لا تبع الألماس في سوق السمك!
لا تبع الألماس في سوق السمك!
د. م. عصام أمان الله بخاري
في فترة من فترات حياتي قبل سنوات طويلة في طوكيو، كان لدي مدير لا يحبني كثيراً، ويعتبرني مصدر خطر على كرسيه، رغم أنني لم أفكر يوماً ما في منصبه ولم يكن من دائرة اهتماماتي على الإطلاق. صادف ذلك أن تواصل معي أحد أصدقائي الذين درسوا معي في جامعات اليابان وعمل في شركات مرموقة في قطاع صناعة السيارات والإلكترونيات، كان لدينا منصب شاغر يناسب ذلك الصديق، والذي عرضت سيرته الذاتية على المدير لكي أرتب له مقابلة شخصية، ومن دون أن يلقي نظرة واحدة رفض ذلك المدير مقابلة الشخص المرشح، وبدأ يستهزئ به ويقلل من قيمته، وأنه لا يمكن أن يتناسب مع متطلبات العمل معنا، وما هي إلا ثلاثة أشهر ويتم استقطاب ذلك الصديق في موقع آخر في موقع قيادي، وبعدها بسنتين صار يدير تلك المنظمة ويتبوأ موقعاً أعلى من ذلك المدير، والأمر نفسه انطبق علي حينما انتقلت لموقع قيادي آخر وأقوى في منظمة مختلفة بفضل الله، أما ذلك المدير فقد تم إعفاؤه من منصبه.
ذكرني هذا الموقف بقصة من التراث حول العالم العراقي (أبو الحسن الأصفهاني) مع طالبه النجيب في سامراء، والذي كان يواظب على حضور حلقات العلم لعشر سنوات ليأخذ من العلم الشرعي، وفي أحد الأيام ذهب الطالب إلى السوق ولا يحمل في يده إلا فلساً ونصف الفلس ليشتري خبزاً بفلس واحد، واتجه لبائع الخضار الذي رفض أن يبيعه الفجل بنصف فلس لأن سعره فلس واحد على الأقل، حاول الطالب أن يتفاوض مع البائع ويقنعه بأن يبيعه الفجل بنصف فلس على أن يعلمه مسألة فقهية، فما كان من بائع الخضار إلا أن سخر منه قائلا: "انقع علمك في الماء واشربه حتى تشبع منه، ما فائدة علمك الذي لا تستطيع معه أن تشتري فجلاً بفلس واحد!".
صدم الطالب النجيب وقرر ترك حلقات العلم والذهاب للعمل في إحدى المهن البسيطة، ولما افتقد العالم أبو الحسن طالبه وسأل عن عنوانه، ذهب إليه وقابله، فما كان من الطالب النجيب إلا أن قص الحكاية على أستاذه والدموع تفيض من عينيه، أعطى أبو الحسن خاتمه إلى طالبه ليبيعه ويصلح أحواله المادية، فرح الطالب بالهدية وذهب ليبيعها بألف دينار عند محلات الذهب والمجوهرات، ولما رجع الطالب لأستاذه سأله بكم باع الخاتم؟ وأين؟ فأجب الطالب: "بأف دينار عند محلات الذهب والمجوهرات!"، وهنا علق العالم أبو الحسن: "لما أردت بيع الخاتم ذهبت لمحلات الذهب والمجوهرات لأنهم يعرفون قيمته ولم تذهب لبائع الخضار الذي لا يفهم قيمة الخاتم، فكيف تقبل أن يقيم علمك بائع الخضار؟ أنا أستاذك الذي يعرف قيمة العلم الذي تتعلمه، ارجع لحلقات العلم لتكون يوماً واحداً من أكبر العلماء".
وهنا قد يتساءل البعض، ما الهدف من سرد هاتين القصتين؟ في الحقيقة لعل أهم رسالة أردت إيصالها لكل شخص طموح ومثابر هي أن لا يتأثر بتقييم سيئ أو انتقادات غير موضوعية أو حروب قائمة على الشخصنة والغيرة، هذه الإحباطات والمكائد والعقبات هي قدر كل إنسان ناجح ودليل وبرهان على التميز الذي أثار الغيرة لدى خصومك.
وختاماً، لا تسمح لكائن من كان أن يستنقص من قدرك ويحطم عزيمتك سواء كان ذلك بدافع الجهل أو الحقد وغيره، كن واثقاً من نفسك، واستفد من الانتقادات لتتطور وتعالج نقاط ضعفك، وواصل طريقك نحو النجاح، واحرص على أن تكون في المكان الذي يقدر قيمتك ويحترمك ويستثمر فيك ليطورك.
