التدخين، وآثاره الاقتصادية
التدخين، وآثاره الاقتصادية
أ.د. ناصر أحمد سنه
يمثل التدخين تحدياً صحياً وتعليميا واجتماعياً وبيئياً واقتصادياً، وللتداخل الكبير بين هذه الجوانب الخمس ستحاول السطور التالية التركيز علي الجانب الأخير منها وهو التدخين وآثاره الأقتصادية، وكيف يمكن تحويله من اقتصاد خسائر وأضرار إلي اقتصاد مكاسب ومنافع؟.
ووفقاً للتنظير الاقتصادي، فإن المستهلكين هم أفضل من يحكم على كم وكيف إنفاقهم على السلع والخدمات، وعندما يعي الأفراد مسئوليتهم عن توجهاتهم الاستهلاكية، وما يرتبط بها من منافع ومكاسب ومصالح، أو مخاطر وخسائر وأضرار، فإن موارد المجتمع تكون ـ نظرياًـ قد خصصت بأقصى كفاءة ممكنة، فهل ينطبق ذلك على اقتصاديات التدخين؟.
التبغ Nicotiana tabacum نبات من الفصيلة الباذنجية وله انواع مختلفة باختلاف مواطن زراعته، وتقطف اوراقه وتجفف وتخمر ثم تلف وتسحق وتقطع بأشكال تبعا للقصد من الاستعمال (صناعة السجائر او دخان الغليون وما شابه)، وتفننت صناعة التبغ في منحه روائح عطرية بمزجه مع بعض المواد الخاصة. لقد تبين أنه دخان السيجارة يشتمل علي ما يزيد عن 4000 مركب كيمائي سام منها 43 مركب مسرطن.
ومع نهايات القرن الفائت تضاعف الإنتاج العالمي من أوراق التبغ، وبخاصة في الدول النامية، حيث زاد الإنتاج بمعدل 128% ما بين 1975م ـ 1998م، وهو آخذ بالازدياد. ويتم زراعته في 100 دولة، حيث تـُشجع وتمول هذه الزراعة، وما يرتبط بها من صناعة وتجارة وشركات دولية (يعدونه من أربح التجارات العالمية)، ومن نتائج ذلك التنافس عدم استقرار أسعار التبغ حيث قلت أسعاره بنسبة 37% ما بين 1985م ـ 2000م، مما أدي إلى زيادة استهلاكه.
تأتي الولايات المتحدة في طليعة البلاد المنتجة للتبغ، ويليها الصين فالهند فروسيا فاليابان. والعديد من البلدان مستورد لأوراق التبغ ومنتجاته. ففي العام 2002م، كان هناك ثلاثين من بين 161 دولة استوردت من أوراق التبغ أكثر مما قامت بتصديره، وهناك 19 دولة لها ميزان تجاري سالب في منتجات التبغ بما يزيد عن 100 مليون دولار، ومنها كمبوديا وماليزيا ونيجيريا وكوريا ورومانيا وفيتنام.
يتم تصنيع حوالي 2500- 3000 مليار لفافة (سيجارة) سنويا في العالم ، أي ما يعادل 600- 800 سيجارة لكل فرد من سكان المعمورة(وفق إحصائيات نهايات القرن الماضي)، ويضاف إلي ذلك العدد نحو 25 مليار من السيجار الغليظ، وحوالي 400 ألف طن من التبغ المهيأ للتدخين في أشكال أخري. وينشط الاتجار بالسجائر المهربة في السوق السوداء، فتُجلب وتباع بشكل غير قانوني مع تجنب الضرائب، وتباع بأسعار أقل مما يقود إلى زيادة المبيعات والاستهلاك.
ويوجد أكثر من مليار مدخن في العالم، ومن المتوقع أن يرتفع العدد إلي أكثر من مليار ونصف المليار بحلول عام 2025م. ومتوسط ما يدخن الفرد الأمريكي (الذي تجاوز 15 عاما من العمر) نحو 3900 سيجارة سنوياً، والكندي (3100)، والسويدي(2800)، أما الإنجليزي والأسترالي والفرنسي فيتعاطون 1400 سيجارة سنويا. أما بالنظر إلي مشتقات التبغ الأخرى، فيأتي الفرد السويدي في المقدمة حيث يستهلك نحو 5.4 كجم سنوياً، فالأمريكي 4.8 كجم فالكندي 4.5 كجم. أما متوسط إجمالي ما تعاطاه أفراد قد قضوا بسبب سرطان الرئة، وبأعمار متوسطها 62 عاما، فكان 389 ألف سيجارة خلال حياتهم المنقضية.
