أرذل العمر
أرذل العمر
عادل الكلباني
الحفاظ على حياة منتظمة ومرتبة ومعدّة إعدادًا صحيحًا، ولا سيما وقد تيسر لنا ما لم يتيسر لمن مضوا من الإمكانات والأموال والرياضات والأدوات، نستطيع بها أن نوفق بين ديننا ودنيانا، ونعمل ونعد بذلك ما يقينا من "أرذل العمر" وليس ذلك إلا بعد عون الله وهدايته وتوفيقه..
الحياة السعيدة، والعافية، وانشراح الصدر، والغنى، والكمال النسبي في الإنسان هو ولا شك حلم وأمنية كل إنسان حي، وقد يشعر ويمر بذلك أكثر الناس في مراحل وأزمنة محددة من أعمارهم إعذارًا من الله لهم، وإقامةً للحجة في القدرة التكليفية على تحمل ما جاءت به الرسل ونزلت به الكتب، وقد جاء في التنزيل (أو لم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر). ولا بد لأغلب البشر أن يمر بهذه المرحلة "الذهبية" من العمر والتي قد لا تعوض، وفي الحديث: (اغتنم خمساً قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك)، رواه الحاكم وصححه.
وهذا الإرشاد النبوي متدرج ومرتب، فليس اغتنام شبابك فقط لسعي الآخرة وإن كان ذلك هو الأبقى، ولكن قرن الشباب صلى الله عليه وسلم بالهرم، وهو تنبيه للتزود للآخرة بقوة الشباب والاستعداد للهرم بتدبير الشباب، وإعداد حياتك بالنظر لمآلات الأمور، فإن الإنسان يخرج من بطن أمه لا يعلم شيئًا، ثم تتولاه رعاية الله بعطف والديه وتربيتهما له حتى يستقل بحياته، وعند ذلك يأتي وقت الاغتنام والإعداد للآخرة، فأيام العمر وخاصة الشباب تمر سريعاً، ولله در ابن كثير القائل:
تمر بنا الأيام تترى وإنما
نساقُ إلى الآجال والعين تنظرُ
فلا عائد ذاك الشباب الذي مضى
ولا زائل هذا المشيب المكدر
قال تعالى (والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئاً) فحين خرج الإنسان إلى الدنيا جاء وهو ضعيف لا علم له، فأعطي أدوات القوة والذكاء وكسب المال، (وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون)، ولكنه عما قريب سيعود إلى ذلك الضعف) ومنكم من يرد إلى أرذل العمر لكي لا يعلم بعد علم شيئاً).
فها هي مراحل الإنسان، كم هي محزنة ومبكية حين لا يستغلها العبد استغلالاً صحيحًا مرتبًا ومنضبطًا ومكرمًا للحياة التي وهبها الله إياه.
وتنبَّه إلى أن الرد إلى أرذل العمر لم يأتِ معممًا على كل إنسان، بل بعّضه بقوله (ومنكم من يرد إلى أرذل العمر)وهذا يعني أن بعض الناس هم من يدخل في مرحلة أرذل العمر، وهي مرحلة العودة إلى محاكاة الطفولة ضعفًا وجهلاً وحاجةً، وقد كان نبينا صلى الله عليه وآله وسلم يتعوذ من هذه العودة، ففي دعائه: (اللهم إني أعوذ بك من البخل، وأعوذ بك من الجبن، وأعوذ بك أن أرد إلى أرذل العمر، وأعوذ بك من فتنة الدنيا، وأعوذ بك من عذاب القبر). فمات صلى الله عليه وآله وسلم وهو محفوظ العقل والبدن، ولم يكن ذلك الحفظ إلا ثمرة لاغتنام العمر بعد توفيق الله وهدايته، ولذلك يروى عن كثير من العباد والزهاد والصالحين احتفاظه بقوته وشبابه وعقله وهو قد جاوز التسعين أو المئة من السنين، كما يروى عن أحدهم أنه وثب من أعلى السفينة إلى اليابسة وشق فعل ذلك على طلابه، فسئل عن ذلك فقال: "تلك أعضاء حفظناها في الصغر فحفظها الله لنا في الكبر"، وهذا يعطينا أهمية الحفاظ على حياة منتظمة ومرتبة ومعدّة إعدادًا صحيحًا، ولا سيما وقد تيسر لنا ما لم يتيسر لمن مضوا من الإمكانات والأموال والرياضات والأدوات، نستطيع بها أن نوفق بين ديننا ودنيانا، ونعمل ونعد بذلك ما يقينا من "أرذل العمر" وليس ذلك إلا بعد عون الله وهدايته وتوفيقه ودوام دعائه "وأعوذ بك اللهم من أن أرد إلى أرذل العمر". هذا، والله من وراء القصد.
