.
أهمية السؤال للأطباء يكمن في الجوانب الإكلينيكية التطبيقية لبرامج إعادة التأهيل من أجل تقوية العضلات وبنائها لدى المرضى في حالات مرضية شتى، مثل ما بعد الإصابات بالجلطات الدماغية، أو بعد قضاء فترة في المستشفى في أقسام العناية المركزة، أو بعد العمليات الجراحية للعمود الفقري أو استبدال المفاصل أو إصابات الحوادث، وغيره. وذلك لمعرفة الوقت الأفضل لإجراء تلك التمارين التأهيلية للعضلات.
كما أنه مهم أيضاً لأننا نعلم أن ممارسة التمارين الرياضية لم تعد اليوم لمجرد «التسلية» وقضاء الوقت، بل هي ضرورية لكل إنسان كوسيلة «علاجية ووقائية» لتحسين الصحة البدنية والنفسية، وللإسهام في نجاح معالجة عدد من الأمراض البدنية والنفسية المزمنة. ولذا فإن ممارسة الرياضية اليومية هي بالفعل «كبسولة علاجية» دون شك.
وكذلك هناك أنشطة رياضية احترافية وترفيهية تتطلب من اللاعبين مهارات عالية في الأداء الرياضي لتحقيق النتائج الأفضل، وأولى خطوات ذلك التدريب الجيد في الأوقات الأفضل.
توقيت «الجرعة الرياضية»
وأول سؤال يأتي حينها بعد تحديد «كمية الجرعة» منها، للوقاية أو الأداء الاحترافي، متى أفضل وقت لتناول تلك «الكبسولة العلاجية»، ولممارسة تلك الحصة التدريبة للهواة والمحترفين؟، أسوة بتحديد وقت تناول الكبسولات العلاجية الأخرى، أو وقت ممارسة العمل الوظيفي للمحترفين.
وبالنسبة للبعض، الإجابة بسيطة، وهي أن «أفضل» وقت في اليوم لممارسة التمارين هو متى ما أستطيع ذلك، أو الوقت الذي تتوفر فيه الصالة الرياضية. وهذا ربما قبل أو بعد العمل، أو في فترة المساء، أو عندما لا تكون صالة الألعاب الرياضية مزدحمة، أو بما يتوافق مع ظروفي الأسرية، وغير ذلك.
قد تكون هذه الإجابة كافية ومقنعة في حالة واحدة، وهي أن نتائج أداء التمارين الرياضة اليومية له نفس التأثير الصحي على العضلات وبقية الجسم، باختلاف وقت ممارستها. ولكن ماذا لو لم تكن النتائج متشابهة؟
ووفقاً لدراسة جديدة أجراها فريق بحثي من كلية سكيدمور في نيويورك، فإن نتائج برنامج التمرين الرياضي لمدة 12 أسبوعاً، كانت مختلفة بين ممارسة التدريبات الصباحية مقابل التدريبات المسائية، وذلك من جوانب شتى تهم الهواة والمحترفين.
وتأتي هذه الدراسة ضمن مجموعة دراسات «الساعة البيولوجية والتمارين الرياضية في صحة القلب والأوعية الدموية»، المكونة من أربع دراسات طبية تم نشرها كلها حديثاً في مجلة «منتهى المعرفة في علم الغدد الصماء» Frontiers in Endocrinology. وهي دراسة «وقت التدريب: مشاركة الساعة البيولوجية في تمرين تكيف عضلات الهيكل العظمي» المنشورة في 25 أبريل (نيسان) الماضي. ودراسة «التمرين الصباحي يقلل من دهون البطن وضغط الدم لدى النساء. التمارين المسائية تزيد من الأداء العضلي لدى النساء وتخفض ضغط الدم لدى الرجال» المنشورة في 31 مايو (أيار) الماضي، ودراسة «تأثير تقييد النوم، مع التمرين أو من دونه، على ملامح العضلات الهيكلية لدى الذكور الشباب الأصحاء»، المنشورة في 22 يونيو (حزيران) الماضي، ودراسة «تأثير التمرين على مرضى السكري من النوع 2 الذين يعانون من السمنة في منطقة البطن ومحيط الفخذ»، المنشورة في 12 يوليو (تموز) الماضي.