يشير مكتب الإحصاء الاتحادي الألماني أن نحو 27 % من الأشخاص الذين تبلغ أعمارهم 15 عاما فأكثر يدخنون، وقد زادوا من إنفاقهم على التدخين بنسبة 3.9 % في الربع الأول من العام الجاري(2007م)، عما كان عليه الحال قبل عام، رافعين إجمالي ما أنفقوه إلى 6.2 مليار يورو. وأضاف أنه برغم زيادة الضرائب فإن 24 مليار سيجارة بيعت في أول ثلاثة أشهر من العام بزيادة 6.8 % عنها في الربع الأول من 2006 م. وقد تسببت الأمراض المتصلة بالتدخين (سرطان الرئة والفم والحنجرة وعنق الرحم، وأمراض ضيق شرايين القلب وارتفاع ضغط الدم، والسكتة القلبية، التهاب القصبة، وانتفاخ الرئتين والسل الخ) في وفاة نحو 140 ألف ألماني سنويا. ويعارض سياسيون ألمان اتباع خطى إيطاليا وفرنسا وأسبانيا وأخيرا في بريطانيا في فرض حظر على التدخين في الأماكن العامة، وبعد جدل طويل توصلت حكومات الولايات الألمانية إلى تسوية تسمح بتخصيص قاعات للمدخنين، والجدير بالذكر أن الحكومة الألمانية تجبي نحو 14 مليار يورو سنويا كعائدات من ضرائب التبغ أي ما يعادل نحو 1.5 % من الميزانية العامة للبلاد.
ونسبة المدخنين بين فئات العمر (15-40 عام) في مصر بلغت حوالي 40% بالنسبة للذكور، ومن 3-5% للإناث، والتدخين يحصد نحو 21 % من الوفيات، ويستنزف من ميزانية الرعاية الصحية نحو 3 مليار دولار سنويا، فضلاً عن حوادث الحريق، وتلويث البيئة، وانخفاض إنتاجية ودخل الفرد المدخن، كما أنه ينحرف بسلوكيات الأبناء ويهدد صحتهم ومستقبلهم.
فيما بين عامي 1995- 1997م ازداد نصيب الفرد اليمني من استهلاك التبغ من 804 إلي 811 سيجارة/ سنويا، مما أدي إلي ازدياد الاستهلاك الإجمالي من 6202 إلي 6744مليون سيجارة/ سنويا. والتدخين في اليمن مشكلة كبري ترتبط بمشكلة تعاطي القات، حيث أن معظم المخزنين يدخنون، والكثير منهم لا يدخن إلا أثناء تناول القات، وفي دراسة بجامعة صنعاء تبين أن 77% من الرجال و 29% من الإناث يدخنون، وفي دراسة بجامعة عدن وجد أن 19.6% من طلاب الثانوية يدخنون، وكانت نسبة الذكور 21.9%، والإناث 15.5%، كما وجد أن حوالي 16% من طلبة المدارس الإعدادية يستخدمون أنواع من التبغ (19.4% من الذكور، 11.7% من الإناث). أما بالنسبة للسجائر فقد أظهرت النتائج أن 12.1% قد دخنوا أو يدخنون السجائر حالياً(16.4%%من الذكور 6.3%من الإناث) كما يوجد حوالي 43.4% من الطلبة يتعرضون للتدخين السلبي في بيوتهم، وأن 50.2% يتعرضون للدخان خارج البيت، وأن حوالي 47.2% من الطلبة يدخن أحد والديهم على الأقل.
أرقام عن اقتصاديات التدخين في اليمن فيما بين عامي 1955-2000م:
البند وحدة القياس سنة 1955م سنة 2000م
السجائر المستوردة مليون سيجارة 32 150
السجائر المصدرة مليون سيجارة 370 250
أوراق التبغ المستوردة طن 9231 6243
أوراق التبغ المصدرة طن 63 14
إنتاج السجائر مليون سيجارة 6540 =====
محصول أوراق التبغ طن 8069 11613
الأرض التي حولت لزراعة التبغ (% من الأرض الزراعة) الهكتار ( % ) 4046 (0.02%) 5347 (0.03%)
ومن اللافت ارتفاع معدل استخدام التبغ في أوساط الفقراء، والفقير ينفق ـ نسبيا ـ جانبا أعلي من دخله على التبغ أكثر مما ينفق الغني، والعائلات الأكثر فقراً تنفق عليه نحو عشرة أضعاف ما تنفقه على التعليم/ التغذية، كما أن المخاطر الصحية المرتبطة بالتدخين تتهدد الفقراء المعدمين بدرجة أكبر، بالإضافة إلى أن استهلاك التبغ يحرمهم من فرص العمل ويقلل من إنتاجيتهم، وهم لا يملكون سوى العمل كوسيلة لكسب المال، مما يترتب عليه تكريس الفقر والجهل والمرض، فإذا كان متوسط عمر شخص (60 عام) كان قد بدا التدخين في العشرين من عمره، وينفق متوسط حوالي 5 جنيهات مصرية يوما (150 ج شهريا، 1800ج سنويا)، فقد انفق خلال أربعين عاما 72 ألف جنية.
