• ×
admin

استثمروا في أبنائكم

استثمروا في أبنائكم

مساعد العصيمي

يقول المنطق: "إنه من السهولة أن تنجب، لكن ليس سهلاً أن تُربي من تنجب".. لذا بات التربية والاستثمار في الأبناء من أهم المقومات التي تصنع إنساناً مدركاً إيجابياً مفيداً لنفسه وعائلته ووطنه.

في زمننا الجاري ووسط التسارع الحياتي وسيطرة التقنية والانشغال الأكبر بالمسلّيات باتت "التربية المباشرة" للأبناء أقرب للاندثار وهو ما يهدد بناء الأسرة وينذر بأضعافها.. لنعترف أن ذلك يأتي من إهمال وعدم تحمل المسؤولية من قبل الوالدين، وهم يتخلون عن دورهم الرئيس في التربية والتوجيه وقبلها المتابعة للأبناء، وكأنهم لا يدركون بأنها تنطلق من سمو تربوي أكد عليه الرسول صلى الله عليه وسلم حين قال: "كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته".

الاهتمام بالأبناء أمانة أسرية واجتماعية وواجب أخلاقي تسأل عن تبعات التقصير به الأجيال، ولا لوم إلا على الوالدين إن أخفق الأبناء. نؤكد على ذلك ونحن وسط المعمعة المخلة بالتربية تلك التي تخضع لتسابق الفضائيات والتقنيات وما تحمله من إشعال فكري شبه كامل لكل أفراد الأسرة.. بل من خلال تنظيمات دولية تقودها دول تعبث حتى بالخلق وتشوهه عبر دعوات مخلة بالأخلاق تنشر الرذيلة والفكر المنحط بين الشباب بجنسيهما.. وهنا تحضر أهمية الأسرة والحاجة الماسة لها في التربية والتوجيه في هذا الزمان أكثر من السابق نظراً لما يخضع له الأبناء من هجوم فكري متواصل يحاول تشويه أفكارهم وتشويشها وغرس القيم الغريبة عن أصالتنا ومجتمعنا.

قد يكون لنمط الحياة المتسارع والكد والجهد من قبل الوالدين لتأمين الحياة المادية الكريمة لأبنائهم دوراً في الابتعاد عنهم.. قد يكون ذلك؟! لكن غرس القيم والتأسيس الأخلاقي المثالي هو ما نرمي إليه في ظل أن المجتمعات جميعها تعاني من إهمال الأبناء وتركهم لأصحاب التأثير عبر وسائل التواصل، بعيداً عن رقابة الوالدين الذين شغلتهم الدنيا حتى باتوا غير معنيين بهم.. وهنا لست ضد السعي وطلب الرزق، وآباؤنا وأجدادنا قد هاجروا عقوداً لطلبه، تاركين بلادهم وأهليهم وأبناءهم ولم تخرب المجتمعات ولم تتحلل! والرد على ذلك أننا ننشد التوازن، أما فيما يخص آباءنا فإنه حدث في زمن كان المجتمع يربي واتجاهه معروف ومحدد وللأقارب مسؤولية كما الأب تجاههم، أما الآن فالمسؤولية مناطة بوسائل التواصل الاجتماعي والأفكار الغريبة وما يستجد من إهمال نفسي وفكري.. لتكون رسالة الاستثمار في الأبناء الاستثمار الحقيقي بعدما وقفنا جميعاً على ما يهدد المنتج الفكري والعملي من لدن كثيرين من فرط ركضنا المحموم خلف الدنيا، ونسينا أننا نسينا الأهم.

هنا جدير ألا أكون مبالغاً إذا أشرت إلى أن الدراسات الموثقة التي تحلل أسباب انحراف الأبناء والبنات وفسادهم وانغماسهم في الموبقات أو الأفكار المتطرفة كان السبب الرئيس فيه غياب الوالدين وانشغالهم عنهم، ليجعلوا من تلك المساحة الفارغة لدى الأبناء تُملأ من قبل آخرين.. حتى لو كان الوالدان من أصحاب التفوق الفكري، ولعلنا لن نغفل من ذاكرتنا ومن خلال مجتمعنا أسماء لبعض الناجحين اقتصادياً وحكومياً ودعوياً، لكن أبناءهم عرفوا الخيبة والانحطاط من فرط أنهم لم يحظوا بالرعاية العائلية التي احتاجوها.. لنعلق دون أن نعرف أسباب ضياعهم إلى أن "النار ما تورث إلا الرماد" والحقيقة أن النار أكلت أبناءها من فرط أنانيتها لتجعل منهم رماداً!

المهم في القول ما اتفق عليه كل من على هذه الأرض عبر الحكمة الشهيرة: "إذا أردتَ أن تزرع لسنة فازرع قمحاً، وإذا أردتَ أن تزرع لعشر سنوات فازرع شجرة، وإذا أردتَ أن تزرع لمئة سنة فازرع إنساناً"،

لذا فالاستثمار في الأبناء لم يعد خياراً ولا رفاهية، بل أصبح مطلباً ضرورياً يتطلب الإفادة من عقول المستقبل في التنمية الاقتصادية والاجتماعية والرياضية والعلمية والفكرية والثقافية، والأهم لمن يبحث عن ربح أن هناك قناعة تامة أن الاستثمار في الأبناء له عائد اقتصادي كبير جداً على المدى الطويل.

الرياض
بواسطة : admin
 0  0  93