• ×
admin

المخدرات.. الجرعة الأولى بداية السقوط الخطير والنهاية المأساوية الحزينة

المخدرات.. الجرعة الأولى بداية السقوط الخطير والنهاية المأساوية الحزينة

د. عبد الله الزازان

رسالة لكل مدمن: اسأل نفسك ماذا تريد على وجه التحديد، فمهما كان ما ترغب فيه أو تطمح إليه فإن عليك أن تسأل نفسك لماذا أريد هذا؟ فالفرق بين قيامك بفعل ما بصورة سيئة أو ذكية، لا يعتمد على قدرتك بل على وضعية ذهنك في لحظة ما، فقد تكون متمتعًا بكل المواهب الممكنة، ولكن إذا غرقت في وضعيات سلوكية سلبية فسوف تأخذك إلى المتاهة المفزعة..

في عام 1990م نشرت مجلة لايف الأميركية مقالًا للكاتب الأميركي البرت جولدمان تحت عنوان (في أدنى لوئلي ستريت) يتناول فيه الكاتب علاقة المغني الأميركي المعروف ألفيس بريسلي بالمخدرات والنهاية المروعة التي أدت إلى مقتله بصورة تراجيدية مرعبة.. وهنا يتساءل الكاتب البرت كيف يقوم فنان لامع حظي بشهرة ونجومية عالمية وبملايين المعجبين والمعجبات بتدمير نفسه بهذه النهاية المأساوية الأليمة إنها المخدرات.

يصف البرت المشهد الأخير الذي قاد برسلي إلى النهاية المفجعة قائلاً: "كان بريسلي في العادة بعد نهاية ليلة صاخبة بالطرب المجهد وقبل أن يخلد إلى النوم العميق يقول لسكرتيره (أعطني جرعتي الأولى) عند ذلك يفتح سكرتيره الخاص ظرفًا يحتوي على أنواع من المخدرات والتي تمثل (الجرعة المعتادة) ثم يتبعها بثلاث حقن تحت لوح الكتف، وقبل أن ينام كان الشيف قد جهز له ثلاثة سندوتشات من التشيز برجر يأكلها إلى أن ينحني رأسه وبعد ذلك ينام أربع ساعات متواصلةً دون حراك ومن ثم يستيقظ ويعطى جرعته الثانية، والتي هي كمية من الحبوب المخدرة ويتبعها بالجرعة الثالثة وينام إلى ما بعد الظهر، وعندما يصحى يحشى أنفه برقع مغموسة بالكوكايين ومن ثم يتوجه إلى المسرح.. في الليلة التي مات فيها ألفيس بريسلي أخذ جرعاته كلها كاملة مرة واحدة وكانت فيها نهايته.. كانت ليلة مأساوية مفجعة ومروعة أصابت جمهوره بالحزن الصادم المرير".

أن تكون فريسة سهلة ضائعة للإدمان أمر حزين ومأساة أليمة فادحة وهذه هي الكارثة بعينها.

عناصر متجبرة في حياة ألفيس بريسلي، الاغتراب، الوهم، اليأس، البؤس، الفراغ، الاستغراق، العجز، الخوف، الخرافة، الأسطورة، الرفض، والانتحار، كفيلة بأن تقتل إنسانًا، وليست مع ذلك قوية بنفسها، وإنما تقوى بالإدمان وهذا هو المأساة.. الكثير من المشاهير ممن كانوا في قمة الشهرة لاقوا مصير ألفيس بريسلي فقد كتبوا نهاياتهم بأيديهم، كالكاتب الأميركي الشهير أرنست همنغواي 1899- 1961م، والشاعرة الأميركية سليفيا بلاث 1936 – 1962م وغيرهم من مشاهير الفن والرياضة الذين يلهثون وراء سراب خادع من المتعة.. فالنشوة التي يدفع لها حياة الإنسان ثمناً هي متعة زائفة.

لنحاول أن نقترب أكثر الى المشكل المحدد الذي نحن بصدده وهو قضية المخدرات لقد شغلت مشكلة المخدرات العالم نفسياً واقتصادياً وإنسانياً، حيث تمثل تهديداً خطيراً للمجتمعات الإنسانية واليوم أصبحت أكبر معضلة تواجه العالم ومن أخطر الظواهر الاجتماعية العالمية وأبرز مشكلات العصر الحديث.

حيث تؤكد مدرسة التحليل النفسي على أن الإدمان على المخدرات لا يتوقف تأثيره السلبي على الجانب النفسي والجسدي للمدمن فحسب بل يمتد الى الوسط الاجتماعي وتهدد أمن المجتمع.