والمدخنون من طلاب النيجر ينفقون نحو 40% من دخلهم علي السجائر، كما تصرف العمالة اليدوية 25% من دخلها، والعائلات ذات الدخل المتوسط وبها مدخن واحد تنفق نحو 10.6% من دخلها علي التبغ ومنتجاته. وفي نفس المجال تنفق الشريحة الأقل دخلاً في إندونيسيا 15% من إجمالي مصروفاتها الشهرية، وعائلات في التبت تصرف 5.5% من دخلها الشهري، وفي نيبال وصل الأنفاق ـ لدى العائلات الأقل فقراً ـ 10% من مصروفاتهم السنوية. وفي فيتنام يصرف المدخنون سنويا ما يوازي 3.6 أضعاف مما يصرفون على التعليم،2.5 مما ينفقون على الملابس،1.9 مما يصرف على العناية الصحية (وفق أرقام تسعينات القرن الفائت).
حسب الإحصاءات الرسمية لمصلحة الجمارك السعودية عن واردات التبغ فإنه وخلال الثماني سنوات الماضية(1998 - 2005م) وحدها قد تم استيراد قرابة (300) ألف طن من التبغ بقيمة إجمالية تعد بعشرة مليارات ريال. أما الخسائر المادية لعلاج الأمراض التي تسبب فيها التدخين، فقد حددها معالي وزير الصحة في الندوة الخليجية الثانية عشرة لمكافحة التبغ المنعقدة بالرياض بأنها تقدر سنوياً بـ(5) مليارات ريال، وعن خسائر الحرائق التي تحدث بسبب التدخين لسعادة الفريق سعد بن عبد الله التويجري حيث يقول: إن حوادث الحرائق التي حدثت خلال العام (1426هـ) وكان التدخين سبباً مباشراً فيها بلغت (2570) حادثاً، وكم ستكون الخسائر التي حدثت بسبب هذه الحرائق؟. وفي الإحصائيات العامة لمنظمة الصحة العالمية تقدر خسائر الحرائق بأنها تساوي 30% من الخسائر التي تحدث بسبب التبغ. كما أن هناك خسائر أخرى للتدخين السلبي وهو استنشاق غير المدخن لما ينفقه المدخن مما قد يحدث مزيداً من الأمراض التي تحتاج بالطبع لتكاليف علاج يمكن أن تضاف إلى فاتورة الـ(5) مليارات. هناك خسائر أخرى وهي ساعات العمل المفقودة بسبب تعاطي الدخان وبالرغم من أنه لا يوجد إحصائيات دقيقة بشأنها إلا أنها تمثل رقماً قد يكون مؤثراً إذا ما وضعنا في الحسبان أن نسبة كبيرة من العاملين والموظفين هم من المدخنين، ثم يأتي الحديث عن الخسائر التي اعتبر أنها (منطقية ولا منطقية) وهو ما تتكبده الجهات العاملة في مجال مكافحة التبغ من خسائر في سبيل نشر ثقافة الامتناع عن التدخين والتوعية بأضراره وعلاج المدخنين من أوبائه. نعم منطقية لأنها تمثل توجهاً مهماً ونبيلاً في مجال تحجيم انتشار هذه الوباء والعمل على إيقاف تمدد آثاره السالبة على حياة الفرد والمجتمع والدولة وغير منطقية لأننا يجب ألا نكون بحاجة إلى ميزانية لتكافح شيئاً ضاراً نستجلبه بأنفسنا ونخسر عليه المليارات وعلى نتائج ممارسته أضعافها.
