• ×
admin

المشي إلى الخلف.. توسّع في الاستخدام الطبي لفوائده الصحية

المشي إلى الخلف.. توسّع في الاستخدام الطبي لفوائده الصحية
لتأهيل المصابين بالشلل والأمراض التنكسّية

د. حسن محمد صندقجي

طرحت دراسة أوروبية حديثة موضوع قدرة المرء على المشي إلى الوراء، ودلالات الاضطراب الناجم عن ذلك من ناحية كفاءة وظائف الدماغ.

- دراسة المشي والإدراك
وفق ما نُشر ضمن عدد 6 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي من المجلة الدولية لأبحاث البيئة والصحة العامة International Journal of Environmental Research and Public Health، قامت مجموعة من الباحثين من جامعات غرونوبل ألب في فرنسا، وكيل في ألمانيا، وسابينزا في إيطاليا، بمراجعة علمية للعلاقة بين قدرات المشي الخلفي Backward Walking ومستوى الإدراك الذهني. واتخذوا من مرض باركنسون العصبي Parkinson›s Disease نموذجاً لفحص هذه العلاقة بطريقة منهجية.
وقال الباحثون في مقدمة الدراسة «تحصل الحاجة إلى المشي للوراء في الحياة اليومية. وهو أكثر تعقيداً من المشي إلى الأمام؛ لأنه يرتبط بانخفاض مستوى التنسيق الحركي. ومع ذلك، فمن غير الواضح ما إذا كان الانخفاض في أداء المشي الخلفي مرتبطاً بضعف قدرات الإدراك الذهني Cognitive Deficits». وبرر الباحثون اتخاذهم نموذج مرض باركنسون، بقولهم، هو مرض عصبي يحصل فيه بشكل شائع عجز قدرات الحركة في المشي، كما يحصل فيه عجز معرفي ذهني.
ومعلوم أن ما يحصل في مرض باركنسون هو انتكاس عصبي، يتميز بأعراض حركية وغير حركية. ومن بين الأعراض «غير الحركية»، يحصل بشكل شائع ضعف إدراكي على هيئة انخفاض في العديد من الوظائف المعرفية (خاصة في المجالات التنفيذية، والانتباه، والمجالات البصرية المكانية Visuospatial Domains)، عند المقارنة بالبالغين الأصحاء المتطابقين في العمر، وفق ما أفاد به الباحثون.
وبالمقابل، فإن ضعف المشي واضطراب التوازن، هما أيضاً من مظاهر «العجز الحركي» الشائع لدى مرضى باركنسون العصبي. ومنه اضطراب «طريقة المشي»، الذي يؤثر بشكل كبير على نوعية حياة أولئك المرضى الذين يعانون بالأصل من انخفاض الاكتفاء الذاتي (الاعتماد على النفس) في الأداء الحركي، ويزيد من احتمالات حدوث حالات السقوط لديهم.