وأفادت في جملتها أن النساء اللواتي يمارسن التمارين في الصباح يفقدن المزيد من الدهون، بينما النساء اللواتي مارسن التمرين في المساء، اكتسبن المزيد من المتانة والقوة في الجزء العلوي من الجسم. أما بالنسبة للرجال، فقد كانت تحسينات الأداء متشابهة بغض النظر عن وقت ممارسة الرياضة. لكن أولئك الرجال الذين مارسوا تلك التمارين الرياضية في المساء، كان لديهم انخفاض كبير في ضغط الدم، من بين جملة فوائد صحية أخرى.
ذكور وإناث
وهذه المجموعة من الدراسات الحديثة، هي جزء من مجموعة متنامية من الأبحاث حول اختلاف وقت ممارسة التمارين الرياضية بين الإناث والذكور، وتظهر أن ثمة بالفعل نتائج مختلفة لأوقات مختلفة من اليوم بين مجموعات سكانية مختلفة. كما توضح حقيقة أساسية، وهي أن ممارسة الرياضة بالعموم لها تأثير صحي كبير وإيجابي في النهاية. ونحن هنا لا نتحدث فقط عن القوة العضلية وفقدان الدهون، ولكن أيضاً عن جوانب أخرى متعددة، مثل صحة القلب ومستوى المزاج النفسي ونوعية جودة النوم وقدرات التحمّل في الأداء البدني وغيره.
وجاءت هذه النتائج بالصدفة المحضة، ذلك أن الهدف الأصلي من دراسة باحثي كلية سكيدمور كان اختبار برنامج لياقة مميز لمدة 3 أشهر، لمجموعة من البالغين الأصحاء النشطين للغاية وذوي لياقة عالية، ممن هم في أوائل منتصف العمر. واشتمل البرنامج على أربعة تمارين في الأسبوع، لكل منها تركيز مختلف في: تمارين القوة العضلية، وتمارين التحمّل بخطى ثابتة لفترة طويلة، وفترات من التمارين عالية الكثافة، وتمارين المرونة (تمارين الإطالة التقليدية جنباً إلى جنب مع تمارين اليوغا). ولكن نظراً لأن المجموعة كانت كبيرة، اضطر الباحثون إلى تقسيمهم إلى مجموعات تمرين صباحية وأخرى مسائية.
وقال الدكتور بول أرتشيرو، الباحث الرئيس في الدراسة، إن الباحثين لم يروا الفروق بين التمارين الصباحية والمسائية إلا بعد أن نظروا في النتائج. ورغم الاكتشاف العرضي هذا، أكد الدكتور أرتشيرو أن المشاركين في كل مجموعة أصبحوا أكثر رشاقة وأقوى بنية عضلية. ولكن النساء اللائي مارسن التمارين في الصباح حصلن على انخفاض أكبر في كمية الدهون في الجسم وانخفاض نسبة الدهون (إلى بقية مكونات الجسم الأخرى)، وذلك مقارنة بالمجموعة المسائية. وفي الوقت نفسه، حصلت النساء في المجموعة المسائية على مكاسب أكبر بكثير في قوة ومتانة ثبات عضلات ومفاصل وتراكيب الجزء العلوي من الجسم، وأيضاً التحمل العضلي في الاستخدام، مقارنة بنظرائهن في الصباح.
ومن بين الرجال، شهدت المجموعة المسائية تحسناً كبيراً في ضغط الدم ومستويات الكوليسترول ونسبة الدهون التي يحرقونها للحصول على الطاقة، إلى جانب انخفاض أكبر في الشعور بالتعب وتحسّن قدرات التحمّل.
خطط التوقيت
و«استراتيجية التوقيت» للحصول على نتائج أقوى ومستدامة من ممارسة التمارين الرياضية، قد دلت عليها أيضاً دراسات سابقة في هذا المضمار. ومن ذلك دراسة باحثين ألمان، تم نشرها ضمن عدد فبراير (شباط) 2018 من المجلة الطبية البريطانية لطب الرياضة والتمارين BMJ Open Sport Exerc Med.
وأفاد الباحثون في نتائجها أن ثمة علاقة بين إيقاعات الساعة البيولوجية وقوة العضلات وأوقات أداء التمارين. وقالوا: «تختلف قوة العضلات على مدار اليوم، وترتبط قوة العضلات الأعلى بأداءٍ أفضل. ووفق خصائص العضلات الميكانيكية الحيوية، تعتمد ذروة الأداء على الوقت من اليوم، والتوقيت المثالي لتمارين القوة يختلف عن تمارين التحمّل». وأضافوا: «أن القدرة على بذل جهد كبير والتعبير عن القوة والتحمل، تبلغ ذروتها في وقت متأخر من بعد الظهر، في الوقت نفسه تقريباً الذي تكون فيه درجة حرارة الجسم الأساسية في أعلى مستوياتها. ويمكن أن تفيد نتائجنا الرياضيين المحترفين، حيث قد يسمح جزء من الثواني بالحصول على ميدالية ذهبية، وكذلك برامج إعادة التأهيل في البيئات الإكلينيكية لزيادة فعالية العلاج وتقليل أوقات التعافي».