العبارة التي تكتب على ظهر باكيت الدخان وهي (التدخين ضار بالصحة) هي عبارة واضحة ولا تحتاج إلى شرح أو تفسير، فأين مسؤولية وزارة الصحة تجاه مادة مستوردة من الخارج تقر الشركات المصنعة لها بأنها ضارة بالصحة والأدهى أن وزارة الصحة تخصص ميزانية سنوية لبرنامج مكافحة التدخين التابع لها وهي (10) ملايين ريال. والسؤال المنطقي هو: لماذا توافق الوزارة على دخول مادة مضرة بالصحة ثم تقوم بتكوين إدارة لمكافحتها؟ كما أن معالي وزير الصحة اعترف وكما أشرت سابقاً إلى أن ما ينفق على علاج أمراض التدخين سنوياً يبلغ (5) مليارات ريال أليس هذا كله هدراً لمواردنا الوطنية وسلامة أفراد مجتمعنا؟
وما يزيد على المليار ونصف المليار سنوياً ننفقه على استيراد التبغ بأشكاله المختلفة (وهي أرقام تزداد سنوياً).فهل يعقل أن ندفع فاتورة منتج (نستورده بإرادتنا) من رصيدنا الاقتصادي ثم نأتي ونخصص ميزانية من رصيدنا الاقتصادي أيضاً لمكافحته؟ الخسائر التي تحدث في هذا الإطار قد يصعب حصرها فقط نتمنى من الجهات المسئولة والمعنية أن تكفي اقتصادنا ومجتمعنا شر هذا الداء وأن تعمل بيد واحدة للحد من انتشاره إن لم يكن (التوقف كلياً). قد يكون هذا المقترح مثالياً وغير مقبول في العصر الحاضر. فأنقلكم إلى معادلة أخرى: وهي أننا وبالحسابات التقديرية نتكبد خسائر تقدر بـ(20) مليار ريال سنوياً بسبب التبغ، في الوقت الذي نضع له ميزانية.
وكانت التكاليف المباشرة وغير المباشرة للتدخين قد كبدت الاقتصاد السعودي نحو 41 مليار ريال منها 25 مليارا لعلاج أمراض التبغ (نقلا عن رئيس لجنة المياه والمرافق والخدمات العامة في مجلس الشورى السعودي).
أما في الصين فقد وصلت تلك التكاليف إلي 6.5% مليار دولار سنوياً، ووفيات تصل إلى 3 مليون/عام، وهناك حوالي 650 مليون شخص نصفهم من المرحلة العمرية المنتجة يمكن أن يتعرضوا للوفاة بسبب التدخين، لذا فإن هذه التكاليف وتلك الوفيات المبكرة يمكن أن يكون لها تأثير مأساوي على الاقتصاد الصيني الصاعد. كما إن التدخين يُسبب أكثر من نصف حالات الموت بالسل في الهند.
واستنادا إلي دراسة الأعمار المتوسطة للشعوب دلت الدراسات إلي أن تدخين سيجارة واحدة يقصر متوسط العمر المتوقع للفرد بما لا يقل عن 5-6 دقائق، أي أن الفرد الذي يبلغ عمره 25 عاما ويستهلك 20 سيجارة يوميا يتوقع أن ينتقص عمره وسطيا بمقدار 4.6 سنة، أما الذي يستهلك 40 سيجارة يوميا فينتقص من عمره بمقدار8.3 سنة.
لذا فتقارير منظمة الصحة العالمية تشير إلي إن تدخين التبغ يتسبب في وفاة 5 ملايين شخص سنويا بمعدل فرد كل 7 ثواني. والأمراض المرتبطة به مسؤولة عن واحدة من كل عشر وفيات بين البالغين عالمياً. وبحلول عام 2020م سيكون المعدل 7 من كل 10 وفيات. وهي تعتبر التبغ القاتل الأول في العالم (وباء العصر أو الطاعون البني)، فبين عامي 1990- 1999م أودى بحياة 21 مليون شخص نصفهم ما بين سن 35 - 65 سنة. في حين يتوقع أن تتزايد أعداد الوفيات السنوية لتصل إلى 10 ملايين شخص ما بين 2020-2030م، كما أن بحلول عام 2020م سيكون أكثر من 70% من وفيات البلاد النامية بسبب التبغ مما يجعل التدخين اكبر سبب منفرد للوفاة.(ومعدل الموت بسببه أكثر 25مرة من معدل الموت بسبب حوادث السيارات أو شرب الخمر أو التسمم أو القتل أو الأمراض المعدية كالإيدز).
ففي الولايات المتحدة وحدها (وحسب أرقام قسم الصحة العامة في جامعة كاليفورنيا في ثمانينيات القرن الماضي) كان التدخين المسئول الأول عن الوفيات المبكرة والبالغة 350 ألف وفاة سنوية، بينما الوفاة بالأمراض التاجية مثلت 365 ألف وفاة سنويا منها علي الأقل 30% (170) ألف حالة وفاة تعود إلي التدخين. وكانت وفيات السرطان السنوية حوالي 412 ألف منها 12500 وفاة بسبب التدخين، واكثر من 80% منها ناتج عن سرطان الرئة. وقد ارتفعت نسبة الوفاة بسبب سرطان الرئة من 18300 وفاة عام 1950م إلي 98400 وفاة العام 1979م. بينما يُعزي إلي التدخين التسبب في حوالي 85% سرطان الحنجرة، وله دور كبير في سرطان المثانة والبنكرياس.