الرياض
عادل الكلباني
الحفاظ على حياة منتظمة ومرتبة ومعدّة إعدادًا صحيحًا، ولا سيما وقد تيسر لنا ما لم يتيسر لمن مضوا من الإمكانات والأموال والرياضات والأدوات، نستطيع بها أن نوفق بين ديننا ودنيانا، ونعمل ونعد بذلك ما يقينا من "أرذل العمر" وليس ذلك إلا بعد عون الله وهدايته وتوفيقه..
الحياة السعيدة، والعافية، وانشراح الصدر، والغنى، والكمال النسبي في الإنسان هو ولا شك حلم وأمنية كل إنسان حي، وقد يشعر ويمر بذلك أكثر الناس في مراحل وأزمنة محددة من أعمارهم إعذارًا من الله لهم، وإقامةً للحجة في القدرة التكليفية على تحمل ما جاءت به الرسل ونزلت به الكتب، وقد جاء في التنزيل (أو لم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر). ولا بد لأغلب البشر أن يمر بهذه المرحلة "الذهبية" من العمر والتي قد لا تعوض، وفي الحديث: (اغتنم خمساً قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك)، رواه الحاكم وصححه.
وهذا الإرشاد النبوي متدرج ومرتب، فليس اغتنام شبابك فقط لسعي الآخرة وإن كان ذلك هو الأبقى، ولكن قرن الشباب صلى الله عليه وسلم بالهرم، وهو تنبيه للتزود للآخرة بقوة الشباب والاستعداد للهرم بتدبير الشباب، وإعداد حياتك بالنظر لمآلات الأمور، فإن الإنسان يخرج من بطن أمه لا يعلم شيئًا، ثم تتولاه رعاية الله بعطف والديه وتربيتهما له حتى يستقل بحياته، وعند ذلك يأتي وقت الاغتنام والإعداد للآخرة، فأيام العمر وخاصة الشباب تمر سريعاً، ولله در ابن كثير القائل:
تمر بنا الأيام تترى وإنما
نساقُ إلى الآجال والعين تنظرُ
فلا عائد ذاك الشباب الذي مضى
ولا زائل هذا المشيب المكدر
قال تعالى (والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئاً) فحين خرج الإنسان إلى الدنيا جاء وهو ضعيف لا علم له، فأعطي أدوات القوة والذكاء وكسب المال، (وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون)، ولكنه عما قريب سيعود إلى ذلك الضعف) ومنكم من يرد إلى أرذل العمر لكي لا يعلم بعد علم شيئاً).
فها هي مراحل الإنسان، كم هي محزنة ومبكية حين لا يستغلها العبد استغلالاً صحيحًا مرتبًا ومنضبطًا ومكرمًا للحياة التي وهبها الله إياه.
وتنبَّه إلى أن الرد إلى أرذل العمر لم يأتِ معممًا على كل إنسان، بل بعّضه بقوله (ومنكم من يرد إلى أرذل العمر)وهذا يعني أن بعض الناس هم من يدخل في مرحلة أرذل العمر، وهي مرحلة العودة إلى محاكاة الطفولة ضعفًا وجهلاً وحاجةً، وقد كان نبينا صلى الله عليه وآله وسلم يتعوذ من هذه العودة، ففي دعائه: (اللهم إني أعوذ بك من البخل، وأعوذ بك من الجبن، وأعوذ بك أن أرد إلى أرذل العمر، وأعوذ بك من فتنة الدنيا، وأعوذ بك من عذاب القبر). فمات صلى الله عليه وآله وسلم وهو محفوظ العقل والبدن، ولم يكن ذلك الحفظ إلا ثمرة لاغتنام العمر بعد توفيق الله وهدايته، ولذلك يروى عن كثير من العباد والزهاد والصالحين احتفاظه بقوته وشبابه وعقله وهو قد جاوز التسعين أو المئة من السنين، كما يروى عن أحدهم أنه وثب من أعلى السفينة إلى اليابسة وشق فعل ذلك على طلابه، فسئل عن ذلك فقال: "تلك أعضاء حفظناها في الصغر فحفظها الله لنا في الكبر"، وهذا يعطينا أهمية الحفاظ على حياة منتظمة ومرتبة ومعدّة إعدادًا صحيحًا، ولا سيما وقد تيسر لنا ما لم يتيسر لمن مضوا من الإمكانات والأموال والرياضات والأدوات، نستطيع بها أن نوفق بين ديننا ودنيانا، ونعمل ونعد بذلك ما يقينا من "أرذل العمر" وليس ذلك إلا بعد عون الله وهدايته وتوفيقه ودوام دعائه "وأعوذ بك اللهم من أن أرد إلى أرذل العمر". هذا، والله من وراء القصد.
الرياض