وبغض النظر عن نوعية الأداء، وكمثال تطبيقي آخر، قد يوفر توقيت التمرين فوائد صحية قوية للرجال المصابين بداء السكري من النوع 2. أو المعرضين له. وأظهرت دراسة أجريت عام 2020 أن الرجال الذين يمارسون الرياضة بين الساعة 3 و6 مساءً، شهدوا تحسناً كبيراً في ضبط نسبة السكر في الدم وحفظ حساسية الأنسولين، مقارنة بمجموعة تدربت بين الساعة 8 و10 صباحاً. كما فقدوا أيضاً المزيد من الدهون خلال البرنامج الذي استمر 12 أسبوعاً، رغم أنهم كانوا يقومون بنفس التدريبات بالضبط.
اختلاف توقيت ممارسة الرياضة وتأثيراته على النوم
تقول الدكتورة تشارلين جامالدو، المدير الطبي لمركز جونز هوبكنز للنوم في مستشفى هوارد كاونتي العام،: «استناداً إلى الدراسات المتوفرة، لدينا دليل قوي على أن التمارين الرياضية تساعدك على النوم بشكل أسرع، وتحسن نوعية النوم. وقد لا نتمكن أبداً من تحديد الآلية التي تشرح كيفية ارتباط هذين العاملين. ولكننا نعلم أن تمارين إيروبيك الهوائية (الهرولة مثلاً) المعتدلة تزيد من كمية نوم الموجة البطيئة Slow Wave Sleep التي تحصل عليها. ويشير نوم الموجة البطيئة إلى النوم العميق، حيث يكون للدماغ والجسم فرصة لتجديد شبابهم. ويمكن أن تساعد التمارين أيضاً في استقرار حالتك المزاجية وتخفيف الضغط على العقل، وهما مهم للانتقال الطبيعي إلى النوم. ولكن لا يزال هناك بعض الجدل حول الوقت الذي يجب أن تمارس فيه الرياضة».
وتفيد الدكتورة جينيفر هايز، المتخصصة في علم الأعصاب بجامعة ماكماستر ومؤلفة كتاب «حرّك الجسم تشفي العقل»، قائلة: «إن ممارسة الرياضة يمكن أن تؤثر على جودة نومك بعدة طرق». وتوضح ذلك بالنقاط التالية:
- أولاً: «تساعدك التمارين الرياضية على النوم بشكل أسرع والنوم بشكل أعمق في الليل». والاستثناء الوحيد هو إذا كنت تمارس الرياضة بشكل مكثف أو قريب جداً من وقت النوم، بحيث لا يزال معدل ضربات قلبك مرتفعاً.
- ثانياً: «تساعد ممارسة الرياضة في وقت ثابت كل يوم، على تنظيم إيقاعات الجسم اليومية». ولا يهم إذا كان التمرين في الصباح أو المساء أو في أي مكان بينهما، طالما أن الجسم يعلم متى ستمارسها بشكل روتيني وفي الوقت نفسه من اليوم. وهذا سوف يساعدك على النوم والاستيقاظ في الأوقات نفسها. والتمرينات الخارجية أفضل، لأن الشمس هي أقوى منظم للساعة البيولوجية وتعمل جنباً إلى جنب مع النشاط البدني.
- ثالثاً: يمكن أن تساعدك ممارسة الرياضة في أوقات محددة في التغلب على إرهاق السفر أو التكيف مع وردية (نوبة) عمل سابقة أو لاحقة. وتقول: «ممارسة الرياضة في الساعة 7 صباحاً أو بين 1 و4 مساءً تساعد ساعتك البيولوجية على عودة الرجوع في الوقت المناسب، مما يسهل الاستيقاظ مبكراً. وإذا كنت بحاجة إلى تدريب جسدك على الاستيقاظ في وقت متأخر من الصباح، فحاول ممارسة الرياضة بين الساعة 7 و10 مساءً».
الشرق الأوسط