والدراسات المقارنة أوضحت ازدياد معدل الوفاة بالسكتة القلبية عند المدخنين بمقدار 1.2- 1.5 بالمقارنة بغيرهم من غير المدخنين، كما إن النساء المدخنات اللواتي يتعاطين مضادات الحمل اكثر تعرضا للوفاة بالسكتة من غير المدخنات، وأن النسبة قد تصل إلي 21.9%. يضاف علي ذلك أن أطفال المدخنات يولدون بوزن اقل بحوالي 200جرام عن المتوسط الطبيعي (2500جرام)، وتتضاعف الولادات المبتسرة لدي المدخنات عنها عند غير المدخنات، كما ترتفع نسبة الكربوكسي هيموجلوبين في دماء الأجنة والأمهات المدخنات مما يقلل ارتباط خلايا الدم الحمراء بالأكسجين، ويقلل تروية الأنسجة به، مما يعرض الأجنة لاحتمالات الاختناق.
كما وُجد أن التدخين حول الأطفال، وبخاصة الرضع ومن في طور النمو الجسماني المتسارع (التدخين السلبي) يعرضهم لاستنشاق ما يعادل 102علبة سجائر حتى سن الخامسة، مما يعرضهم لمشاكل طبية حادة وخطيرة (متلازمة الموت الفجائي، والالتهابات التنفسية، والربو الخ)، فالنيكوتين له تأثير قوي على أدمغة الأطفال، وعلي العموم فضرر التدخين السلبي يؤثر علي الأطفال والمراهقون (وبخاصة المراهقات)، وقد يكونون أسرع اكتسابا لعادة التدخين من نظرائهم غير المعرضين للتدخين السلبي.
ويعتقد الكثيرون من مدخني \"الشيشة\" (ازداد إقبال الشباب والنساء والعائلات، بما في ذلك أطفال، على الشيشة وذلك لاحتوائها على خليط من الفواكه والعسل والتبغ المخلوط بنكهات الأعشاب، حتى أن بعض طلاب الجامعات يدخنونها في أماكن قريبة من جامعاتهم) بأنها قليلة المضار، لأن الدخان يمر عبر الماء، ولكن العديد من أمراض المرتبطة بالتدخين مثل سرطان الفم والرئة وعنق الرحم، وأمراض الرئة والإدمان مرتبطة أيضا بتدخين تلك الشيشة.
لماذا يدفع المدخنون المال؟
يقول المدخنون أنهم يشعرون بـ\"منافع\" للتدخين كالمتعة، وتجنب/ هروب من واقع مؤلم، وخوفا من متاعب/ وعدم قدرة عن الامتناع عنه. وهم يوازنون بين هذه المنافع (المتوهمة) وبين التكاليف المالية التي يتحملونها باختيارهم، ومن وجهة النظر تلك تكون المنافع التي يحققونها أكبر من التكاليف، وإلا فإنهم لن يدفعوا المال ليدخنوا، ولكن خيار التدخين يختلف عن خيار شراء سلعة استهلاكية أخرى من ثلاث نواح:
- إدمان النيكوتين يبدأ عادة في سن المراهقة أو في مرحلة البلوغ المبكرة والمتقلبة، ولا يكون لدى الشباب عادة، وحتى عند إعطائهم المعلومات اللازمة، القدرة والرؤية لسليمة لاتخاذ القرار.
- العديد من المدخنين، وخاصة في بلدان الدخل المنخفض لا يدركون تماما المخاطر العالية للأمراض المرتبطة به.. انتهاءً بالموت الذي قد يترتب على اختيارهم. فأنت تدفع لشراء التبغ ليدمر الصحة وتدفع أيضا علي العلاج من أضراره لاستعادة عافية صحتك، وبسبب تغاضي الحكومات سعيا وراء حصيلة الضرائب علي التبغ حيث يحقق دخلا كبيرا له.
- التدخين السلبي يفرض تكاليف صحية وبيئية واقتصادية على غير المدخنين تشمل الإضرار بالصحة والمضايقة، وما يعكسه تردي إنتاجية عمل المدخنين عليهم.
ما الذي يمكن عمله لتقليل الطلب؟!
- هل تكون زيادة الضرائب على التبغ من الوسائل الفعالة في منع صغار السن من التدخين، وفي تشجيع من يدخنون على التقليل من استهلاكهم او الامتناع عن ذلك؟. هذا التدخل قد يكون له تأثير على عادات التدخين لدى الصغار والمراهقين، لأنهم أكثر من الكبار استجابة لرفع الأسعار(وفقا لدخلهم المالي)، والدلائل الاقتصادية عن مستويات الدخول تبين أن لزيادة الأسعار أثرا ملموسا في تقليل الطلب/ والاستهلاك للسجائر. ولقد أثبتت هذه السياسة في أماكن كثيرة جدواها لتقليل الطلب، وعليه فإن الدعاوى التي تطلقها شركات السجائر عن المضاعفات السلبية الناتجة عن رفع الأسعار يجب أن لا تؤثر على صانعي القرار. لكن من جهة أخرى تشير منظمة الصحة العالمية حول اتجاهات سعر التبغ بين عامي 1990-2000م في أكثر من 80 بلداً بأنها أصبحت أغلى في الدول الصناعية، وأرخص كثيرا في الدول النامية, وتحذر بأن الخطر مستقبلاً يكمن في منتجات التبغ الأرخص، والتي ستؤدي إلى تزايد الاستهلاك وشيوع أمراضه وتفاقم معدلات وفياته.
