عبق الذكرى الطلالية!
عبق الذكرى الطلالية!
مساعد العصيمي
لا أذكر متى رأيت صديقي "أبو يزيد" يبكي للمرة الأولى، لا سيما وأنني معه في كل أفراحنا وأتراحنا منذ 50 عاماً.. لم أشاهد ذلك عليه في صدمته في وفاة أخيه، لكني رأيت دمعة مجلجة تسقط من عينه وأنا أخبره أن طلال مداح قد توفي على المسرح، لم أفاجأ! فقد كان يربطنا حب طلال أكثر، نردد أغانيه نسمعها باستمرار.
تلك الدمعة ارتبطت بكل ذكرى لطلال، حتى أن أحدنا لم ينفك عن التضحية لطلال يوم عيد النحر، كنت أعتقد أن تلك الحالة الطلالية خاصة بي وصديقي، ولكن مع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي أدركت أن طلال موجود لدى كثيرين، ليس سعودياً فقط، فهو يكاد يكون الأيقونة المتوفية الأكثر ذكرى خليجياً، طلال لم يكن ملكية خاصة لنا، بل عطاء يمتد للجميع، يجدون فيه نغماً خالداً يوجد في أجهزتهم المحمولة و"سيدياتهم" المتنقلة.
في مدينتي الرياض قبل الثمانينات الميلادية لم يكن هناك أكثر من صوت طلال تسمعه خارجاً من ركن منزل وتصدح به الأزقة والمحلات والسيارات العابرة، والتلفزيون والراديو لا يملّان تكراره، بل إن كلمات أغانيه كانت أيقونة ويضرب بها مثلاً، وترديد الحانة تفضيلاً وهواية بين الشباب، رافق صوت طلال مداح علاقة الجميع بالبلد "وطني الحبيب"، وبالنغم والحب "عطني المحبة"، وبالمدينة "قولوا للغالي"، وبكل ما هو عربي، فقد غنّى للعرب بلهجاتهم المصرية واللبنانية والتونسية واليمنية والمغربية والعراقية والسودانية.
من يعرف حب الوطن فالأكيد أنه قد عرف طلال مداح، ذلك الكروان الذي ترنم الناس بصوته الجميل حتى ارتبط بتراب الوطن، حتى جعل لكل منا أغنيته المفضلة نتذكرها بشدو طلال، وما نلبث إلا أن نضعها بصوته العذب، لتحضر بضع كلمات تنغمس في القلب طرباً، كل منّا يشعر أنه صاحبها ومبدع لحنها.. يتصور أنه يشبهه، فهو لم يتكلف، ولم يجعل الفن ميداناً للتكسب.
هنا لم يكن المستشار تركي آل الشيخ إلا واحداً ممن يشبهوننا في "الانغماس الطلالي"، لكن هو تفوق على الجميع في الوفاء له، حين بثّ روحه الفنية من جديد بعبق قادة الفن الآن، وإحياء الذكرى العظيمة لذلك النغم الخالد، أرادها احتفالية مبنية على تقدير عظيم لذلك الرمز، وكانت بالفعل.. لكن يا الله! تمنيت أن أكون وصديقي "أبو يزيد" في الصف الأول لكن خشيت أن لا أستطيع، من فرط أن دموع المحب قد تشغله عن عبق الذكرى الطلالية.
ما علينا من التمني.. فطلال ترك إرثاً فنياً غنياً للعالم العربي، لذا لن تبرح حفلة "ليلةصوتالأرض" ذاكرتي؛ فمن أرادوا أن يصدحوا بنغم صوت الأرض هي أسماء مرموقة، مقبولة، أردد أغاني طلال معها، أبحث فيها عن السعادة التي تمرّ عابرةً في الرأس، لأنها تذكّر بالنغم الخالد، وأجزم أنها هذه المرة وكونها تكريماً وذكرى لن تنقلب بسرعة إلى مرارة مثلما كان يحدث من قبل، حين أفتح عيني لأرى أنها تخرج بابتذال من باحث عن مجد باستخدام أغاني الصوت الخالد.
