• ×
admin

الحب في غير عيده

الحب في غير عيده

عادل الكلباني

الحب جزء عظيم من الحياة الدنيا والآخرة، فلا تقوم الحياة بين الناس إلا بالمحبة والتآلف، والتواد، ولا تبنى الأسرة إلا على مودة ورحمة، ولا يدخل المؤمنون الجنة إلا بالمحبة، كما قال صلى الله عليه وآله: لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا..

للحب تأثيره البين على المرء، يظهر عليه في نظرة عينيه، في لهفته، في نبضات قلبه، فلا يستطيع إخفاء ما يجول في صدره ولو حاول! وكم تغنى بذلك الشعراء، ونثر في ذلك إبداعاتهم الأدباء، ولعل من أحسن ما قيل في ذلك:

لا تُخْفِ ما صَنَعَتْ بِكَ الأَشْواقُ

وَاشْرَحْ هَواكَ فَكُلُّنَا عُشَّاقُ
قَدْ كَانَ يُخْفي الحُبَّ لَوْلَا دَمْعُكَ الـ

جَارِي وَلَوْلا قَلْبُكَ الخَفَّاقُ
وفي القرآن الكريم قصة حب ليس كحب العشاق وأهل الهوى، بل إنه حب آخر وقائعه سطرت في الزمن القديم، وإن كانت القصة تكاد تتكرر كل يوم، هي قصة حب بين والد وولده، جعلت إخوة الولد يتقدون غيرة، ويعملون حسداً، وكل ما في الأمر «ليوسف وأخوه أحب إلى أبينا منا» هم لم ينفوا حبه لهم، لكنهم تكاثروا زيادة حصة الحب ليوسف وأخيه عنهم!

وفي نفس السورة قصة حب أخرى لكنه لم يكن حباً عفيفاً، كان حب شهوة واندفاع جاوزت كل الحدود «امرأة العزيز تراود فتاها عن نفسه، قد شغفها حبا».

فللحب قصص، وله روايات، بل بعض نوازعه أذهبت عقولاً، وأكرمت مدناً، فقيل فيه: لأجل عين، تكرم مدينة.

وقد أخبر صلوات الله وسلامه عليه أن الحب رزق، فقال عن خديجة بنت خويلد أولى زوجاته، رضي الله عنها: ورزقت حبها. وحين سئل عن أحب الناس إليه قال: عائشة. قال السائل: من الرجال: قال: أبوها.

وعرف زيد بن حارثة رضي الله عنه بأنه حِبُّ رسول الله، صلى الله عليه وآله، وقيل عن ابنه أسامة رضي الله عنهما: الحِبُّ ابنُ الحِبُّ.

والحب له شأن في الإسلام إذ فيه حب الخير للمسلمين عموماً، وفيه: لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه. وفيه: ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان، من كان الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر، بعد أن أنقذه الله منه، كما يكره أن يقذف في النار. ولو تأملت هذا الحديث لتبين لك أن هناك حباً بين المسلمين ونبيهم صلى الله عليه وآله، بل قال صلى الله عليه وآله: لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين. وقال: من أشد أمتي لي حباً، ناس يكونون بعدي، يود أحدهم لو رآني بأهله وماله.

هذا من جانب المؤمنين، أما من جانبه هو صلوات الله وسلامه عليه فقد ثبت أنه أتى المقبرة فقال: السلام عليكم دار قوم مؤمنين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، وددت أنا قد رأينا إخواننا، قالوا: أولسنا إخوانك يا رسول الله؟ قال: أنتم أصحابي، وإخواننا الذين لم يأتوا بعد. فالحب متبادل بينه صلى الله عليه وآله وبين أمته، الذين آمنوا به، واتبعوه، وجعلوه لهم أسوة وقدوة.

فما أجمل الحديث عنه، إذ لا أظن أني قد غفلت عنه، وكم يحدوني الشوق إليه، ولا يرتاح القلب إلا بالحديث عنه.

كيف لا، وهو أحب الناس إلي، وأغلاهم عندي، وأمنّهم عليّ.

تذكرني به الأيام والليالي، ويرخص عنده كل نفيس وغالٍ.

ويبقى الحب الأكبر وهو الحب المتبادل بين الله تعالى وعباده المؤمنين، وقد ثبتت هذه المحبة في قوله جل وعلا {يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأت الله بقوم يحبهم ويحبونه}.

والنفس مجبولة على حب من أحسن إليها، وأسدى لها نعمة أو خدمة، فليس بمستغرب أن تحب خالقها ورازقها، ومولاها، ومن لا غنى لها عنه طرفة عين، ولا أقل من ذلك! فيبقى الفضل كل الفضل في حب الخالق لمخلوقه، وما بالمخلوق منة نعمة إلا منه، فهو فضل على فضل، نسأل الله من فضله، ورحمته، فإنه لا يملكها إلا هو.

الحب جزء عظيم من الحياة الدنيا والآخرة، فلا تقوم الحياة بين الناس إلا بالمحبة والتآلف، والتواد، ولا تبنى الأسرة إلا على مودة ورحمة، ولا يدخل المؤمنون الجنة إلا بالمحبة، كما قال صلى الله عليه وآله: لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا.

فها قد تبين لك قيمة الحب، ومكانته، وضرورته لكي تنجو من عذاب الله، وتفوز بجنته ورضوانه، وهل أسمى للمسلم من أن يكون محباً ومحبوباً، محباً لنفسه وللمسلمين، وللخير والسعادة، محباً للسلام والوئام بين العالمين، محباً لنجاة البشرية يوم يقوم الناس لرب العالمين.

بله أن يكون محباً لله ولرسوله، محبوباً منهما، إنها غاية ما أسماها من غاية، فيا سعد من رزق أن يكون محباً ومحبوباً، فينعم بذلك النداء العظيم، من الرب العظيم، إني أحب فلاناً فأحبه. هذا، والله من وراء القصد.

الرياض
بواسطة : admin
 0  0  97