- للحكومات ان تستخدم وسائل أخرى لتقليل الطلب مثل:الحملات المتتالية والجادة: \"عفوًا.. لا نبيع السجائر لأبنائنا الصغار\"، مع المنع الشامل للإعلان عنها أو الترويج لها، مما يمكن أن يقلل الطلب بحوالي 8%.
-الإعلانات المضادة في وسائل الإعلام وإبراز بطاقات التحذير الخاصة بالصحة، والمطبوعات ونشر نتائج الأبحاث المتعلقة بالآثار الصحية للتدخين.
- منع التدخين في المدارس والجامعات، وأماكن العمل والطائرات والأماكن والمرافق العامة.
- توفير الدعم اللازم للمدخنين الراغبين في الإقلاع عنه، عبر توفير العقاقير المساعدة، وإلغاء القيود على علاجات الإحلال محل النيكوتين وغيرها، واستحداث وحدات ومراكز خاصة للمساعدة الجماعية على الإقلاع عن التدخين، وتوفير البرامج الرياضية والصحة الغذائية. ومن اللافت للنظر أنه في دول مجلس التعاون الخليجي يوجد دعمً كبير لبرامج مكافحة التبغ، وذلك في منافسة مباشرة مع شركات التبغ التي تسعى بقوة للاستمرار والتوسع في أسواق المنطقة مما يتسبب حالياً في حوالي 45 حالة وفاة يومياً ناتجة عن التدخين في دول مجلس التعاون الخليجي. وهناك خلاصة مفادها أن الإجراء الأكثر أهمية هو زيادة سعر منتج التبغ والتنسيق بين دول المجلس في السياسات الضريبية للحد من التهريب، ويجب أن تتواصل زيادة الأسعار للوصول لأقصى نتيجة ممكنة لذلك أقترح وزراء الصحة في دول مجلس التعاون الخليجي أن تكون الزيادة في ضرائب التبغ 200% .
لماذ يتم الإخفاق في مجال تقليل العرض
- قد تنجح تدخلات تقليل الطلب، لكن تدابير تقليل المعروض من السجائر والتبغ لا تبشر بنفس النتيجة، خاصة في ظل العولمة والانفتاح والاتفاقيات الدولية، وسطوة الشركات متعددة الجنسية، وإغراء الأرباح الخرافية.. فاذا كفّ أحد الموردين عن نشاطه، فإن العشرات غيره يجدون الدوافع لدخول السوق(عام2002 م قدمت أكبر شركات التبغ في العالم أكثر من 3.2 مليون دولار على شكل حوافز لمسئولي المصانع).
- لقد اعتبرت منظمة الصحة العالمية التدخين أحد الأمراض السارية (المُعدية)، التي تنتشر من خلال رعاية المناسبات الرياضية، والإعلانات الموجودة في الملاعب الرياضية، وعلي السيارات والدراجات البخارية، والملابس الرياضية. وفي هذا المجال.. تنفق شركات التبغ مئات الملايـين من الدولارات سنوياً في جميع أنحاء العالم. لقد ذكرت كبرى شركات التبغ الأمريكية عن قيامها بإنفاق 133.6 مليون دولار أمريكي على الرياضة والأحداث الرياضية عام 1999م: \" إننا لا ننفق الأموال هباءً، فقد نال هذا الأمر دراسة وافية، وترتكز دعايتنا برمتها على سباق الدرجات البخارية لما تتميَّز به من سرعة وإثارة وجذب للشباب، وإذا شئت، للكبار أيضاً. فهؤلاء هم هدفنا في السوق المحلية. وتوضح المؤشِّرات الأولية أننا في سبيلنا لتحقيق الهدف\". هذا ما قاله أحد المسؤولين في حديث لصحيفة ساوث تشينا مورننج بوست عام 1984. - وعلى الرغم من الحظر الفيدرالي الأمريكي على إعلانات التبغ في التليفزيون، تحقق شركات التبغ، ومن خلال رعايتها لرياضة الدراجات البخارية\"فورميلا\"، أرباحا تزيد عن 150 مليون دولار سنوياً. ويوصف \"فورميلا\"، أحد سباقات الدراجات البخارية بأنه: المجال الرياضي الأمثل للرعاية من قبل تلك الشركات، لما يحظى به من الإثارة والحيوية والبريق والعالمية، والتغطية التليفزيونية الواسعة، واتساع مدته الزمنية ومساحته الجغرافية.. فهو يستمر لمدة عشرة أشهر ويشمل 16 سباقاً، تقام في 14 دولة، ويشترك فيه سائقون من 16 جنسية. وهو يحتل ـ بعد كرة القدم ـ المرتبة الثانية في الرياضات متعددة الجنسية. ويتمتع بمشاهده شعبية تليفزيونية مرة كل أسبوعين، لقد ذهبت شركات التبغ إليه لتحقق الحضور الكامل، والترويج للسجائر(فأي مثال سيحتذيه المراهقون؟ إلا تقمص ما يفعله سائقو سيارات السباق؟، والتأثر بنجوم الكريكت).