وترجع نظرية التعليم الاجتماعي إلى أن تعاطي الشباب والفتياة للمخدرات ناتج من عدة أسباب من بينها: مخالطتهم للمدمنين والمدمنات، حيث يرون في هذا التصرف سلوكاً عادياً وشعوراً بالانتماء إلى هذه الجماعة الاجتماعية وتقليد سلوكها.. أو تعود إلى الارتباط العاطفي الذي يحدث بين الشباب أو اعتقادهم أنه وسيلة لإشباع النشوة والتخلص من حالة الملل والسأم والإحياط، وإن كان بعضهم يرجعها إلى تصورات اجتماعية خاطئة كالرجولة والشجاعة وحب التجريب.. فالإدمان حالة مرضية مزمنة ومشكلة كبرى تتطلب مواجهتها بكل الطرق.

والرسالة الضمنية لكل مدمن اسأل نفسك ماذا تريد على وجه التحديد، فمهما كان ما ترغب فيه أو تطمح إليه فإن عليك أن تسأل نفسك لماذا أريد هذا؟ فالفرق بين قيامك بفعل ما بصورة سيئة أو ذكية، لا يعتمد على قدرتك بل على وضعية ذهنك في لحظة ما فقد تكون متمتعًا بكل المواهب الممكنة، ولكن إذا غرقت في وضعيات سلوكية سلبية فسوف تأخذك إلى المتاهة المفزعة، فالوضعية التي تكون فيها في لحظة معينة هي التي تقرر إدراكك الحسي للواقع، وبالتالي تحدد قراراتك وسلوكك.

يقول أنتوني روبنز: "إن المفتاح الأساسي للحياة الصحيحة هو أن تكون لديك سبل عديدة لتوجيه حياتك، بحيث يصبح هذا فناً تتقنه"، والتحدي الذي يواجه بعض الشباب أن لديهم سبلاً قليلة لتغيير وضعياتهم، فهم يفرطون في الأكل، وفي النوم، وفي الاستهلاك، وفي ألعاب الفديو والتكنولوجيا والتدخين، وتناول العقاقير، والكحوليات وهي كلها أمور لا تمنح القوة والصحة ولكل منها له نتائج مأساوية وكارثية، وأننا لا نلحظ الخطر إلا بعد فوات الأوان، وهذا ما حدث لألفيس بريسلي، وهو ما يحدث مع الأسف كل يوم لكثير من الأشخاص.

تبدأ رحلة الانحدار عندما تبدأ تفقد السيطرة على حياتك لأنك إن لم تتحكم في حياتك، فلن تستطيع إدارة عقلك ومعناه أنك لست في الوضعية الصحيحة.. إننا حين نغير أنماط حياتنا يبدأ عقلنا في البحث عن أنماط بديلة، ولهذا السبب فإن الأشخاص الذين يكسرون نمط التدخين أو تعاطي العقاقير، فإن أذهانهم تبدأ في البحث عن متع صحية بديلة.

فقد أجرت الباحثة الأميركية نانسي مان دراسة إحصائية لتقييم مستوى إعادة التأهيل لدى متعاطي العقاقير وتبني سلوك بديل. المجموعة الأولى من الخاضعين للدراسة أجبرت على التوقف عن الإدمان عن طريق المحاكمة والسجن، ولكن هذه المجموعة عادت إلى الإدمان بمجرد خروجها من السجن.. أما المجموعة الثانية فقد توقفت عن تعاطي العقاقير من تلقاء نفسها، ولكن بعضها عاد إلى الإدمان بعد عامين.. المجموعة الثالثة استبدل أفرادها إدمانهم ببديل جديد، أوصلهم لشعور أفضل، حيث وجدوا البديل في علاقات اجتماعية، نوعية أو التدين أو مهارة ما، أو رحلات، أو موهبة ومهنة، يتعلقون بها عاطفيا، ولكن تذكر أن عقلك لا يستطيع التمييز بين شيء تتخيله أو شيء تمارسه، فهذا يتطلب أن تقرن المتعة بالتغيير، وليس بالإدمان، عندها سوف تشكل عالمًا صحياً لنفسك.

فتعاطي المخدرات مرض عقلي يؤدي إلى الهلوسة أو فقدان الذاكرة، أو الانتحار والموت المروع.

المخدرات في النهاية ليست فلسفة نشوة واستمتاع تؤمن بها وإنما نهاية كارثية مدمرة.

الرياض
بواسطة : admin
 0  0  97