- طريقة المشي
وتفيد المصادر الطبية، بأن طريقة المشي (المشية) Gait لدى الإنسان، لها مرحلتان أساسيتان في حركة القدم الواحدة، هي مرحلة الوقوف Stance Phases ومرحلة التأرجح Swing Phases. وتتكون مرحلة الوقوف من الوقت الذي تكون فيه القدم ملامسة للأرض، وتتكون مرحلة التأرجح من الوقت الذي تكون فيه القدم في الهواء. وتتميز المشية لدى مرضى باركنسون، كمثال على اضطراب المشي، بمرحلة تأرجح أقل، وسرعة مشي أبطأ، وطول خطوة أقصر Stride Length.
وطول الخطوة هو المسافة بين تلامسين اثنين متعاقبين لقدم واحدة خلال المشي. وقد لا يتغير تردد الخطوة Step Frequency لدى مرضى باركنسون، مقارنة بغيرهم، باعتبار أن تردد الخطوة آلية تعويضية لقصر طول الخطوة عند الحفاظ على نفس سرعة المشي.
والبشر الطبيعيون في الحياة اليومية، يمشون في اتجاهات متعددة إضافة إلى المشي للأمام، بما في ذلك المشي على الجانب Side - Stepping والمشي للخلف. ولكن المهم في الأمر، أن غالباً ما تحدث هذه المهام غير المعتادة (المشي للخلف أو على الجانب) للضرورة ودون سابق إنذار وعن غير قصد. وحينها يكون من المهم جداً توفر كفاءة قدرة القيام بها، منعاً للسقوط أو الانزلاق.
وبالأساس، عند المشي للخلف عمداً، تبدو المهمة معقدة، ومستوى قدرة التنسيق فيها منخفض، وذلك حتى لدى الإنسان الطبيعي. كما أن من المتوقع بطء السرعة عند المشي إلى الوراء، تبعاً لسلوك الحذر الغريزي. ومع التقدّم في العمر، ورغم البطء مع تدني الحذر من المرء، ترتفع خطورة السقوط. ولذا؛ أفاد الباحثون بالقول «ومن ثمَ، غالباً ما يُستخدم المشي إلى الوراء في العلاج الطبيعي لتحسين خصائص المشي وحركة الأطراف السفلية؛ إذْ يُحسّن المشي المتكرر للخلف نطاق حركة الركبة والورك والكاحل، والقوة والتنسيق Coordination لدى الأطفال المصابين بالشلل الدماغي Cerebral Palsy ولدى الأفراد البالغين المصابين بأمراض الجهاز العصبي والعضلي الهيكلي».
وكانت «المجلة الدولية لأبحاث البيئة والصحة العامة» قد نشرت في عدد مارس (آذار) الماضي دراسة مراجعة طبية لباحثين من الصين بعنوان «التدريب على المشي الخلفي يؤثر إيجابياً على تحسين القدرة على المشي بعد الإصابة بالسكتة الدماغية». وفيها قال الباحثون من جامعة شنغهاي ما مفاده «بمراجعة نتائج سبع دراسات سابقة، وجدنا أن التدريب على المشي الخلفي له تأثير إيجابي على تحسين وظيفة المشي بين المرضى بعد الإصابة بالسكتة الدماغية. بما في ذلك اختبار المشي للخلف 10 أمتار، بإيقاع Step Cadence 4 خطوات في الدقيقة، ومعدل طول الخطوة 7 سنتيمترات».

- مرض باركنسون
وتجدر ملاحظة أن طريقة المشي، في أي اتجاه بالعموم، تعتمد على المعلومات التي تصل إلى الدماغ من مصادر متعددة من الحواس (البصر، اللمس، السمع،...)، وأيضاً على كفاءة المسارات العصبية النازلة من جذع الدماغ إلى النخاع الشوكي. وكذلك من منطقة العقد القاعدي والمخيخ اللذين يؤثران على العمليات التلقائية والمعرفية للمشي. إضافة إلى سلامة الأطراف من أي أمراض أو اضطرابات في المفاصل أو العضلات أو الأعصاب، أو تراكيب القدم بالذات.
وبالعودة إلى الدراسة الأوروبية الحديثة، أفاد الباحثون بأن مرضى باركنسون يعانون من عجز في المشي إلى الأمام، كما يعانون من عجز أكبر في المشي الخلفي (مقارنة بالمشي إلى الأمام)، وانخفاض في سرعة المشي للخلف.
وتحديداً، عند المشي في ظروف غير مألوفة، كالمشي للخلف، يزيد العبء المعرفي للتحكم في وضع الجسم أثناء ذلك. ما يؤدي أثناء المشي للخلف، إلى خطوات أبطأ وأقصر وأكثر تأرجحاً وأعلى نسبة في وقت التوقف، لدى المرضى الذين يعانون من مرض باركنسون، مقارنة بغيرهم. وقد يؤدي ضعف الوظيفة الإدراكية إلى السقوط آنذاك. وأفاد الباحثون «تشير الأدلة إلى أن الضعف الإدراكي قد يكون عاملاً أساسياً فيما يتعلق بأداء المشي للخلف».

الشرق الأوسط
بواسطة : admin
 0  0  89