- عندما قام أحد الشركاء الهنود في مجموعة الشركات البريطانية الأمريكية لصناعة التبغ برعاية بطولة العالم في الكريكت، والتي أقيمت في الهند عام 1996، إزادت نسبة التدخين بين المراهقين الهنود إلى خمسة أضعاف. وتعتقد شركات التبغ أن وضعها شعارها وعلامتها التجارية على ملابس وتجهيزات عددٍ كافٍ من الرياضيـين والرياضيات والاستادات، سيحمل الناس على الاعتقاد خطأً بأن التدخين ليس بهذه الدرجة من السوء. وأنه إذا ارتبط التدخين بالرياضة ارتباطاً وثيقاً، فإن ذلك سيدفع الناس إلى الاعتقاد بأنه يرمز إلى كل ما ترمز إليه الرياضة من صحة ومتعة ولياقة. وتبقي الأرباح هي من نصيب شركات التبغ، أما الموت وأعباء المرض فهو من نصيب الأفراد والدول.
- فلتسويق منتج يقتل نصف مستخدميه المنتظمين، عديدة هي الإغراءات التي يجب أن تلجأ إليها كي تدفع بهؤلاء إلى الإدمان مبكراً، أحياناً في سن التاسعة؟. انظر إلى أقرب ملعب، أو إلى ظهر القميص الذي يرتديه رياضيك المفضل، أو الحقيبة، أو السترة، وانظر إلي أبطال الأفلام والمسلسلات، إلى الوثائق الخاصة بشركات التبغ التي تخبرك كيف يروجون للموت في الملاعب والأفلام والمسلسلات والأغاني، كيف تغلف الموت وكأنك تغلف الحياة، كيف لهم ان يشيعوا المرض وكأنه الصحة، والإدمان المميت وكأنه مذاق الحرية، وانتهاء الحياة وكأنه احتفال واحتفاء بها.
هل بإمكان العالم قبول مثل هذه الخسائر البشرية والاقتصادية؟
- تقدر الكلفة الاقتصادية والرعاية الصحية الواقعة على الحكومات جراء التدخين، بما يصل إلي ما بين 25- 30 مليار دولار سنوياً، مما يستنزف من موارد الدخل القومي المخصص للنهوض بالمشاريع التنموية وبخاصة في الدول الفقيرة. يوجد نحو 10.5 مليون فرد في بنغلاديش يعانون من سوء التغذية، ومن الممكن أن يحصلوا على تغذية صحية وسليمة في حالة تخصيص تلك المبالغ التي تستهلك في التبغ لصرفها في التغذية، مما يمكن من الحفاظ على حياة 350 طفل، بمعدل خمس أطفال كل يوم.
- أما في البلدان ذات الدخل المرتفع بأن التكلفة الطبية على مدى الحياة هي أعلى قليلا بالنسبة للمدخنين إلا ان بعضهم يري انه نظرا لأن المدخنين يموتون في سن مبكرة، فإن تكلفة الرعاية الصحية مدى الحياة قد لا تكون أكبر، بل من المحتمل ان تكون أقل بالنسبة للمدخنين عنها لغير المدخنين. لذا أثار صناع سياسات مخاوف بأن مكافحة التدخين ستتسبب في فقدان الوظائف، وفاتهم أن الطلب المتناقص على السجائر لا يعني بالضرورة انخفاضا في المستوى الكلي للعمالة في أي بلد، فالنقود التي كان المدخنون ينفقونها على السجائر يمكن إنفاقها على سلع وخدمات أخرى تولد وظائف جديدة، فغالب البلدان لن تشهد فقدانا للوظائف، بل إنها ستشهد مكاسب صافية إذا ما انخفض استهلاك السجائر.