وباختصار، لا تبع الألماس في سوق السمك!
الرياض
د. م. عصام أمان الله بخاري
في فترة من فترات حياتي قبل سنوات طويلة في طوكيو، كان لدي مدير لا يحبني كثيراً، ويعتبرني مصدر خطر على كرسيه، رغم أنني لم أفكر يوماً ما في منصبه ولم يكن من دائرة اهتماماتي على الإطلاق. صادف ذلك أن تواصل معي أحد أصدقائي الذين درسوا معي في جامعات اليابان وعمل في شركات مرموقة في قطاع صناعة السيارات والإلكترونيات، كان لدينا منصب شاغر يناسب ذلك الصديق، والذي عرضت سيرته الذاتية على المدير لكي أرتب له مقابلة شخصية، ومن دون أن يلقي نظرة واحدة رفض ذلك المدير مقابلة الشخص المرشح، وبدأ يستهزئ به ويقلل من قيمته، وأنه لا يمكن أن يتناسب مع متطلبات العمل معنا، وما هي إلا ثلاثة أشهر ويتم استقطاب ذلك الصديق في موقع آخر في موقع قيادي، وبعدها بسنتين صار يدير تلك المنظمة ويتبوأ موقعاً أعلى من ذلك المدير، والأمر نفسه انطبق علي حينما انتقلت لموقع قيادي آخر وأقوى في منظمة مختلفة بفضل الله، أما ذلك المدير فقد تم إعفاؤه من منصبه.
ذكرني هذا الموقف بقصة من التراث حول العالم العراقي (أبو الحسن الأصفهاني) مع طالبه النجيب في سامراء، والذي كان يواظب على حضور حلقات العلم لعشر سنوات ليأخذ من العلم الشرعي، وفي أحد الأيام ذهب الطالب إلى السوق ولا يحمل في يده إلا فلساً ونصف الفلس ليشتري خبزاً بفلس واحد، واتجه لبائع الخضار الذي رفض أن يبيعه الفجل بنصف فلس لأن سعره فلس واحد على الأقل، حاول الطالب أن يتفاوض مع البائع ويقنعه بأن يبيعه الفجل بنصف فلس على أن يعلمه مسألة فقهية، فما كان من بائع الخضار إلا أن سخر منه قائلا: "انقع علمك في الماء واشربه حتى تشبع منه، ما فائدة علمك الذي لا تستطيع معه أن تشتري فجلاً بفلس واحد!".
صدم الطالب النجيب وقرر ترك حلقات العلم والذهاب للعمل في إحدى المهن البسيطة، ولما افتقد العالم أبو الحسن طالبه وسأل عن عنوانه، ذهب إليه وقابله، فما كان من الطالب النجيب إلا أن قص الحكاية على أستاذه والدموع تفيض من عينيه، أعطى أبو الحسن خاتمه إلى طالبه ليبيعه ويصلح أحواله المادية، فرح الطالب بالهدية وذهب ليبيعها بألف دينار عند محلات الذهب والمجوهرات، ولما رجع الطالب لأستاذه سأله بكم باع الخاتم؟ وأين؟ فأجب الطالب: "بأف دينار عند محلات الذهب والمجوهرات!"، وهنا علق العالم أبو الحسن: "لما أردت بيع الخاتم ذهبت لمحلات الذهب والمجوهرات لأنهم يعرفون قيمته ولم تذهب لبائع الخضار الذي لا يفهم قيمة الخاتم، فكيف تقبل أن يقيم علمك بائع الخضار؟ أنا أستاذك الذي يعرف قيمة العلم الذي تتعلمه، ارجع لحلقات العلم لتكون يوماً واحداً من أكبر العلماء".
وهنا قد يتساءل البعض، ما الهدف من سرد هاتين القصتين؟ في الحقيقة لعل أهم رسالة أردت إيصالها لكل شخص طموح ومثابر هي أن لا يتأثر بتقييم سيئ أو انتقادات غير موضوعية أو حروب قائمة على الشخصنة والغيرة، هذه الإحباطات والمكائد والعقبات هي قدر كل إنسان ناجح ودليل وبرهان على التميز الذي أثار الغيرة لدى خصومك.
وختاماً، لا تسمح لكائن من كان أن يستنقص من قدرك ويحطم عزيمتك سواء كان ذلك بدافع الجهل أو الحقد وغيره، كن واثقاً من نفسك، واستفد من الانتقادات لتتطور وتعالج نقاط ضعفك، وواصل طريقك نحو النجاح، واحرص على أن تكون في المكان الذي يقدر قيمتك ويحترمك ويستثمر فيك ليطورك.
وباختصار، لا تبع الألماس في سوق السمك!
الرياض