الرياض
مساعد العصيمي
لا أذكر متى رأيت صديقي "أبو يزيد" يبكي للمرة الأولى، لا سيما وأنني معه في كل أفراحنا وأتراحنا منذ 50 عاماً.. لم أشاهد ذلك عليه في صدمته في وفاة أخيه، لكني رأيت دمعة مجلجة تسقط من عينه وأنا أخبره أن طلال مداح قد توفي على المسرح، لم أفاجأ! فقد كان يربطنا حب طلال أكثر، نردد أغانيه نسمعها باستمرار.
تلك الدمعة ارتبطت بكل ذكرى لطلال، حتى أن أحدنا لم ينفك عن التضحية لطلال يوم عيد النحر، كنت أعتقد أن تلك الحالة الطلالية خاصة بي وصديقي، ولكن مع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي أدركت أن طلال موجود لدى كثيرين، ليس سعودياً فقط، فهو يكاد يكون الأيقونة المتوفية الأكثر ذكرى خليجياً، طلال لم يكن ملكية خاصة لنا، بل عطاء يمتد للجميع، يجدون فيه نغماً خالداً يوجد في أجهزتهم المحمولة و"سيدياتهم" المتنقلة.
في مدينتي الرياض قبل الثمانينات الميلادية لم يكن هناك أكثر من صوت طلال تسمعه خارجاً من ركن منزل وتصدح به الأزقة والمحلات والسيارات العابرة، والتلفزيون والراديو لا يملّان تكراره، بل إن كلمات أغانيه كانت أيقونة ويضرب بها مثلاً، وترديد الحانة تفضيلاً وهواية بين الشباب، رافق صوت طلال مداح علاقة الجميع بالبلد "وطني الحبيب"، وبالنغم والحب "عطني المحبة"، وبالمدينة "قولوا للغالي"، وبكل ما هو عربي، فقد غنّى للعرب بلهجاتهم المصرية واللبنانية والتونسية واليمنية والمغربية والعراقية والسودانية.
من يعرف حب الوطن فالأكيد أنه قد عرف طلال مداح، ذلك الكروان الذي ترنم الناس بصوته الجميل حتى ارتبط بتراب الوطن، حتى جعل لكل منا أغنيته المفضلة نتذكرها بشدو طلال، وما نلبث إلا أن نضعها بصوته العذب، لتحضر بضع كلمات تنغمس في القلب طرباً، كل منّا يشعر أنه صاحبها ومبدع لحنها.. يتصور أنه يشبهه، فهو لم يتكلف، ولم يجعل الفن ميداناً للتكسب.
هنا لم يكن المستشار تركي آل الشيخ إلا واحداً ممن يشبهوننا في "الانغماس الطلالي"، لكن هو تفوق على الجميع في الوفاء له، حين بثّ روحه الفنية من جديد بعبق قادة الفن الآن، وإحياء الذكرى العظيمة لذلك النغم الخالد، أرادها احتفالية مبنية على تقدير عظيم لذلك الرمز، وكانت بالفعل.. لكن يا الله! تمنيت أن أكون وصديقي "أبو يزيد" في الصف الأول لكن خشيت أن لا أستطيع، من فرط أن دموع المحب قد تشغله عن عبق الذكرى الطلالية.
ما علينا من التمني.. فطلال ترك إرثاً فنياً غنياً للعالم العربي، لذا لن تبرح حفلة "ليلةصوتالأرض" ذاكرتي؛ فمن أرادوا أن يصدحوا بنغم صوت الأرض هي أسماء مرموقة، مقبولة، أردد أغاني طلال معها، أبحث فيها عن السعادة التي تمرّ عابرةً في الرأس، لأنها تذكّر بالنغم الخالد، وأجزم أنها هذه المرة وكونها تكريماً وذكرى لن تنقلب بسرعة إلى مرارة مثلما كان يحدث من قبل، حين أفتح عيني لأرى أنها تخرج بابتذال من باحث عن مجد باستخدام أغاني الصوت الخالد.
الرياض