• ×
admin

طُبّ الخريق..!!

طُبّ الخريق..!!

م. طلال القشقري

أعود لسرد بعض ذكرياتي عن طفولتي في مدينة الطائف، عساها تكون عودةً حميدة، بما في الطفولة من شقاوة كالتي قال فيها الشاعر:

رعى اللهُ أيّامَ الطفولة..

إنّها أسعد ما في خيالي

و(طُبّ) بضمّ حرف الطاء وتشديد حرف الباء فعل أمر بمعنى (أَنْزُل) بلهجة أهل الطائف، وبعض الطائفيين يقولون (طَبِّحْ)، و(الخريق) هو جزء من وادي وِجّ في الطائف، ولم يكن فقط مجرى لسيول الأمطار بل كان أيضاً مكاناً للقاءات المضاربة في الطائف بين كافّة الأعمار، حتّى الأطفال، فإذا ما تخاصم اثنان وأرادا المضاربة فهناك طقوس عليهما اتّباعها، ومنها الاتفاق على النزول للخريق بأن يقولا لبعضهما البعض: (طُبّ الخريق)، وقبل المضاربة مباشرةً يحثوان على بعضهما قليلاً من التراب من باب التحدّى وإهانة الخصم.

ويا لها من طقوس كنت أظنّها مُرادِفاً للرجولة، ولم أسمع نصيحة أبي، يرحمه الله، بأنّها خطيرة بما قد ينتج عنها من جنايات قتل لا عقوبة لها في الشرع الحنيف إلّا القصاص، الذي كان يُنفّذ في أحد ساحات مسجد الصحابي الجليل عبدالله بن العبّاس، رضي الله عنه وعن أبيه، في قلب الطائف.

وقد كان لي زميل في المدرسة لا يطيقني ولا أطيقه، واسمه (حسن)، فلمّا طفح الأمر، أخذتنا الحميّة وقُلْنا لبعضنا البعض (طُبّ الخريق)، واتفقنا على أن يكون ذلك بعد صرْفة المدرسة، وكان لكلٍّ منّا مشجّعون مشوا خلفنا من المدرسة للخريق وتجمهروا حولنا مُكوِّنين دائرة مُتقنة لو طلب منهم مُعلِّمُ الرياضيات رسمها في الدفتر ما أتقنوها بهذا الشكل، وبعد حثْو التراب، باغتني هذا الحسن وطرحني على ظهري وهات يا ضرب باليد والرجل، وأنا أحاول ضربه وإنقاذ ما يمكن إنقاذه وحفظ ماء وجهي من الهزيمة، لكن هيهات هيهات، حتّى ساق اللهُ لي أحد جيراننا من كبار السنّ، ففصل بيننا ونَهَرَ المجتمعين وتوعّدهم بالشكوى لمدير المدرسة، واصطحبني لبيتي، وسلّمني سالماً غير غانمٍ لوالدي، يرحمه الله، الذي لولا رؤيته لآثار الضرب على جسمي وحُزْنِه عليّ وشفاعة والدتي، يرحمها الله، لأكمل الضرب الباقي، إذ خالفْتُ نصيحته الذهبية بل الماسيّة لكلّ زمان ومكان.

المدينة
بواسطة : admin
 0  0  115