- لقد طالبت 188دولة بوضع اتفاقية للسيطرة على زراعة وتصنيع التبغ وحظر الإعلانات لترويجه. وإ صدار توجيهات خاصة تتضمن تحذيرات صحية توضع على علب السجائر وزيادة الضريبة على منتجات التبغ، واتخاذ الإجراءات لخفض القطران بالسجائر،أحكام الرقابة على مطابقة أنواع السجائر والتبغ المحلية والمستوردة للمواصفات القياسية.
- ينبغي تبنى الحكومات أسلوبا متعدد الشعب، حيث تكامل أدوار الأجهزة الحكومية والإعلامية والطبية المختلفة في المشاركة في برامج مكافحة التدخين، والتبصير بمخاطره الصحية والاقتصادية والدينية والتربوية، مع التركيز على الفئات المستهدفة وهم القوى العاملة والشباب والمرأة. مع التطبيق الفوري للعقوبة الواردة في تشريعات منع التدخين بالأماكن العامة والمغلقة ووسائل الانتقال ومواقع الإنتاج وبيئة العمل.
- ويبقي اليوم العالمي لمكافحة التبغ، والذي يعقد سنوياً تحت رعاية منظمة الصحة العالمية، ويهدف إلى رفع مستوى الوعي العالمي بمخاطر التبغ، وتشجيع الحكومات على اتخاذ معايير جادة للحد من استخدامه، وحث الأفراد على الإقلاع عنه. وتولي تلك الحملة أهمية خاصة لمكافحة تدخين \"الشيشة\". كما تخطط لإصدار نداء إلى الحكومات تدعوها من خلاله إلى الحد من تصنيع، وإنتاج، وبيع واستخدام جميع منتجات التبغ التقليدية منها والحديثة، وما يستجد منها.
- شريعة الإسلام تؤكد علي الكرامة الإنسانية بشقيها الروحي والمادي:\"ولقد كرمنا بنى لآدم وحملناهم في البر والبحر، ورزقناهم من الطيبات، وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا\"(الإسراء: 70)، وهي تدل البشرية وتهديها للمعروف كل معروف، وتنهاها عن المنكر كل منكر، وتحضها علي التمتع بالطيبات كل الطيبات، وتجتنب الخبائث كل الخبائث، وتضع عنها أصرها وعنتها والأغلال التي عليها، فيتراجع شقائها، وتزداد سعادتها الحقيقية. إن المرجعية الإلهية للقيم والأخلاق لا تكون إلا في الإسلام، حيث تهيمن على شتى مناحي الحياة، بلا انفصام أو تعارض، أنموذجا تنويرا حقيقياً، وتبيانا شافياً، وتصحيحا وافياً لأزمة الإنسان المعاصر وشقائه(راجع مقال لكاتب هذه السطور: \"ماذا تكسب الإنسانية بنهوض المسلمين؟\"، مجلة الرابطة (رابطة العالم الإسلامي)، العدد: 472، رمضان 1426هـ، السعودية).: \"قد جاءكم رسولنا يبين لكم كثيرا مما كنتم تخفون من الكتاب، ويعفوا عن كثير، قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين\"(المائدة:15).
جملة القول
ويعتبر التدخين \"وباء العصر أو الطاعون البني\" من المشاكل الهامة والخطيرة التي ابتلي بها العالم، وهو يمثل تحدياً علي كافة المستويات أمام المجتمع البشري، بيد أن التحدي الأكبر:\"التوجه الإرادي للعقاب الداخلي، واختيار الموت \"!!. فلقد اهتمت دراسات بفحص العلاقة بين التدخين وقلق الموت.. فوجدت أن بين مجموعات المدخنين ارتباط جوهري سلبي بين قلق الموت وعدد السجائر التي يدخنها الشخص يوميا، كما أوضحت نتائج البحوث الميدانية علي طلاب جامعيين هنود أن المدخنين لديهم مستويات مرتفعة من قلق الموت، والتوجه نحو العقاب الداخلي مقارنة بغير المدخنين (راجع د. احمد محمد عبد الخالق : قلق الموت، عالم المعرفة، 111، مارس 1987م، ص 152-153)
بيد أن موضوع مكافحة التدخين قد تخطي حدود الدول، حيث الاتفاقات الدولية وتلك الصادرة عن منظمة الصحة العالمية، فليس هناك من محيص عن تدعيم برامج وسياسات مكافحة التدخين وإعطائها الأهمية التي تستحقها، ورعاية الأبحاث في أسبابه ونتائجه وتكلفته وخسائره المتشعبة. ويمكن لأعمال وسياسات جادة، قوية الرقابة، واضحة المعالم أن تضمن تحويل خسائر ومضار التدخين إلي مكاسب صحية وتعليمية واجتماعية وبيئية واقتصادية.. وقد آن أوان ذلك.
المصدر: دنيا الوطن